Telegram Web
فالأمانة وأداء الحقوق من الأخلاق الفاضلة وهي أصل من أصول الديانات ، ، وهي ضرورة للمجتمع الإنساني ، لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم ، وصانع وتاجر ، وعامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، ولا كبير وصغير ، ولا معلم وتلميذ ، فهي شرف للجميع ، ورأس مال الإنسان ، وسر نجاحه ، ومفتاح كل تقدم ، وسبب لكل سعادة ، والأمانة تشمل كل أمور الدين والدنيا فالعبادات والمعاملات والبيع والشراء والحياة الزوجية وتربية الأولاد والتعلم وغيرها كثير من الأمانات العظيمة ولكن حديثنا عن الحقوق المالية والعينية والعهود والمواثيق بين المسلم وأخيه المسلم والتي ظهر بسبب التفريط بها الكثير من المشاكل بين الناس وضاعت الكثير من الحقوق وحدث الكثير من ظلم الآخرين وغمط حقوقهم.
وانظروا عبــاد الله : ماذا حدث لهذه الأمة عندما ضعف الإيمان في القلوب وتعلقت النفوس بالدنيا ؟ لقد ظهر عند كثير من أفراد هذه الأمة الجشع والطمع والاعتداء على حقوق الآخرين وممتلكاتهم وخان الشريك شريكه وأكل الأخ مال أخيه وحرمت المرأة من ميراثها و حدث الظلم من صاحب العمل لعماله ولم يؤدي المسئول والموظف واجبه وتنكر الجار لجاره ... وهذه المحاكم والقضايا والخصومات بين الناس شاهدة على ذلك وكم سفكت من دماء وقطعت من أرحام بسبب ذلك ولا خروج من هذا الوضع وعودة الحب والتراحم بين الناس إلا بإيقاظ الوازع الإيماني في النفوس وتعلم أحكام الشرع وتربية النفوس على ذلك عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أن شخصان اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث دائرة بينهما ليس لأحدهما بينه, فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنكم تختصمون إلي, وإنما أنا بشر, ولعل بعضكم ألحن بحجته من الآخر فأقضي له بنحو مما أسمع, فمن فضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه, فإنما أقطع له قطعة من النار يحملها على عنقه يوم القيامة)) فبكى الرجلان, وقال كل منهما: حقي لأخي فقال صلى الله عليه وسلم : ((أما إذا قلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الصواب واستهما, وليحلل كل منكما صاحبه )[ أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/320)،]. ... يا الله ما أجمل الإيمان عندما يوقظ في القلوب وتذكر به النفوس فلا ترى إلا خضوعاً للحق وإعترافاً به وهذا شأن المؤمن أما المنافق والعاصي والمسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي فكلما ذكرته بالله أخذته العزة بالإثم قال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) (البقرة:206) .. وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الأيمان الكاذبة لأخذ حقوق الناس والاعتداء عليها وما أكثرها في حياتنا اليوم عن أبي أمامة- إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النار وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يارسول اللّه؟ قال: وإن قضيباً من أراك ". رواه مسلم
عبـــــــــاد الله : - و إن من أعظم الأمانات والحقوق الواجب أدائها الودائع التي أمنك الناس عليها، وقد روى أحمد والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلّها إلا الأمانة)، قال: (يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبت الدنيا؟! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلَق به إلى الهاوية، وتُمثّل له الأمانة كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج اخْلولت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين)[ حسنه الألباني ) فإذا أمنك أخوك على حق بينك وبينه لم يكن هناك كتابة ولا رهون ولا إشهاد, ولكنه أمنك وأطمأن لإيمانك وصدقك, فإياك أن تخونه قال تعالى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَـٰنَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ [البقرة:283],.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ....
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطــــبة الثانية : - الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
أيها المؤمنون: - إن للمجتمع وأفراده ومؤسساته دور كبير في إشاعة ثقافة إحترام الحقوق وحفظ الأمانات وعدم التعدي على ممتلكات الآخرين وحقوقهم فلا بد من القيام بالنصح والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم والبعد عن المداهنة والمجاملة والنفاق فالتعيس من يبيع دينه وأمانته وأخلاقه بدنيا غيره قال صلى الله عليه وسلم ( أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى أخاه فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
ثم قال: ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (المائدة 78-80 ) ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم ( رواه أبو داوود والترمذي وقال حديث حسن ) ....لقد أتت شريكاً القاضي امرأة وهو في مجلس الحكم فقالت: أنا بالله ثم بالقاضي، قال من ظلمك ، قالت الأمير موسى بن عيسى، كان لي بستان على شاطئ الفرات فأخذ حقي فكتب القاضي رسالة طلب فيها من الأمير أن يحضر الى مجلس القضاء فأخذ الرسالة الحاجب ودخل بها على موسى فأعلمه ، فبعث بصاحب الشرطة إليه وقال: قل له يا سبحان الله!! امرأة ادعت دعوى لم تصح ، أعديتها علي ! فلما جاءه وبلغه ما قاله موسى قال شريك لمن حوله : خذوا بيده ، وأمر بحبسه، وبلغ الخبر موسى، فوجه حاجبه فلما جاءه ألحقه بصاحبه في الحبس ، فبعث موسى بن عيسى الأمير إلى جماعة من وجهاء الكوفة وقال لهم : امضوا إليه ، فقد استخف بي، فمضوا إليه ( وهؤلاء هم أعوان الظلمة ومن يزينوا لهم المنكر .. ) ، وجاءوه وهو جالس في مجلس القضاء ، فلما بلغوه رسالة الأمير أمر بحبسهم قالوا ولما تحبسنا قال: حتى لا تحملوا رسالة ظالم بعد اليوم. كم ضاعت في أيامنا بسبب الواسطة واستغلال المنصب من حقوق وأهدرت من أموال وضيعت من أمانات .... فلما علم الأمير بالأمر غضب لذلك وركب إلى الحبس بجيشه ليلاً فأخرجهم ، فبلغ شريكاً ما فعل ، فجهز متاعه وخرج قاصدا بغداد ذاهبا إلى الخليفة ، فارتاع موسي لذلك وركب في موكبه ليعيده ، فلحقه بقنطرة الكوفة ، فجعل يناشده الله ، ويقول : ارجع!! ولك ما تريد فقال شريك القاضي لست براجع حتى يردوا إلى الحبس جميعاً، وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين جعفر المنصور فاستعفيته من أمر القضاء ، فأمر موسى بردهم إلى الحبس ، وجاء السجان فأخبر شريكا بذلك ، فأمر أعوانه أن يذهبوا بموسى إلى مجلس الحكم ، وأن يخرجوا أتباعه من الحبس . ثم جلس له وللمرأة ، وحكم عليه برد حائطها ، فلما استجاب لأمره قام فأجلسه إلى جنبه وقال: ماذا تأمر أيها الأمير قال بعد هذا كله قال ذاك حق الله وهذا حق السمع والطاعة فحقوق الآخرين لا مداهنة فيها وقام الأمير من المجلس وهو يقول: مَنْ عَظَّمَ أمرَ اللِه أذل الله له عظماء خلقه )
