tgoop.com/moh396/2901
Last Update:
#موسميات
س: ما حكم الجلوس في المسجد والتفرغ للدعاء والذكر عشية عرفة لغير الحاج؟ فقد انتشر مقطع فيه التحذير من ذلك وأنه بدعة.
الجواب: هذا عمل مشروع لا يصحّ وصفه بأنه بدعة، بل هو سنة من سنن الخلفاء الراشدين، وثبت فعله عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
- قال الحسن البصري: «أول من عرف بأرضنا ابن عباس كان يتّعد عشية عرفة، فيقرأ القرآن البقرة آية آية، وكان مثجا عالما». رواه عبد الرزاق، وروى نحوه ابن أبي شيبة مختصراً.
- وقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان عن موسى ابن أبي عائشة، قال: (رأيت عمرو بن حريث جالساً على المنبر عشية عرفة). رواه ابن سعد.
قال أحمد بن حنبل: أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث.
فأما ابن عباس فإنّه لما عرّف بأهل البصرة كان أميراً عليها، وإمارته للبصرة كانت في أول سنة من خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وبقي أميراً عليها حتى قتل علي رضي الله عنه، وكان علي بالكوفة، فالأمر قريب منه، فإقرار علي بن أبي طالب لابن عباس على التعريف بأهل البصرة ، دليل على أن ذلك سنة من سنن الخلفاء الراشدين.
وكان في البصرة في زمانه جماعة من الصحابة فلم ينكروا عليه.
وأما عمرو بن حريث رضي الله عنه فصحابي جليل وقارئ فقيه، ولد قبل الهجرة بسنة أو سنتين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من القراء في زمن عمر بن الخطاب، وكان عمر يأمره بإمامة النساء في رمضان ثم انتقل إلى الكوفة
وابتنى بها داراً كبيرة قريباً من المسجد الكبير، وعلّم بها، وبورك له في ماله وولده، وكان زياد بن أبيه إذا خرج إلى البصرة استخلف عمرو بن حريث على الكوفة، وهو أوّل من عرّف بها.
ويوم عرفة يسنّ صيامه لغير الحاج، ومكث الصائم في المسجد من الأعمال المشروعة لحفظ صيامه، والدعاء والذكر، وقد صحّ عن أبي هريرة رضي الله عنه من أنه كان هو وأصحابه إذا صاموا مكثوا في المسجد.
- قال إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي قال: «كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد».
وقالوا: «نطهر صيامنا». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد في الزهد، وغيرهم.
فهذا في عموم الأيام التي يصام فيها، ويوم عرفة أولى بهذا المعنى، أن يحفظ الصيام فيه؛ لأنه صيام فاضل، له أجر لم يذكر لغيره من الأيام في صيام النفل، فالاحتياط لحفظ صيام يوم عرفة أولى من غيره.
- وقال حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حرملة أنه رأى سعيد بن المسيب عشية عرفة مسنداً ظهره إلى المقصورة، ويستقبل الشام حتى تغرب الشمس. رواه ابن أبي شيبة.
وسعيد بن المسيب من كبار أصحاب أبي هريرة، ومن علماء التابعين، وكان يمكثُ في المسجد عشية عرفة حتى تغرب الشمس.
فهذا دليل على أن المكث في المسجد يوم عرفة سنة مشتهرة، فدعوى من يدعي أنها بدعة محدثة دعوى فيها جفاء.
نعم روي عن بعض التابعين كالحكم وحماد وإبراهيم النخعي، أنهم قالوا: إنها محدثة، لكن هذا له وجهان:
أحدهما: أنه نظير إحداث صلاة التراويح، فإنَّ صلاة التراويح لم تكن تقام جماعة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولا في صدر خلافة عمر، وإنما جمعهم عمر بن الخطاب فأحيا سنة بُدئ العمل بها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تركها النبي صلى الله عليه وسلم لئلا تفرض على أمته، فعمل عمر بن الخطاب هو إحياء تلك السنة، وكذلك يقال في تعريف أهل الأمصار عشية عرفة.
والوجه الآخر: أنه متجّه لمعنى مضاهاة أهل الموقف بعرفة ، وأن يخرج الناس في الأمصار في صعيد، ويخطب به خطيب، ويمكثون للدعاء؛ وهذا نحو ما روى عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة قال: قال عدي بن أرطاة للحسن: ألا تخرج بالناس فتعرّف بهم؟ وذلك بالبصرة.
قال: فقال الحسن: «إنما المعرَّف بعرفة».
فهذا ظاهر في أنه للخروج ومضاهاة عمل أهل الموقف، وهو بدعة لا ريب، فإذا كان معه لباس إحرام وتلبية فهو بدعة منكرة.
والحسن هو الذي روى عن ابن عباس أنه أوّل من عرّف بالبصرة؛ وجوابه هذا دليل على تفريقه بين التعريف البدعي والتعريف الجائز.
فمن التعريف البدعي الخروج إلى صعيد يُعرّف به؛ ولذلك قال: إنما المعرّف بعرفة.
- قال زبيد اليامي: (ما كنا نعرّف إلا في مساجدنا). رواه ابن أبي شيبة.
وهذا يدلّ بمفهومه على الإنكار على من كان يخرج للتعريف في الأمصار في صعيد بارز يتّعد الناس فيه.
وعليه يحمل قول جماعة من التابعين: (إنما المعرّف بمكة).
وأما المكث في المسجد للذكر والدعاء وحفظ الصيام ؛ فهو عمل مشروع لا ينكر، غير أنه ينبغي أن يُعلم أنه من الأعمال التي يأخذ المرء فيها بالأصلح لقلبه والأنفع له؛ فإن كان مكثه في المسجد أدعى لحضور القلب واجتماعه على الذكر والدعاء والتفرغ من الشواغل فيستحبّ له، وإن كان مكثه في البيت أنفع له وأصلح لحاله فليمكث في بيته.
BY قناة محمد القحطاني العلمية
Share with your friend now:
tgoop.com/moh396/2901