"ملة إبراهيم"
هذا هو العنوان الأصلي والمرجع الأساسي.
الحنيفية السمحة..
التوحيد الخالص النقي من كل شائبة شرك، ذلك هو لبُّ دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما كان لبَّ دعوة إبراهيم عليه السلام وملته التي لا يرغب عنها إلا سفيه جاهل
" وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ" [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٣٠]
وهكذا يتكرر الأمر وبه يتنزل القرآن الكريم، فيما يزيد عن ستين موضع ستجد ذكرًا لإبراهيم، وقصصه، ودعواته، ومواقفه.
وكأن ثمة رسالة قرآنية خلاصتها : "لست وحدك في هذا الطريق يا محمد.
بل أنت التمام وحسن الختام لذلك الركب النوراني الذي بدأه أبوك إبراهيم، وها أنت تُكمل بناء الصرح الذي وضع هو أساسه".
إن العلاقة بين النبيين صلوات الله وسلامه عليهما؛ ليست مجرد علاقة فكرية عابرة أو فقط تشابه في المبادئ والعبادات، ولكنها علاقة عملية حية، وسنن متصلة، وجسور ممتدة.
النبي ﷺ يصلي في الكعبة التي بناها إبراهيم.
يُتم المناسك التي طلبها إبراهيم في قوله: " وأرنا مناسكنا" ثم أُمر بها وسنّها.
النبي محمد ﷺ يُلبّي مستجيبا لنداء الحج الذي أذّن به أبوه إبراهيم في الناس.
يعيد بناء الأمة على أسس التوحيد الحنيفية والإستسلام التي رسّخها إبراهيم.
حتى في صلاتنا اليومية نربط بينهما في التشهد الأخير حين نصلي على النبي صلاة تأمل اسمها..
الصلاة الإبراهيمية
"اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
لماذا هذا الامتداد الدائم والارتباط المستمر والاستدعاء لذكره؟
لأنهما، صلوات الله وسلامه عليهما، يشبهان بعضهما في الجوهر..
في نقاء التوحيد..
في صدق التسليم..
في حجم التضحية، وفي عمق المحبة لله.
كل منهما وقف وحيدًا في بداية دعوته، وكلاهما واجه الأذى والاضطهاد، وكل منهما صبر وثبت، وكل منهما بنى أمة وترك إرثاً خالداً.
كان إبراهيم وحيدًا في دعوته، أمةً في رجل، مهاجراً إلى ربه.
وكان محمد ﷺ طريدًا في مكة، يتيمًا في قومه، غريباً في بداية دعوته.
كلاهما دعا... وصبر... واغترب... وبنى... وضحّى.
لكن انظر إلى النهاية، وإلى الأثر الممتد.
إبراهيم الذي بدأ مهاجرا وحيدًا أصبح "أمة" وأباً للأنبياء، وإماماً للناس، وخليلاً للرحمن.
ومحمد ﷺ الذي بدأ وحده في غار يتحنث ثم يتوعده القريب والبعيد أصبح "رحمة للعالمين"، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين.
ولقد كانت البعثة المحمدية في جوهرها = "عودة إلى الأصل".
عودةٌ لهذا البيت الذي أعاد إبراهيم رفع قواعده وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين
في ذلك الوادي الجاف ستكون خاتمة الرسالات ومهبط الوحي الأخير
قبل آلاف الأعوام كان الأب هنا.
ولقد ترك بصمته الخالدة في كل حجرٍ من حجارة ذلك البيت العتيق..
ثم دار الزمن دورته ونُسخ العلم ونسي الناس وطاف المشركون بأصنامهم حول البيت الذي رفعه إبراهيم وابنه إسماعيل بأيديهما الطاهرتين طاعةً لأمر الله.
المناسك انحرفت عن مسارها بفعل الجاهلية
هنا جاءت دعوة حفيده لتطهيره من جديد من رجس الشرك ودنس الأوثان وإعادته إلى وظيفته الأولى التي بُني من أجلها
أن يكون منارة للتوحيد الخالص، وقبلة للموحدين.
لهذا، حين دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا، لم يكن ما فعله الانتقام ممن آذوه وطردوه، بل كان أول ما فعله هو الأمر بتحطيم تلك الأصنام الثلاثمائة وستين التي كانت تحيط بالكعبة
وكأنه بلسان الحال يردد: "يا أبي إبراهيم، لقد عدتُ لأكمل ما بدأتَه.
هذا البيت لله وحده، لا شريك له".
الأذان بالحج الذي دوّى عبر الصحراء ليصبح دعوة عالمية تتجاوز الزمان والمكان والذي هو صدى صوت إبراهيم الذي نفذ ما أمره ربه: "{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}" سيظل يتردد إلى آخر الزمان في قلوب أتباع محمد ﷺ وسيجيبونه ملبين ومعلنين استمرار تلك الصلة التي لا تنقطع
صلة روحية عميقة لم تقتصر على الدعاء والأثر الممتد في هذه الأرض، بل تجلت في أبهى صورها في لقاء مباشر وقع بين النبيين الكريمين
لقاء سماوي مهيب، جمع بين "الابن الصالح والنبي الصالح" وبين "أبيه" الخليل، في أعلى مقامات القرب.
في رحلة الإسراء والمعراج، ذلك الحدث الفريد الذي تجاوز نواميس الزمان والمكان، حين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السماء السابعة، التقى هنالك بأبيه إبراهيم عليه السلام.
بعد أن فُتح للنبي باب السماء السابعة يروي لنا ما حدث كما في الصحيحين "
هذا هو العنوان الأصلي والمرجع الأساسي.
