.
﷽
تفسير سورة البقرة آية ١٠٢ - إلى آية ١٠٥
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله نبذ بني إسرائيل للكتاب والعهد، ذكر الأمر الذي استبدلوا به الميثاق والوحي.
فذكر أنهم أخذوا مكان الهدى ضلالًا، ومكان النور ظلامًا، ومكان القداسة قماءة! فأخذوا ﺑﺎﻷﺑﺎﻃﻴﻞ، ونبذوا الكتاب اﻟﺤﻖ!
ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﻮا ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺭاﺣﻮا ﻳﺘﺘﺒﻌﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺼﻪ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻦ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻳﻀﻠﻠﻮﻥ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ.
فقال سبحانه: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ}.
فآثروا السحر على ما أنزل على الرسول ﷺ، ﻭﻗﺪ سبق أنهم أبوا قبول رسالة النبي ﷺ واحتجوا بأن لديهم في التوراة كفاية، فهاهم اﺗﺒﻌﻮا ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺘﻮﺭاﺓ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻭاﻟﺸﺮﻙ!
ومن العجيب أنهم ﺃﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺇﺑﻄﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﻣﻌﺠﺰاﺕ ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪ ﺷﻲء ﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻟﺸﺮﻋﻬﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻀﺮﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺪاﺭﻳﻦ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻌﻬﻢ.
ويقابله أنهم تركوا ما هو مصدق لما بين أيديهم.
وقوله: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ} أي ما يتلونه من السحر، ﻓﺘﻀﻴﻔﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ.
وقوله: {عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} عدي بحرف اﻻﺳﺘﻌﻼء الذي ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻜﺬﺏ، ﺃﻱ ﺗﺘﻠﻮ ﺗﻼﻭﺓ ﻛﺬﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، فالعرب تقول: قال زيد على عمرو كيت وكيت.
والمقصود ب: {مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} ﻣﺪﺓ اﻟﻤﻠﻚ ﺃﻭ ﺳﺒﺐ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ: ﺗﺘﻠﻮ ﻛﺬﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﻪ.
فكانت اليهود تزعم أن سليمان ﷺ إنما ملك الجن والإنس وخضعت له الطير بالسحر، وفشا فيهم ذلك.
واتخذ اليهود كتب السحر، فلما ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ ﺧﺎﺻﻤﻮﻩ فيه، وقال: أتعجبون من محمد يثني على سليمان وهو ساحر، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ذلك.
وقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}
وذلك لأنّهم زعموا أنه كان ساحرًا.
فجاءت ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻌﺘﺮﺿﺔ، ﺃﺛﺎﺭ اﻋﺘﺮاﺿﻬﺎ ﻣﺎ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻪ قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين.
فجاء أسلوب الاحتراس في العبارة، وَالاحتراز حتى يظنّ بسليمان ﷺ أنّه من أهل السحر، فقال سبحانه: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}، وهذا الذي يقال له الاحتراس، وهو أسلوب عربي فصيح، يأتي به المتكلم لينفي ما قد يتوهمه السامع لكلامه.
وقوله: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ}.
وما أنزل هل المقصود: يعلمون الذي أنزل، كما هو مذهب ابن مسعود.
فيكون معنى اﻵﻳﺔ: ﻭاﺗﺒﻌﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ اﻟﺬﻱ ﺗﻠﺖ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، اﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ ﺑﺒﺎﺑﻞ ﻫﺎﺭﻭﺕ ﻭﻣﺎﺭﻭﺕ.
فيكون قد أنزله الله فتنة للناس.
أو المقصود النفي: لم ينزل الله، معطوف على {وما كفر سليمان}، كما هو مذهب ابن عباس، فيصبح المعنى: ﻭاﺗﺒﻌﻮا اﻟﺬﻱ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ، ﻭﻣﺎ ﻛﻔﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ، وكان ﺳﺤﺮﺓ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ. ﻓﺄﻛﺬﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ.
ثم لمّا ذكر الله أن الشياطين كفروا؛ بيّن سبب كفرهم فقال: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ}.
فبين أن من البلاء أن تعرض للإنسان أسباب الفتن، ليظهر هل يستقيم مع وجود الفتنة، أو يقع فيها.
ثم قال سبحانه: {وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ}، فأخبر أنهم ينذرون من فتنتهم!
وهنا فقد ذكر سبحانه أنّ هذه الفتنة العظيمة قد جعل الله فيها المخرج منها، وقرن فيها ما يعصم منها!
فهنا أمران:
- أن الله يبتلي عباده بأسباب الفتن، ابتلاء وفتنة، ليظهر الصادق الثابت، والمرتكس المنتكس.
كما ابتلى بإلقاء الشيطان في التلاوة ما يلقي: { وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِه}
وكما يبتلي المتنسكين بالصيد السهل، كما قال سبحانه: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ}.
وكما قال سبحانه في حق السامري: {قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ یَبۡصُرُوا۟ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةࣰ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَ ٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِی نَفۡسِی}.
ثم إنّ الفتنة كلما عظمت جعل الله فيها ما يبين فتنتها، ويظهر أمرها، واعتبر ذلك بفتنة الدجال، وهي أعظم فتنة فقد ثبت في مسلم عن ﻋﻤﺮاﻥ ﺑﻦ ﺣﺼﻴﻦ، قال: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺧﻠﻖ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﺟﺎﻝ».
=
﷽
تفسير سورة البقرة آية ١٠٢ - إلى آية ١٠٥
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله نبذ بني إسرائيل للكتاب والعهد، ذكر الأمر الذي استبدلوا به الميثاق والوحي.
فذكر أنهم أخذوا مكان الهدى ضلالًا، ومكان النور ظلامًا، ومكان القداسة قماءة! فأخذوا ﺑﺎﻷﺑﺎﻃﻴﻞ، ونبذوا الكتاب اﻟﺤﻖ!
ﻟﻘﺪ ﺗﺮﻛﻮا ﻣﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻣﺼﺪﻗﺎ ﻟﻤﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﻭﺭاﺣﻮا ﻳﺘﺘﺒﻌﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺼﻪ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻦ ﻋﻬﺪ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻭﻣﺎ ﻳﻀﻠﻠﻮﻥ ﺑﻪ اﻟﻨﺎﺱ.
فقال سبحانه: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ}.
فآثروا السحر على ما أنزل على الرسول ﷺ، ﻭﻗﺪ سبق أنهم أبوا قبول رسالة النبي ﷺ واحتجوا بأن لديهم في التوراة كفاية، فهاهم اﺗﺒﻌﻮا ﻣﺎ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﻣﺨﺎﻟﻒ ﻟﻠﺘﻮﺭاﺓ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﺴﺤﺮ ﻭاﻟﺸﺮﻙ!
ومن العجيب أنهم ﺃﻗﺒﻠﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﺇﺑﻄﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﻣﻌﺠﺰاﺕ ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ؛ ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺪ ﺷﻲء ﻣﻨﺎﻓﺎﺓ ﻟﺸﺮﻋﻬﻢ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻀﺮﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﺪاﺭﻳﻦ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻌﻬﻢ.
