MANBARHOSYANE3 Telegram 762
قيل: ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام:
الأول: ما يكون ظاهره وباطنه لله، كالطاعات والخيرات الخالصة.
الثاني: ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا، كالمعاصي وكثير من المباحات أيض، لأنّها مبدء البطر والغفلة.
الثالث: ما يكون ظاهره لله وباطنه للدّنيا، كالأعمال الريائية.
الرابع: عكس الثالث، كطلب الكفاف لحفظ بقاء البدن، والقوة على العبادة، وتكميل النفس بالعلم والعمل11.

خطورة حب الدنيا وعلاجه

إن الإقبال على الدنيا والاستغراق فيها يؤدي بالإنسان إلى الانزلاق في وحول الأخطاء والمعاصي، ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا"12، وذلك لأنّ خصال الشرّ مطوية في حبّ الدّنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليه، ولذا قال الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾13.

و يمكن التخلّص من حبّ الدنيا بأمور:

1- العلم بمقابحها ومنافع الآخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين:
جاء في الكافي في الصحيح عن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ الله تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ كَثُرَ هَمُّهُ وَلَمْ يُشْفَ غَيْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ فَقَدْ قَصُرَ عَمَلُهُ وَدَنَا عَذَابُهُ"14.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له"15.

2- الصبر على البلايا وما فات من الدنيا:
والحاصل أنّه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾16، وسائر الآيات الواردة في ذم الدنيا وفنائها، ومدح الرضا بقضائه تعالى، تقطّعت نفسه للحسرات على المصائب، وعلى ما فاته من الدنيا، وربما يحصل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها.

3- عدم النظر إلى أهل الترف:
(وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ)، أيْ: نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا، وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسّر وتمن (كَثُرَ هَمّهُ)، لعدم تيسّرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه، إلّا بأنْ يحصل له أكثر مِمّا في أيديهم، أو يسلب الله عنهم جميع ذلك، ولا يتيسر له شيء من الأمرين، فلا يشفي غيظه أبداً ولا يتهنّأ له العيش.

لذلك عليه أن ينظر إلى من هو دونه دنيوياً حتى يقنع ولا يحسد، ورد عن الامام الرضا عليه السلام: "انظر إلى من هو دونك في المقدرة ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك، وأحرى أن تستوجب زيادة"17.

4- أن ينظر إلى النعم الإلهية غير الظاهرة:
(وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ)، أيْ: مَنْ توهّم أَنَّ نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها فإذا فقدها أو شيئاً منها ظنّ أنّه ليس لله عليه نعمة، فلا ينشط في طاعة الله، وإنْ عمل شيئاً مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبّل منه، فيكون عمله قاصراً وعذابه داني، لأنَّ هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة، والصحة ودفع شرّ الأعادي وغيرها مما لا يحصى، وإن أردت أن تعرف نعم الله عليك فاغمض عينيك.

والحاصل: أَنَّ من لم يصبر أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا، بل أراد الزيادة في المال والجاه مِمّا لم يرزقه إياه تقطعت نفسه حسرة بعد حسرة على ما يراه في يدي غيره مِمَّن فاق عليه في العيش، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس، ومن اتّبع بصره ما في أيدي الناس كثر همّه، ولم يشفَ غيظه، فهو لم يرَ أَنَّ لله عليه نعمة إِلَّا نعم الدُّنيا، وإنّما يكون كذلك من لا يؤمن بالآخرة، ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله، وإذ ليس له من الدنيا إِلَّا قليل بزعمه، مع شدة طمعه في الدنيا وزينتها فقد دنا عذابه، نعوذ بالله من ذلك.

ومنشأ ذلك كلّه الجهل وضعف الإيمان. وأيضاً لمّا كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليهم عاجلاً وآجلاً، لا جرم مَنْ لم يرَ من النعم عليه إِلَّا القليل، فلا يصدر عنه من العمل إِلَّا القليل، وهذا يوجب قصور العمل ودنوّ العذاب.

مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ



tgoop.com/manbarhosyane3/762
Create:
Last Update:

قيل: ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام:
الأول: ما يكون ظاهره وباطنه لله، كالطاعات والخيرات الخالصة.
الثاني: ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا، كالمعاصي وكثير من المباحات أيض، لأنّها مبدء البطر والغفلة.
الثالث: ما يكون ظاهره لله وباطنه للدّنيا، كالأعمال الريائية.
الرابع: عكس الثالث، كطلب الكفاف لحفظ بقاء البدن، والقوة على العبادة، وتكميل النفس بالعلم والعمل11.