الحنيفية السمحة..
التوحيد الخالص النقي من كل شائبة شرك، ذلك هو لبُّ دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما كان لبَّ دعوة إبراهيم عليه السلام وملته التي لا يرغب عنها إلا سفيه جاهل
" وَمَن یَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَیۡنَـٰهُ فِی ٱلدُّنۡیَاۖ وَإِنَّهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ" [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٣٠]
وهكذا يتكرر الأمر وبه يتنزل القرآن الكريم، فيما يزيد عن ستين موضع ستجد ذكرًا لإبراهيم، وقصصه، ودعواته، ومواقفه.
وكأن ثمة رسالة قرآنية خلاصتها : "لست وحدك في هذا الطريق يا محمد.
بل أنت التمام وحسن الختام لذلك الركب النوراني الذي بدأه أبوك إبراهيم، وها أنت تُكمل بناء الصرح الذي وضع هو أساسه".
إن العلاقة بين النبيين صلوات الله وسلامه عليهما؛ ليست مجرد علاقة فكرية عابرة أو فقط تشابه في المبادئ والعبادات، ولكنها علاقة عملية حية، وسنن متصلة، وجسور ممتدة.
النبي ﷺ يصلي في الكعبة التي بناها إبراهيم.
يُتم المناسك التي طلبها إبراهيم في قوله: " وأرنا مناسكنا" ثم أُمر بها وسنّها.
النبي محمد ﷺ يُلبّي مستجيبا لنداء الحج الذي أذّن به أبوه إبراهيم في الناس.
يعيد بناء الأمة على أسس التوحيد الحنيفية والإستسلام التي رسّخها إبراهيم.
حتى في صلاتنا اليومية نربط بينهما في التشهد الأخير حين نصلي على النبي صلاة تأمل اسمها..
الصلاة الإبراهيمية
"اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد".
لماذا هذا الامتداد الدائم والارتباط المستمر والاستدعاء لذكره؟
لأنهما، صلوات الله وسلامه عليهما، يشبهان بعضهما في الجوهر..
في نقاء التوحيد..
في صدق التسليم..
في حجم التضحية، وفي عمق المحبة لله.
كل منهما وقف وحيدًا في بداية دعوته، وكلاهما واجه الأذى والاضطهاد، وكل منهما صبر وثبت، وكل منهما بنى أمة وترك إرثاً خالداً.
كان إبراهيم وحيدًا في دعوته، أمةً في رجل، مهاجراً إلى ربه.
وكان محمد ﷺ طريدًا في مكة، يتيمًا في قومه، غريباً في بداية دعوته.
كلاهما دعا... وصبر... واغترب... وبنى... وضحّى.
لكن انظر إلى النهاية، وإلى الأثر الممتد.
إبراهيم الذي بدأ مهاجرا وحيدًا أصبح "أمة" وأباً للأنبياء، وإماماً للناس، وخليلاً للرحمن.
ومحمد ﷺ الذي بدأ وحده في غار يتحنث ثم يتوعده القريب والبعيد أصبح "رحمة للعالمين"، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين.
ولقد كانت البعثة المحمدية في جوهرها = "عودة إلى الأصل".
عودةٌ لهذا البيت الذي أعاد إبراهيم رفع قواعده وتطهيره للطائفين والعاكفين والمصلين
في ذلك الوادي الجاف ستكون خاتمة الرسالات ومهبط الوحي الأخير
قبل آلاف الأعوام كان الأب هنا.
ولقد ترك بصمته الخالدة في كل حجرٍ من حجارة ذلك البيت العتيق..
ثم دار الزمن دورته ونُسخ العلم ونسي الناس وطاف المشركون بأصنامهم حول البيت الذي رفعه إبراهيم وابنه إسماعيل بأيديهما الطاهرتين طاعةً لأمر الله.
المناسك انحرفت عن مسارها بفعل الجاهلية
هنا جاءت دعوة حفيده لتطهيره من جديد من رجس الشرك ودنس الأوثان وإعادته إلى وظيفته الأولى التي بُني من أجلها
أن يكون منارة للتوحيد الخالص، وقبلة للموحدين.
لهذا، حين دخل النبي ﷺ مكة فاتحًا، لم يكن ما فعله الانتقام ممن آذوه وطردوه، بل كان أول ما فعله هو الأمر بتحطيم تلك الأصنام الثلاثمائة وستين التي كانت تحيط بالكعبة
وكأنه بلسان الحال يردد: "يا أبي إبراهيم، لقد عدتُ لأكمل ما بدأتَه.
هذا البيت لله وحده، لا شريك له".
الأذان بالحج الذي دوّى عبر الصحراء ليصبح دعوة عالمية تتجاوز الزمان والمكان والذي هو صدى صوت إبراهيم الذي نفذ ما أمره ربه: "{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}" سيظل يتردد إلى آخر الزمان في قلوب أتباع محمد ﷺ وسيجيبونه ملبين ومعلنين استمرار تلك الصلة التي لا تنقطع
صلة روحية عميقة لم تقتصر على الدعاء والأثر الممتد في هذه الأرض، بل تجلت في أبهى صورها في لقاء مباشر وقع بين النبيين الكريمين
لقاء سماوي مهيب، جمع بين "الابن الصالح والنبي الصالح" وبين "أبيه" الخليل، في أعلى مقامات القرب.
