عالج قلبك بهذه الحِيَل:

قال أبو حامد الغزالي في (بداية الهداية، ص١٣٥-١٣٦):

قاعدة:

"ما كان نفعُه ومصلحتُه عامةً؛ كان خيرًا مقصودًا، ورحمةً محبوبةً، وإن تضرَّر به بعض الناس".

(مجموع فتاوى ابن تيمية، ٩٤/٨)

‏آية العاقل إذا أبصر انقلاب أحوال طائفة من المنتسبين إلى العلم، وسمع ما يسيل على ألسنتهم من صهارة قلوبهم المضطربة، أن يغبط العامي الذي عرف ما يلزمه من أمر دينه، وعمل به، وأقبل على الكسب الحلال، ولم يتأخَّر عن طاعة ربِّه، ولم يفتر لسانه عن الذكر والتلاوة، ولم يُسبَق إلى أبواب البر والصلة، ولم يُرَ في مجالس الزور والجهل، ولم يضطره مقامه إلى جرح بغير بيِّنة، أو حكم بغير برهان؛ رعاية لصاحبٍ ساحب، أو طائفة مؤالِفة.

أحدهم بعد أن شحن حسابه بالتعلق بأقوام طفحت كتب سادات المصنِّفين بذمِّ طريقتهم وأحوالهم، سمَّى إمامًا كبيرًا من أئمة الدين، وجبلًا من جبال تعظيم رب العالمين وسنة سيد المرسلين، فقال: "لا شك أن له أخطاء كبرى"!

أخطاء كبرى؟!

والله لو كنتَ بائعًا للفجل في قريتك، تغسله كل يوم بدموع خشيتك وأنت تتلو كتاب ربك، ولا تعرف من العلم غير ما تسمعه في خُطَب الجُمَع من الأحكام والسنن، ولم تُشغَل بالخلق عن خالقهم؛ لكان خيرًا لك من كل كرسي جلست عليه معلمًا للناس، ومن كل كتاب أخرجته لهم، إذا لم تميز بين مقامات الولاية ودركات الغواية، وجعلت الخطرات والوسواس والشطحات في الخيرية فوق منزلة الفقه في الدين.

‏على الشيخ أن يُديم الاستعاذة من شر طلابه، وأن يكرر الاستخارة والسؤال والنظر قبل ابتداء أي علاقة بطالب علم، فإني أرى في تقلب بعض الأحوال شواهد لهذا وبواعث عليه.

رأيت من الطلاب من إذا أحسَّ قصورًا في شيخه؛ كضعف اطلاعه على السنن، أو اشتغاله ببعض العلوم، أو تصوره لبعض الأحوال؛ قرَّب إليه وسائلها، وأهدى إليه كتبها، بلطف بالغ وأدب عالٍ، فصار الشيخ يذكر فضل تلميذه كما يذكر التلميذ فضله شيخه.

ورأيت من إذا رأى سماحة شيخه وانبساط نفسه للطلاب وكثرة بذله لهم وأخْذِهم عنه، جاهد في ردِّه عن هذه السبيل، واحتال لنزع هذا السمت عنه، باختلاق الأحداث، واختراع المعايب، ونفخ بالون الأخطار، لينثني له الشيخ آخرًا، فيعبس وجهه بعد انبساطه، ويزل لسانه في حُفر اللمز والوقيعة، ويستوي قلمه على صحائف الجور في تصريف الكلام، والزور في تحريف المرام.

"ومن عنده مثقال ذرة من الشعور، وله أدنى مُسكة من العقل؛ يحكم عليها [أي على عقائدهم] بالبطلان، غير محتاج إلى إثبات المدعي ببينة وبرهان؛ لما أن بطلانها من الأمور البديهية، التي لا تحتاج إلى تأمل وإعمال فكر وروية، لهذا لم أصوب نحوها سهام الاعتراض والقدح، ولم أقابلها بصارم الرد والجرح؛ بل اكتفيت بإظهار مكنوناتها للأنام، وإشهار مخبَّآتها للخاص والعام".

صدق العالم الدمشقي الناصح، رحمه الله تعالى، ولطَف بمن خلَفه في دمشق.

في تفسير الإمام ابن أبي زمنين (٣١٥/٤)، وهو مختصر من تفسير الإمام يحيى بن سلام -رحمهما الله تعالى-:

"﴿إِن الْإِنْسَان لفي خسر﴾ من الجنة، ثم استثنى من الناس فقال: ﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ بالتوحيد ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ﴾ على الفرائض".