أيها المؤمنون : - إن خيرية هذه الأمة وصلاح أمرها يكمن في قوة إيمانها وخشيتها من الله ومراقبته له سبحانه وتعالى و إن تقوية الوازع الإيماني في نفوس أبنائها هو السياج القوي والحصن المنيع من وساوس النفس والشيطان وعلى الأمة أفراداً ودول وشعوب ومجتمعات أن تقوم بواجباتها والتي من أعظمها شأناً قيامها بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )(آل عمران: )
ثم اعلموا أن الله تبارك وتعالى قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: )إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون .
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وانصر عبادك الموحدين، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم َأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبهم، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ واهدهم سواء السبيل، وردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا والمؤمنين عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
.
سلسلة أثر الإيمان:
أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي سهل لعباده إلى مرضاته سبيلاً وأوضح لهم الهداية وجعل الرسول عليها دليلاً ..
ورضي لهم نفسه رباً .. والإسلام ديناً محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً أحمده حمد من لا رب له سواه وأشكره على جزيل فضله وعطاياه وأشهد أن الحلال ما أحلَّه .. والحرام ما حرمه والدين ما شرعه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين الذي يأمر وينهى ويفعل ما يشاء وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ونبيه المرتضى الذي لا ينطق عن الهوى أرسله على حين فترة من الرسل .. فهدى به إلى أوضح السبل أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها..وتألفت به القلوب بعد شتاتها فصلوات الله وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار وتعاقب الليل والنهار أمَّا بَعْــــــــد: -
أيها المؤمنون: جاء رجل إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب له عقد بيت اشتراه ، فنظر علي إلى الرجل فوجد أن الدنيا متربعة عَلَى قلبه وقد فتن بها وغرته أمواله فأراد الأمام علي أن يوصل له رسالة توقظه من غفلته فكتب : اشترى ميت من ميت بيتا في دار المذنبين له أربعة حدود، الحد الأول يؤدي إلى الموت ، والحد الثاني يؤدي إلى القبر والحد الثالث يؤدي إلى الحساب والحد الرابع يؤدي إما للجنة وإما للنار ..! فقال الرجل لعلي : ما هذا يَا عَلْي ، ما جئتك لهذا ، فقال له الأمام علي :-
النفس تبكي عـلى الدنيـا وقـد علمـت *** أن السلامة فيها ترك ما فيهـا
لادار للمرء بعـد الموت يسكنهــا *** إلاالتي كان قبل الموت يبنيهـا
فـاءن بنـاهـا بخير طـاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيهـا
أين الملوك التي كانت مسلطنـه *** حتى سقاها بكاس الموت ساقيهــا
أموالنا لذوي الميراث نجمعهـا *** ودورنا لخراب الدهر نبنيهـا
كم من مدائن في الأفاق قد بنيـت *** أمست خرابا وأفنى الموت أهليهـا
لاتركنن إلى الدنيا وما فيها *** فالموت لاشك يفنينا و يفنيهـا
وإعمل لدار غداً رضوان خازنها *** والجار أحمد والرحمن ناشيهـا
قصورها ذهب والمسك طينتها *** والزعفران حشيش نابت فيهـا
أنهارها لبن محض ومن عسل *** والخمر يجري رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة *** تسبح الله جهراً في مفاتيهـا
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها *** بركعه في ظلام الليل يحييهـا
فقال الرجل لعلي أشهدك أني قد جعلتها لله ورسوله ..
عبـــــــــاد الله : - إن المرء ليتساءل ماذا بعد هذه الحياة وهذا التعب وهذا الكدح أليس إلى الموت الذي يأتي على الصغير والكبير والرجل والمرأة والحاكم والمحكوم والغني والفقير والمسلم والكافر والبر والفاجر ثم إن الأمر لا يتوقف عند ذلك بل هناك بعث وحياة أخرى وجنة أو نار فليس من العدل أن تكون هناك حياة يتساوى فيها المسلم والكافر والمجرم والفاسق والعابد والعاصي والظالم والمظلوم وتنتهي هذه الحياة بالموت ثم لا يكون هناك مكافأة المحسن على إحسانه ومحاسبة المسيء على إساءته فإن من تمام عدل الله إن جعل هناك يوماً آخر بعد الموت هو يوم العدل والحق والجزاء والحساب قال تعالى ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) والمؤمن مالذي يدفعه إلى الصبر والبذل والعطاء وتحمل المشاق والإلتزام بأوامر الدين والبعد عن الحرام ومساوئ الأخلاق والرضا بما جاء من عند الله من أقدار أليس طمعاً وشوقاً في جنة الله ورضوانه في ذلك اليوم ؟
والمؤمن هو أكثر الناس شوقاً إلى هذه الجنة بإيمانه ويقينه وتصديقه بوعد الله ووعيده وبعلمه أن ثمرة صبره وعبادته وإخلاصه لله ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة والحياة الأبدية فيها قال تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:82) وقال عز من قائل ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124) ... من هنا اشتاقت نفوس الصالحين إلى الجنة حتى قدموا في سبيل الوصول إليها كلَّ ما يملكون هجروا لذيذ النوم والرقاد ، وبكوا في لأسحار ، وصاموا النهار ، وجاهدوا الكفار ، فلله كم من صالح وصالحة اشتاقت إليهم الجنة كما اشتاقوا إليها من حسن أعمالهم ، وطيب أخبارهم ، ولذة مناجاتهم ، فلا إله إلا الله ..
كم بكت عيون في الدنيا خوفاً من الحرمان من النظر إلى وجه الله الكريم فهو سبحانه أعظم من سجدت الوجوه لعظمته ، وبكت العيون حياءً من مراقبته ، وتقطعت الأكباد شوقاً إلى لقائه ورؤيته ودخول جنته .. قال تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (العنكبوت:58)