في رحلة الإسراء والمعراج، ذلك الحدث الفريد الذي تجاوز نواميس الزمان والمكان، حين بلغ النبي صلى الله عليه وسلم السماء السابعة، التقى هنالك بأبيه إبراهيم عليه السلام.
بعد أن فُتح للنبي باب السماء السابعة يروي لنا ما حدث كما في الصحيحين "
❤6👍2
فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ...". فيقول له جبريل عليه السلام: "هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ". قال: "فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
تأمل هذا المشهد بقلبك وتلمس ما يحمله من دلالات!
إبراهيم الخليل، في السماء السابعة، عند البيت المعمور، كعبة أهل السماء التي يدخلها كل يوم سبعون ألف ملك
هذا المقام الرفيع، وهذا القرب من بيت الله في السماء
تكريم إلهي لمن رفع قواعد بيت الله في الأرض.
وكأن رسالة مستمرة أن الجزاء من جنس العمل.
الرجل الذي بنى الكعبة في الأرض، وأذّن في الناس بالحج، ها هو يستريح في جوار البيت المعمور، مُسنداً ظهره إليه، في مشهد يوحي بالسكينة والرضا والتكريم بعد رحلة طويلة من البلاء والتضحية والوفاء.
وهذا اللقاء بين النبيين، وتأكيد سيدنا جبريل على أبوة سيدنا إبراهيم
ثم ترحيب إبراهيم بابنه الصالح
مشهد مهيب يرسخ هذه الصلة الروحية العميقة، وهذا الامتداد النبوي المبارك. ليست مجرد علاقة نسب جسدي، بل هي علاقة رسالة ومنهج وقلب..
علاقة يفترض أن تمتد إلينا ويكون استمرارها عبر قلوبنا وجوارحنا
أنا وأنت...
أبناء الأمة التي حملت الاسم الذي اختاره أبونا كما يختار الوالد اسم ولده ويدعو له مرة بعد مرة..
ألا نكون من الذين ردّوا هذا الجميل والفضل بالوفاء فنتمسك بهذا الحبل الممتد من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فنسير على نهجهما، ونقتفي أثرهما؟
أن تكون الأخرى؟
مجرد انتساب صوري وفخر خاوي كمن وقفوا على ضفة نهر عذب فتركوه يجري ويمضي... دون أن ينهلوا من مائه، أو يغتسلوا بعذوبته.
الاختيار لنا والسؤال أيضا سيوجه يوما إلينا.
هل اتبعنا ملة إبراهيم؟
#أبيكم_إبراهيم 12
#الذي_وفَّى
تأمل هذا المشهد بقلبك وتلمس ما يحمله من دلالات!
إبراهيم الخليل، في السماء السابعة، عند البيت المعمور، كعبة أهل السماء التي يدخلها كل يوم سبعون ألف ملك
هذا المقام الرفيع، وهذا القرب من بيت الله في السماء
تكريم إلهي لمن رفع قواعد بيت الله في الأرض.
وكأن رسالة مستمرة أن الجزاء من جنس العمل.
الرجل الذي بنى الكعبة في الأرض، وأذّن في الناس بالحج، ها هو يستريح في جوار البيت المعمور، مُسنداً ظهره إليه، في مشهد يوحي بالسكينة والرضا والتكريم بعد رحلة طويلة من البلاء والتضحية والوفاء.
وهذا اللقاء بين النبيين، وتأكيد سيدنا جبريل على أبوة سيدنا إبراهيم
ثم ترحيب إبراهيم بابنه الصالح
مشهد مهيب يرسخ هذه الصلة الروحية العميقة، وهذا الامتداد النبوي المبارك. ليست مجرد علاقة نسب جسدي، بل هي علاقة رسالة ومنهج وقلب..
علاقة يفترض أن تمتد إلينا ويكون استمرارها عبر قلوبنا وجوارحنا
أنا وأنت...
أبناء الأمة التي حملت الاسم الذي اختاره أبونا كما يختار الوالد اسم ولده ويدعو له مرة بعد مرة..
ألا نكون من الذين ردّوا هذا الجميل والفضل بالوفاء فنتمسك بهذا الحبل الممتد من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فنسير على نهجهما، ونقتفي أثرهما؟
أن تكون الأخرى؟
مجرد انتساب صوري وفخر خاوي كمن وقفوا على ضفة نهر عذب فتركوه يجري ويمضي... دون أن ينهلوا من مائه، أو يغتسلوا بعذوبته.
الاختيار لنا والسؤال أيضا سيوجه يوما إلينا.
هل اتبعنا ملة إبراهيم؟
#أبيكم_إبراهيم 12
#الذي_وفَّى
❤9👍3😢1
في مطار قريب من العاصمة الروسية موسكو تلفت السائح البيلاروسي حوله بنظرات مريبة كأنما يتأكد أنه لا يوجد من يراه..
لم ينتبه أن ثمة كاميرا مراقبة كانت تلمحه وتسجل لحظة انحنائه السريعة ليمسك بذلك الرضيع الأفغاني الذي لم يبلغ بعد عامه الثاني وفجأة يطرحه أرضًا بغلٍّ غالبا لن تجده في أشد الحيوانات المفترسة..
وكأنما يلقي حِملا زائدًا عن الحاجة ضرب بقسوة باردة الجسد الضعيف الذي لم يكتمل نموه لترتطم عظامه اللينة بالأرض وتتكسر عظام الجمجمة والعمود الفقري فورا!
الطفل لا يعرف ما يحدث..
لا يقرأ الأخبار أو يحلل الأحداث..
لم يفعل شيئًا سوى أنّه وقف، ربما لحظة غفلة بين يدي والدته.
