tgoop.com/maajls/3
Last Update:
.
﷽
سورة الفاتحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في البخاري ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﻠﻰ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻠﻲ، ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺒﻪ، ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻠﻲ، ﻗﺎﻝ: " ﺃﻟﻢ ﻳﻘﻞ اﻟﻠﻪ: اﺳﺘﺠﻴﺒﻮا ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﺇﺫا ﺩﻋﺎﻛﻢ؟ "، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: «ﺃﻻ ﺃﻋﻠﻤﻚ ﺃﻋﻈﻢ ﺳﻮﺭﺓ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ»، ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻱ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺃﻥ ﻧﺨﺮﺝ، ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻚ ﻗﻠﺖ: «ﻷﻋﻠﻤﻨﻚ ﺃﻋﻈﻢ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ» ﻗﺎﻝ: «اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻫﻲ اﻟﺴﺒﻊ اﻟﻤﺜﺎﻧﻲ، ﻭاﻟﻘﺮﺁﻥ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻭﺗﻴﺘﻪ».
فلماذا كانت سورة الفاتحة بهذه المنزلة؟
وماذا فيها من النور والهدى الذي بلغ أن تكون بهذه الرتبة؟
لقد كانت سورة الفاتحة بهذه المنزلة لأنها سورة المناجاة!
لأنها سورة الثناء على الله!
لأنها السورة التي اجتمع فيها دعاء العبادة، ودعاء المسألة، وإذا اجتمعا في دعاء كان أفضل الدعاء.
فإن الدعاء دعاءان: دعاء عبادة وثناء، ودعاء مسألة وطلب.
ومن طيب عادات البلغاء أنهم إذا أرادوا أمرا قدموا بين يدي سؤالهم بالثناء، ﻗﺎﻝ ﺃﻣﻴﺔ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺼﻠﺖ ﻳﻤﺪﺡ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺟﺪﻋﺎﻥ:
ﺃﺃﺫﻛﺮ ﺣﺎﺟﺘﻲ ﺃﻡ ﻗﺪ ﻛﻔﺎﻧﻲ •• ﺣﻴﺎﺅﻙ ﺇﻥ ﺷﻴﻤﺘﻚ اﻟﺤﻴﺎء!
ﺇﺫا ﺃﺛﻨﻰ ﻋﻠﻴﻚ اﻟﻤﺮء ﻳﻮﻣﺎ •• ﻛﻔﺎﻩ ﻋﻦ ﺗﻌﺮﺿﻪ اﻟﺜﻨﺎء!
ﻭﻗﺪ ﻟﻘﺒﺖ ﺧﻄﺒﺔ ﺯﻳﺎﺩ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﺘﻲ ﺧﻄﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ ﺑﺎﻟﺒﺘﺮاء؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﺘﺘﺤﻬﺎ ﺑاﻟﺤﻤﺪ.
وسورة الفاتحة هي سورة اﻟﺤﻤﺪ!
والحمد هو اﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ الوصف اﻟﺠﻤﻴﻞ، ولذا فاﻟﻤﺪﺡ ﺃﻋﻢ ﻣﻦ اﻟﺤﻤﺪ، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻮﺻﻒ اﻻﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﻭﻏﻴﺮﻩ.
والحمد عبادة عظيمة، وروي في الترمذي عن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻓﻀﻞ اﻟﺬﻛﺮ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻓﻀﻞ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ.
وفي صحيح مسلم عن أبي مالك: "ﻭاﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺗﻤﻸ اﻟﻤﻴﺰاﻥ".
وفي مسلم ﻋﻦ ﺃﻧﺲ، ﺃﻥ ﺭﺟﻼ ﺟﺎء ﻓﺪﺧﻞ اﻟﺼﻒ ﻭﻗﺪ ﺣﻔﺰﻩ اﻟﻨﻔﺲ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺣﻤﺪا ﻛﺜﻴﺮا ﻃﻴﺒﺎ ﻣﺒﺎﺭﻛﺎ ﻓﻴﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺻﻼﺗﻪ ﻗﺎﻝ: «ﺃﻳﻜﻢ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺎﺕ؟» ﻓﺄﺭﻡ اﻟﻘﻮﻡ، ﻓﻘﺎﻝ: «ﺃﻳﻜﻢ اﻟﻤﺘﻜﻠﻢ ﺑﻬﺎ؟ ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺑﺄﺳﺎ» ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ: ﺟﺌﺖ ﻭﻗﺪ ﺣﻔﺰﻧﻲ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻘﻠﺘﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: «ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﺖ اﺛﻨﻲ ﻋﺸﺮ ﻣﻠﻜﺎ ﻳﺒﺘﺪﺭﻭﻧﻬﺎ، ﺃﻳﻬﻢ ﻳﺮﻓﻌﻬﺎ».
