tgoop.com/mbagherkojok/2677
Last Update:
لحظة انفجار البيج.ر
.
أوقعتُ قارورةَ العطر، الذي يحبّه حسن، ثم انكسرت. فامتلأت الغرفةُ، ثمّ البيتُ كلّه برائحةِ غيابه.
يومان.. ثلاثة.. شهر..شهران.. على آخرِ مرّةٍ رأيتُ فيها وجهه الجميل، وعينيه العسليّتين.. وشممتُ رائحة قميصه، وقبّلتُ كفّيه، وحضنته كأنه لا يزال طفلي الصغير.
.
قالوا لي.. إنّهُ كانَ في مكانٍ ما، في منتصف الطريق بين تبنين وعيناثا.. وكان، وحيداً، في غرفةٍ ليس فيها إلا شبّاكٌ واحدٌ وحمّامٌ واحدٌ.. وكان سينتقل منها إلى مكانٍ آخر.. في اللحظة التي ستصله رسالةٌ محددة على الجهاز الأسود الصغير الذي يعلّقه على جنبه.
كان ذلكَ اليوم، مختلفاً عن بقيّة أيامِ السّنة.
أتذكّر، أنَّ الغيوم أرخت ظلالها على كل شيء، فغدا كل شيءٍ مشوّشاً. كفليمٍ سينمائيٍّ صامتٍ، تتابع اللقطات فيه بشكل عجول وغير مرتب.. يزرع فيك القلق والحزن بشكل عشوائي.
وأنا قلقتُ على حسن.
كان قلبي، كغزالةٍ، أمام فوّهة بندقية الصيد. "جفلان". ينتظرُ الطلقةَ كي يقفز. يراهنُ على الحظ، فقط.
هناك شيءٌ ما سيحدث. ثمَّ انشغلتُ بلفِّ ورق العريش...
.
تقول إحدى الأرواح العُلْويَّةُ، والتي انفتحتْ لها كوّةٌ ما، في اللحظة التي وقع فيها حسنٌ على الأرض.. تقول، إن الانفجارات التي حصلت في تلك اللحظةِ، وصرخات الشباب الموجوعة خرقت السماوات السّبع، فالتأمت الملائكة حولها تحاول أن تحضن هذه الأصوات، وتسكبَ عليها شيئاً من ماء الكوثر.
وكان أحد الملائكةِ موكّلاً بزراعة الجنّات، بالورد والشجر. وكانتْ كل صرخةِ وجع لهؤلاء الشباب، تأتي بها الملائكة إليه، كي يزرعها في تراب الجنة، وسرعان ما كان ينمو من كل واحد منها شجرٌ لا نهائيّ الجمال.
.
ويقول هذا الكائن العُلويُّ، أنّه هبط إلى الأرضِ في لحظةٍ خاطفةٍ، فوجدَ نفسه في الغرفة، أمام حسن. وكانَ وجههُ قد امتلأَ بالدمِ، وعيناهُ مقفلتانِ، وكفّهُ كأنها شعلةٌ من النارِ، يتساقط منها الدم.
ويقول أيضاً، أنّ حسنَ رفعَ وجهه إليه، وكانَ يراه بعينِ قلبه، ومدّ كفّه وأصابعه المقطوعةَ إلى الكائنِ العُلوي، وفجأةً نبت لحسنَ بين كتفيه جناحانِ من ريش الجنة ينهمر منها ماء المسك والعنبر، وجاءت أفواج من الملائكةٍ من السماء الخامسة، تطوف حوله، وتمسح أجنحتها بالطيبِ المنهمر. وكانت الملائكةُ مستبشرةً، وتنزل من عيونها دموعٌ كأنها الدموع ذاتها التي ذرّفتها على رمال كربلاء.
وكان حسنٌ يمسحُ بيديه على وجنات الملائكةِ.. ويقول بصوتٍ وصلَ إلى مفاتيح الغيب تحت البيت المعمور: الحمد لله رب العالمين..!
وكانت الملائكةُ، كلما قال ذلك، ضربت على صدرها بقبضة الأحزان..وانتشر صوتُ بكائها في الأرض.
ويقول الكائنُ العلويّ، إن أمراً ما أتى، فأُغلقَ عليّ النظر. ورأيتُ حسنَ في ثوب عالم المادةِ. مرمىً على الأرض.
عيناه مطفأتان.
أصابع يديه اليسرى متضررة بشكل كبير.
آثار انفجار الجهاز، في كافة وجهه.. وتحت لحيته.. ورقبته.
ودمه يسيل.
وهو غائب عن الوعي.
ساعة.
ساعتان.
ثمّ، بدأ الشباب بالطرق على الباب.
.
في تلك اللحظةِ، ارتعشَ قلبي، ورميتُ صينيةَ ورق العريش على الطاولة. وصرت أدورُ في البيت كالمجنونة. وارتفعت حرارةُ وجهي ورقبتي، وآلمتني يدي، وتشوشت الرؤية في نظري.
ثم كأني سمعتُ، صوت حسن. هو صوته! يقول: الحمد لله!
وأين حسن؟
فتشتُ عنه في البيت. في الحديقة.. في كل مكان.. لم أجده.
أين حسن؟ صرختُ في الجميع!
لقد سمعتُ صوته!
حسن حبيبي ونور عيني، أين أنت يا ماما؟!
.
روى لي بعض الأصدقاء.. أن حسن كان يرددُ "الحمد لله رب العالمين" طوال الطريق إلى المستشفى.
وكانَ، صلباً كالجبل.
وكان، وجهه المدمى، يشعُّ بالنور، كأنه مطليٌّ بزيت الزيتون.
وكانَ، يقول لمن حوله: الشيءُ الوحيد الذي آلمني، هو الغدر. من الذي سمح بالغدر بنا هكذا؟
.
في آخر لحظات الفجرِ، وقبل أن ينتهي من الحبّة الأخيرةِ في سبَّحتهِ،
غفا.. ونام في محراب الصلاة.
مطفأ العينين.
قلبه مليء بالحمد.
واجتمعت حوله الملائكةُ، كدائرةٍ من النورِ.
ولو أنّك تملكُ شيئاً من مفاتيح الغيب، لرأيت في هذه البلاد.. عدةَ آلافٍ من حلقاتِ الملائكةِ، تنتشر في بيوتٍ ليست كبقية بيوت الأرض.. ويُكتبُ من فوق السماوات، في كتاب القضاء والقدر، أنّ هناكَ خوفاً عظيماً جداً، كانَ سيحلُّ على أهل هذه البلاد.. ارتفعَ عنهم، بنورِ هؤلاء الجرحى.
.
دقيقة.. دقيقتان.. ثلاث ساعات..وأيامٌ..وشهور.. وأمّه تمسكُ بيديه، وتقبّل عينيه المطفأتين، ويتنزّهان في الحارة والقرية.. كأنهما ينشران دعاءَ الأمن، وصلاةَ العشاق..بالهمس.
ثم انتشرت في المكانُ، هذه المرة، رائحة عطر حسن.. لأنّ القارورة كلّها قد انكسرت..
.
#ب_كجك
@mbagherkojok
BY محمد باقر كجك
Share with your friend now:
tgoop.com/mbagherkojok/2677