أخي #طالب_العلم، إذا رزقك الله أبوين مؤمنين على حظ من البصيرة والرحمة؛ فأدْمِن مشورتهما في كل أمرك، حتى ما تنويه من أمر العلم والبحث والرد والحكم، فإنك واجدٌ -بإذن الله- البركة الواصلة بما هو خير، والعاصم المانع مما لا ينبغي منك ولا يليق بك، وإن عدمتهما فالتمس ناصحًا محبٍّا من أهل بِرِّهما أو صالح القرابة ونحوهما تنزله منزلتهما في ذلك، ولا تلقِ بكل سمعك وبصرك وقلبك إلى الشيخ المعلم، فما أهلكَ بعض طلاب العلم مثل الانطراح بين يدي شيخ رُزِق علمًا شابَه حبُّ الانتصار للنفس والاستبداد بالرأي، وشانَه الاستعجال في الإنكار والاسترسال في الوقيعة في الخلق، ثم لا يجد غير هذا الطالب المنقطع من كل سبب ونسب يحمِّله من رديء طباعه وساقط قوله ما لا يقدر على نقله وإظهاره بين الخلق، فيغدوا إليه الطالب مؤمِّلًا أن يكون كنيفَ عِلْمٍ وفضلٍ، ويروح منه وقد صار كنيفَ رذائل ونقائص.

‏قال أبو عبدالله الحميدي في (جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، ص٦) في ذكر فضائل تلك البلاد:

"ومن فضلها أنه لم يُذكر قَطُّ على منابرها أحدٌ من السلف إلا بخير، وإلى الآن".

وأقول: والله إن حفظ مقامات الصحابة وآل بيت النبي ﷺ وتابعيهم بإحسان من أقوى أعمدة قيام الأمم، وأغنى مصادر بقائها، وإذا شاع في أمة ذكر السابقين بالإيمان بسوء؛ فقد دبَّ دبيب الضعف في أركانها، وتطرَّق النخر إلى أصولها.

#يا_بني، إذا زعمت أنك تحبنِّي فنسبت إلي من الفضائل ما لم أحُزْ، وعزوت إلي من العلوم ما لم أحْوِ، واختلقت أو استرقت لي من الأخبار والتواريخ والآثار ما لم أطوِ ولم أروِ؛ فما أحببتني على الحقيقة، وإنما أردت أن يكون لك العلو على الخلق بما تُراكمه على ظهري من التزاوير والزيوف.

لحظة قبل أن تمضي! أوصيك أن تُجري هذا القول على لسان نفسك وأبيك وشيخك وقومك ووطنك، فلا يكن حظُّهم من محبَّتك مجاراة أهل التكاذب والتسارق.

‏الفكر يُردُّ بالفكر، الرأي يُقابَل بالرأي.

استعمال هذه الشعارات مع كل أحد قلة عقل ورِقَّة دين.

فبعض المتعاطين للتأويل الباطني والتحريف الإلحادي لنصوص الشريعة، أو التزوير المفضوح للتواريخ واللغات، لو أنه تسلَّط بنفس طريقته على نصوص أنظمة التعليم في بلده لألزموه وأمثاله بإعادة المرحلة المتوسطة، وأعادوا الضرب في المدارس، وفتحوا باب التبرع بالخيزران والمساطر الحديدية والخراطيم.

#يا_بني، لو نقلك الله إلى خير مما كنتَ عليه لنقلك إلى تحصيل علمٍ قصَّرتَ في تحصيله، والاشتغال بعملٍ تكاسلت عنه، والارتياض بخُلُق لم تتخلَّق به قبل، وأهم من ذلك: الإعراض عن السفاسف، واتقاء الرذائل، والتنزُّه عن السفَه والفُحش، ومحبة الخبر للمؤمنين.

أما انتقالك -أجارك الله- من سفاهة إلى سفاهة، ومن نبْزٍ إلى نبْزٍ، ومن غِلٍّ إلى غِلٍّ؛ فاشكر عليه اضطراب نفسك الذي يضطرها كل حين إلى تغيير موقعها في ساحة الرذائل، وإبليس الذي يأخد بيدها حتى يريها مقعدها الجديد.