خطورة حب الدنيا وعلاجه

إن الإقبال على الدنيا والاستغراق فيها يؤدي بالإنسان إلى الانزلاق في وحول الأخطاء والمعاصي، ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا"12، وذلك لأنّ خصال الشرّ مطوية في حبّ الدّنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليه، ولذا قال الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾13.

و يمكن التخلّص من حبّ الدنيا بأمور:

1- العلم بمقابحها ومنافع الآخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين:
جاء في الكافي في الصحيح عن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ الله تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ كَثُرَ هَمُّهُ وَلَمْ يُشْفَ غَيْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ فَقَدْ قَصُرَ عَمَلُهُ وَدَنَا عَذَابُهُ"14.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له"15.

2- الصبر على البلايا وما فات من الدنيا:
والحاصل أنّه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾16، وسائر الآيات الواردة في ذم الدنيا وفنائها، ومدح الرضا بقضائه تعالى، تقطّعت نفسه للحسرات على المصائب، وعلى ما فاته من الدنيا، وربما يحصل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها.

3- عدم النظر إلى أهل الترف:
(وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ)، أيْ: نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا، وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسّر وتمن (كَثُرَ هَمّهُ)، لعدم تيسّرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه، إلّا بأنْ يحصل له أكثر مِمّا في أيديهم، أو يسلب الله عنهم جميع ذلك، ولا يتيسر له شيء من الأمرين، فلا يشفي غيظه أبداً ولا يتهنّأ له العيش.

لذلك عليه أن ينظر إلى من هو دونه دنيوياً حتى يقنع ولا يحسد، ورد عن الامام الرضا عليه السلام: "انظر إلى من هو دونك في المقدرة ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك، وأحرى أن تستوجب زيادة"17.

4- أن ينظر إلى النعم الإلهية غير الظاهرة:
(وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ)، أيْ: مَنْ توهّم أَنَّ نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها فإذا فقدها أو شيئاً منها ظنّ أنّه ليس لله عليه نعمة، فلا ينشط في طاعة الله، وإنْ عمل شيئاً مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبّل منه، فيكون عمله قاصراً وعذابه داني، لأنَّ هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة، والصحة ودفع شرّ الأعادي وغيرها مما لا يحصى، وإن أردت أن تعرف نعم الله عليك فاغمض عينيك.

والحاصل: أَنَّ من لم يصبر أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا، بل أراد الزيادة في المال والجاه مِمّا لم يرزقه إياه تقطعت نفسه حسرة بعد حسرة على ما يراه في يدي غيره مِمَّن فاق عليه في العيش، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس، ومن اتّبع بصره ما في أيدي الناس كثر همّه، ولم يشفَ غيظه، فهو لم يرَ أَنَّ لله عليه نعمة إِلَّا نعم الدُّنيا، وإنّما يكون كذلك من لا يؤمن بالآخرة، ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله، وإذ ليس له من الدنيا إِلَّا قليل بزعمه، مع شدة طمعه في الدنيا وزينتها فقد دنا عذابه، نعوذ بالله من ذلك.

ومنشأ ذلك كلّه الجهل وضعف الإيمان. وأيضاً لمّا كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليهم عاجلاً وآجلاً، لا جرم مَنْ لم يرَ من النعم عليه إِلَّا القليل، فلا يصدر عنه من العمل إِلَّا القليل، وهذا يوجب قصور العمل ودنوّ العذاب.

مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ

BY قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني


Share with your friend now:
tgoop.com/manbarhosyane3/762

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

While the character limit is 255, try to fit into 200 characters. This way, users will be able to take in your text fast and efficiently. Reveal the essence of your channel and provide contact information. For example, you can add a bot name, link to your pricing plans, etc. Private channels are only accessible to subscribers and don’t appear in public searches. To join a private channel, you need to receive a link from the owner (administrator). A private channel is an excellent solution for companies and teams. You can also use this type of channel to write down personal notes, reflections, etc. By the way, you can make your private channel public at any moment. As of Thursday, the SUCK Channel had 34,146 subscribers, with only one message dated August 28, 2020. It was an announcement stating that police had removed all posts on the channel because its content “contravenes the laws of Hong Kong.” A vandalised bank during the 2019 protest. File photo: May James/HKFP. According to media reports, the privacy watchdog was considering “blacklisting” some online platforms that have repeatedly posted doxxing information, with sources saying most messages were shared on Telegram.
from us


Telegram قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني
FROM American