بل قد روي أن الملائكة صعب عليهم كتابتها، ففي ﺳﻨﻦ اﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ- ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ- ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺣﺪﺛﻬﻢ ﺃﻥ ﻋﺒﺪ ًا ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: «ﻳﺎ ﺭﺏ ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺠﻼﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﻋﻈﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ»، ﻓﻌﻀﻠﺖ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ ﻓﻠﻢ ﻳﺪﺭﻳﺎ ﻛﻴﻒ ﻳﻜﺘﺒﺎﻧﻬﺎ!
ﻓﺼﻌﺪا ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺎﻻ: ﻳﺎ ربنا، ﺇﻥ ﻋﺒﺪا ﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﻻ ﻧﺪﺭﻱ ﻛﻴﻒ ﻧﻜﺘﺒﻬﺎ!
ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ- ﻭﻫﻮ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪﻩ-: «ﻭﻣﺎ اﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪﻱ»؟
ﻗﺎﻻ: ﻳﺎ ﺭﺏ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﻟﻚ اﻟﺤﻤﺪ ﻳﺎ ﺭﺏ ﻛﻤﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﺠﻼﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﻋﻈﻴﻢ ﺳﻠﻄﺎﻧﻚ!
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﻤﺎ: «اﻛﺘﺒﺎﻫﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪﻱ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﺎﻧﻲ ﻓﺄﺟﺰﻳﻪ ﺑﻬﺎ».
وستجد أن كثيرا من أذكار المسلم في يومه وليلته مضمّن للحمد.
كأذكار الصلاة وذكر العطس والفراغ من الطعام والإيواء للفراش والاستيقاظ من النوم وكثير من أذكار المساء والركوب وغيرها.
وسورة الفاتحة تنزل من باقي السور منزلة ديباجة القرآن وكالمقدمة له، وشأن المقدمة الإيجاز مع بيان المقصود بغاية ما يكون البيان وأوفاه، مع ﺑﺮاﻋﺔ اﻻﺳﺘﻬﻼﻝ، ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﻀﻤﻨﺘﻪ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﻣﻘﺎﺻﺪ اﻟﻘﺮﺁﻥ.
ولذا كان الواجب الانتباه لمقاصدها ومواعظها.
وسورة الفاتحة -كما يقول ابن القيم- هي السورة التي تضمنت اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﻤﻌﺒﻮﺩ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ بالأسماء التي هي ﻣﺮﺟﻊ اﻷﺳﻤﺎء اﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭاﻟﺼﻔﺎﺕ اﻟﻌﻠﻴﺎ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻭﻫﻲ: اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﺮﺏ، ﻭاﻟﺮﺣﻤﻦ.
ومثل على ذلك بتعلق الآيات بهذه الأسماء، فإن {ﺇﻳﺎﻙ ﻧﻌﺒﺪ}، ﻣﺒﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻹﻟﻬﻴﺔ.
و {ﺇﻳﺎﻙ ﻧﺴﺘﻌﻴﻦ}، مبني ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ.
و {اهدنا الصراط المستقيم}، متعلق ﺑﺼﻔﺔ اﻟﺮﺣﻤﺔ، فإنما تطلب الهداية برحمته سبحانه.
وسورة الفاتحة هي سورة التزكية الإيمانية، بنفي عبادة غير الله (إياك نعبد).
ونفي عبادة النفس! (إياك نستعين).
وهي السورة التي تعلّم المؤمن الافتقار لربه، فإن اعتراف العبد بأن استعانته لا تكون إلا بالله دليل الافتقار.
ولابد للعبد من اعتصامين، الاعتصام بحبل الله، فهو {إياك نعبد}.
والاعتصام بالله، وهو إياك {نستعين}.
وأيضا فإن تكرر طلب الهداية من الهادي سبحانه اعتراف بالحاجة والفقر إلى الله.
وقد وقع الاقتران بين العبادة والاستعانة في نحو سبعة مواضع في القرآن، كهذا الموضع، وكقوله تعالى: {فاعبده وتوكل عليه}، وكقوله: {عليه توكلت وإليه أنيب}.
والناس مع إياك نعبد وإياك نستعين على أربعة أقسام:
أهل عبادة واستعانة، وهؤلاء هم أولياء الله.
وأهل عبادة مع نقص في الاستعانة، وهذا قد يوجد في بعض المتفقهة، ومن ظاهره النسك والاستقامة، وهؤلاء كثيرًا من يبتلون بالعجب والعجز والجزع.
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/3