tgoop.com/maajls/87
Last Update:
.
﷽
تفسير سورة البقرة آية ١٠٢ - إلى آية ١٠٥
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله نبذ بني إسرائيل للكتاب والعهد، ذكر الأمر الذي استبدلوا به الميثاق والوحي.
فذكر أنهم أخذوا مكان الهدى ضلالًا، ومكان النور ظلامًا، ومكان القداسة قماءة! فأخذوا ﺑﺎﻷﺑﺎﻃﻴﻞ، ونبذوا الكتاب اﻟﺤﻖ!
ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﻮا ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺭاﺣﻮا ﻳﺘﺘﺒﻌﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺼﻪ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻦ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻳﻀﻠﻠﻮﻥ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ.
فقال سبحانه: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ}.
فآثروا السحر على ما أنزل على الرسول ﷺ، ﻭﻗﺪ سبق أنهم أبوا قبول رسالة النبي ﷺ واحتجوا بأن لديهم في التوراة كفاية، فهاهم اﺗﺒﻌﻮا ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺘﻮﺭاﺓ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻭاﻟﺸﺮﻙ!
ومن العجيب أنهم ﺃﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺇﺑﻄﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﻣﻌﺠﺰاﺕ ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪ ﺷﻲء ﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻟﺸﺮﻋﻬﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻀﺮﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺪاﺭﻳﻦ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻌﻬﻢ.
ويقابله أنهم تركوا ما هو مصدق لما بين أيديهم.
وقوله: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ} أي ما يتلونه من السحر، ﻓﺘﻀﻴﻔﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ.
وقوله: {عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} عدي بحرف اﻻﺳﺘﻌﻼء الذي ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻜﺬﺏ، ﺃﻱ ﺗﺘﻠﻮ ﺗﻼﻭﺓ ﻛﺬﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، فالعرب تقول: قال زيد على عمرو كيت وكيت.
والمقصود ب: {مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} ﻣﺪﺓ اﻟﻤﻠﻚ ﺃﻭ ﺳﺒﺐ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ: ﺗﺘﻠﻮ ﻛﺬﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﻪ.
فكانت اليهود تزعم أن سليمان ﷺ إنما ملك الجن والإنس وخضعت له الطير بالسحر، وفشا فيهم ذلك.
واتخذ اليهود كتب السحر، فلما ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ ﺧﺎﺻﻤﻮﻩ فيه، وقال: أتعجبون من محمد يثني على سليمان وهو ساحر، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ذلك.
وقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}
وذلك لأنّهم زعموا أنه كان ساحرًا.
فجاءت ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻌﺘﺮﺿﺔ، ﺃﺛﺎﺭ اﻋﺘﺮاﺿﻬﺎ ﻣﺎ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻪ قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين.
فجاء أسلوب الاحتراس في العبارة، وَالاحتراز حتى يظنّ بسليمان ﷺ أنّه من أهل السحر، فقال سبحانه: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}، وهذا الذي يقال له الاحتراس، وهو أسلوب عربي فصيح، يأتي به المتكلم لينفي ما قد يتوهمه السامع لكلامه.
وقوله: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ}.
وما أنزل هل المقصود: يعلمون الذي أنزل، كما هو مذهب ابن مسعود.
فيكون معنى اﻵﻳﺔ: ﻭاﺗﺒﻌﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ اﻟﺬﻱ ﺗﻠﺖ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، اﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ ﺑﺒﺎﺑﻞ ﻫﺎﺭﻭﺕ ﻭﻣﺎﺭﻭﺕ.
فيكون قد أنزله الله فتنة للناس.
أو المقصود النفي: لم ينزل الله، معطوف على {وما كفر سليمان}، كما هو مذهب ابن عباس، فيصبح المعنى: ﻭاﺗﺒﻌﻮا اﻟﺬﻱ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ، ﻭﻣﺎ ﻛﻔﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ، وكان ﺳﺤﺮﺓ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ. ﻓﺄﻛﺬﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ.
ثم لمّا ذكر الله أن الشياطين كفروا؛ بيّن سبب كفرهم فقال: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ}.
فبين أن من البلاء أن تعرض للإنسان أسباب الفتن، ليظهر هل يستقيم مع وجود الفتنة، أو يقع فيها.
ثم قال سبحانه: {وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ}، فأخبر أنهم ينذرون من فتنتهم!
وهنا فقد ذكر سبحانه أنّ هذه الفتنة العظيمة قد جعل الله فيها المخرج منها، وقرن فيها ما يعصم منها!
فهنا أمران:
- أن الله يبتلي عباده بأسباب الفتن، ابتلاء وفتنة، ليظهر الصادق الثابت، والمرتكس المنتكس.
كما ابتلى بإلقاء الشيطان في التلاوة ما يلقي: { وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِه}
وكما يبتلي المتنسكين بالصيد السهل، كما قال سبحانه: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ}.
وكما قال سبحانه في حق السامري: {قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ یَبۡصُرُوا۟ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةࣰ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَ ٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِی نَفۡسِی}.
ثم إنّ الفتنة كلما عظمت جعل الله فيها ما يبين فتنتها، ويظهر أمرها، واعتبر ذلك بفتنة الدجال، وهي أعظم فتنة فقد ثبت في مسلم عن ﻋﻤﺮاﻥ ﺑﻦ ﺣﺼﻴﻦ، قال: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺧﻠﻖ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﺟﺎﻝ».
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/87