كان لا يزال في طريقه، يستعد ليومٍ جديد..
لحياةٍ تمتلىء والألعاب والضحكات.
لكن تلك اللحظة الصافية قد اختطفت فجأة وانتهت بجمجمة مكسورة في مستشفى موسكو التي ربما لم يكن ليصل إليها إذا نجح المجرم فيما كاد أن يكرره من جديد ليكمل جريمته ويتأكد أنه قد نفذ المهمة لولا أن انتبه بعض المسافرين وهرعوا إليه يمنعونه من إكمال البشاعة التي يفعلها
مشهد آخر عابر سجلته الكاميرات لترصد رصاصة جديدة في قلب البراءة.
هل كان "فلاديمير فيتكوف" يجرب بيده النجسة تمرينًا من تمارينه الروحية القديمة:
"على أنهار بابل، هناك جلسنا فبكينا عندما تذكرنا صهيون.
علقنا أعوادنا على الصفصاف في وسطها.
يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا.
طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة."
هل كان هذا هو فهمه لذلك السطر الأخير
"طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة"
هل ظن أن هذا الطفل من بقايا مملكة بابل مثلا؟!
هل استدعى هذا النص من أعماق التناخ القديم ورتله كما كان أقوام يُرتلونه بألسنة متشققة من الحقد وهم يمزقون أطفالا آخرين ويلقون أجسادهم الرقيقة لتتهشم على صخور أرض أخرى تبعد آلاف الأميال عن ذلك المطار؟
صخور غـ..z.ة
ربما ستنتشر غدا الرواية المراد تمريرها والتي اعتمدها الملياردير الأمريكي على موقع تواصله بسرعة وتزحف عبر باقي المواقع لتجزم بأن الجريمة ليست عنصرية والطفل الذي يقبع في العناية المركزة الآن مهشم الرأس والفقرات لم يفعل به ذلك لأنه مسلم وأن الأمر لا يعدو كونه جنون مؤقت بسبب بعض آثار الحشيش والقنب التي وجدوها في دم المجرم
يا للسخرية!
حشيش وقنب!
والبعض سيصدق أن هذه الجالبات للدوبامين ستفعل ذلك التأثير المفترس
حسنا... ربما يغيرون نوع المخدر غدا.. المهم ألا ترتبط الجريمة بملة الطفل..
وقد ينجحون مع هذا المسكين أسأل الله أن يشفيه ويرده لوالديه..
لكن ماذا عن باقي الأطفال؟
أولئك الذي يسقطونهم في كل جولة ويظنون أنهم أكملوا الوصية ونظن نحن أنهم قد اكتفوا وارتوت قلوبهم الحقيرة
ثم يطلُّ وجه رضيع جديد من تحت الأنقاض..
يمد يده الصغيرة المرتجفة من بين التراب والحديد المنصهر
وينظر إلى السماء بحثًا عن المعنى...
في غـ..z.ة وعلى بعد ألف طفل محطم تتكرر الطقوس.
يد تشبه تلك التي ألقت الطفل الأفغاني على بلاط المطار؛ تضغط على زر الإطلاق في طائرة أو مسيرة لتسقط قذائفها على حضن أم تضم رضيعها الذي لا يلبث إلا ويلحق بإخوته تحت الحطام والصخور
سبعة عشر ألف طفل.
سبعة عشر ألف صخرة تهشمت عليها رؤوس طرية.
لم يقفوا صفوفًا في محراب الهيكل المزعوم، لكنهم كانوا القرابين المتكررة في معبد الغزاة.
الهيكل الجديد لا يحتاج إلى مذبح، بل إلى تقدير دقيق لحجم القرابين التي تقرب بها أبناء مدرسة قديمة...
مدرسة تقول إن الإنسان يبدأ حين يُزال الطفل.
وأن الأرض تُملك حين يفرغ الحاضن من صغاره.
أمة هذه التي لا تشبع من رؤوس الأطفال..
حضارة لا تقوم إلا على عظام الصغار؟
و"شعب مختار" يقيم طهارته بغسل الأيدي من نهر من د.مـ.اء البراءة
الطفل الأخير الذي لا أعرف اسمه والذي سينضم إلى قوائم غـ..z.ة هو الامتداد الصريح لطفل المطار لكن الفارق ذلك الأخير لم يسلم الروح بعد وأدركته مروءة البعض ورصدته الكاميرات ووجد سريرا في مستشفى متطور بالعاصمة الروسية..
بينما طفل غـ..z.ة لم يجد شيئا من هذا
لكن لا فارق بينهما في جوهر المعادلة:
المذنب عند القوم هو الطفل نفسه.
فقط لأنه قد وُلِد.
ولأن وجوده = تهديد لبقاء جلاده وغازيه وغاصب أرضه
يضحكون عبر وسائل الإعلام العالمية حين تتحدث الأرقام والإحصاءات عن هوايتهم الحقيرة
عن "قـ.تـ.ل الأطفال".
يقولون بصلف ووقاحة لم ير العالم مثلها: نحن لا نستهدف الأطفال هذه أخطاء واردة خصوصا أن المخربين يتترسون بهم!
يا للعجب..
بل ما بعد العجب
أيتترس والد برضيعه؟
أتترس أم بفلذة كبد في كل الأعراف وسائر بقاع الدنيا الأصل أن تفديه هي؟
لم ينتبه أن ثمة كاميرا مراقبة كانت تلمحه وتسجل لحظة انحنائه السريعة ليمسك بذلك الرضيع الأفغاني الذي لم يبلغ بعد عامه الثاني وفجأة يطرحه أرضًا بغلٍّ غالبا لن تجده في أشد الحيوانات المفترسة..