ويقابله أنهم تركوا ما هو مصدق لما بين أيديهم.
وقوله: {وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ} أي ما يتلونه من السحر، ﻓﺘﻀﻴﻔﻪ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ.
وقوله: {عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} عدي بحرف اﻻﺳﺘﻌﻼء الذي ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻌﻨﻰ ﺗﻜﺬﺏ، ﺃﻱ ﺗﺘﻠﻮ ﺗﻼﻭﺓ ﻛﺬﺏ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، فالعرب تقول: قال زيد على عمرو كيت وكيت.
والمقصود ب: {مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ} ﻣﺪﺓ اﻟﻤﻠﻚ ﺃﻭ ﺳﺒﺐ اﻟﻤﻠﻚ، ﻓﻴﻜﻮﻥ اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ: ﺗﺘﻠﻮ ﻛﺬﺑًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻜﻪ.
فكانت اليهود تزعم أن سليمان ﷺ إنما ملك الجن والإنس وخضعت له الطير بالسحر، وفشا فيهم ذلك.
واتخذ اليهود كتب السحر، فلما ﺟﺎءﻫﻢ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ ﺧﺎﺻﻤﻮﻩ فيه، وقال: أتعجبون من محمد يثني على سليمان وهو ساحر، ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ ذلك.
وقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}
وذلك لأنّهم زعموا أنه كان ساحرًا.
فجاءت ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻌﺘﺮﺿﺔ، ﺃﺛﺎﺭ اﻋﺘﺮاﺿﻬﺎ ﻣﺎ ﺃﺷﻌﺮ ﺑﻪ قوله: واتبعوا ما تتلو الشياطين.
فجاء أسلوب الاحتراس في العبارة، وَالاحتراز حتى يظنّ بسليمان ﷺ أنّه من أهل السحر، فقال سبحانه: {وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟}، وهذا الذي يقال له الاحتراس، وهو أسلوب عربي فصيح، يأتي به المتكلم لينفي ما قد يتوهمه السامع لكلامه.
وقوله: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ}.
وما أنزل هل المقصود: يعلمون الذي أنزل، كما هو مذهب ابن مسعود.
فيكون معنى اﻵﻳﺔ: ﻭاﺗﺒﻌﺖ اﻟﻴﻬﻮﺩ اﻟﺬﻱ ﺗﻠﺖ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، اﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ ﺑﺒﺎﺑﻞ ﻫﺎﺭﻭﺕ ﻭﻣﺎﺭﻭﺕ.
فيكون قد أنزله الله فتنة للناس.
أو المقصود النفي: لم ينزل الله، معطوف على {وما كفر سليمان}، كما هو مذهب ابن عباس، فيصبح المعنى: ﻭاﺗﺒﻌﻮا اﻟﺬﻱ ﺗﺘﻠﻮ اﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﻠﻚ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺴﺤﺮ، ﻭﻣﺎ ﻛﻔﺮ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻠﻜﻴﻦ، وكان ﺳﺤﺮﺓ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﺴﺤﺮ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻭﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ. ﻓﺄﻛﺬﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ.
ثم لمّا ذكر الله أن الشياطين كفروا؛ بيّن سبب كفرهم فقال: {یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ}.
فبين أن من البلاء أن تعرض للإنسان أسباب الفتن، ليظهر هل يستقيم مع وجود الفتنة، أو يقع فيها.
ثم قال سبحانه: {وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ}، فأخبر أنهم ينذرون من فتنتهم!
وهنا فقد ذكر سبحانه أنّ هذه الفتنة العظيمة قد جعل الله فيها المخرج منها، وقرن فيها ما يعصم منها!
فهنا أمران:
- أن الله يبتلي عباده بأسباب الفتن، ابتلاء وفتنة، ليظهر الصادق الثابت، والمرتكس المنتكس.
كما ابتلى بإلقاء الشيطان في التلاوة ما يلقي: { وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِه}
وكما يبتلي المتنسكين بالصيد السهل، كما قال سبحانه: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ}.
وكما قال سبحانه في حق السامري: {قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ یَبۡصُرُوا۟ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةࣰ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَ ٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِی نَفۡسِی}.
ثم إنّ الفتنة كلما عظمت جعل الله فيها ما يبين فتنتها، ويظهر أمرها، واعتبر ذلك بفتنة الدجال، وهي أعظم فتنة فقد ثبت في مسلم عن ﻋﻤﺮاﻥ ﺑﻦ ﺣﺼﻴﻦ، قال: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﺎﻡ اﻟﺴﺎﻋﺔ ﺧﻠﻖ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻟﺪﺟﺎﻝ».
=
=
فإنّ معه جنة ونارًا، كما في الصحيحين، ويقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرجها، كما في صحيح مسلم من حديث النواس، ومع ذلك كان في هذه الفتنة المخرج منها، كما في الصحيحين عن أنس ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻣﺎ ﺑﻌﺚ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﺇﻻ ﺃﻧﺬﺭ ﻗﻮﻣﻪ اﻷﻋﻮﺭ اﻟﻜﺬاﺏ، ﺇﻧﻪ ﺃﻋﻮﺭ ﻭﺇﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻋﻮﺭ، ﻣﻜﺘﻮﺏ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻛﺎﻓﺮ»، وفي مسلم عن حذيفة: «ﻳﻘﺮﺅﻩ ﻛﻞّ ﻣﺆﻣﻦ، ﻛﺎﺗﺐ ﻭﻏﻴﺮ ﻛﺎﺗﺐ».
ثم قال سبحانه: {فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِ}.
فذكر ﺁﺻﺮﺓ الزواج وهي الآصرة الﻣﺘﻴﻨﺔ، وهذا يدل على عظم هذه الآصرة، فإنه لم يذكر من مفاسد السحر إلا هذه.
وقوله: {وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ}
فلما ذكر الله سبحانه أنهم يفرقون بين الزوجين، أخبر أن ذلك بإذن ﷲ، ليتزن المؤمن فلا يخاف من أحد إلا الله، وليجعل تعلّق قلبه بالله لا بسواه.
وهذه طريقة قرآنية جليلة، أن تتعاقب الجمل التي تقيد أو تبين ما ذكر قبل.
ثم أكّد ذلك فقال:
{وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَاهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ}
فنفى عنهم العلم في أمر وأثبت لهم علما في أمر.
فأثبت علمهم أن السحر لا ينفع صاحبه في الآخرة.
لكنهم لا يعلمون عظيم ضرره عليهم في الآخرة.
وقوله: {شروا ﺑﻪ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ}: ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﺃﺣﺎﻁ ﺑﻬﻢ ﻓﺎﺟﺘﺜﺖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺻﻠﻬﺎ.
وقوله: {وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَمَثُوبَةࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَیۡرࣱۚ لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ}.
فالعلم الأول المنفي علم ضرر السحر.
والعلم الثاني المنفي علم نفع التقوى.
ﺃﻱ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺜﻮﺑﺔ اﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ اﺷﺘﺮﻭا اﻟﺴﺤﺮ.
ﻭﻓﺎﺋﺪﺓ ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮﻳﺮ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﻨﻔﻊ اﻟﺤﻖ.