أيها المسلمون: إن الإيمان يجعل حياة المسلم سعيدة فيها السكون والطمأنينة والراحة ويملئ نفسه بالشوق والحنين إلى جنة عرضها السموات والأرض عند ذلك تتصاغر في نفسه هذه الدنيا فلا تفتنه شهواتها ولا تغره ملذاتها فلا يبيع دينه ولا أخلاقه ولا قيمه ومبادئه وفي سبيلها يقدم كل شيىء فالعمل من أجلها غايته هذا حارثة بن سراقة غلام من الأنصار .. له حادثة عجيبة ذكرها أصحاب السير وأصلها في صحيح البخاري فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إلى بدر فخرج معهم فلما أقبلت جموع المسلمين بعد المعركة كانت النساء وكان من بين هؤلاء الحاضرين عجوز ثكلى وهي أم سراقة تنتظر مقدم ولدها فلما دخل المسلمون المدينة بدأ الأطفال يتسابقون إلى آبائهم ، والنساء تسرع إلى أزواجها ، والعجائز يسرعن إلى أولادهن ، .. وأقبلت الجموع تتتابع جاء الأول .. ثم الثاني .. والثالث وحضر الناس ولم يحضر حارثة بن سراقة .. وأم حارثة تنظر وتنتظر تحت حرّ الشمس ، تترقب إقبال فلذة كبدها ، وثمرةِ فؤادها ، كانت تعد في غيابه الأيام بل الساعات ، وتتلمس عنه الأخبار ، تصبح وتمسي وذكره على لسانها .. ثم جاءها الخبر أن ولدها قد قتل في المعركة فتحركت الأم الثكلى تجر خطاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودموعها .. فنظر الرحيم الشفيق إليها فإذا هي عجوز قد هدها الهرم والكبر ، وأضناها التعب وقالت يا رسول حارثة في الجنة فأصبر وأحتسب فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلها وانكسارها ، وفجيعتَها بولدها ، التفت إليها وقال : ويحك يا أم حارثة أهبلت ؟! أوجنةٌ واحدة ؟! إنها جنان ، وإن حارثة قد أصاب الفردوس لأعلى ) فلما سمعت العجوز هذا الجواب : جف دمعها ، وعاد صوابها ، وقالت : في الجنة ؟ قال : نعم .. فقالت : الله أكبر .. ثم رجعت الأم الجريحة إلى بيتها .. رجعت تنتظر أن ينزل بها هادم اللذات ..ليجمعها مع ولدها في الجنة لم تطلب غنيمة ولا مالاً ، ولم تلتمس شهرة ولا حالاً ، وإنما رضيت بالجنة ما دام أنه في الجنة يأكل من ثمارها الطاهرة ، تحت أشجارها الوافرة ، مع قوم وجوههم ناضرة ، وعيونهم إلى ربهم ناظرة ، فهي راضية ، ولماذا لا يكون جزاؤهم كذلك .. قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111) ... المشتاقون إلى الجنة ، هم بشر يعيشون بيننا وربما نراهم ونتعامل معهم يومياً حياتنا قد يذنبون ويخطئون ، فكل بني آدم خطاء ، لكنهم يسارعون إلى التوبة والاستغفار ، ويغلبهم الخوف من العزيز الجبار .. إذا ظلم أحدهم تاب ورد المظالم إلى أهلها وإذا أخطأ في حق الآخرين طلب العفو والسماح منهم وإذا قصر في عمله وواجبه سارع إلى الإتمام وإذا نُصح تقبل النصيحة بروح طيبة وإذا ذُكر بالله خضع واستسلم لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى على لسانهم ( إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (الانسان 7 :12) إن الشوق والحنين إلى الجنة جعل المشتاقين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي إذا قاموا بها وأخلصوا لله فيها دخلوا الجنة هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه كما جاء روى الترمذي بسند حسن أن معاذاً سرى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس في آخر الليل، فقال معاذ : {يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ؟ -وفي لفظ صحيح-: دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار } .. ما أحسن السؤال! فيجيب صلى الله عليه وسلم على معاذ ، فهل قال له : تدخل الجنة بالمؤهل، أو بالمنصب، أو بالشهادة أو بالمال والولد؟
لا والله كلها لا تساوي في ميزان الحق ذرة، ويوم يتخلى المال عن الإيمان يصبح تبعةً ولعنةً وغضباً، ويوم يتخلى المنصب عن الإيمان يصبح طغياناً، ويوم يتخلى الولد عن الإيمان يصبح عذاباً وشقوةً وندامةً، ويوم تتخلى الشهرة عن الإيمان تصبح ملعنةً ومسبةً على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ويوم يتخلى الشعر عن الإيمان يصبح مجاملة ونفاقاً وبضاعة بخيسة الثمن ويوم تتخلى
الأعمال عن الإيمان تصبح سمعةً ورياءاً.. فقال عليه الصلاة والسلام وهو يجيب معاذاً : { لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه تعبد الله عز وجل ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً -ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهو يواصل حديثه الشائق الرائق إلى القلوب الوالهة- يقول: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على ملاك ذلك كله } أي على ما يجمع لك شتات هذا الموضوع، {قال: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا، وأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه، قال معاذ : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم } ... إن الشوق والحنين لدخول الجنة لدليلٌ على قوة الإيمان وصلاح الأعمال وهذا الأمر هو دعوة الله لعباده قال تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس:25) وقال عز وجل ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133) ..... اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطــــبة الثانية : - الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:
عبـــــــاد الله : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الشوق إلى ربه وإلى لقاءه وإلى جنته كان يقول في دعائه في آخر صلاته قبل أن يسلم ..( ... اللهم وأسألك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) ( رواه الحاكم / صحيح الجامع 411/1) ... إن من مصادر القوة عند المؤمن إيمانه بالخلود في جنة عرضها السموات والأرض والشوق والحنين إليها فلذلك تهون في نظره كل التضحيات النبيلة والعظيمة من أجل دينه وأمته ومجتمعه وهذا ما تمثلة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم وبهذه العزيمة وبهذه الهمة فتحوا الدنيا ونشروا الخير وأسسوا العدل لم ترهبهم قوة عدو ولا مكر ماكر ولا كيد فاجر وكان هذا هو سبيل المؤمنين وطريقهم في كل زمان ومكان .... ولكم أن تتخيلوا التضحيات التي قدمها الفلسطينيون خلال ما يقارب من ستين عاماً من الكفاح والدماء والأشلاء والمعاناة والحرمان والشتات ما الذي يدفعهم إلى ذلك وقد عرضت عليهم الأموال والمناصب والحياة في الجزر والفنادق الفاخرة والتنقل المريح بين بلدان العالم .. أليس إلا إيماناً منهم بحقهم وعدالة قضيتهم وواجبهم تجاه دينهم ومقدساتهم وأرضهم ورغبتهم وشوقهم إلى جنة ربهم
والناس من حولهم قد أصابهم اليأس لكنهم لم ييأسوا والناس من حولهم قد أصابهم الملل لكنهم لم يملوا وكلما جاء جيلٌ كان أكثر قوةً وأكثر ثباتاً وأكثر إيماناً فالشوق والحنين إلى الجنان يصنع المعجزات ويحفظ العبد من الزلات بل ويدفعه إلى فعل الخيرات وعمل الصالحات فلا يمكن أن يبع ما يفنى بما يبقى والله عز وجل يقول ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:17) ... عبـــــــاد الله : فليكن شوقنا إلى جنات ربنا بعمل صالح وتوبة صادقة وخلق قويم وإخوة لا تعكرها فرقة وتسامح لا تخالطه بغضاء ولا شحناء ... إن آخر الحياة الدنيا موت والسعيد من دان نفسه قبل الموت وأستعد قبل الفوت .. قال عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل لوزيره رجاء بن حيوة : يا رجاء : إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها ولما مرض عمر بن عبد العزيز وجاءته سكرات الموت قال يارجاء إذا أنا متُ وصليتم علي ووضعتموني في لحدي فأكشف الغطاء عن وجهي فإن رأيت خيراً فاحمد الله عليه وإن رأيت غير ذلك فلا يلومن عمر إلا نفسه قال رجاء فلما مات ووضعناه في اللحد كشفت الغطاء عن وجهه فرأيت نوراً سطع فحمدتُ الله عليه .......... اللهم إنا نسألك عيش السعداء وموت الأتقياء ومرافقة الأنبياء اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ...
ثم اعلموا أن الله تبارك وتعالى قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: )إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون .
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وانصر عبادك الموحدين، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،
اللهم َأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبهم، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ واهدهم سواء السبيل، وردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً،
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا والمؤمنين عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
١-إن العزة لله جميعا..!!
٢-أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات..!!
٣-أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام..!!
صدق التوكل وراحة البال ...!!

