tgoop.com/madarek31/524
Last Update:
لماذا لم يوقف "الضمير العالمي" المذابح والانتهاكات الوحشية؟!!
أحرقت المذابح الوحشية التي صمت عنها العالم مؤخراً كل شعارات "حقوق الإنسان" و "الإنسانية" و "الضمير العالمي"، واستحالت رماداً وراء رائحة الموت المروعة، ووصل تردي الحال بإنسان هذا العصر؛ أن يعتاد الانهيار والقبح والتدهور من حوله.
ولكن يبقى السؤال قائماً: لماذا لم توقف الهيئات والقوى العالمية هذه المذابح وفق تلك الشعارات التي أنتجتها ورددتها ردحاً طويلاً؟؟
لا تنفك إجابة السؤال عن الجذور التي انطلقت منها الشعارات والسياسات التي تسوس الأنظمة الدولية، والأبعاد الأخلاقية وراءها:
فقد انفلت عقال الإنسان الحديث عن كل مرجعية إلهية للمبادئ والقيم، وصدقت عليه الدلالات التي تمثلها مقولة هوركهايمر أنه باستبعاد فكرة الإله سوف يستبعد كل معنى مطلق، أو حقيقة، أو أخلاق، حيث لن تكون سوى مسألة ذوق ومزاج أو نزوة، وأننا لن نجد سبباً يعلل كرهنا للظلم، أو كون الحرب أسوأ من السلم.
لقد دأب الإنسان الحديث إلى تدمير قوة الدين الصحيح، الذي علمه كيف يتجنب الشر ويسعى إلى الخير، ثم عاد يتساءل بعد ذلك عن معنى الشر والخطيئة.
فبعد إقصاء الدين من الحياة والعالم، عمدت الرؤية العلمانية إلى استبعاد القيم الخلقية من العلاقات الإنسانية، وهجرت كل أثر للدوافع الأخلاقية في سائر التعاملات البشرية، إلى الحد الذي أصبحت تستبيح لنفسها أي تحرك لتحقيق المنافع الذاتية الأنانية في مجال العلاقات الدولية، وتبرر كل فعل تحقق به مصلحتها القومية الخاصة على حساب الآخرين.
وتبع ذلك إنكار مقولة الحقيقة في مجالات الأخلاق الإنسانية والقيم والمعاني، فهناك ادعاءات كثيرة أن هذه المعاني والقيم والأخلاق لا تتعدى كونها من الأشياء التي يبنيها البشر لأتفسهم، بشكل ذاتي وعرضي.
ثم كانت النتيجة أن الحياة البشرية في العالم الغربي اليوم اتسمت بمجموعة واسعة جداً من ادعاءات الحقيقة المتناقضة التي تتعلق بالقيم الإنسانية والرغبات والمطامع والأعراف والمعايير والأخلاق والمعنى.
فإذا اختلقنا قيمنا وأخلاقنا بأنفسنا، فلن تكون هناك أسس لإدانة التعذيب والمذابح سوى الميول والتفضيلات، وإذا كانت جميع القيم الأخلاقية اعتباطية، فلا يمكن أن يكون هناك خطأ في الاغتصاب أو القتل أو أي شيء آخر، بقطع النظر عن القوانين المعمول بها.
وفي غياب مفاهيم جامعة للحياة المشتركة، يصبح مجال السبب المنطقي ضعيفاً، لأن الزمن الذي يحدث فيه دمار ثقافي؛ تتجاوز مخاطره المجاعات وتفشي الأمراض، لتصل إلى فقدان المفاهيم.
ووفق ذلك فإن القانون الدولي الحاكم ليس إلا اتفاقاً مناسباً لجماعة إنسانية، ولذا كان نسبياً لا يكف عن التغير، ولم يكن ذلك إلا نتيجة متاهات المواضعات والأعراف النسبية، وعدم اتفاق صناع هذه القوانين على مقاييس ثابتة لمعنى كل من الخير والشر، فلم يبق إلا رعونات النفس الإنسانية وأهواءها.
وحينها نرى مصداق منطق أحد لوردات فرنسا واضحاً: أن الإنسان إذا ما ترك على طبيعته يكون أكثر شراسة من أشد الحيوانات شراسة، وتنطبق عليه مقولة "ما الإنسان إلا مجموعة من الغرائز"، فإذا كان للإنسان الحرية المطلقة، والقوة المطلقة، وكان لبقية البشر قدر من هذه الحرية والقوة؛ فستكون النتيجة الحرب من الكل على الكل.
قناة مدارك
https://www.tgoop.com/madarek31
BY قناة مدارك
Share with your friend now:
tgoop.com/madarek31/524