ما رأيت شابًّا شغل الناس في هذه المنصَّات بانقلابه وتحوُّله إلا كان منشغلًا عن ضبط العلوم بطلب الخصومات وتحصيل الردود فكان انقلابه (نتيجة)، أو كان ذا حظٍّ من تحصيل العلوم لكن نفسه انطوت على الكِبْر والاحتقار وطلب حظٍّ زائدٍ من الرئاسة، فكان انقلابه (عقوبة)، وأما الثالث فصاحب حاجة أينما وجدها فمذهب مُعطِيها أحقُّ بانتسابه، فانقلابه (حاجة)!

اللهم قنا شرَّ نتائج نفوسنا وعواقب أعمالنا، وزدنا تعظيمًا لك وتسليمًا لشرعك، ولا تجعل لحوائج الدنيا سلطانًا على أدياننا، واهدِ إخواننا، واسلل سخيمة قلوبهم.

#يا_بني، إذا رأيتَ أن عمل الخير، ومساعدة الناس، والسعي في رفع الظلم عنهم، ومواساتهم بالقول والفعل، سيُورثك إنسانية مائعةً لا أساس لها، ضائعةً لا معالم لها، لا تزال تأكل من عقيدتك في الله، وتكسر عمود موالاتك لأهل الإيمان به والاتباع لنبيِّه ﷺ، وبراءتك ممن كفر به أو حرَّف دينه، فدَعْ سعيك كله والزم بيتك، فعمل الخير والبر قائم بغيرك، وعقيدتك التي ترجو النجاة بها لا تقوم إلا بك.

#يا_بني، ما دمت لا تدري إلى أي خير سبقك من مات، ولا على أي حال تموت؛ فاستحضر شيئًا من الحياء والمراقبة وهضم النفس عند النقد، تمتنع بها عن التشقيق والتهويل الذي أغرى غيرك بهدم صورة عالم لجهل حديث أو خفاء مسألة أو سبق وهم، واعلم -إن أبَيْت- أن للصدق رائحة تفارق نتن نقدك (=حقدك) من كل وجه، فلا يأوي إليك إلا بُغاث جِيَف يستنسر بك وتستنسر به.

هذا منطق بعض من ينتسب إلى الإسلام مع، لكن بنعومةٍ بالغةٍ، وتغليف مُحْكَم. يريدون منك تقديمًا وتأخيرًا، وملائمة ومواءَمة، وإهدارًا واختراعًا؛ ليمنحوك قبولَهم المؤقت، ويهدوك ثناءَهم الرخيص!

‏يعيب بعضُهم بعضَ الشيوخ إذا عقد مجالس للتعليق على كتاب من الكتب الكبيرة في التفسير أو الحديث بعدم سماعه لها كاملة على شيوخه، وكأن تلقِّيه لأصول ما فيها، والإحاطة بمفاتحها ومقدماتها واصطلاحاتها، مع إحراز قدرٍ كافٍ من علوم المقاصد والوسائل، والاستعانة بالشروح والاسترشاد بمن فوقه، كل ذلك غير كافٍ لتأهُّله لهذا المقصود حتى يشهد له شاهد بأنه جلس في مجالس هذٍّ وهذرمةٍ يقوم فيها ويقعد، ويُقبل ويُعرض، ويسمع ويتكلم، ويسهو كثيرًا ويدرك قليلًا، أو كان قارئًا فيها لكنه ابتدأ الطلب بهذه المجالس وانتهى بها، وقنع بعدِّ المسموعات والإجازات شاهدًا لتأهُّله، وإن جهل من شروط صحة العمل ولوازم صحة الفهم ما جهِل، ثم يرى لنفسه فضلًا على العالِم الراسخ والمتعلم الجادِّ.

وأنا أقطع بأن هذه الشروط والمحاكمات والإلزامات لا تظهر إلا مع الخصومة العقدية أو المنهجية أو النفسية، فمن رضيناه أو رضينا طريقته فليشرح صحيح البخاري وإن لم يفهم الأربعين النووية وظنَّ البخاريَّ تابعيًّا، ومن لم نَرضه أو طريقتَه فليمسك وإن استظهر فتح الباري.

رحِم الله ساداتٍ مضوا، كان العلمُ عمودَ خيمةِ فضائِلهم، والعملُ شراعَها، والأدبُ والمروءةُ عُمَّارها، وهذه التي يتنافس فيها بعض إخواننا ويختصمون فيها كالزائر المسلِّم، إن جاء لقي الترحيب والإكرام، وإن لم يعرِّج فلا أسف عليه ولا سؤال عنه.