وكأنما يلقي حِملا زائدًا عن الحاجة ضرب بقسوة باردة الجسد الضعيف الذي لم يكتمل نموه لترتطم عظامه اللينة بالأرض وتتكسر عظام الجمجمة والعمود الفقري فورا!
الطفل لا يعرف ما يحدث..
لا يقرأ الأخبار أو يحلل الأحداث..
لم يفعل شيئًا سوى أنّه وقف، ربما لحظة غفلة بين يدي والدته.
كان لا يزال في طريقه، يستعد ليومٍ جديد..
لحياةٍ تمتلىء والألعاب والضحكات.
لكن تلك اللحظة الصافية قد اختطفت فجأة وانتهت بجمجمة مكسورة في مستشفى موسكو التي ربما لم يكن ليصل إليها إذا نجح المجرم فيما كاد أن يكرره من جديد ليكمل جريمته ويتأكد أنه قد نفذ المهمة لولا أن انتبه بعض المسافرين وهرعوا إليه يمنعونه من إكمال البشاعة التي يفعلها
مشهد آخر عابر سجلته الكاميرات لترصد رصاصة جديدة في قلب البراءة.
هل كان "فلاديمير فيتكوف" يجرب بيده النجسة تمرينًا من تمارينه الروحية القديمة:
"على أنهار بابل، هناك جلسنا فبكينا عندما تذكرنا صهيون.
علقنا أعوادنا على الصفصاف في وسطها.
يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا.
طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة."
هل كان هذا هو فهمه لذلك السطر الأخير
"طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة"
هل ظن أن هذا الطفل من بقايا مملكة بابل مثلا؟!
هل استدعى هذا النص من أعماق التناخ القديم ورتله كما كان أقوام يُرتلونه بألسنة متشققة من الحقد وهم يمزقون أطفالا آخرين ويلقون أجسادهم الرقيقة لتتهشم على صخور أرض أخرى تبعد آلاف الأميال عن ذلك المطار؟
صخور غـ..z.ة
ربما ستنتشر غدا الرواية المراد تمريرها والتي اعتمدها الملياردير الأمريكي على موقع تواصله بسرعة وتزحف عبر باقي المواقع لتجزم بأن الجريمة ليست عنصرية والطفل الذي يقبع في العناية المركزة الآن مهشم الرأس والفقرات لم يفعل به ذلك لأنه مسلم وأن الأمر لا يعدو كونه جنون مؤقت بسبب بعض آثار الحشيش والقنب التي وجدوها في دم المجرم
يا للسخرية!
حشيش وقنب!
والبعض سيصدق أن هذه الجالبات للدوبامين ستفعل ذلك التأثير المفترس
حسنا... ربما يغيرون نوع المخدر غدا.. المهم ألا ترتبط الجريمة بملة الطفل..
وقد ينجحون مع هذا المسكين أسأل الله أن يشفيه ويرده لوالديه..
لكن ماذا عن باقي الأطفال؟
أولئك الذي يسقطونهم في كل جولة ويظنون أنهم أكملوا الوصية ونظن نحن أنهم قد اكتفوا وارتوت قلوبهم الحقيرة
ثم يطلُّ وجه رضيع جديد من تحت الأنقاض..
يمد يده الصغيرة المرتجفة من بين التراب والحديد المنصهر
وينظر إلى السماء بحثًا عن المعنى...
في غـ..z.ة وعلى بعد ألف طفل محطم تتكرر الطقوس.
يد تشبه تلك التي ألقت الطفل الأفغاني على بلاط المطار؛ تضغط على زر الإطلاق في طائرة أو مسيرة لتسقط قذائفها على حضن أم تضم رضيعها الذي لا يلبث إلا ويلحق بإخوته تحت الحطام والصخور
سبعة عشر ألف طفل.
سبعة عشر ألف صخرة تهشمت عليها رؤوس طرية.
لم يقفوا صفوفًا في محراب الهيكل المزعوم، لكنهم كانوا القرابين المتكررة في معبد الغزاة.
الهيكل الجديد لا يحتاج إلى مذبح، بل إلى تقدير دقيق لحجم القرابين التي تقرب بها أبناء مدرسة قديمة...
مدرسة تقول إن الإنسان يبدأ حين يُزال الطفل.
وأن الأرض تُملك حين يفرغ الحاضن من صغاره.
أمة هذه التي لا تشبع من رؤوس الأطفال..
حضارة لا تقوم إلا على عظام الصغار؟
و"شعب مختار" يقيم طهارته بغسل الأيدي من نهر من د.مـ.اء البراءة
الطفل الأخير الذي لا أعرف اسمه والذي سينضم إلى قوائم غـ..z.ة هو الامتداد الصريح لطفل المطار لكن الفارق ذلك الأخير لم يسلم الروح بعد وأدركته مروءة البعض ورصدته الكاميرات ووجد سريرا في مستشفى متطور بالعاصمة الروسية..
بينما طفل غـ..z.ة لم يجد شيئا من هذا
لكن لا فارق بينهما في جوهر المعادلة:
المذنب عند القوم هو الطفل نفسه.
فقط لأنه قد وُلِد.
ولأن وجوده = تهديد لبقاء جلاده وغازيه وغاصب أرضه
يضحكون عبر وسائل الإعلام العالمية حين تتحدث الأرقام والإحصاءات عن هوايتهم الحقيرة
عن "قـ.تـ.ل الأطفال".