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف أمره وعصاه مجيب دعوة الداعي إذا دعاه وهادي من توجه إليه واستهداه ومحقق رجاء من صدقه في معاملته ورجاه .. من أقبل إليه صادقا تلقاه ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما يتمناه ومن توكل عليه كفاه .. فسبحانه من إله تفرد بكماله وبقاه .. أحمده سبحانه حمدا يملأن أرضه وسماه .. من اعتمد على الناس .. مل ومن اعتمد على ماله ... قل ومن اعتمد على علمه .. ضل ومن اعتمد على سلطانه .. زل ومن اعتمد على عقله اختل ومن اعتمد على الله فلا مل ولا زل ولا قل ولا ضل ولا اختل ... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الذي اصطفاه واجتباه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه أما بعــد:
عبـــــــــاد الله : - التوكل على الله هو الإعتماد عليه والثقة به في نيل المطلوب وتحقيق المرغوب بعد بذل المستطاع من الأسباب وأن يعتقد العبد بأنه لا ينفع ولا يضر إلا الله وأن بيده مقاليد كل شيء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .. وقد أمر المسلم بأن يتوكل على الله في سائر أموره وفي كل أحواله قال تعالى ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) (الأحزاب:48) ويقول سبحانه ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ) (الفرقان/58) بل إن الله تعالى جعل التوكل شرطاً لصحة الإيمان فقال سبحانه : ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة/23) .. وقال تعالى ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق 3 ) .. وقولـه: فَهُوَ حَسْبُهُ ، أي : كافيه . ومن كان الله جل وعلا كافيه تيسرت أموره، ولا مطمع لأحد فيه، وهو يدل على عظم شأن التوكل وفضله، حتى إنه لم يأت في أي عبادة من العبادات أن الله قال : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) إلا في مقام التوكل .. ومن فضيلة التوكل أيضاً : أن الله تعالى جعله سبباً لنيل محبته ، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159) .. والتوكل دليل على صحة إسلام المرء ، قال تعالى (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِين) (يونس : 94) .. وفي الترمذي عن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتروح بطاناً ). ومعنى " خماصاً " أي فارغة البطون .. ... وقال تعالى عن أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران: 173) .. قال ابن القيم: التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق، وظلمهم وعدوانهم )( التفسير القيم لابن القيم (587).
ولما فوَّضت أم موسى أمرها إلى الله حفظ ابنها ورده إليها، قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص: 7-8).. وهل يعقل من أمٍ ترمي رضيعها الصغير الضعيف في بحر عميق تتلاطم وتفترسه الهوام إلا إذا كانت واثقة بالله متوكلة عليه .. ثم قال تعالى( فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) (القصص/13) ..
توكل على الرحمن في كل حاجة ... اردت فان الله يقضي ويقدرُ
متى ما يرد ذو العرش امرا بعبدهِ .... يصبه؛وما للعبد ما يتخيرُ
وقد يهلك الانسان من وجه أمنهِ ... وينجو بإذن الله من حيث يحذرُ
قال ابن عيينة دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبدالله فقال : سلني حاجةً .. قال: إني استحيي من الله أن أسأل في بيته غيره. فلما خرجا، قال: الآن فسلني حاجةً .. قال له سالم:من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ قال: من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها فكيف اسألها من لا يملكها .. )
أيها المؤمنوت / عبــــاد الله : - إننا أحوج ما نكون اليوم إلى تربية أنفسنا على التوكل على الله والثقة به والإعتماد عليه لنحقق العبودية الحقة لله وكمال الإيمان به سبحانه وتعالى القائل:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (الأنفال/4,3) .. إننا بحاجة إلى تربية أنفسنا على التوكل والإعتماد علي الله والثقة به وبذل المستطاع من الأسباب المادية والشرعية لتستقيم أحوالنا وتفرج همومنا وتدفع عنا البلايا والمصائب والفتن ذلك انه لما ضعف التوكل على الله وقع عدد من المسلمين في الشرك و لجأ كثير من الناس إلى إرتكاب المحرمات والموبقات لتأمين متطلباتهم وتوفير حاجياتهم وتحقيق رغباتهم .. فسفكت الدماء وضيعت الأمانات وظهر الغش والجشع وحلت الشحناء والبغضاء بين الناس وباع الرجل دينه بعرض من الدنيا قليل وسكت كثير من الناس عن قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فظنوا وهم في حالة ضعف أن الرزق والأجل يمكن أن يتحكم بهما أحدُ من البشر وأرضى الناس المخلوق بضعفه وفقره وحاجته ونسوا الخالق سبحانه بقوته وقدرته وسعة ملكه .. قال الله تعالى( مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)(العنكبوت:41).. وقال شقيق البلخي : لكل واحد مقام ، فمتوكل على ماله ، ومتوكل على نفسه ، ومتوكل على لسانه ، ومتوكل على سيفه ، ومتوكل على سلطانه ، ومتوكل على الله ... بل ظهر القلق والخوف والهلع في حياة الناس على الحاضر