هم -والله- شرٌّ من الخوارج #يا_بني، وألعن، وأضل، وأبعد، وأنقض للعهد، وأخون للأمانة، فلا يصرفك عن نظر العلماء رَقَصَة الإعلاميين، ومن رقص رقْصَهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى (٤٧٦/٢٨):

‏قال لي: بدأت طلب العلم على مذهب فقهي من المذاهب الأربعة، وكان ذهني مصروفًا بكُلِّيَّتِه إلى حسن تصور المسائل، ومعرفة المعتمد، والانضباط في العمل. ثم أُدخلت قهرًا في جدال اللوازم الخارجة عن مقصود الفقه، فلا بد ليصح انتسابك إلى مذهبك الفقهي أن تكون كذا، وأن تلتزم بكذا، وما موقفك من هولاء وأولئك، وأنا الآن مشوَّش الذهن كئيب حائر متردد، فلم يقنعني أحد بحجة، وإنما بأسماء وسيَر وتواريخ ونقول شاردة مع مزج ذلك كله بالترهيب بعدم الاعتراف بانتسابي وسيرتي العلمية، فماذا أصنع؟

قلت: إذا التزمت ما أنت عليه الآن، ثم قمت بين يدي الله مصلِّيًا، ثم انصرفت من صلاتك وذهبت تبيع وتشتري، ثم بشرتني في الليل بأنك عقدت على فتاة صالحة، وقد التزمت في عبادتك وبيعك وعقدك ونكاحك مذهب الشافعي أو أحمد أو غيرهما، فهل للمعترضين عليك والمُلزِمين لك مدخلٌ إلى ردِّ صلاتك، وإبطال معاملتك، وفسخ نكاحك؛ لأنهم لم يرضوا بنسبتك إلى هذا المذهب أو ذاك؟

قال: لا.

قلت: فلم تبقَ مشكلة إذًا إلا أن تقول لي: لقد طلبت فقه المذهب لأنال كرسيًا، وليجلس لي الناس، وليستفتيني الخلق، ولتُشهَر كُتبي، وليُشار إلي، وليُرغَم مخالفي ومخاصمي، وهو ما لا أظنه بك.

يا أخي، إنما يطلب العلم على الحقيقة من يريد العمل، ومن يريد بالعلم العمل فالأصل أنه يريد وجه الله والدار الآخرة، فيلاحظ الحق لا الخلق في عقده ونطقه، ويبني على طريقة مأمونة موصلة إلى مراد الله ومراد رسوله ﷺ يقينًا أو ظنًّا، ويلزم جادة الاحتياط لدينه، والسلامة لقلبه، وهو ما يقوده إلى امتثال أحسن ما يعلم، وأقرب ما يظنُّه موافقًا لمراد الله ومراد رسوله ﷺ، وقبول الحق ممن أصابه في باب وإن أخطأه في آخر، والكفِّ عما يشتبه عليه، والسكوت عما يجهل.

وهذه النزاعات التي تراها الآن نزاعات مدارس على تسيُّد الساحة الدينية، ركنها الشديد السياسة، ومجددوها من يقدمون إرث القوم على دين القيوم، وجندها خليط من متقلِّبي الفكر والأمزجة، وأصحاب ردود الفعل النفسية والاجتماعية، ومن ثقُل عليهم إلقاء الحقد عن قلوبهم فقلَّبوه بين المذاهب والبلدان، ومن يروم منزلة في بلده، أو أمانًا ورزقًا فيه أو في غيره، وقليل ممن يحسب أنه ينصر دين الله.

فانصرف بقلبك عن هذا كله إلى حقيقة مقصود العلم، من تعظيم الله وتوحيده وامتثال أمره ونهيه. واعلم أنك لن تُلام بعدم الأخذ بزيادات لم تطمئن إلى نسبتها، وبشروط لم تحقق صحتها، وأنك لن تعدم المعلم الناصح، والمرشد الصالح، والقرين المعين. وإذا ضاقت عليك سُبُل العلم، فالتمس السعة في تلاوة كلام ربك متدبِّرًا طالبًا للهُدى، وتنزَّه في رياض سنة نبيِّه ﷺ ملاحظًا حقيقة الامتثال والأدب وحسن السير وكمال السيرة، ثم عُدْ بهذا الصفاء والاتساع على كتب العلم آخذًا ما صفا، تاركًا ما كدر، سائلًا عما تجهل، ظانًّا الخير فيما أشكل، ثم اشكر للمصيب، واستغفر للمخطئ، وادعُ للجميع، والسلام.

هل قرأت شيئًا #يا_بني عن الرياضات الروحية واستجلاب الصفاء المعنوي ومجاهدة الرذائل الخلقية والعروج النفسي عند متقدمي الفلاسفة وبعض الوثنيات القديمة والجديدة في شبه القارة الهندية وغيرها، وما لهم من النظريات والوسائل في هذه السبيل؟

اقرأ وسترى العجب، ثم سل نفسك: أكان هذا كافيًا لتصحيح قولهم في الإلهيات، وتقديم طريقتهم في الدين، ورجاء النجاة لهم يوم الدين؟!

