tgoop.com/maajls/45
Last Update:
.
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٦٢ إلى آية ٧٤
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما عدّد الله بعض ما منّ به على بني إسرائيل من النعم، وقرّرهم على عدم شكرها، وأنبهم على تباطئهم في الأوامر الشرعية، جاء بيان رحمة الله لهم، وأن باب اﻟﻠﻪ ﻣﻔﺘﻮﺡ ﻟﻬﻢ، وأن الإيمان والعمل الصالح لا خوف على أصحابه، ولا هم يحزنون.
{إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ}.
ولما كان السياق الماضي كله في تأنيب اليهود، وذمهم والحط عليهم؛ جاءت هذه الآية تخبرهم أن باب التوبة لم يغلق، وأن رحمة الله واسعة، وأن عنده لمن آمن أجر عظيم، وناسب أن يقرن معهم ﺑﻘﻴﺔ اﻷﻣﻢ ﺗﺄﻧﻴﺴﺎ لهم من العذل الشديد الذي سبق.
لأنه مع كثرة توليهم فقد كان فيهم صالحون، وكان فيهم من استجاب لأمر الله ورسوله، فﻟﺪﻓﻊ ما قد يظن أن الذم شامل لكل أفراد اليهود، جاء مثل ذلك.
فجمع نظم الآيات بين الترهيب والترغيب، والبشارة والنذارة.
والنصارى سموا بذلك نسبة إلى قرية عيسى وأمه الناصرة، فعن ﻗﺘﺎﺩﺓ، ﻗﺎﻝ: "ﺇﻧﻤﺎ ﺳﻤﻮا ﻧﺼﺎﺭﻯ ﻷﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﻧﺎﺻﺮﺓ ﻳﻨﺰﻟﻬﺎ ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ، ﻓﻬﻮ اﺳﻢ ﺗﺴﻤﻮا ﺑﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﺆﻣﺮﻭا ﺑﻪ".
وأما الصابئون فهم الخارجون، أي الذين خرجوا من دين لآخر، وقد كانوا في العراق، وكانوا يقولون ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻋﻤﻞ ﻭﻻ ﻛﺘﺎﺏ ﻭﻻ ﻧﺒﻲ ﺇﻻ ﻗﻮﻝ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ.
ﻭﻗﺪ اﺳﺘﺸﻜﻞ ﺫﻛﺮ اﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮا ﻓﻲ ﻋﺪاﺩ ﻫﺆﻻء، مع ﻗﻮﻟﻪ: ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ، مع أنهم ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ، ولعل ذلك لأنه قد قال: وعملوا الصالحات.
ﻭاﻟﻤﺨﻠﺼﻮﻥ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺇﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﺣﺎﺻﻼ ﻓﻘﺪ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺼﺎﻟﺢ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺇﻳﻤﺎﻥ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻭاﻟﺼﺎﺑﺌﻴﻦ، فالإيمان ﺑﻤﺤﻤﺪ ﷺ، ﻭﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ، ﻓﻤﻦ ﻳﺆﻣﻦ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻤﺤﻤﺪ، ﻭﺑﻤﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ ﻭاﻟﻴﻮﻡ اﻵﺧﺮ، ﻭﻳﻌﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺪﻝ ﻭﻟﻢ ﻳﻐﻴﺮ، ﺣﺘﻰ ﺗﻮﻓﻲ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻓﻠﻪ ﺛﻮاﺏ ﻋﻤﻠﻪ ﻭﺃﺟﺮﻩ ﻋﻨﺪ ﺭﺑﻪ.
وقال: {عند ربهم} للدلالة ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭاﻟﺮﺿﻰ.
وإن من العجب أن يأتي من يجعل هذه الآية دليلًا على نجاة اليهود والنصارى دون دخول في الإسلام.
فإن الآية جاءت في سياق ذم اليهود، والعذل لهم!
فهل يمكن أن تدل على أنهم من الناجين وإن لم يومنوا بشريعة محمد ﷺ؟
فلماذا جاء الذم لهم إذن؟
ولهذا لم تشتبه الآية على أحد من المنتسبين لأمة محمد ﷺ.
وليس في تاريخ الفرق واهل البدع من أهل القبلة من اعتقد في الآية أنها دليل على تصحيح دين اليهود والنصارى بعد بعثة محمد ﷺ!