يقولون بصلف ووقاحة لم ير العالم مثلها: نحن لا نستهدف الأطفال هذه أخطاء واردة خصوصا أن المخربين يتترسون بهم!
يا للعجب..
بل ما بعد العجب
أيتترس والد برضيعه؟
أتترس أم بفلذة كبد في كل الأعراف وسائر بقاع الدنيا الأصل أن تفديه هي؟
😢14❤2
وهل يصدق ذلك عاقل؟
سيصدق ذلك من يريد وسيغض الطرف من يحتاج ألا ينشغل ويحمل هم جريمة يومية لا ترصدها كاميرات المطارات
جريمة مشهودة تحولت بلزوجة الابتسامة الصـ.هـ.يو.نية السمجة إلى مجرد لوجستيات أمنية!
حسنا هم لا يقـ.تـ.لون الأطفال كما لم يفعل المسكين فلاديمير الذي كان تحت تأثير الحشيش والقنب!
هم فقط يرفعون الحجارة ليتأكدوا أن شيئًا لم يزل تحتها يتحرك.
وكلما تحرك شيء هشموه،
ثم يكتبون تقريرهم في نهاية اليوم..
"تصفية المخربين الذين يتترسون بالأطفال"
لكن العالم كله يعرف الحقيقة وإن تغافل قاصدا..
ما يحدث هناك ليس انحرافًا طارئًا.
هو جوهر المعتقد واستكمال السردية بدقة..
طوبى لهم.. تتردد في أذهانهم كلما أمعنوا في سحق رأس لينة لم تلتئم عظامها على الصخور.
لكن ثمة خطأ وحيد في معادلتهم…
الصخور لم تعد صلبة كما كانت.
والرأس الذي يتهشم سيترك شروخًا صغيرة في الحجر القديم.
وهذه الشروخ ستتسع
وحينئذ ستتشقق الأرض ليخرج منها من لم ينجحوا في محوهم
ولن يجد القَـ.تَـ.لة يومها رأسًا يهشمونه على تلك الأرض بل قبورًا تفتح أفواهها لتبتلع نجاستهم.
وإنهم يرونه بعيدا
ونراه - بإذن ربنا - قريبا..
سيصدق ذلك من يريد وسيغض الطرف من يحتاج ألا ينشغل ويحمل هم جريمة يومية لا ترصدها كاميرات المطارات
جريمة مشهودة تحولت بلزوجة الابتسامة الصـ.هـ.يو.نية السمجة إلى مجرد لوجستيات أمنية!
حسنا هم لا يقـ.تـ.لون الأطفال كما لم يفعل المسكين فلاديمير الذي كان تحت تأثير الحشيش والقنب!
هم فقط يرفعون الحجارة ليتأكدوا أن شيئًا لم يزل تحتها يتحرك.
وكلما تحرك شيء هشموه،
ثم يكتبون تقريرهم في نهاية اليوم..
"تصفية المخربين الذين يتترسون بالأطفال"
لكن العالم كله يعرف الحقيقة وإن تغافل قاصدا..
ما يحدث هناك ليس انحرافًا طارئًا.
هو جوهر المعتقد واستكمال السردية بدقة..
طوبى لهم.. تتردد في أذهانهم كلما أمعنوا في سحق رأس لينة لم تلتئم عظامها على الصخور.
لكن ثمة خطأ وحيد في معادلتهم…
الصخور لم تعد صلبة كما كانت.
والرأس الذي يتهشم سيترك شروخًا صغيرة في الحجر القديم.
وهذه الشروخ ستتسع
وحينئذ ستتشقق الأرض ليخرج منها من لم ينجحوا في محوهم
ولن يجد القَـ.تَـ.لة يومها رأسًا يهشمونه على تلك الأرض بل قبورًا تفتح أفواهها لتبتلع نجاستهم.
وإنهم يرونه بعيدا
ونراه - بإذن ربنا - قريبا..
👍14😢3❤2
طالب الثانوية العامة الجميل ذو السمت الطيب واللسان الفصيح أسأل الله أن يبارك فيه وهو نموذج طيب أتفهم نية من يحرصون على نشر مقاطعه وجعله مثالا يحتذى لأبنائنا بارك الله فيهم وهداهم سبل الخير
لكن... هلا رفقتم بقلبه وبنفسيته قليلا..
شاب في مقتبل العمر يا كرام يتعرض لهذا الكم من الثناء فجأة؛ مشفق جدا على قلبه وأدعو له أن يتحمل ولا يأتيه الشيطان من مداخل ذقنا ويلاتها مرارا ورأينا كثيرا من استسلم لحبائلها..
أعرف أفاضل كانت بدايتهم "الطفل المعجزة" و "الخطيب المفوه" الذي تعلم الخطابة قبل أن يتقن حروف الهجاء... ثم مرت الأعوام وكبروا ولم يجدوا نفس القدر من الحفاوة فماذا كانت النتيجة وأين هم الآن؟
للأسف الإجابة لن تعجب البعض ممن لا يحلو لهم إلا تصورات وردية لا تشوبها شائبة..
لا أقول أن هذا مصير كل محل للثناء وخصوصا الابن الخلوق الذي نتحدث عنه وأتمنى له كل الخير والثبات والتفوق فيما هو قادم وأتمنى ممن يعرفه أن يرجوه ألا يلتفت ولا يركز قط مع ما يقال عنه خصوصا هذه الأيام وما تبقى لهم من امتحانات؛ فالقلوب ضعيفة والإنسان خلق من ضعف ومن عجل وكما يتأثر الفكر بالإيذاء فإنه أيضا يشرد ويتأثر بالثناء..
