tgoop.com/maajls/94
Last Update:
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ١٠٦ إلى آية ١٠٩
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في طيّ الكلام عن بني إسرائيل، والتقريع لليهود، وبعد أن ذكر الله وجوه معارضات بني إسرائيل للوحي، ومنها:
ترك العمل بالحق، ولبس الحق بالباطل، وتحريف الكلم، والتباطؤ عن العمل بالشرع، وعدم الاجتهاد لفهم الوحي، والإيمان ببعض والكفر ببعض، وكراهية الحق من غيرهم، بعد ذلك ذكر وجهًا من وجوه معارضة النصوص، وبابًا من أبواب رد الحق، وهو رد النسخ.
فقال تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ولم يسبق في السورة كلام عن تقرير النسخ، ولا عن أمثلته، ولكن جاء الحديث هنا في أول ما جاء، بعد الكلام عن بغي اليهود والمشركين، وكراهيتهم الخير للمؤمنين.
ولما ذكر الله النسخ عقبه بمعقبات:
- الإخبار بخيرية النسخ.
- والتنبيه علب جوازه إذ هو من فعل القادر المالك.
- نهي المؤمنين عن الاعتراض والتعقيب بالاقتراحات على الرسالة، ومنعهم من أسئلة التعنت على الشريعة، التي هي من فعلات بني إسرائيل، الذين لا يوقنون بخيرية ما اختار الله، ولا يركنون إلى ما شرع، ولذا يكثرون الاقتراح والأسئلة لرسلهم، كما سنذكر.
ﻭاﻟﻨﺴﺦ تحويل الحكم، لأن أصله من تحويل المكتوب إلى غيره، وهو في اللغة: الرفع والإزالة.
وفي الاصطلاح: رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل متراخ من الكتاب أو السنة.
ثقوله تعالى: {أَوۡ نُنسِهَا}، من النسيان، أي نمحو ذكرها من قلوب حافظيها.
قال اﻟﺤﺴﻦ: ﺇﻥ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﷺ ﺃﻗﺮﺉ ﻗﺮﺁﻧﺎ ﺛﻢ ﻧﺴﻴﻪ فلم ﻳﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻧﺴﺦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻘﺮؤﻭﻧﻪ.
وقوله: {نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤ}، لأن من النّعم التي يمتنّ الله بها على المؤمنين ومن الخير الذي ينزل من ربنا؛ نسخ الأحكام، واستبدالها بمثلها أو بما هو خير منها.
وهذا من كمال إرادة الخير لهذه الأمة الكريمة على ربها، وهو نسخ الأحكام بحسب الأفضل للمكلفين:
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، والأسلوب يدل على عظم شأن النسخ، وأنه شأن يستحق معه أن يقال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، فإنّ مثل هذا الأسلوب الاستفهامي لا يقال في أمر صغير لا خطر له، بل لا يقال إلا في الشأن الخطير، والأمر الكبير.
فهو ينسخ ما يشاء ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ، ﻭتمام اﻟﻘﺪﺭﺓ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ، فليس ﻛﻐﻴﺮﻩ ﺇﺫا ﺃﻣﺮ ﺑﺸﻲء ﺧﺎﻑ من أتباعه ﻧﻘﻀﻪ.
وقوله: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ﴾ تأديب للمؤمنين حتى يثقوا بربهم، ويركنوا إلى ما شرعه لهم ودبّرهم به، وأنه سبحانه يصرّف عباده ﺗﺤﺖ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ.
فأراد ربهم أن يعلّمهم جواز النسخ، وأنه سينسخها لما هو خير، لأنه من القادر المالك، فلا جرم سيحكم بما شاء في خلقه، وسيحكم بما هو خير لهم، رحمة منه لهم.
وقد جاء الخبر عن قدرة الله والتنويه بها في هذا السياق في مواضع، منها ما هو في سياق نسخ القبلة: ﴿وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وهو يأتي في القرآن مقترنًا بالحديث عن الاستبدال والتبديل في الشرع وفي الخلق، فمن اقترانه بذكر الاستبدال والتبديل في الشرع هذه الآية.
ومن اقترانه بذكر الاستبدال في الخلق قوله:
﴿إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ أَیُّهَا ٱلنَّاسُ وَیَأۡتِ بِـَٔاخَرِینَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَ ٰلِكَ قَدِیرࣰا﴾.
وقوله: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا۟ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا وَیَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَیۡـࣰٔاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ثم قال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾، وإنه لشأن عجيب، حري أن يستوقف القارئ، فانظر كيف تعاقب الاستفهامان، وجاء التقريران، يفخمان شأن النسخ، وأنه من مقتضى قدرته وملكه سبحانه.
ﻭاﺳﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪﺭﺓ ﺑﺄﻥ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻌﻪ
ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ ﻳﻔﺼﻞ اﻵﻳﺎﺕ، ﻭﻫﻮ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ ﻳﺪﺑﺮ اﻷﻣﺮ.
وهناك اقتران كثير في القرآن بين صفة الملك وصفة القدرة.
كقوله: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
BY رياض الصالحين القرآنيـة
Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/94