tgoop.com/maajls/62
Last Update:
.
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ٨٣ - إلى آية ٨٦
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
لما ذكر الله سبب عدم إيمان أهل الكتاب برسالة النبي ﷺ، وذكر استبعاد إيمانهم، حتى لا يطمع فيه النبي ﷺ وصحابته.
وذكر تحريف علمائهم للشريعة، وجهل عامتهم، جاء الحديث عن تعطيل الشريعة مع العلم وعدم الجهل:
فهم بين شرع محرف، وشرع لم يخرفوه ولكن تركوه وعطلوه.
فذكر ترك بني إسرائيل للميثاق ونقضهم للعهد.
فقال: {وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَانࣰا وَذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَقُولُوا۟ لِلنَّاسِ حُسۡنࣰا وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ثُمَّ تَوَلَّیۡتُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنكُمۡ وَأَنتُم مُّعۡرِضُونَ}.
وهذه من العبادات والشعائر التي أجمعت عليها الشرائع.
فذكّرهم بما أنزل عليهم من الشرائع، وأنّبهم إذ أعرضوا عنها.
وأيضًا من تقريرهم على مقابلة نعم الله عليهم بالكفران، فإن من أعظم النعم نعمة إنزال الأحكام الشرعية، ولذا قال تعالى عن حكم مضارة الزوجة وتعليقها بغير إمساكها ولا تطليقها:
{وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوۤا۟ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُوࣰاۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ یَعِظُكُم بِهِ}.
وقد اشتمل الميثاق على حق الله وحق الخلق، وأعظم الخلق حقا الوالدان.
فأمر بالتوحيد وبر الوالدين والإحسان بالكلمة الطيبة.
ﻭاﻟﺪﻳﻦ ﻫﻮ اﻷﺩﺏ ﻣﻊ اﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭاﻟﺨﻠﻖ
وقد ﺫﻛﺮ الله هنا من له الحق ﻣﺮﺗﺒﺎ اﻷﺣﻖ ﻓﺎﻷﺣﻖ.
فالوالدان أولى من غيرهما، والأقارب أولى، واليتيم أولى من المسكين.
وقوله: {وقولوا للناس حسنا}، أي أن يخاطبوهم بطيب الكلام، وأن يأمروهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.
فعن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ قال: "مروهم ﺑﻼ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ"،
وقال ﺳﻔﻴﺎﻥ اﻟﺜﻮﺭﻱ، ﻳﻘﻮﻝ: "ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {ﻭﻗﻮﻟﻮا ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺣﺴﻨﺎ}، ﻣﺮﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭاﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻜﺮ".
ﻭقد ﺟﻌﻞ اﻹﺣﺴﺎﻥ ﻟﺴﺎﺋﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ، ولم يجعله بالفعل، ﻷﻧﻪ اﻟﻘﺪﺭ اﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻪ.
وأما الوالدان والأقربون واليتامى والمساكن فأمر بالإحسان العملي لهم، لتأكد حقهم، ولدخوله تحت قدرة المكلف.
وإنّ من العجب أن يؤخذ الميثاق على القول الحسن!
فحسن الكلام بلغ مبلغا في الشرائع أن يؤخذ عليه الميثاق.
وأخذ الميثاق يدل على وجوب ذلك العمل، فهو واجب في شريعتهم، ولابد أن تكون شريعتنا أولى، لأنها الشريعة الكاملة، فكل حسن في الشرائع الماضية فهو أكمل في شريعتنا.
فالأخذ بالكلمة الطيبة، وترك البذاء والسباب من الواجبات، وفي الترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «اﻟﺤﻴﺎء ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭاﻹﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ، ﻭاﻟﺒﺬاء ﻣﻦ اﻟﺠﻔﺎء، ﻭاﻟﺠﻔﺎء ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺭ».
والمقصود وجوب جنس القول الحسن، وليس كل أفراد القول الحسن، لأن القيام بتفاصيل القول الحسن لكل معاملة لا يتصور فرضها على الناس.
وفي قوله تعالى: {ثم توليتم}، ﺃﺷﺎﺭ ﺑﺼﻴﻐﺔ (اﻟﺘﻔﻌﻞ: تولى)، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻷﻣﻮﺭ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺤﺴﻨﻬﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻌﻼﺝ ومجاهدة ومضادة ﺑﻴﻦ اﻟﻔﻄﺮﺓ والنفس اﻷﻣﺎﺭة.
وقد انتقل الخطاب من الغيبة إلى المخاطب لعظم الصنيع:
{ﺛﻢ ﺗﻮﻟﻴﺘﻢ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻼ ﻣﻨﻜﻢ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ}.
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒﺮ اﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﺮﻙ اﻟﻘﺘﻞ جاء التذكير ﺑﻤﺎ ﺃﺧﺬ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﻬﺪ المتعلق بهذا، ﻭﻗﺮﻥ ﺑﻪ اﻹﺧﺮاﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﺎﺭ ﻷﻥ اﻟﻤﺎﻝ ﻋﺪﻳﻞ اﻟﺮﻭﺡ، ﻭاﻟﻤﻨﺰﻝ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻤﺎﻝ، ﻭﻫﻮ ﻟﻠﺠﺴﺪ ﻛﺎﻟﺠﺴﺪ ﻟﻠﺮﻭﺡ، ﻓﻘﺎﻝ:
{ وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ}.
قوله: {تسفكون دماءكم - تخرجون أنفسكم}، لأن هذا الأمر متعلق باﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ، فمن قتل أخاه المؤمن فكأنما قتل نفسه.
وقوله: {وأنتم تشهدون}، أي أقررتم بهذا الميثاق.
وهذا يدل على أنه ﻛﺎﻥ ﺷﺎﺋﻌﺎ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻣﺸﻬﻮﺭا.
وهنا مثال من أمثلة تعطيل الشريعة، مع العلم والمعرفة.
ثم قال: {ثُمَّ أَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِیقࣰا مِّنكُم مِّن دِیَـٰرِهِمۡ تَظَـٰهَرُونَ عَلَیۡهِم بِٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِ وَإِن یَأۡتُوكُمۡ أُسَـٰرَىٰ تُفَـٰدُوهُمۡ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَیۡكُمۡ إِخۡرَاجُهُمۡۚ أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲۚ فَمَا جَزَاۤءُ مَن یَفۡعَلُ ذَ ٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡیࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یُرَدُّونَ إِلَىٰۤ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ}.
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/62