فرفقا أرجوكم
وربنا يوفق أبناءنا لكل خير يحبه ويرضاه
لكن... هلا رفقتم بقلبه وبنفسيته قليلا..
شاب في مقتبل العمر يا كرام يتعرض لهذا الكم من الثناء فجأة؛ مشفق جدا على قلبه وأدعو له أن يتحمل ولا يأتيه الشيطان من مداخل ذقنا ويلاتها مرارا ورأينا كثيرا من استسلم لحبائلها..
أعرف أفاضل كانت بدايتهم "الطفل المعجزة" و "الخطيب المفوه" الذي تعلم الخطابة قبل أن يتقن حروف الهجاء... ثم مرت الأعوام وكبروا ولم يجدوا نفس القدر من الحفاوة فماذا كانت النتيجة وأين هم الآن؟
للأسف الإجابة لن تعجب البعض ممن لا يحلو لهم إلا تصورات وردية لا تشوبها شائبة..
لا أقول أن هذا مصير كل محل للثناء وخصوصا الابن الخلوق الذي نتحدث عنه وأتمنى له كل الخير والثبات والتفوق فيما هو قادم وأتمنى ممن يعرفه أن يرجوه ألا يلتفت ولا يركز قط مع ما يقال عنه خصوصا هذه الأيام وما تبقى لهم من امتحانات؛ فالقلوب ضعيفة والإنسان خلق من ضعف ومن عجل وكما يتأثر الفكر بالإيذاء فإنه أيضا يشرد ويتأثر بالثناء..
فرفقا أرجوكم
وربنا يوفق أبناءنا لكل خير يحبه ويرضاه
👍14❤10
بعد قليل إن شاء الله البث القرآني الأسبوعي ضمن سلسلة التفسير والتدبر وموعدنا اليوم بإذن الله مع المجلس الخامس عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
❤6👍1
في أحد المحافل الصاخبة التي صارت تميز واقعنا قدر لي أن أجلس مجلسا أضطر فيه إلى الاستماع إلى حوارٍ يدور بحماس منقطع النظير.
فتاتان في مقتبل العمر، تتحدثان بحماسٍ وغضبٍ عن "النظام الأبوي" و"سطوة الذكورة السامة".
كانت الكلمات تتطاير كشظايا زجاجٍ مكسور: "السيطرة"، "القمع"، "الوصاية"، "التقاليد البالية"...
كانت "الأبوة" في حديثهما مرادفاً لكل ما هو سيء..
لكل ما هو خانق، لكل ما يُعيق عن الحرية والتقدم..
لم تكن الظروف تسمح لي في ذلك المحفل أن أتدخل في الحوار وغالبا لم تكن طاقة الغضب الهائلة التي برزت منه لتُلينها كلمةٌ عابرة أو نصيحة أو رأي سينضم لا محالة إلى قائمة الاتهام بالوصاية والأبوية خصوصا إذا انضم إليها مظهري الجاد وكهولتي التي يبديها الشيب الذي سيطر على رأسي ولحيتي.
لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من التأمل.
في زمن تهتزّ فيه كثير من الثوابت، وتتقوّض فيه المعاني العريقة تحت مطرقة المراجعة العصرية، أصبحنا نخجل من بعض الكلمات التي كانت يومًا عنوانًا للفطرة
"أب" "وصاية" "قِوامة"
هذه عينة من تلك المفاهيم التي صارت تحقر أو تُرفض بشكل كلي أو جزئي وكأن العالم قرر أن يكتب بيانًا جديدًا للأدوار، يمحو فيه كل معنى لم يُولد من صلب الفردانية الأنانية
في هذا العصر الذي يعاد فيه تعريف كل شيء، من الهوية حتى العلاقة بين المخلوق وخالقه، وتُختزل فيه العلاقة الأسرية في صراع قوةٍ وسيطرة، وتُصبح فيه كلمة "أب" أحياناً شبهة أو تهمة... ويخضع مفهوم "الأبوة" لهجوم شرس وتشريحٍ ثقيلٍ لا يرحم.
لم تعد الكلمة تحمل مدلولاتها القديمة؛ الحماية، الحكمة، النبتة التي تمدُّ جذورها في تراب الوجدان
لقد غدت لدى البعض تركةً ثقيلة من الماضي الذكوري، يجب كسرها لا فهمها، إسقاطها لا إصلاحها.
في دوامة النسوية المتطرفة بات هذا المفهوم النبيل "الأبوة" يُعامل كأنه خطأ طباعي في الصفحة الأولى من تاريخ البشرية، لا كجذر أولي لهُوية الإنسان.
صارت هناك أيديولوجيا تقوم على مناهضة ما يسمونه - أو الأصح "تُسمِّينه" - بـ "النظام الأبوي"
وفي ظلّ هذا الارتباك العام، أصبح الإنسان يتلعثم حين يُسأل: من هو "أبوك"؟
لا على مستوى النسب البيولوجي وحسب بل أيضا على مستوى الانتماء الروحي.
أصبحت علاقة الأب بالابن محلّ اتهامٍ مبطّن
هل هي علاقة سلطوية؟
هل هي محض قيود وأغلال؟
هل هي عُقدة؟
هل يجب التخلُّص منها كمنظومة؟
و أين نجد النموذج الحقيقي للأبوة التي تُرشد ولا تقمع.. التي تحمي ولا تكبت..