ثم قال: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ}.
من أبواب فهم القرآن العناية بأسباب النزول، ولعل بعض الآيات لا يظهر معناها إلا بالرجوع لسبب النزول.
ﻓﺈﻥّ اﻟﻨّﻬﻲ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﻻ ﺫﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺳﺨﻒ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺴﺒﺐ.
وقد كان المسلمون ﺇﺫا ﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ النبي ﷺ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭاﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻄﻠﺒﻮﻥ ﻣﻨﻪ اﻹﻋﺎﺩﺓ ﻭاﻟﺘﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻟﻘﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻬﻤﻮﻩ، ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ: ﺭاﻋﻨﺎ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭاﺭﻓﻖ، فكان اﻟﻴﻬﻮﺩ يتكلمون بكلمة عبرانية ﺗﺸﺒﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﺭاﻋﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وكأنها من الرعونة، فنُهي المسلمون ﻋﻦ ﻗﻮﻝ هذه اﻟﻜﻠﻤﺔ لئلا يشابهوا اليهود.
ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ هذه اﻵﻳﺔ لما قبلها، ﺃﻥ اﻟﺴﺤﺮ لما كان راجعًا ﺇﻟﻰ الأذى بالحيلة، فاﺗﺒﻊ اﻵﻳﺎﺕ اﻟﺬاﻣﺔ ﻟﻠﺴﺤﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﻤﺠﺎﺯﻱ اﻟﺬﻱ ﺣﻴﻠﻮا ﺑﻪ اﻟﺨﻴﺮ ﻭﻗﺼﺪﻭا ﺑﻪ اﻟﺸﺮ.
وليجتنب المؤمنون مشابهة اليهود حتى في أصغر فعل من أفعالهم.
وقد كشف الله أفعالهم وذلك مما يكسرهم، فإن الانتباه لأفعال العدو والاطلاع على مرادات المخالفين يضعفهم، ويكسر كيدهم.
ﻭقد أبدلهم الله بكلمة ﺗﺴﺎﻭﻳﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭاﻟﻤﺠﺎﺯ ﻭﻋﺪﺩ اﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﺬﺭﻉ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﻔﺎﺭ ﻷﺫﻯ النبي ﷺ.
ﻭقوله: {اﺳﻤﻌﻮا} ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﺳﻤﺎﻉ ﺧﺎﺹ ﻭﻫﻮ الفهم والطاعة ﻭﻣﺰﻳﺪ اﻟﺘﻠﻘﻲ، وأيضا ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮا ﺇﻟﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﻤﺮاﻋﺎﺓ.
ثم قال سبحانه: {مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ}.
فذكر ما يحض المؤمنين على السماع والاتباع والطاعة، وهو أن يغايظوا المشركين، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻮﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻲء ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻤﺘﺜﻠﻮﻩ، ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻷﻋﺪاء ﻣﻦ اﻷﻏﺮاﺽ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ لأهل الفطر السليمة.
ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻳﺨﺘﺺّ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺣﻘﻴﻖ ﺑﻬﺎ.
ﻭﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺭﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻛﺸﻒ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬﻱ ﺩﻋﺎ ﻻﻣﺘﻨﺎﻉ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻨﺎ.
والله أعلم.
فإنّ معه جنة ونارًا، كما في الصحيحين، ويقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أخرجي كنوزك فتخرجها، كما في صحيح مسلم من حديث النواس، ومع ذلك كان في هذه الفتنة المخرج منها، كما في الصحيحين عن أنس ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻣﺎ ﺑﻌﺚ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﺇﻻ ﺃﻧﺬﺭ ﻗﻮﻣﻪ اﻷﻋﻮﺭ اﻟﻜﺬاﺏ، ﺇﻧﻪ ﺃﻋﻮﺭ ﻭﺇﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﻟﻴﺲ ﺑﺄﻋﻮﺭ، ﻣﻜﺘﻮﺏ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻛﺎﻓﺮ»، وفي مسلم عن حذيفة: «ﻳﻘﺮﺅﻩ ﻛﻞّ ﻣﺆﻣﻦ، ﻛﺎﺗﺐ ﻭﻏﻴﺮ ﻛﺎﺗﺐ».
ثم قال سبحانه: {فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِ}.
فذكر ﺁﺻﺮﺓ الزواج وهي الآصرة الﻣﺘﻴﻨﺔ، وهذا يدل على عظم هذه الآصرة، فإنه لم يذكر من مفاسد السحر إلا هذه.
وقوله: {وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ}
فلما ذكر الله سبحانه أنهم يفرقون بين الزوجين، أخبر أن ذلك بإذن ﷲ، ليتزن المؤمن فلا يخاف من أحد إلا الله، وليجعل تعلّق قلبه بالله لا بسواه.
وهذه طريقة قرآنية جليلة، أن تتعاقب الجمل التي تقيد أو تبين ما ذكر قبل.
ثم أكّد ذلك فقال:
{وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَاهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ}
فنفى عنهم العلم في أمر وأثبت لهم علما في أمر.
فأثبت علمهم أن السحر لا ينفع صاحبه في الآخرة.
لكنهم لا يعلمون عظيم ضرره عليهم في الآخرة.
وقوله: {شروا ﺑﻪ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ}: ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻤﺎ ﺃﺣﺎﻁ ﺑﻬﻢ ﻓﺎﺟﺘﺜﺖ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻣﻦ ﺃﺻﻠﻬﺎ.
وقوله: {وَلَوۡ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَمَثُوبَةࣱ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ خَیۡرࣱۚ لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ}.
فالعلم الأول المنفي علم ضرر السحر.
والعلم الثاني المنفي علم نفع التقوى.
ﺃﻱ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮا ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺜﻮﺑﺔ اﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ اﺷﺘﺮﻭا اﻟﺴﺤﺮ.
ﻭﻓﺎﺋﺪﺓ ﻫﺬا اﻟﺘﻜﺮﻳﺮ اﻟﺘﺴﺠﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﺎ ﻫﻮ اﻟﻨﻔﻊ اﻟﺤﻖ.
ثم قال: {یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَ ٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُوا۟ۗ وَلِلۡكَـٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمࣱ}.
من أبواب فهم القرآن العناية بأسباب النزول، ولعل بعض الآيات لا يظهر معناها إلا بالرجوع لسبب النزول.
ﻓﺈﻥّ اﻟﻨّﻬﻲ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ ﻛﻠﻤﺔ ﻻ ﺫﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﺳﺨﻒ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺴﺒﺐ.
وقد كان المسلمون ﺇﺫا ﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ النبي ﷺ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭاﻟﻘﺮﺁﻥ ﻳﺘﻄﻠﺒﻮﻥ ﻣﻨﻪ اﻹﻋﺎﺩﺓ ﻭاﻟﺘﺄﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻟﻘﺎﺋﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻬﻤﻮﻩ، ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ: ﺭاﻋﻨﺎ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﻭاﺭﻓﻖ، فكان اﻟﻴﻬﻮﺩ يتكلمون بكلمة عبرانية ﺗﺸﺒﻪ ﻛﻠﻤﺔ ﺭاﻋﻨﺎ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، وكأنها من الرعونة، فنُهي المسلمون ﻋﻦ ﻗﻮﻝ هذه اﻟﻜﻠﻤﺔ لئلا يشابهوا اليهود.