"ودخل #الصيف، واشتد الحر وحمى الجو وهبَّت السمائم، ونقصت المياه فى سائر الأقاليم خلا نيل مصر؛ فإنه يسرع فى الزيادة، ويبس العشب، واستحكم الحبُّ وأدرك الحصاد والثمار، وأخصبت الأرض ودرَّت أخلاف النعم وسمنت البهائم، واتَّسع الناس فى القوت والثمار، والطير من الحبِّ، والبهائم من العلف، وصارت الدنيا كأنها عروس بالغة تامة كاملة كثيرة العشاق". (كنز الدرر وجامع الغرر، ٣٣٩/١)

اللهم كما جعلت #الصيف فاتحة من فواتح إنعامك وإفضالك على خلقك؛ فاجعله فاتحة فرجٍ ويسر وفضل على إخواننا في غزة والسودان وفي جميع بلاد المسلمين.

مثالٌ أُراه يتكرر في كل طبقة، رضي الله عن البنات.

في (الديباج المذهب لابن فرحون، ٧٣/١):

تكلم قسطاكي الحمصي عن تطور العلوم والآداب وتوالي الخصب في عهد السلطان الموحِّدي أبي يعقوب يوسف بن عبدالمؤمن، ثم قال:

"ومع أن اختلاطهم باليهود والنصارى بلغ حدًّا لم يُعرف مثله في حكم الإسلام، فلم يكن اجتماع الرجال والنساء مباحًا أو مألوفًا في مجلس واحد"!

(منهل الوُرَّاد في علم الانتقاد، ص٣٩٢)

شكوت إلي #يا_بني حال القريب أو الصديق الذي دأَب على التقصير في حقك أو الإساءة إليك، كلما وطِئه المرض، أو أذَلَّته الحاجة، أو غَشِيَه الكرب .. اعتذر إليك من تقصيره، ووعد بالوفاء بحقك، وحلف على البر والصلة، فإذا انقشعت غمامة العارض الملجئ .. طوى الاعتذار، ونسي الوعد، وأنكر الحلف.

وأقول لك: هل تدبرت هذه الآية وقول البقاعي فيها: "فهذه الآية في بيان ضعف الإنسان وسوء عبوديته"؟ أتريد ممن خُلق من ضعف، وجُبِل على سوء العبودية لخالِقه أن يقوم بحقك، وأن يحفظ عهدك؟!

‏في هذا الكتاب للحافظ ابن الأقليشي -رحمه الله- (ص٧٦ وما بعدها) بحث في تفضيل (الحَمْد) على سائر الذكر.

tarbyah00725 شرح الباقيات الصالحات.pdf

أخي #طالب_العلم، العلم الذي حوته صدورنا قليل بالنظر إلى تفاخر الأقران بالأخذ عن الشيوخ، وتكثُّرِهم بذكر المحفوظات والمقروءات والإجازات، وتنافسهم في إظهار المعارف بالكلام والكتابة والتأليف، لكنه -والله- كثير بالنظر إلى قلة عملنا، عظيم ثقيل بالنظر إلى كونه حجة الله علينا ورسالته إلينا.

فإذا أردنا نظرًا في العلم يجمل به سعينا، وتصفو به نفوسنا، ويستقيم به سيرنا، ونرفع به العلم عن منزلة متاع الدنيا الذي يتكاثر أهلها فيه ونجعله محض حظ الآخرة؛ فلنقرن كل حرف منه بالعمل، ولنقدِّم المفروض منه عملًا به وأمرًا، ولنحاسب أنفسنا على تقصيرها في العمل بالعلم أشدَّ من محاسبتها على التقصير في الازدياد من العلم.

أخي #طالب_العلم، ادعُ الله أن يهديني للعمل بهذه الوصية، وأنا أدعو لك بمثلها، فلا غبن علينا أشد بعد بلوغ غاية نرجوها في تحصيل العلم، أن نتمنى حال من يجهل أكثر ما نعرف، لكنه أسبق إلى كل معروف وبر، أمسَك عن كل منكر ونقص، أطرب لسماع الخير، أمنع من سماع الزور، ترى من آيات خشيته وإخباته وصفاء سريرته ما يكاد ينزع قلبَك ويُثنيه بين يديه متتلمذًا مسترشدًا، عرف مقصود العلم وأبصر بقلبه لباب ثمرته، ونحن ألقت علينا منافسة الأقران وملاحظة مواقع الثناء والذم حجابها فلم نبصر ما أبصر.