والمستقبل والطعام والشراب والأولاد والوظيفة والمال والغنى والفقر والصحة والمرض بسبب ضعف التوكل على الله لأن قلوبهم لم تتصل بالله ولم تعتمد عليه فضاقت النفوس وتكدرت الأحوال ولم يصل المرء إلى غايته ومبتغاه فخسر دينه ودنياه وآخرته ... لقد نسي هؤلاء أن الله هو الذي بيده الموت والحياة وكل شيئ عنده بمقدار وأنه كتب الآجال وقدر الأقدار وحكم بين العباد ولا يجريء في هذا الكون أمر إلا بإرادته ومشيئته وعنده علم الغيب لا ينازعه فيه أحد قال تعالى(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )(الأنعام/59) .. قَالَ رَجُلٌ لِمَعْرُوفٍ الكرخي: أَوْصِنِي. قَالَ: «تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ جَلِيسَكَ وَأَنِيسَكَ، وَمَوْضِعَ شَكْوَاكَ، وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَكَ جَلِيسٌ غَيْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّفَاءَ لِمَا نَزَلَ بِكَ كِتْمَانُهُ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَنْفَعُونَكَ وَلَا يَضُرُّونَكَ، وَلَا يُعْطُونَكَ وَلَا يَمْنَعُونَكَ .. » (التوكل لأبن أبي الدنيا) ... اللهم اجعلنا ممن يتوكلون على ربهم حق التوكل و احفظنا بالإسلام وأدم علينا نعمة الإيمان والأمـــان..
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطــــبة الثانــية : - عبــــــــاد الله :- في التوكل يجد العبد راحة البال, واستقرارٌ في الحال، وطمأنينة في النفس وفي التوكل يجد العبد الأمن والنصرة والعناية والتأييد من الله والنجاة والفلاح قال تعالى على لسان أهل الإيمان ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا اذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ ) (إبراهيم:12) .. وقال لقمان لابنه : « يا بني ، الدنيا بحر غرق فيه أناس كثير ، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله ، وحشوها العمل بطاعة الله عز وجل ، وشراعها التوكل على الله ؛ لعلك تنجو.. » .. لما ولى الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وزاد طغيانه وتجبره، وقف الحسن البصري ينكر عليه أعماله فقال الحجاج لحاشيته ومقربيه من ينكر علىّ ؟ قالوا الحسن البصري فقال الحجاج وهو يشتاط غيظاً من لجلسائه: (تبا لكم وسحقاً، يقوم عبدٌ من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يرده أو ينكر عليه!!‍ والله لأسقينكم من دمه ثم أمر بالسيف والنطع فأحضرا، ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه، ثم أمر الشرطة أن يأتوا به، فجاءوا بالحسن فارتجفت له القلوب خوفاً عليه, فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد تحركت شفتاه، ثم توجه إلى الحجاج في عزة المؤمن الواثق بربه المتوكل عليه والذي يخشاه ولا يخشى أحداً إلا إياه ، وما أن رآه الحجاج حتى هابه ووقره وقال: ها هنا يا أبا سعيد ثم مازال يوسع له ويقول: ها هنا والناس يندهشون للموقف، حتى أجلسه على فراشه وأخذ يسأله عن بعض أمور الدين، ويجيبه الحسن بعلمه الفياض ومنطقه العذب وهو ثابت صلب فقال له الحجاج: أنت سيد العلماء يا أبا سعيد, ثم طيب له لحيته بأغلى أنواع الطيب وودعه ولما خرج تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاج لغير ما فعل بك، وأنى رأيتك عندما أقبلت، ورأيت السيف والنطع، حركت شفتيك فأسألك
بالله إلا أخبرتني ماذا قلت؟ قال الحسن: لقد قلت: يا ولى نعمتي، وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته برداً وسلاماً علىَّ كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم ..) وصدق الله إذ يقول ( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً )(الطلاق:3)..
عبــاد الله :- مهما كانت الظروف صعبة والفتن متلاحقة والقلوب متنافرة والأوضاع سيئة كما يبدو للمرء فإن علينا أن نحسن التوكل على الله والإعتماد عليه والثقة به فما بعد العسر إلا يسراً وما بعد الشدة إلا فرجاً وما بعد الضيق إلا سعة ومخرجاً .. وعلينا مع التوكل بذل الأسباب كالتوبة من الذنوب والمعاصي وأداء الفرائض والواجبات الشرعية وتصفية القلوب من الأحقاد والضغائن ونشر التسامح والتراحم فيما بيننا وحفظ الدماء وصيانة الأعراض ووقف النزاعات والصراعات والحروب وعدم الركون إلى الذين ظلموا وإصلاح ذات البين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فثقوا بالله وتوكلوا عليه فهو المدبر لكل شيء وهو أرحم بنا من أنفسنا القائل سبحانه (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَـٰنَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ) (التوبة:51).. اللهم بك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا، فاغفر لنا وارحمنا، وأنت أرحم الراحمين .. اللهم احفظنا بحفظك الذي لا يرام واحرسنا بعينك التي لا تنام واحقن دمائنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين .. اللهم ألف بين قلوبنا واصلح ما فسد من أحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً .. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.
.
الإعراض عن الله ... !!