ﻭﻣﻨﺎﺳﺒﺔ هذه اﻵﻳﺔ لما قبلها، ﺃﻥ اﻟﺴﺤﺮ لما كان راجعًا ﺇﻟﻰ الأذى بالحيلة، فاﺗﺒﻊ اﻵﻳﺎﺕ اﻟﺬاﻣﺔ ﻟﻠﺴﺤﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﺘﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺤﺮ اﻟﻤﺠﺎﺯﻱ اﻟﺬﻱ ﺣﻴﻠﻮا ﺑﻪ اﻟﺨﻴﺮ ﻭﻗﺼﺪﻭا ﺑﻪ اﻟﺸﺮ.
وليجتنب المؤمنون مشابهة اليهود حتى في أصغر فعل من أفعالهم.
وقد كشف الله أفعالهم وذلك مما يكسرهم، فإن الانتباه لأفعال العدو والاطلاع على مرادات المخالفين يضعفهم، ويكسر كيدهم.
ﻭقد أبدلهم الله بكلمة ﺗﺴﺎﻭﻳﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭاﻟﻤﺠﺎﺯ ﻭﻋﺪﺩ اﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭاﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺘﺬﺭﻉ ﺑﻬﺎ اﻟﻜﻔﺎﺭ ﻷﺫﻯ النبي ﷺ.
ﻭقوله: {اﺳﻤﻌﻮا} ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﺳﻤﺎﻉ ﺧﺎﺹ ﻭﻫﻮ الفهم والطاعة ﻭﻣﺰﻳﺪ اﻟﺘﻠﻘﻲ، وأيضا ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺟﻮا ﺇﻟﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﻤﺮاﻋﺎﺓ.
ثم قال سبحانه: {مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ}.
فذكر ما يحض المؤمنين على السماع والاتباع والطاعة، وهو أن يغايظوا المشركين، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻮﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺰﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻲء ﻟﻜﻢ ﻓﻴﻪ ﺧﻴﺮ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻤﺘﺜﻠﻮﻩ، ﻭﻣﺨﺎﻟﻔﺔ اﻷﻋﺪاء ﻣﻦ اﻷﻏﺮاﺽ اﻟﻌﻈﻴﻤﺔ لأهل الفطر السليمة.
ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻳﺨﺘﺺّ ﺑﺮﺣﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﺣﻘﻴﻖ ﺑﻬﺎ.
ﻭﻫﺬﻩ اﻵﻳﺔ ﺭﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻛﺸﻒ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬﻱ ﺩﻋﺎ ﻻﻣﺘﻨﺎﻉ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﻟﻬﻢ ﺁﻣﻨﻮا ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻧﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻨﺎ.
والله أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيبدأ البث بعد قليل، بإذن ﷲ، على القناة العامة.
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
سيبدأ البث بعد قليل، بإذن ﷲ، على القناة العامة.
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
﷽
تفسير سورة البقرة من آية ١٠٦ إلى آية ١٠٩
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في طيّ الكلام عن بني إسرائيل، والتقريع لليهود، وبعد أن ذكر الله وجوه معارضات بني إسرائيل للوحي، ومنها:
ترك العمل بالحق، ولبس الحق بالباطل، وتحريف الكلم، والتباطؤ عن العمل بالشرع، وعدم الاجتهاد لفهم الوحي، والإيمان ببعض والكفر ببعض، وكراهية الحق من غيرهم، بعد ذلك ذكر وجهًا من وجوه معارضة النصوص، وبابًا من أبواب رد الحق، وهو رد النسخ.
فقال تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ولم يسبق في السورة كلام عن تقرير النسخ، ولا عن أمثلته، ولكن جاء الحديث هنا في أول ما جاء، بعد الكلام عن بغي اليهود والمشركين، وكراهيتهم الخير للمؤمنين.
ولما ذكر الله النسخ عقبه بمعقبات:
- الإخبار بخيرية النسخ.
- والتنبيه علب جوازه إذ هو من فعل القادر المالك.
- نهي المؤمنين عن الاعتراض والتعقيب بالاقتراحات على الرسالة، ومنعهم من أسئلة التعنت على الشريعة، التي هي من فعلات بني إسرائيل، الذين لا يوقنون بخيرية ما اختار الله، ولا يركنون إلى ما شرع، ولذا يكثرون الاقتراح والأسئلة لرسلهم، كما سنذكر.
ﻭاﻟﻨﺴﺦ تحويل الحكم، لأن أصله من تحويل المكتوب إلى غيره، وهو في اللغة: الرفع والإزالة.
وفي الاصطلاح: رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل متراخ من الكتاب أو السنة.
ثقوله تعالى: {أَوۡ نُنسِهَا}، من النسيان، أي نمحو ذكرها من قلوب حافظيها.
قال اﻟﺤﺴﻦ: ﺇﻥ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﷺ ﺃﻗﺮﺉ ﻗﺮﺁﻧﺎ ﺛﻢ ﻧﺴﻴﻪ فلم ﻳﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻧﺴﺦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻘﺮؤﻭﻧﻪ.
وقوله: {نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤ}، لأن من النّعم التي يمتنّ الله بها على المؤمنين ومن الخير الذي ينزل من ربنا؛ نسخ الأحكام، واستبدالها بمثلها أو بما هو خير منها.
وهذا من كمال إرادة الخير لهذه الأمة الكريمة على ربها، وهو نسخ الأحكام بحسب الأفضل للمكلفين:
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، والأسلوب يدل على عظم شأن النسخ، وأنه شأن يستحق معه أن يقال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، فإنّ مثل هذا الأسلوب الاستفهامي لا يقال في أمر صغير لا خطر له، بل لا يقال إلا في الشأن الخطير، والأمر الكبير.
فهو ينسخ ما يشاء ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ، ﻭتمام اﻟﻘﺪﺭﺓ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ، فليس ﻛﻐﻴﺮﻩ ﺇﺫا ﺃﻣﺮ ﺑﺸﻲء ﺧﺎﻑ من أتباعه ﻧﻘﻀﻪ.
وقوله: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ﴾ تأديب للمؤمنين حتى يثقوا بربهم، ويركنوا إلى ما شرعه لهم ودبّرهم به، وأنه سبحانه يصرّف عباده ﺗﺤﺖ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ.
فأراد ربهم أن يعلّمهم جواز النسخ، وأنه سينسخها لما هو خير، لأنه من القادر المالك، فلا جرم سيحكم بما شاء في خلقه، وسيحكم بما هو خير لهم، رحمة منه لهم.
وقد جاء الخبر عن قدرة الله والتنويه بها في هذا السياق في مواضع، منها ما هو في سياق نسخ القبلة: ﴿وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وهو يأتي في القرآن مقترنًا بالحديث عن الاستبدال والتبديل في الشرع وفي الخلق، فمن اقترانه بذكر الاستبدال والتبديل في الشرع هذه الآية.
