tgoop.com/maajls/20
Last Update:
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٢٨ إلى ٣٩
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فلما انقضى الحديث عن صفات الفاسقين والشناعة على الذين ينقضون عهد الله، وذم الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، قال تعالى:
{كَیۡفَ تَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمۡ أَمۡوَ ٰتࣰا فَأَحۡیَـٰكُمۡۖ ثُمَّ یُمِیتُكُمۡ ثُمَّ یُحۡیِیكُمۡ ثُمَّ إِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ (٢٨) هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ لَكُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ}
فجاء الاستفهام يستنكر على الكفار كفر المنعم سبحانه، المحيي المميت الذي خلق الأرض؟
فإنه لقبيح في أحوال الناس أن يقابل الإحسان بضده، وألا يشكر من أعطى وأجرم، فكيف بالخالق جل في علاه؟
ثم إنه سبحانه عظّم النعمة؛ فبين أن ما في الأرض مسخر للبشر، وهذه زيادة في الإفضال، فإن النعمة التي تعد لمعين، والكرامة التي ترصد من أجله، ليست كالإكرام الذي يناله الشخص دون أن يكون مقصودا به!
فكيف يكفر من يكرم بذلك؟
وقوله سبحانه: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰۤ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾.
اﻻﺳﺘﻮاء: ﻫﻮ اﻟﻌﻠﻮ، واﻻﺭﺗﻔﺎﻉ، فعلا ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻭاﺭﺗﻔﻊ، ﻓﺪﺑﺮﻫﻦّ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻭﺧﻠﻘﻬﻦّ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﻮاﺕ.
وهذا متصل بذكر صفات المستحق للعبادة، وهو ينبي أن بناء الكون وانتظام شأنه له تعلق بانتظام الأرض، وتسخيرها لبني آدم، وأن الكون قد بناه الله ملتئمًا مع بعضه، متسقًا من طرفه إلى طرفه، بحيث لا يمكن أن يقع الخلل في جزء إلا أثر في باقيه، لأنه بناء واحد، وهذا الذي تدل عليه البحوث المعاصرة في علاقة الكواكب والمجرات ببعضها.
ثم لما ذكر الله تسخير الأرض، نبه إلى النعمة الخلق الأول، التي امتن الله بها على آدم وذريته، ووذكّر بنعمة الإكرام الذي أكرمه به باستخلافه في الأرض.
فانتقل الحديث من المسخّر إلى المسخر له، ومن خلق الأرض إلى خلق ساكن الأرض والخليفة فيها، ونبأ استخلافه في الأرض.
وقصة آدم متكررة في القرآن، ولكن قد جاء في هذا السياق زيادة على ما فيه غيرها من السور، فجاء الحديث عن كلام الله للملائكة في شأن استخلاف آدم، وما استفهمت به الملائكة من ربها.
وهذا يدل على أنّ لهذا الشأن وهذا القدر من القصة نبأ في هذه السورة وتعلقًا بمقاصدها.
وهنا باب كريم من أبواب التدبر، أن ينظر قارئ القرآن ما اختصت به السورة من خبر أو لفظ أو أسلوب، فإنّ له تعلقًا بمقاصدها ومواضيعها، فلينظره وليتأمله.
وقد ذكرت بعض التفصيل لذلك في كتابي (قرآنية التزكية)، وذكرت أن من حسن قراءة القرآن أن يتنبه القارئ لما تختص به السور، ثم يوظف ذلك في فهمه للسورة واستنباطه منها.
ثم إنه قد سبق معنا أن سورة البقرة هي سورة الحديث عن الاستجابة لأمر الله، والأخذ بالشريعة، وهي سورة (سمعنا وأطعنا)، والنعي على من قال: سمعنا وعصينا، وهنا فإن للاستخلاف ارتباطًا بذلك، فإنّ الاستخلاف هو جعل يقوم بأمر الله في الأرض، ويحقق التوحيد فيها.
ﻭهذه القصة هي أول قصة تلقاك في القرآن، وترتيب القرآن ترتيب توقيفي، وهي القصة الأولى في تاريخ الصراع بين أهل الحق من آدم وذريته وبين أهل الباطل، ولعل ترتيبها قد وقع على هذا النحو موافقًا لترتيبها الزمني، فلما كانت القصة تذكر أول ما وقع لآدم عند خلقه، وتذكر أول وسوسة وقعت له، وأول معصية، وأول توبة واستجابة لأمر الله، ناسب أن تكون أول قصة يأتي خبرها في القر آن.
هذه القصة من سورة البقرة تعلمنا وجوب استحضار العداوة، العداوة مع الباطل وأهله، واستشعار عداوة إبليس فرض قال الله فيه: ﴿إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمۡ عَدُوࣱّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا یَدۡعُوا۟ حِزۡبَهُۥ لِیَكُونُوا۟ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ﴾.
والصراع مع الشيطان صراع يأخذ جميع صورة الصراع القتالية، فقال الله عن إبليس: ﴿وَأَجۡلِبۡ عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ﴾.
قال قتادة: خيل وجند من الجن.
وقال تعالى: ﴿فَكُبۡكِبُوا۟ فِیهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبۡلِیسَ أَجۡمَعُونَ﴾.
وفي سنن أبي داود عن علي قال ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺒﺮ اﻟﻜﻮﻓﺔ: "ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻏﺪﺕ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ براﻳﺎتها ﺇﻟﻰ اﻷﺳﻮاﻕ، ﻓﻴﺮﻣﻮﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺑﻴﺚ -ﺃﻭ اﻟﺮﺑﺎﺋﺚ- ﻭﻳﺜﺒﻄﻮﻧﻬﻢ ﻋﻦ اﻟﺠﻤﻌﺔ".
وفي مسلم ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻳﻀﻊ ﻋﺮﺷﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء، ﺛﻢ ﻳﺒﻌﺚ ﺳﺮاﻳﺎﻩ، ﻓﺄﺩﻧﺎﻫﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺃﻋﻈﻤﻬﻢ ﻓﺘﻨﺔ».
وعند الطبراني والحاكم، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ اﻟﻨﻈﺮﺓ ﺳﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻬﺎﻡ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻣﺴﻤﻮﻡ، ﻣﻦ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻣﺨﺎﻓﺘﻲ ﺃﺑﺪﻟﺘﻪ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎ ﻳﺠﺪ ﺣﻼﻭﺗﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ».
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/20