أخي #طالب_العلم، ليس لك أن تتندَّر بـ(حمار الفروع) إذا كنتَ ممن يعتمد كل ما يجده في كتب الفقه، وإن كان مأخذه ما انتهى إليه الطب في عصر مؤلفه، فتجزم بضرر ما انتهى الطب اليوم إلى نفي ضرره، وتنفي ضررَ ما انتهى إلى القطع بضرره، وتُنازع في أثر أمور لو قلَّبت نظرك في الخلق لأبصرت من آثارها ما يفطن له البليد، فالمؤلف ابن عصره وثقافته وعلومه، وأنت ابن عصرك وثقافته وعلومه، وقد حمَّلك أمانة النظر والموازنة في كل مسألة تحتملهما.

أخي القادم من بعيد لينتزع هذا الكلام وينزله على مسائل موردها النص، وما ثبت من أقوال السلف، وما استقر من أصول المجتهدين، كلامي ليس فيها، فارجع بسعيٍ خائب!

بعض التأصيلات والتشديدات في باب الرواية لا ينشط سوقها غير سبق المخالفين أو الخصوم أو الأقران إلى تحصيل ما حصَّله المشدِّد أو الزيادة عليه، فهي بالنظر إلى المناسبة وثنايا الكلام: قواطع ومشوِّشات. ولا أحب لمن عُرف بالعلم والنصيحة لأهل الإسلام أن يصغي إلى نفسه وهي تقول له: قد فاتتك منزلة إلحاق الأحفاد بالأجداد، والتُفِتَ إلى غيرك بما حصَّله أولئك واتصلوا به عن طريق الوسائل الحديثة، فإن الإصغاء إلى هذا الصوت المنكر فاتحة هدم السعي وكسر ظهر الإفادة والنفع.

والذي ينبغي أن تجتمع عليه كلمة الجميع هو التأكيد على أن الاكتفاء بالرواية وتحصيل الإجازات لا يبني علمًا، ولا يحرز فهمًا، ولا يؤهِّل متكلمًا. أما نقض كل فريق على الآخر وإبطال سعيه فلا يختلف عن أي تنافس على تحصيل متاع الدنيا والتكاثر فيه والتفاخر به.

أخي #طالب_العلم، أحيانًا يكون السؤال عن سند الشيخ إلى الكتاب الذي يدرِّسه رعاية لحظِّ النفس لا لحظِّ العلم.

وقارن بين شيخين، وانظر عند أيهما تجد نفسك؟!

الأول: شيخ يدرِّس مختصرًا لم يشتغل به قبل، لكنه صاحب فن، اشتغل بما فوقه من الكتب، وفيها موارد هذا المختصر ومصادره، فإذا التمس الطالب منه تدريسَه .. احتشد له بكل ما يعين الطالب على فهمه والارتقاء به إلى ما فوقه، فأعطى العلم والكتاب حقهما.
وإن سألتني عن وجود مثله، سأخبرك أني حضرت أكثر "أخصر المختصرات" في فقه الحنابلة على شيخ لم يشتغل به قبل كما أخبرنا ليلة ختمه، لكن "الروض المربع" بين عينيه، ومطولات المذهب محل غُدُوِّه ورَواحه، مع ملاحظة لما عليه الفتوى والقضاء، وما يُراعى فيه الخلاف، وما يلزم ذكره من الدليل والتعليل والأصول والقواعد والنوازل، ولو طُبع شرحه لما رضي بغير طليعة ما يُوصى به من شروحه.

والثاني: قرأ المختصر على شيخ عال الإسناد والأخذ، وأجازه به رواية ودراية، فقنع هذا الطالب بما حاز، وجلس إلى الطلاب يشرح لهم، فكان شرحه فوائد غير متصلة عن شيخه يصل بينها بأحاديث واستطرادات لا تفيد، وربما جعل بين يديه شرحًا للمختصر يسترق النظر إليه كلما تردد، ويرفع به عن نفسه كلفة إنشاء الكلام المُفهم للطالب، لم يأوِ إلى إتقان، ولم يعوِّل على تحضير. يحضر الطلاب عنده التماسًا لبركة الإسناد، وتحصيلًا للنسبة إلى الشيوخ دفعًا لمذمَّة "من كان شيخه كتابه ...".