ومن اقترانه بذكر الاستبدال في الخلق قوله:
﴿إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ أَیُّهَا ٱلنَّاسُ وَیَأۡتِ بِـَٔاخَرِینَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَ ٰلِكَ قَدِیرࣰا﴾.
وقوله: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا۟ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا وَیَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَیۡـࣰٔاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ثم قال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾، وإنه لشأن عجيب، حري أن يستوقف القارئ، فانظر كيف تعاقب الاستفهامان، وجاء التقريران، يفخمان شأن النسخ، وأنه من مقتضى قدرته وملكه سبحانه.
ﻭاﺳﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪﺭﺓ ﺑﺄﻥ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻌﻪ
ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ ﻳﻔﺼﻞ اﻵﻳﺎﺕ، ﻭﻫﻮ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ ﻳﺪﺑﺮ اﻷﻣﺮ.
وهناك اقتران كثير في القرآن بين صفة الملك وصفة القدرة.
كقوله: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
تفسير سورة البقرة من آية ١٠٦ إلى آية ١٠٩
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في طيّ الكلام عن بني إسرائيل، والتقريع لليهود، وبعد أن ذكر الله وجوه معارضات بني إسرائيل للوحي، ومنها:
ترك العمل بالحق، ولبس الحق بالباطل، وتحريف الكلم، والتباطؤ عن العمل بالشرع، وعدم الاجتهاد لفهم الوحي، والإيمان ببعض والكفر ببعض، وكراهية الحق من غيرهم، بعد ذلك ذكر وجهًا من وجوه معارضة النصوص، وبابًا من أبواب رد الحق، وهو رد النسخ.
فقال تعالى: ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَایَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤۗ أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ولم يسبق في السورة كلام عن تقرير النسخ، ولا عن أمثلته، ولكن جاء الحديث هنا في أول ما جاء، بعد الكلام عن بغي اليهود والمشركين، وكراهيتهم الخير للمؤمنين.
ولما ذكر الله النسخ عقبه بمعقبات:
- الإخبار بخيرية النسخ.
- والتنبيه علب جوازه إذ هو من فعل القادر المالك.
- نهي المؤمنين عن الاعتراض والتعقيب بالاقتراحات على الرسالة، ومنعهم من أسئلة التعنت على الشريعة، التي هي من فعلات بني إسرائيل، الذين لا يوقنون بخيرية ما اختار الله، ولا يركنون إلى ما شرع، ولذا يكثرون الاقتراح والأسئلة لرسلهم، كما سنذكر.
ﻭاﻟﻨﺴﺦ تحويل الحكم، لأن أصله من تحويل المكتوب إلى غيره، وهو في اللغة: الرفع والإزالة.
وفي الاصطلاح: رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل متراخ من الكتاب أو السنة.
ثقوله تعالى: {أَوۡ نُنسِهَا}، من النسيان، أي نمحو ذكرها من قلوب حافظيها.
قال اﻟﺤﺴﻦ: ﺇﻥ ﻧﺒﻴﻜﻢ ﷺ ﺃﻗﺮﺉ ﻗﺮﺁﻧﺎ ﺛﻢ ﻧﺴﻴﻪ فلم ﻳﻜﻦ ﺷﻴﺌﺎ، ﻭﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻧﺴﺦ ﻭﺃﻧﺘﻢ ﺗﻘﺮؤﻭﻧﻪ.
وقوله: {نَأۡتِ بِخَیۡرࣲ مِّنۡهَاۤ أَوۡ مِثۡلِهَاۤ}، لأن من النّعم التي يمتنّ الله بها على المؤمنين ومن الخير الذي ينزل من ربنا؛ نسخ الأحكام، واستبدالها بمثلها أو بما هو خير منها.
وهذا من كمال إرادة الخير لهذه الأمة الكريمة على ربها، وهو نسخ الأحكام بحسب الأفضل للمكلفين:
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، والأسلوب يدل على عظم شأن النسخ، وأنه شأن يستحق معه أن يقال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾، فإنّ مثل هذا الأسلوب الاستفهامي لا يقال في أمر صغير لا خطر له، بل لا يقال إلا في الشأن الخطير، والأمر الكبير.
فهو ينسخ ما يشاء ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ، ﻭتمام اﻟﻘﺪﺭﺓ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ، فليس ﻛﻐﻴﺮﻩ ﺇﺫا ﺃﻣﺮ ﺑﺸﻲء ﺧﺎﻑ من أتباعه ﻧﻘﻀﻪ.
وقوله: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ﴾ تأديب للمؤمنين حتى يثقوا بربهم، ويركنوا إلى ما شرعه لهم ودبّرهم به، وأنه سبحانه يصرّف عباده ﺗﺤﺖ ﻣﺸﻴﺌﺘﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ.
فأراد ربهم أن يعلّمهم جواز النسخ، وأنه سينسخها لما هو خير، لأنه من القادر المالك، فلا جرم سيحكم بما شاء في خلقه، وسيحكم بما هو خير لهم، رحمة منه لهم.
وقد جاء الخبر عن قدرة الله والتنويه بها في هذا السياق في مواضع، منها ما هو في سياق نسخ القبلة: ﴿وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وهو يأتي في القرآن مقترنًا بالحديث عن الاستبدال والتبديل في الشرع وفي الخلق، فمن اقترانه بذكر الاستبدال والتبديل في الشرع هذه الآية.
ومن اقترانه بذكر الاستبدال في الخلق قوله:
﴿إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ أَیُّهَا ٱلنَّاسُ وَیَأۡتِ بِـَٔاخَرِینَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذَ ٰلِكَ قَدِیرࣰا﴾.
وقوله: ﴿إِلَّا تَنفِرُوا۟ یُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا وَیَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَیۡرَكُمۡ وَلَا تَضُرُّوهُ شَیۡـࣰٔاۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
ثم قال: ﴿أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾، وإنه لشأن عجيب، حري أن يستوقف القارئ، فانظر كيف تعاقب الاستفهامان، وجاء التقريران، يفخمان شأن النسخ، وأنه من مقتضى قدرته وملكه سبحانه.
ﻭاﺳﺘﺪﻝ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪﺭﺓ ﺑﺄﻥ ﻟﻪ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﻣﻌﻪ
ﻓﻬﻮ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ ﻳﻔﺼﻞ اﻵﻳﺎﺕ، ﻭﻫﻮ ﺑﻤﺎ ﻟﻪ ﻣﻠﻚ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ ﻳﺪﺑﺮ اﻷﻣﺮ.
وهناك اقتران كثير في القرآن بين صفة الملك وصفة القدرة.
كقوله: ﴿قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
وقوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وقوله: ﴿لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وقوله: ﴿یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وقوله سبحانه: ﴿تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِی بِیَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وغيرها كثير.
وذلك أن تمام الملك بتمام القدرة على تدبيره، وتمام القدرة بوجود مملوك تظهر فيه آثار القدرة.