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

افتقار الناس إلى الله
أيها العبد العاجز الضعيف: إن كل ذرة في كيانك لتفتقر إلى خالقها ورازقها وحافظها -سبحانه-، فكيف تُعرض عمن لا قوام لك إلا به! وليس لك عنه غنى عنه طرفة عين!.

إن الخلق مهما بلغوا من الغنى فهم فقراء إلى الله -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، وأدركها نبي الله موسى فقال: (إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:24].

أسباب الاعراض عن الله
عباد الله: ومع شدة حاجة الناس إلى خالقهم -جلا وعلا- إلا أننا نشاهد إعراضاً عن الله وآياته الشرعية والكونية, قال -سبحانه-: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 42], وللإعراض عن الله تعالى أسباب, منها:

السبب الأول: الاغترار بالدنيا وتوالي النعم: فطبع الجهلاء من البشر؛ ما أن يتفضل الله -تعالى- عليهم ويتكرم برزق من مال أو ولد أو صحة أو منصب... إلا ويظن العبد -واهمًا- أنه في غنى عن ربه! قال -تعالى- مصورًا هذا الجهل: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6-7]، أي: "يَتَجَاوَزُ حَدَّهُ وَيَسْتَكْبِرُ عَلَى رَبِّهِ؛ أَنْ رَأَى نَفْسَهُ غَنِيًّا" [تفسير البغوي], وقال -تعالى-: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) [الإسراء: 83]، فهو يعرف ربه في البلاء وينساه في الرخاء؛ فهذا هو السبب الأول من أسباب الإعراض عن الله؛ أن يغتر بلعاعة زائلة من متاع الدنيا، فلتهيه حتى ينسى ذكر ربه -والعياذ بالله-!.

السبب الثاني: اكتساب العلم مع فساد السريرة: وهذا من عجيب أسباب الإعراض عن الله؛ فإن الأصل في العلم أن يقرِّب من الله لا أن يُبعِد عنه، وقد قصَّ علينا القرآن قصة أحد المعرضين عن الله لهذا السبب، قائلًا: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 175-176]

السبب الثالث: خصلة سوء دفينة؛ كالبخل والشح ونقض العهد مع الله: كذاك الذي حكى الله لنا حكايته: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [الْتَّوْبَةَ: 75-77]، فكان بخله وشحه سببَ نقضه العهد مع ربه وإعراضه عنه -سبحانه-!.

السبب الرابع: تقديم الهوى على الشرع: فيوافقون شرع الله ما وافق أهواءهم، فإذا خالفه أعرضوا عن الله وعن شرعه، واتبعوا الهوى!, قال -تعالى- مصورًا حالهم: (وَإِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ) [النور: 48-50]، وصرَّح الله في آية أخرى أن هذا هو حال المنافقين فقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) [النساء: 60-61].

أنواع الإعراض عن الله
أيها المسلمون: أظنكم أدركتم من خلال تعدد أسباب الإعراض عن الله أن الإعراض ليس نوعًا واحدًا، بل أنواعاً؛ فالأول: الإعراض عن الله بالقلب مع اللسان: وهذا حال الكافرين -والعياذ بالله-، قال -تعالى-: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [النمل: 14]، وهذا هو النوع الأول من الإعراض.

النوع الثاني: الإعراض بالقلب فقط مع الإقبال باللسان، وهذا حال المنافقين -والعياذ بالله-، وقد فضحهم -عز وجل- قائلًا: (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) [آل عمران: 167]، وقال -عز من قائل-: (الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [المائدة: 41]، وزاد فضيحتهم حين قال: (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 8]

النوع الثالث: قبول بعض الشريعة، والإعراض عن بعضها إما جهلًا بأنه من الشريعة، أو تغليبًا لهوى النفس، أو تقليدًا للجهلاء، قال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [آل عمران: 23], ومن حاله هذا توعده الله بقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].

النوع الرابع: الإعراض عمن يُذكَّره بالله، وكراهية الاستماع إلى المواعظ, وما أشبه حاله بحال من وصفهم القرآن قائلًا: (وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر: 45]، بل ما أقبح ما شبَّه الله به حالهم في القرآن حين قال: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) [المدثر: 49-51].

عقوبات الإعراض عن الله
أيها المسلمون: والإعراض عن الله -تعالى- إفساد في الأرض، وللمعرضين عقوبات كثيرة، هاك بعضها:

العقوبة الأولى: الإعراض عن الله سبب الهلاك: فما من أمة أهلكها الله إلا حين أعرضت عنه، وهذا نموذج ضربه الله بمملكة سبأ، فقال: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 15-17]، وقد حذَّر الله -عز وجل- المعرضين عنه تحذيرًا مباشرًا فقال -سبحانه -: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) [فصلت: 13].

العقوبة الثانية: إعراض الله عن المعرضين: فعن أبي واقد الليثي قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما أحدهما: فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه" [متفق عليه]، فمن أعرض عن الله، أعرض الله عنه, ومن نسيه نسيه, كما قال -تعالى-: {نَسُوا اللَّهَ} [التوبة: 67]

العقوبة الثالثة: الخيبة والخسران وحمل الأوزار يوم القيامة: قال -تعالى-: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا) [طه: 99-101]؛ أي: حملاً ثقيلاً من الآثام.
الرابعة: المعيشة الضنك في الدنيا، والعمى في الآخرة: قال -عز وجل-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا) [طه: 124-125]، لما كان المعرض عن الله في عمىً عن الله وآياته الشرعية وعبره الكونية؛ كان جزاءه من جنس عمله, قال -سبحانه-: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) [الإسراء: 72].