والقول بأن هذه الآية تدل على نجاة اليهود والنصارى والصابئين وإن لم يؤمنوا بدين الإسلام، ويتبعوا محمدا ﷺ زندقة ظاهرة، وليست من أقوال المسلمين سنيهم وبدعيهم، والله المستعان.
ثم عاد السياق يخبر عن الوقائع التي وقعت لبني إسرائيل، فذكر ما أخذ عليهم من ميثاق، وهيئة أخذ الميثاق.
{وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱذۡكُرُوا۟ مَا فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَۖ فَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ}.
استعمل ضمائر اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻟﺘﺤﻤﻴﻞ اﻟﺨﻠﻒ ﺗﺒﻌﺎﺕ اﻟﺴﻠﻒ!
فقال: ميثاقكم - فوقكم - آتيناكم.
والميثاق: اﻟﻤﻔﻌﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﻴﻘﺔ ﺇﻣﺎ ﺑﻴﻤﻴﻦ، ﻭﺇﻣﺎ ﺑﻌﻬﺪ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ.
وقد أخبر القرآن عن بعض اﻟﻤﻴﺜﺎﻕ اﻟﺬﻱ أخذ على بني إسرائيل: {ﻭﺇﺫ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﺑﻨﻲ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻻ ﺗﻌﺒﺪﻭﻥ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺑﺎﻟﻮاﻟﺪﻳﻦ ﺇﺣﺴﺎﻧﺎ}.
ﻭاﺫﻛﺮﻭا ﻓﻴﻤﺎ ﺁﺗﻴﻨﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺑﻨﺎ ﻣﻦ ﻭﻋﺪ ﻭﻭﻋﻴﺪ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﺗﺮﻏﻴﺐ ﻭﺗﺮﻫﻴﺐ، ﻓﺎﺗﻠﻮﻩ ﻭاﻋﺘﺒﺮﻭا ﺑﻪ ﻭﺗﺪﺑﺮﻭﻩ ﺇﺫا ﻓﻌﻠﺘﻢ ﺫﻟﻚ ﻛﻲ ﺗﺘﻘﻮا
{ورفعنا فوقكم الطور}.
وقد أخبر الله في الأعراف عن هذه الحادثة فقال:
{ﻭﺇﺫ ﻧﺘﻘﻨﺎ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻮﻗﻬﻢ ﻛﺄﻧﻪ ﻇﻠﺔ ﻭﻇﻨﻮا ﺃﻧﻪ ﻭاﻗﻊ ﺑﻬﻢ ﺧﺬﻭا ﻣﺎ ﺁﺗﻴﻨﺎﻛﻢ ﺑﻘﻮﺓ ﻭاﺫﻛﺮﻭا ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺘﻘﻮﻥ}
فاقتلع اﻟﺠﺒﻞ، فرفعه فوقهم، ﻛﺄﻧﻪ ﻇﻠﺔ ﻏﻤﺎﻡ ﻣﻦ اﻟﻈﻼﻡ، وقال لهم: ﺧﺬﻭا ﻣﺎ ﺁﺗﻴﻨﺎﻛﻢ ﺑﻘﻮﺓ ﻣﻦ ﻓﺮاﺋﻀﻨﺎ!
قال اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻗﺎﻝ: " ﺇﻧﻲ ﻷﻋﻠﻢ ﺧﻠﻖ اﻟﻠﻪ ﻷﻱ ﺷﻲء ﺳﺠﺪﺕ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻑ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ، ﻟﻤﺎ ﺭﻓﻊ اﻟﺠﺒﻞ ﻓﻮﻗﻬﻢ ﺳﺠﺪﻭا ﻭﺟﻌﻠﻮا ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﺒﻞ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺳﺠﺪﺓ ﺭﺿﻴﻬﺎ اﻟﻠﻪ، ﻓﺎﺗﺨﺬﻭﻫﺎ ﺳﻨﺔ".
فردّوا الكرامة، وتولّوا!
ولكن تأمل قوله تعالى: {فَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ}، فالله ﷻ الرحيم يرحمهم، ويتفضل عليهم، وهذا صنعه بالمتولي العاصي، فكيف بالطائع المقبل؟
{وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِینَ ٱعۡتَدَوۡا۟ مِنكُمۡ فِی ٱلسَّبۡتِ فَقُلۡنَا لَهُمۡ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَـٰسِـِٔینَ فَجَعَلۡنَـٰهَا نَكَـٰلࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهَا وَمَا خَلۡفَهَا وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ}.
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/45