ثم قال: ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾، وهذا أسلوب يأتي كثيرًا في القرآن للتحذير، وهو هنا تذكير للمؤمنين أن الذي ينسخ الأحكام ويثبتها هو الولي سبحانه، الذي لا يجوز أن يتخذ من دونه ولي، فهو العالم بما يصلح عباده، وهو وليهم، وهو ناصرهم.
وفيه أن المؤمن يجب عليه أن يستحضر عند تلقيه للأحكام، أن يستحضر أن مشرعها هو الولي وهو النصير! فهل سيتلوى على الأمر؟ أو يثقل عليه الشرع؟
ولما كانت سورة البقرة هي سورة الاستجابة لأمر الله، قال ﷻ بعد ذكر مخازي اليهود، وما هم عليه من معارضات الأنبياء: ﴿أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن یَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ﴾.
وهي آية مركزية هنا، فإنه سبحانه لمّا بين الله لهم النسخ ومصلحته، وجوازه إذ هو داخل في قدرة الله وملكه، نهى الله المؤمنين أن يكثروا الاقتراحات على رسولهم، ونهاهم عن أسئلة بني إسرائيل، وطريقتهم في التعنت على أنبيائهم، وأسئلة الاعتراض على النسخ والمنسوخ.
وقد استشكل قوله: {ومن يتبدل الكفر}،
ولكن إذا علمت أثر تغيير الأحكام، وتبدل الآيات على النفوس علمت لماذا قال سبحانه ذلك، ﻭﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﺘﺰﻟﺰﻝ ﻃﻮاﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﺪ ﺗﺒﺪﻝ اﻵﻳﺎﺕ ﻭﺗﻨﺎﺳﻲ اﻷﺣﻜﺎﻡ ويثقل عليهم التحول عنه، كما وقع في تغيير القبلة. وسيأتي مزيد بيان لهذا الأمر بإذن ﷲ.
ﻭأيضا فمن أدمن الاعتراض على الوحي قاده إلى اﻟﻀﻼﻝ، ﻭدعاه إلى اﺳﺘﺒﺪاﻝ اﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻲ خاتمة بني ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، وﻫﻲ الذي يود اﻟﻴﻬﻮﺩ أن يؤول إليه المسلمون.
ثم قال: ﴿وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُوا۟ وَٱصۡفَحُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
فلما نهى الله عن مشابهة أهل الكتاب في تعنتهم وكثرة استشكالاتهم على الشرع؛ أتى السياق بمحرّض ينفّر المؤمنين عن حال أهل الكتاب، ويخبّث منزلتهم في النفس، فذكر الله أن اليهود ودوا لو كفر المسلمون، حسدا وبغيا.
وهذه عادة من عادات القرآن عند الحديث عن الكفار يعقب بتعقيب يستثير به الحمية الإيمانية، ففي سورة المائدة وفي سياق النهي عن موالاة الكافرين قال سبحانه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَكُمۡ هُزُوࣰا وَلَعِبࣰا﴾، ليكون براء المؤمنين من الكفار مبنيًا على أمرين:
- الأمر الديني المحض.
- وللحمية لما ينالهم من الهزء والسخرية، وهو من الدين أيضًا.
ثم أتى ﷻ بصورة من صور هذا الاستهزاء يستدعي به شعور الأنفة في نفوس المؤمنين، وصورة الاستهزاء بالأذان تتخايل بين أعينهم، قال ﷻ: ﴿وَإِذَا نَادَیۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوࣰا وَلَعِبࣰا﴾
وقوله: ﴿حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّ﴾، ذكر أنّ علّةَ محبتهم الشر لنا الحسد! وهذا يزيد في شناعة متابعتهم!
فكيف تشابهون من يريدون لكم الشر، ومن يحسدونكم؟
وقد وصف الله حالهم هذا مع المؤمنين بأوصاف:
- أنه من الحسد.
- وأن هذه الرغبة بكفر المسلمين من عند أنفسهم، لخبث طويتهم، وفسادها، قصدا وعمدا، لا غفلة ولا خطأ، ولا لأنهم رأوا الحق في هذا، فقال: ﴿مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم﴾،
- أن إرادتهم الشر بكم وقعت عن علم، لا عن جهل وغفلة، فقال: ﴿مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّ﴾.
وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع، كقوله تعالى: {أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ}.
وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قال ﷺ: «ما حسدتكم اليهود ما حسدتكم على السلام والتأمين».
وفي قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِیرࣱ﴾، إنصاف قرآني للمخالفين، فنسب الفعل لكثير منهم لا لجميعهم، وهذا له نظائر في القرآن، فمن ذلك قوله تعالى:
﴿ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَاةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ﴾
وقوله: ﴿یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وقوله سبحانه: ﴿تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِی بِیَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ﴾.
وغيرها كثير.
وذلك أن تمام الملك بتمام القدرة على تدبيره، وتمام القدرة بوجود مملوك تظهر فيه آثار القدرة.
ثم قال: ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِیࣲّ وَلَا نَصِیرٍ﴾، وهذا أسلوب يأتي كثيرًا في القرآن للتحذير، وهو هنا تذكير للمؤمنين أن الذي ينسخ الأحكام ويثبتها هو الولي سبحانه، الذي لا يجوز أن يتخذ من دونه ولي، فهو العالم بما يصلح عباده، وهو وليهم، وهو ناصرهم.
وفيه أن المؤمن يجب عليه أن يستحضر عند تلقيه للأحكام، أن يستحضر أن مشرعها هو الولي وهو النصير! فهل سيتلوى على الأمر؟ أو يثقل عليه الشرع؟
ولما كانت سورة البقرة هي سورة الاستجابة لأمر الله، قال ﷻ بعد ذكر مخازي اليهود، وما هم عليه من معارضات الأنبياء: ﴿أَمۡ تُرِیدُونَ أَن تَسۡـَٔلُوا۟ رَسُولَكُمۡ كَمَا سُئلَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۗ وَمَن یَتَبَدَّلِ ٱلۡكُفۡرَ بِٱلۡإِیمَـٰنِ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَاۤءَ ٱلسَّبِیلِ﴾.
وهي آية مركزية هنا، فإنه سبحانه لمّا بين الله لهم النسخ ومصلحته، وجوازه إذ هو داخل في قدرة الله وملكه، نهى الله المؤمنين أن يكثروا الاقتراحات على رسولهم، ونهاهم عن أسئلة بني إسرائيل، وطريقتهم في التعنت على أنبيائهم، وأسئلة الاعتراض على النسخ والمنسوخ.
وقد استشكل قوله: {ومن يتبدل الكفر}،
ولكن إذا علمت أثر تغيير الأحكام، وتبدل الآيات على النفوس علمت لماذا قال سبحانه ذلك، ﻭﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﺘﺰﻟﺰﻝ ﻃﻮاﺋﻒ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﺪ ﺗﺒﺪﻝ اﻵﻳﺎﺕ ﻭﺗﻨﺎﺳﻲ اﻷﺣﻜﺎﻡ ويثقل عليهم التحول عنه، كما وقع في تغيير القبلة. وسيأتي مزيد بيان لهذا الأمر بإذن ﷲ.