الخامسة: توعد الله للمعرض بالانتقام ووصفه بالإجرام: يقول -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة: 22].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

وسائل الإقبال على الله
عباد الله: إذا أدركنا قبح الإعراض عن الله وسوء عاقبته، فلا بد أن القلوب قد وجلت, والعقول قد تساءلت: وكيف الإقبال على الله والرجوع إليه؟ نقول: هذي بعض وسائل ذلك:

الوسيلة الأولى: معرفة الله وإدراك عظمته وكبريائه، واستغنائه عن خلقه: فإن كثيرًا من الناس لا يعرفون الله حق المعرفة، قال -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر: 67].

إن الله الجليل بيده الكون كله يصرِّفه كيف يشاء، ولولاه -سبحانه- لانهار توازنه وانفرط عقده، قال -تعالى-: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج: 65]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يطوي الله -عز وجل- السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟" [متفق عليه]، فمن عرف الله -عز وجل- حق المعرفة، أحبه وعظمه وتقرب إليه.

الوسيلة الثانية: إدراك ضعفنا وافتقارنا وحاجتنا إليه -سبحانه-: فإننا مهما بلغنا من العلم فنحن جهلاء، ومهما بلغنا من الغنى فإنا فقراء، ومهما بلغنا من العقل فنحن حيارى إلا أن يهدينا الله...

وأول ما يتراءى أمام أعيننا من ضعفنا هو أصل خلقتنا، (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) [الطارق: 5-7], فبداية الإنسان ضعفٌ ونهايته ضعف, روى أحمد في مسنده أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَصَقَ يَوْمًا فِي كَفِّهِ, فَوَضَعَ عَلَيْهَا أُصْبُعَهُ، ثُمَّ قَالَ: "قَالَ اللهُ: بَنِي آدَمَ، أَنَّى تُعْجِزُنِي وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ، مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ، وَلِلْأَرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ قُلْتَ: أَتَصَدَّقُ، وَأَنَّى أَوَانُ الصَّدَقَةِ" [حسنه الأرناؤوط].

فإذا أحسسنا بضعفنا وعوزنا، ومن قبلها أيقنا أن المعطي الكريم والقوي المتين هو الله وحده، لم نرتحل عن بابه أبدًا، ولم تلتفت قلوبنا عن الاستعانة به أبدًا, فمنه -عز وجل- جبر كسرنا وستر عيبنا وقضاء حوائجنا وسد فاقتنا وحاجتنا.

صلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
.
لا غالب إلا الله ..!!

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: عندما يعتقد العبد أن ما يجري في هذه الحياة وفي هذا الكون الفسيح من أحداث وأقدار وخير وشر وسراء وضراء إنما تحدث بتقدير الله وإرادته، ابتلاء منه لعباده وحكمة هو يعلمها، فلا يجزع الإنسان حينها ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، ويعتقد في قرارة نفسه أن الله غالب على أمره، فيكسب هذا الإيمان في قلب العبد المؤمن الرضا والطمأنينة: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ والله لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فخور) [الحديد: 22- 23]..

ولذلك كان من أسماء الله التي ينبغي أن نتدبر معناها ودلالاتها وآثارها الإيمانية اسم الله

وقد ورد اسم الله "الغالب" في موضع واحد من القرآن وهو قول الله تعالى: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]

و "الغالب" هو الغالب على من سواه قاهر لمن عاداه فسبحانه إذا أراد شيئًا فلا يُرَد ولا يُمَانَع ولا يُخَالَف، ولا يغلبه الناس، بل ما شاءه كان ونفذ، وإن لم يرضَ الناس سواءٌ كان ذلك الشيء بإماتة إنسان أو نصر قوم أو هزيمتهم، أو غير ذلك من الشؤون فأمره الغالب سبحانه وتعالى ولكن أكثر الناس لا يدرون حكمته، وتلطفه لما يريد، فلذلك يجري منهم ، ويصدر ما يصدر في مغالبة أحكام الله القدرية وهم أعجز وأضعف من ذلك.

قال القرطبي-رحمه الله-: ( فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الغالب على الإطلاق، فمن تمسّك به فهو الغالب ،ولو أن جميع من في الأرض طالب، قال تعالى: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }[المجادلة:21] ،ومن أعرض عن الله تعالى وتمسك بغيره كان مغلوبا وفي حبائل الشيطان مقلوبا)

قال سعيد بن جبير -رحمه الله- في قوله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]، أي: "فعال لما يشاء". وقوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} يقول: "لا يدرون حكمته في خلقه، وتلطفه لما يريد" (انتهى من تفسير ابن كثير).

عبـــــــــــاد الله: اللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، أراد إخوة يوسف قتلَه فغلبَ أمرُ الله حتى صار ملِكاً وسجدوا بين يديه، ثم أرادوا أن يخلو لهم وجهُ أبيهم فغلبَ أمرُ الله حتى ضاق عليهم قلبُ أبيهم، وافتكر يوسف بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة، فقال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:84].

ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قوماً صالحين -أي تائبين- فغلب أمرُ الله حتى نسوا الذَنْب وأصرّوا عليه حتى أقرّوا بين يدي يوسف في آخر الأمر بعد سبعين سنة، وقالوا لأبيهم: {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97].

ثم أرادوا أنْ يخدعوا أباهم بالبكاءِ والقميص، فغلب أمر الله فلم ينخدع، وقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} [يوسف:18].

ثم احتالوا في أن تزول محبتُه من قلْبِ أبيهم فغلبَ أمرُ الله فازدادت المحبةُ والشوقُ في قلبه.

ثم دبّرت امرأةُ العزيز أنها إن ابتدرته بالكلام غلبتْه، فغلبَ أمرُ الله حتى قال العزيز: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29].

ثم دبّر يوسف أن يتخلّص من السجن بذِكْرِ الساقي فغلبَ أمرُ الله فنسي الساقي، ولبثَ يوسف في السجن بضع سنين،
وتأمل كيف دبر يوسف شأن نفسه ليخرج من السجن في أول الأمر، ولكن أراد الله ألا يكون لأحد عليه منة، وأن يعلي قدره جزاء إحسانه؛ فأرى اللهُ الملكَ الرؤيا ليخرج يوسف مطلوبًا لا طالبًا، مرغوبًا لا راغبًا، ويقول الملك: {ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} [يوسف:54]، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا
يَعْلَمُونَ}.