أقول لك هذا لأن بعض من تلوَّثت فِكَرُهم وتقذَّرت نفوسهم جعل هذه المنازل كافية لتقديم منهج والإزراء على غيره في دين الإسلام، ولم يجعل المعيار موافقة الشرع المنزَّل ونقَلَتِه الأُوَل.

ومثل هذا الاحتجاج مسكِّن مؤقت لمن اضطربت روحه وغلبت أدواؤه، ومخرج لمن يطلب السلامة لدنياه، والقبول لذاته، والحمية لقومه وإقليمه، أما من تحرر قلبه حقًّا من قيود الغلَبَة الأرضية، وتطلَّع صدقًا إلى المنازل السماوية، فإنه يجعل خطاب الوحي بين عينيه وملء أُذنيه، به يزِن ويُسِرُّ ويُعلن، وهذه منزلة سهلة في نفسها لولا تقيُّدها بالتوفيق الإلهي.

اللهم وفقنا وإخواننا إلى القوة في أخذ الكتاب، والإحسان في موافقة الخطاب، لا حول ولا قوة إلا بك.

‏وصلنا إلى درجة إلقاء كلام أئمة العلم وأوعية التواريخ وراء ظهورنا، والاستناد إلى شاعر يمدح يومًا ويذمُّ آخر، كأي شاعر.

شاعر قال لأتاتورك يومًا:

"يا خالدَ التُركِ جدِّد خالدَ العَرَبِ".

ثم عاد يلوم نفسه قائلًا:

"مالي أطوِّقهُ الملامَ، وطالما
قلَّدتهُ المأثورَ من أمداحي".

يا ليتكم لم تمسكوا كتابًا ولا قلمًا في حياتكم.

إذا رأيت الرجلَ انقلب بين ليلة وضحاها مع طائفة من الخلق، وصار سابقها إلى ما تتثاقل إليه، والمعبِّر عما تزوِّر، والصائح بما تهمس به؛ فاعلم أن هلاكه من قِبَلهم، وأنه لما أوى إليهم إنما كان يطرق باب نهاية أمره وضياع سعيه، وانتظر يومًا يخرج فيه ليحكي لك كيف بذَل وكيف خُذِل!

▫️ ‏مُعظم العمايات في مسائل الفقه من ترك الأولين تفصيلَ أمور كانت بيّنةً عندهم.

‏▫️هذا ما كتبه إمام الحرمين الجويني في نهاية المطلب قبل زهاء ألف سنة، وكلامه وإن كان في الفقه فهو يصدق على سائر العلوم.

وليت الذين يحثون الطلبة على الرجوع إلى مصنفات السابقين وحدها، والإعراض عن كتب المتأخرين التي مهدت من قواعد العلم، وذللت من صعوبته = يفقهون هذه الحقيقة.

▫️فإن الأمر الظاهر المشهور في حق القرون الماضية أصبح من مشكلات العلم، ومستغلقات المسائل في حق عصورنا الحاضرة!

https://www.tgoop.com/AAlthikrallah

اعتلال المنظومة الفقهية في زماننا آتٍ من طغيان نمط "طالب العلم الباحث" على "طالب العلم الدارس".
وجُلّ النقدات لنظام دراسة المتون والحواشي أتى استلابًا لمرحلة بداية الأكاديميا البحثية في المنطقة.
فيا أيها الشاب:
إذا أردت ألا تندم في مشيبك فعد لنظام الأسلاف في التعلم، اثن ركبتيك لفك عبارات المتون، وعلق الحواشي، ودقق النظر في الحدود والقيود والشروط والأدلة والتقسيمات والمعتمد والأوجه والروايات والإيرادات والاعتراضات، واحفظ المنظومات وانظم المحفوظات.
ذاكر وحرر واستشكل واصبر على طريق الدرس.
طريق طويل وغير ماتع وفيه جهد وتعب وتفريغ للوقت والذهن وترك للفضول؛ لكنه الطريق الحق للتعلم.
تُريد أن تكون باحثًا -من بداياتك- وتقفز على مسألة لم تدرس سابقها ولن تدرس لاحقها ثم تجمع من محركات البحث نقولات ترتبها، وتظن أنك بهذا قد صرت عالمًا!
هيهات !
إني لك ناصح.

قاعدة:

"‏النفوس تؤثر الخير تكلُّفًا، والشرَّ طبعًا".

(الوشي المرقوم للضياء ابن الأثير، ص١٦٣)

أميل قبل الرد على رادٍّ علي طالبٍ للجدال إلى النظر في حسابه قبل الرد؛ لأرى طريقته فيه وما ترجِّحه لي من الرد أو الإعراض، وكذا ما ترشدني إليه من أنفع طرق الرد.

وهذه الطريقة هي التي عبَّر عنها أبو حامد الغزالي -رحمه الله- بقوله في "إلجام العوام" بـ(النظر في الشمائل). 👆