ﻭأيضا فمن أدمن الاعتراض على الوحي قاده إلى اﻟﻀﻼﻝ، ﻭدعاه إلى اﺳﺘﺒﺪاﻝ اﻟﻜﻔﺮ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻫﻲ خاتمة بني ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، وﻫﻲ الذي يود اﻟﻴﻬﻮﺩ أن يؤول إليه المسلمون.
ثم قال: ﴿وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُوا۟ وَٱصۡفَحُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ﴾.
فلما نهى الله عن مشابهة أهل الكتاب في تعنتهم وكثرة استشكالاتهم على الشرع؛ أتى السياق بمحرّض ينفّر المؤمنين عن حال أهل الكتاب، ويخبّث منزلتهم في النفس، فذكر الله أن اليهود ودوا لو كفر المسلمون، حسدا وبغيا.
وهذه عادة من عادات القرآن عند الحديث عن الكفار يعقب بتعقيب يستثير به الحمية الإيمانية، ففي سورة المائدة وفي سياق النهي عن موالاة الكافرين قال سبحانه: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ دِینَكُمۡ هُزُوࣰا وَلَعِبࣰا﴾، ليكون براء المؤمنين من الكفار مبنيًا على أمرين:
- الأمر الديني المحض.
- وللحمية لما ينالهم من الهزء والسخرية، وهو من الدين أيضًا.
ثم أتى ﷻ بصورة من صور هذا الاستهزاء يستدعي به شعور الأنفة في نفوس المؤمنين، وصورة الاستهزاء بالأذان تتخايل بين أعينهم، قال ﷻ: ﴿وَإِذَا نَادَیۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوࣰا وَلَعِبࣰا﴾
وقوله: ﴿حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّ﴾، ذكر أنّ علّةَ محبتهم الشر لنا الحسد! وهذا يزيد في شناعة متابعتهم!
فكيف تشابهون من يريدون لكم الشر، ومن يحسدونكم؟
وقد وصف الله حالهم هذا مع المؤمنين بأوصاف:
- أنه من الحسد.
- وأن هذه الرغبة بكفر المسلمين من عند أنفسهم، لخبث طويتهم، وفسادها، قصدا وعمدا، لا غفلة ولا خطأ، ولا لأنهم رأوا الحق في هذا، فقال: ﴿مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم﴾،
- أن إرادتهم الشر بكم وقعت عن علم، لا عن جهل وغفلة، فقال: ﴿مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّ﴾.
وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع، كقوله تعالى: {أَمۡ یَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَاۤ ءَاتَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِ}.
وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قال ﷺ: «ما حسدتكم اليهود ما حسدتكم على السلام والتأمين».
وفي قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِیرࣱ﴾، إنصاف قرآني للمخالفين، فنسب الفعل لكثير منهم لا لجميعهم، وهذا له نظائر في القرآن، فمن ذلك قوله تعالى:
﴿ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُوا۟ ٱلتَّوۡرَاةَ وَٱلۡإِنجِیلَ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُوا۟ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ مِّنۡهُمۡ أُمَّةࣱ مُّقۡتَصِدَةࣱۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ سَاۤءَ مَا یَعۡمَلُونَ﴾
وقال: {أَلَمۡ یَأۡنِ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا یَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ}، وقال: {أَوَكُلَّمَا عَـٰهَدُوا۟ عَهۡدࣰا نَّبَذَهُۥ فَرِیقࣱ مِّنۡهُمۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یُؤۡمِنُونَ}.
وحري بنا أن نكون ذوي إنصاف في أحكامنا على الخلق، وحديثنا عنهم، وفي ابن ماجه
ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﺮﻳﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﻫﺎﺟﻰ ﺭﺟﻼ، ﻓﻬﺠﺎ القبيلة ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ»!
والآية تدل على أن اليهود كانوا يرون في المسلمين علوًا عليهم، وارتفاعًا فوقهم، ولذا حسدوهم، والحاسد إنما يحسد من هو في نفسه أفضل منه، وقد قال تعالى عن المشركين: { وَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَاۤءࣰۖ}.
ثم في وسط الآيات التي تتحدث عن مقالات بني إسرائيل للمؤمنين، وإعراضهم وأذاهم، يقول الله ﷻ: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)
وسيعود بعدها السياق مرة أخرى يحكي مقالات اليهود ويعقبها بالنقض والرد.
إن هذا الأمر بالصلاة والزكاة والطاعة من التربية القرآنية للمؤمنين، وهكذا يربي القرآن النفوس على الاتزان!
فقد جاءت الوصية بالعبادة وعمران الوقت بالطاعة، عند الخصومات، وفي أوقات مدافعة المبطلين.
فحتى لا تكون عداوة العدو وحسده وكيده مشغلًا عن الطاعات.
لأن كثيرًا من النفوس مولعة بمجاذبة غيرها، تحب الجدل والخصومة، فإذا انشغلت بدفع الباطل فربما قصرت في الطاعة، وقل زادها من العبادة انشغالا بالخصومة، فمن الناس من يحب الهدم ويثقل عليه البناء.
وهدم الباطل لابد أن يقرنه بناء للحق والإيمان في القلب.
والقلب محتاج إلى التعبد والطاعة التي تقويه في دفع المبطلين.
وقد حث الله المؤمنين على الطاعة بتذكيرهم بثلاثة أمور:
- أن كل طاعة يعملها المؤمن فهي لنفسه، وهي تقدمة منه لها، فلينظر كيف يقدم لها!
- وأن كل طاعة سيجدها المؤمن عند الله، وقوله تعالى: ﴿تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ﴾، أسلوب فيه تودد من الكريم ﷻ، والعندية هنا عندية حقيقية، فالمؤمن في الجنة في علو وقرب من الله بحسب طاعته، والفردوس أعلى الجنة.
- تذكير المؤمن بنظر الله وبصره له في عبادته، فينبعث للطاعة مستحضرًا ذلك، وذاك مما ينشط نفسه للعبادة، ويقوّي قلبه على الطاعة، ويعظم إخلاصه.
والعلم عند الله.
وحري بنا أن نكون ذوي إنصاف في أحكامنا على الخلق، وحديثنا عنهم، وفي ابن ماجه
ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﺇﻥ ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﺮﻳﺔ ﻟﺮﺟﻞ ﻫﺎﺟﻰ ﺭﺟﻼ، ﻓﻬﺠﺎ القبيلة ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ»!
والآية تدل على أن اليهود كانوا يرون في المسلمين علوًا عليهم، وارتفاعًا فوقهم، ولذا حسدوهم، والحاسد إنما يحسد من هو في نفسه أفضل منه، وقد قال تعالى عن المشركين: { وَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَاۤءࣰۖ}.
ثم في وسط الآيات التي تتحدث عن مقالات بني إسرائيل للمؤمنين، وإعراضهم وأذاهم، يقول الله ﷻ: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)
وسيعود بعدها السياق مرة أخرى يحكي مقالات اليهود ويعقبها بالنقض والرد.
إن هذا الأمر بالصلاة والزكاة والطاعة من التربية القرآنية للمؤمنين، وهكذا يربي القرآن النفوس على الاتزان!