فاﻟﺤﺎﺳﺪﻭﻥ ﺃﻟﻘﻮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺐ، ﻭﺍﻟﺴﻤﺎﺳﺮﺓ ﺑﺎﻋﻮﻩ ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺨﺲ، ﻭﺍﻟﻌﺎﺷﻘﻮﻥ ﺃﻟﻘﻮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ، ﻭﺍﻟﻌﻘﻼﺀ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺧﻄﻄﻮﺍ ﻟﻪ ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺍﻟﻤﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺭﻓﻌﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ، .. ﻓﻼ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺤﺐ، ﻭﻻ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﻜﺮﻩ، ﻭﻻ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺮﺿﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [يوسف/6]، إلى أن قال الله تعالى: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]

معاشر المسلمين: و مكث فرعون سنوات يحيك المكر السيئ يقتل الرجال ويستحي النساء ويستعبد الناس خوفاً على الملك والسلطان، فارتكب جميع الجرائم وادعى لنفسه الألوهية والربوبية من دون الله، وأرسل جنوده في الأرض ليخوف الناس ويحكم سيطرة ومكر مكراً ومكر الله، وساق الله موسى عليه السلام بعد أن رمته أمه في البحر خوفاً عليه إلى قصر فرعون وشب موسى وترعرع في ذلك القصر والجيوش تحرسه وفرعون يرعاه وصدق الله إذ يقول: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21]

أين ذهب مكر فرعون ودهاءه؟ أين قوته وجبروته وسلطانه وأمواله؟ لقد سخرها الله لرعاية موسى، وبعد أن آتاه الله النبوة والكتاب وعرض أمر الله على فرعون أخذ فرعون يمكر بموسى وبمن معه ويحيك المؤامرات والدسائس والأكاذيب ويحشد الجنود ويستعمل القهر والتعذيب ويجمع السحرة ليناصروه، فلما أيقنوا أنما جاء به موسى ليس بسحر إنما هو الحق آمنوا بالله وأخذ فرعون يتهمهم بالمكر والخداع وهو مكر أخير يستعمله فرعون أمام الجماهير وزبانيته وجيوشه.

قال سيد فطب رحمه الله: " ولو تتبعنا مسار التاريخ ومسيرة الإنسان لوجدنا أن هذه الحقيقة لا تشذ أبداً، ولا تتخلف مطلقاً، فالله غالب على أمره، لا يقع في ملكه إلا ما يريد. والعباد -بمن فيهم الطواغيت المتجبرون- أضعف من الذباب، {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73]! وهم ليسوا بضارين من أحد إلا بإذن الله؛ وليسوا بنافعين أحداً إلا بأمر، (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]

أيها المؤمنون: ورسولكم صل الله عليه وسلم، ألم يحارب من قومه؟ ألم يحاصر هو وأصحابه؟ ألم يعذب أتباعه ويقتل منهم من قتل؟ ألم ترصد الأموال والجيوش والوسائل الإعلامية في ذلك الوقت وإلى اليوم لطمس الدين وهويته وزعزعته في النفوس

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الانفال: 36]

ألم يخططوا ويمكروا، (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الانفال:30]

ألم يقف معهم الشيطان يوم بدر يزين سوءَ أعمالِهم ويبشرهم بالغلبة والنصر،: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48].

ولكن الله غالب على أمره إلى قيام الساعة،
قال سيد قطب رحمه الله : " ولكن الله غالب على أمره.. وهذه الانتكاسات الحيوانية الجاهلية في حياة البشرية لن يكتب لها البقاء.. وسيكون ما يريده الله حتماً.. وستحاول البشرية ذات يوم أن تقيم تجمعاتها على القاعدة التي كرم الله الإنسان بها. والتي تجمع عليها المجتمع المسلم الأول فكان له تفرده التاريخي الفائق. وستبقى صورة هذا المجتمع تلوح على الأفق, تتطلع إليها البشرية وهي تحاول مرة أخرى أن ترقى في الطريق الصاعد إلى ذلك المرتقى السامي الذي بلغت إليه في يوم من الأيام" (في ظلال القرآن).

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله:

إن لأسم الله "الغالب" آثار إيمانية تتجلى في حياة الفرد المسلم من ذلك:

الثقة بالله وحسن الظن به فهو الغالب سبحانه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جل وعلا يقول: أنا عند ظن عبدي بي: إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله) (أحمد وابن حبان، وهو صحيح)
قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله إلا هو لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه، ذلك أن الخير في يده".

ومنها: الثقة في نصر الله تعالى لعباده المؤمنين وعدم الرهبة من قوة الكافرين إذا أخذ بالأسباب، والتوكل على الله وحده في ذلك؛ فالمنصور من نصره الله تعالى، والمخذول من خذله ، قال سبحانه: ( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) [آل عمران: 160].

اشدُدْ يَدْيـكَ بحَبـلِ الله مُعتَصِمـاً * * * فإنَّـهُ الرُّكْنُ إنْ خانَتْـكَ أركـانُ.

ومنها: الأمل بالله وعدم اليأس فالله غالب على أمره

ومنها: العمل لدين الله في كل الظروف والأحوال، فدين الله غالب على كل دين مهما كانت الظروف والابتلاءات التي يمر لها أتباعه لأنه دين الله الغالب على أمره قال تعالى: (هوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]

ومن ذلك: أن القلب الذي يتصل بالله تتغير موازينه وتصوراته، فهي تحس أن ميزان القوى ليس في أيدي الكافرين، إنما هو في يد الله وحده. فطلبت منه النصر، ونالته من اليد التي تملكه وتعطيه.. وهكذا تتغير التصورات والموازين للأمور عند الاتصال بالله حقا، وعندما يتحقق في القلب الإيمان الصحيح. وهكذا يثبت أن التعامل مع وعد الله الواقع الظاهر للقلوب أصدق من التعامل مع الواقع الصغير الظاهر للعيون ،
قال تعالى: (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:249]

فثقوا بربكم عباد الله ، وأحسنوا الظن به مع حسن العمل،

هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
.
2025/01/07 16:51:04
Back to Top
HTML Embed Code: