tgoop.com/maajls/9
Last Update:
.
﷽
سورة البقرة
(من أولها إلى الآية السادسة عشر)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فهذه سورة البقرة، السورة التي ثبت في مسلم عن أبي ﺃﻣﺎﻣﺔ اﻟﺒﺎﻫﻠﻲ، أنه ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻳﻘﻮﻝ: «اﻗﺮءﻭا ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﺃﺧﺬﻫﺎ ﺑﺮﻛﺔ، ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ ﺣﺴﺮﺓ، ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻌﻬﺎ اﻟﺒﻄﻠﺔ».
السورة التي كانت تميز الرجال الآخذين بها! وترفعهم ليؤمرهم النبي ﷺ على صحابته، كما في الترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﺑﻌﺚ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻌﺜﺎ ﻭﻫﻢ ﺫﻭ ﻋﺪﺩ ﻓﺎﺳﺘﻘﺮﺃﻫﻢ، ﻓﺎﺳﺘﻘﺮﺃ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺎ ﻣﻌﻪ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺄﺗﻰ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺃﺣﺪﺛﻬﻢ ﺳﻨﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻣﻌﻚ ﻳﺎ ﻓﻼﻥ؟ ﻗﺎﻝ: ﻣﻌﻲ ﻛﺬا ﻭﻛﺬا ﻭﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ ﻗﺎﻝ: ﺃﻣﻌﻚ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﺫﻫﺐ ﻓﺄﻧﺖ ﺃﻣﻴﺮﻫﻢ».
السورة التي كانت بمحلٍ أن يَعتزي بها أصحابها، فيذكّر بعضهم بعضًا بها، لتحمى نفوسهم للحق، ولتستثار فيهم الحمية الإيمانية للعزائم، ففي مصنف عبد الرزاق ﻋﻦ ﻫﺸﺎﻡ ﺑﻦ ﻋﺮﻭﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: "ﻛﺎﻥ ﺷﻌﺎﺭ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻮﻡ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ: ﻳﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺳﻮﺭﺓ اﻟﺒﻘﺮﺓ"!
هذه السورة الكريمة مدينة النزول، وهي أطول سورة في القرآن، وأكثر سورة جاء فيها الأوامر والنواهي والأحكام والشرائع.
وإذا نظرت في الخيط الناظم لهذه السورة وجدت أنها سورة تحدثت عن أصناف الناس مع الشريعة إلى ثلاثة أصناف، مومنين وكافرين ومنافقين.
ثم ذكرت الحدث الأول في تلقي آدم للأمر والنهي، وكيف كان شأنه مع نهي الله له عن الشجرة، ثم الاستجابة للتوبة والأوبة.
ثم جاء الحديث عن أهل الكتاب، فطال البيان والملام والعذل لأهل الكتاب على توليهم عن شرائعهم أنبيائهم.
وذمّت السورة اليهود لتباطئهم عن التسليم للشريعة، والأخذ بالوحي.
ولذا فصلت السورة في أخبار بني إسرائيل مع الأوامر والنواهي، ووبينت نبأ توليهم عن أنبيائهم، وتثاقلهم عن الأخذ بالشرائع.
ليأتي بعد ذلك الحديث عن كثير من الفرائض والأحكام، وجاء الحديث عن جملة شرائع الإسلام، الصلاة والصيام والحج والصدقة، وعن أحكام تعاملات المسلمين من البياعات والديون والرهون والنكاح والصداق والطلاق والعدد ومتعة المطلقة وأحكام الرضاع.
كأن السؤال لهذه الأمة، هذه هي الشرائع، وهذه هي الأحكام، وقد قصصنا عليكم نبأ تخلف بني إسرائيل عن الشريعة، فهل ستأخذون بالدين، وهل ستستلمون لربكم، أم ستمشون على طريقة بني إسرائيل؟ حاشا هذه الأمة المباركة!
ولذا ختمت هذه السورة بالثناء على صحابة النبي ﷺ، فقال سبحانه: {وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}.
فسورة البقرة هي سورة: ﴿سمعنا وأطعنا﴾، سورة المثال الجليل للصحابة ومن اتبعهم، وهي سورة ذم الناكصين عن الوحي، المتثاقلين عن حمل الشريعة.
ولذا سمّيت بسورة (البقرة)، بالقصة التي هي المثال الواضح البيّن لتولي بني إسرائيل، والنموذج الجلي للتثاقل عن حمل الدين، وهي الأحدوثة التي ظهر فيها تولّيهم وتلوّيهم عن أوامر أنبيائهم، وقلة أدبهم مع الرسل والكتب.
وضع هذا الأمر أمامك وأنت تدرس سور القرآن، وأنت تتدبر آياته، فانظر اسم السورة، فإن لاسمها تعلقًا بمقاصدها، وإن لاسمها خصائص لا يحسن بالمتفهم لكلام الله أن يغفل عنها.
• قال ﷻ: {الۤمۤ • ذَ ٰلِكَ ٱلۡكِتَـٰبُ لَا رَیۡبَۛ فِیهِۛ هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ}.
ﻭهكذا فﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﺮﻑ تﺠﻲء ﻓﻲ أول ﺑﻌﺾ اﻟﺴﻮﺭ اﻟﻘﺮﺁﻧﻴﺔ، كالتنبيه ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ هذه الأحرف، فهل لكم من طوقٍ للإتيان بمثله؟
ولهذا كثيرًا ما تأتي هذه الأحرف ويعقبها الثناء والتفخيم لشأن القرآن.
• {هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ}، ﻓﺎﻟﺘﻘﻮﻯ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﺐ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﻫﻠﻪ للاﻧﺘﻔﺎﻉ ﺑﻬﺬا اﻟﻜﺘﺎﺏ.
وﻻ ﺑﺪ ﻟﻤﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﺪ اﻟﻬﺪﻯ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻥ ﻳﺠﻲء ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ.
وأن يقبل على كلام الله ﺑﻘﻠﺐ طاهر ﺧﺎﻟﺺ.
وقد وصف الله هؤلاء الذين ينتفعون بالقرآن بصفات:
- فقال سبحانه: {يؤمنون بالغيب}، فقلوبهم معلقة بربهم ﷻ، لا يحجزهم حجاز المادة، ولا يحجبهم حجاب المحسوس بحواسهم، بل قلوبهم معلقة بالعرش.
وهنا الفرقان بين أهل الوحي وبين غيرهم، فأهل الوحي مرتبطون بالقوي القهار، يعلمون أنّ وراء هذا العالم المرئي غيبًا عظيمًا، ولذا فحياتهم ممتدة امتدادًا يخرح من ضيق الدنيا إلى سعة الملكوت.
ولهذا فنظرتهم وحياتهم وأهدافهم ومعاييرهم متجاوزة لنظرة وحياة وأهداف البسطاء من أهل المادة المحسوسة!
والإيمان بالغيب هو الباعث الذي يبعث على الاستجابة لله، والتسليم بأمره، والاستجابة له، وإذا فتح الله عليك فذهبت تنظر لصفة الإيمان بالغيب في القرآن وتدرس أثرها في الاستجابة للأوامر والنواهي، فإنك واجد عجبًا.
وأول عباداتهم الظاهرة البدنية التي ذكرها الله هي عبادة الصلاة، لأنها الركن العظيم من الدين، وهي أعظم العبادات إصلاحا للقلب، وتطهيرًا له، وما من أحد عرف بحسن صلاته إلا عرف بالحسن في سائر أمره.
=
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/9