فقد جاءت الوصية بالعبادة وعمران الوقت بالطاعة، عند الخصومات، وفي أوقات مدافعة المبطلين.
فحتى لا تكون عداوة العدو وحسده وكيده مشغلًا عن الطاعات.
لأن كثيرًا من النفوس مولعة بمجاذبة غيرها، تحب الجدل والخصومة، فإذا انشغلت بدفع الباطل فربما قصرت في الطاعة، وقل زادها من العبادة انشغالا بالخصومة، فمن الناس من يحب الهدم ويثقل عليه البناء.
وهدم الباطل لابد أن يقرنه بناء للحق والإيمان في القلب.
والقلب محتاج إلى التعبد والطاعة التي تقويه في دفع المبطلين.
وقد حث الله المؤمنين على الطاعة بتذكيرهم بثلاثة أمور:
- أن كل طاعة يعملها المؤمن فهي لنفسه، وهي تقدمة منه لها، فلينظر كيف يقدم لها!
- وأن كل طاعة سيجدها المؤمن عند الله، وقوله تعالى: ﴿تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ﴾، أسلوب فيه تودد من الكريم ﷻ، والعندية هنا عندية حقيقية، فالمؤمن في الجنة في علو وقرب من الله بحسب طاعته، والفردوس أعلى الجنة.
- تذكير المؤمن بنظر الله وبصره له في عبادته، فينبعث للطاعة مستحضرًا ذلك، وذاك مما ينشط نفسه للعبادة، ويقوّي قلبه على الطاعة، ويعظم إخلاصه.
والعلم عند الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيبدأ البث الآن، بإذن ﷲ، على القناة العامة.
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
سيبدأ البث الآن، بإذن ﷲ، على القناة العامة.
https://www.tgoop.com/mohdromih_drs
🔍 محتويات القناة (المقروء والمسموع):
🏷 سورة الفاتحة، (🎤مسموع/ pdf).
🏷 سورة البقرة:
١- من آية (١ - ١٦)، (🎤/ pdf)
٢- من آية (١٧ - ٢٧)، (🎤/ pdf)
٣- من آية (٢٨ - ٣٩)، (🎤/ pdf)
٤- من آية (٤٠ - ٤٦)، (🎤/ pdf)
٥- من آية (٤٧ - ٥٧)، (🎤/ pdf)
٦- من آية (٥٨ - ٦١)، (🎤/ pdf)
٧- من آية (٦٢ - ٧٤)، (🎤/ pdf)
٨- من آية (٧٥ - ٨٢)، (🎤/ pdf)
٩- من آية (٨٣ - ٨٦)، (🎤/ pdf)
١٠- من آية (٨٧ - ٩٣)، (🎤/ pdf)
١١- من آية (٩٤ - ٩٦)، (🎤/ pdf)
١٢- من آية (٩٧ - ١٠١)، (🎤 / pdf)
١٣- من آية (١٠٢- ١٠٥)، (🎤 / pdf)
١٤- من آية (١٠٦- ١٠٩)، (🎤 )
١٥- من آية (١١٠- ١١٣)، (🎤 )
١٦- من آية (١١٤- ١٢٣)، (🎤 )
١٧- من آية (١٢٤- ١٢٩)، (🎤 )
١٨- من آية (١٣٠- ١٣٣)، (🎤 )
١٩- من آية (١٣٩- ١٤١)، (🎤 )
٢٠- من آية (١٤٢- ١٤٣)، (🎤 )
٢١- من آية (١٤٤- ١٤٦)، (🎤 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
🔗 قائمة تشغيل المجالس في قناة اليوتيوب
🏷 سورة الفاتحة، (🎤مسموع/ pdf).
🏷 سورة البقرة:
١- من آية (١ - ١٦)، (🎤/ pdf)
٢- من آية (١٧ - ٢٧)، (🎤/ pdf)
٣- من آية (٢٨ - ٣٩)، (🎤/ pdf)
٤- من آية (٤٠ - ٤٦)، (🎤/ pdf)
٥- من آية (٤٧ - ٥٧)، (🎤/ pdf)
٦- من آية (٥٨ - ٦١)، (🎤/ pdf)
٧- من آية (٦٢ - ٧٤)، (🎤/ pdf)
٨- من آية (٧٥ - ٨٢)، (🎤/ pdf)
٩- من آية (٨٣ - ٨٦)، (🎤/ pdf)
١٠- من آية (٨٧ - ٩٣)، (🎤/ pdf)
١١- من آية (٩٤ - ٩٦)، (🎤/ pdf)
١٢- من آية (٩٧ - ١٠١)، (🎤 / pdf)
١٣- من آية (١٠٢- ١٠٥)، (🎤 / pdf)
١٤- من آية (١٠٦- ١٠٩)، (🎤 )
١٥- من آية (١١٠- ١١٣)، (🎤 )
١٦- من آية (١١٤- ١٢٣)، (🎤 )
١٧- من آية (١٢٤- ١٢٩)، (🎤 )
١٨- من آية (١٣٠- ١٣٣)، (🎤 )
١٩- من آية (١٣٩- ١٤١)، (🎤 )
٢٠- من آية (١٤٢- ١٤٣)، (🎤 )
٢١- من آية (١٤٤- ١٤٦)، (🎤 )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
🔗 قائمة تشغيل المجالس في قناة اليوتيوب
Telegram
رياض الصالحين القرآنيـة
.
﷽
سورة الفاتحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في البخاري ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﻠﻰ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻠﻲ، ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺒﻪ، ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ…
﷽
سورة الفاتحة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
في البخاري ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﻌﻠﻰ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻠﻲ، ﻓﺪﻋﺎﻧﻲ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻠﻢ ﺃﺟﺒﻪ، ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ…
رياض الصالحين القرآنيـة pinned «🔍 محتويات القناة (المقروء والمسموع): 🏷 سورة الفاتحة، (🎤مسموع/ pdf). 🏷 سورة البقرة: ١- من آية (١ - ١٦)، (🎤/ pdf) ٢- من آية (١٧ - ٢٧)، (🎤/ pdf) ٣- من آية (٢٨ - ٣٩)، (🎤/ pdf) ٤- من آية (٤٠ - ٤٦)، (🎤/ pdf) ٥- من آية (٤٧ - ٥٧)، (🎤/ pdf) ٦- من آية (٥٨ - ٦١)، (🎤/…»
Forwarded from قناة: محمد آل رميح. (محمد آل رميح)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سيكون الرجوع لدروس التفسير والتدبر من يوم غد، بإذن الله.
ثلاثة أيام في الأسبوع:
- الأحد.
- الثلاثاء.
- الخميس.
بين المغرب والعشاء، بإذن ﷲ.
سيكون الرجوع لدروس التفسير والتدبر من يوم غد، بإذن الله.
ثلاثة أيام في الأسبوع:
- الأحد.
- الثلاثاء.
- الخميس.
بين المغرب والعشاء، بإذن ﷲ.
• سيبدأ البث -بإذن الله- بعد ربع ساعة، على هذه القناة: قناة رياض الصالحين القرآنية.