التي تمنح هويةً لا تمحو شخصية؟
وبينما أنا غارقٌ في أفكاري، قفز إلى ذهني اسمٌ واحد..
اسمٌ يتردد صداه عبر آلاف السنين.
اسمٌ لم يكن مجرد أبٍ لولدٍ أو اثنين، بل أصبح "أباً" لأممٍ وشعوب، أباً بالمعنى الروحي العميق الذي يتجاوز صلة الدم والنسب.
إنه سيدنا إبراهيم عليه السلام
"أبيكم إبراهيم".
بين كل هذه الأمواج المتلاطمة من الرفض لكل ما هو أبوي وفي خضم أجواء تلك المعركة، حيث تُنقض أبوة النسب، وأبوة الحنان، وأبوة القيم؛ يرفع القرآن راية ترفرف بهدوء وسكينة معلنةً أن ثمة "أب" معين لهذه الأمة
"﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هو سمّاكم المسلمين من قبل..." [الحج: 78]
هكذا يستعلن القرآن باللفظة وبكل وضوح في آية تختصر الإرث كله ومن خلالها يبقى "إبراهيم" عليه السلام استثناءً يمشي على حواف الزمن.
ليس لأنه رجلٌ من التاريخ، بل لأنه الأب الذي تجاوز الزمان والمكان.
إنه الأب الذي جمع في مقامه النسب والنبوة، والقدوة والدعاء، والنور الذي لا يُطفأ.
لم يقل في هذا السياق "نبيكم" ولا حتى "إمامكم" رغم كونه رسولا نبيا وللناس إماما..
لقد قال: أبيكم.
أبيكم!
يا لها من كلمةٍ دافئة في زمن اليتم الفكري والروحي!
هي ليست مجرد إشارة إلى نسلٍ جسدي، فكثير من أمتنا منا ليسوا من صلبه المباشر.
إنها إشارةٌ إلى "أبوةٍ روحية" جامعة..
إلى أننا نحن الذين نبحث عن مرضاة الله في زحام هذا الكون، ننتمي إلى هذه السلالة الإيمانية العريقة التي بدأت بلحظة تسليمٍ واحدة، صافية، خالدة
"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ".
في زمن يغدو فيه "الأب" لدى الكثيرين؛ مرادفًا للهيمنة =يُقدّمه القرآن بصيغةٍ مختلفة:
"أبوةٌ تُضيء، لا تُظلّل… تُعطي، لا تأخذ… تُحب، لا تبتز."
نحن هنا لا نتحدث عن تشريعٍ مؤقت في زمان أو مكان ولكن انتماء ممتد، ونسب لا يمر من مجرى الدم، بل من مجرى النور.
نور الوحي..
لك أن تتوقف طويلًا عند هذه الكلمة الشامخة
هي ليست مجازًا بلاغيا، بل عنوانٌ لهُويةٍ كاملة.
هُوية أمة..
في الوقت الذي يُقدَّم فيه "الأب" كشخصيةٍ إقصائية تحدّ من حرية الابن، يُقدَّم إبراهيم في القرآن والسنة كـ"أبٍ" يُرسّخ الخيط الذي يجمع بين الفرد والأمة..
فتاتان في مقتبل العمر، تتحدثان بحماسٍ وغضبٍ عن "النظام الأبوي" و"سطوة الذكورة السامة".
كانت الكلمات تتطاير كشظايا زجاجٍ مكسور: "السيطرة"، "القمع"، "الوصاية"، "التقاليد البالية"...
كانت "الأبوة" في حديثهما مرادفاً لكل ما هو سيء..
لكل ما هو خانق، لكل ما يُعيق عن الحرية والتقدم..
لم تكن الظروف تسمح لي في ذلك المحفل أن أتدخل في الحوار وغالبا لم تكن طاقة الغضب الهائلة التي برزت منه لتُلينها كلمةٌ عابرة أو نصيحة أو رأي سينضم لا محالة إلى قائمة الاتهام بالوصاية والأبوية خصوصا إذا انضم إليها مظهري الجاد وكهولتي التي يبديها الشيب الذي سيطر على رأسي ولحيتي.
لكنني لم أستطع أن أمنع نفسي من التأمل.
في زمن تهتزّ فيه كثير من الثوابت، وتتقوّض فيه المعاني العريقة تحت مطرقة المراجعة العصرية، أصبحنا نخجل من بعض الكلمات التي كانت يومًا عنوانًا للفطرة
"أب" "وصاية" "قِوامة"
هذه عينة من تلك المفاهيم التي صارت تحقر أو تُرفض بشكل كلي أو جزئي وكأن العالم قرر أن يكتب بيانًا جديدًا للأدوار، يمحو فيه كل معنى لم يُولد من صلب الفردانية الأنانية
في هذا العصر الذي يعاد فيه تعريف كل شيء، من الهوية حتى العلاقة بين المخلوق وخالقه، وتُختزل فيه العلاقة الأسرية في صراع قوةٍ وسيطرة، وتُصبح فيه كلمة "أب" أحياناً شبهة أو تهمة... ويخضع مفهوم "الأبوة" لهجوم شرس وتشريحٍ ثقيلٍ لا يرحم.
لم تعد الكلمة تحمل مدلولاتها القديمة؛ الحماية، الحكمة، النبتة التي تمدُّ جذورها في تراب الوجدان
لقد غدت لدى البعض تركةً ثقيلة من الماضي الذكوري، يجب كسرها لا فهمها، إسقاطها لا إصلاحها.
في دوامة النسوية المتطرفة بات هذا المفهوم النبيل "الأبوة" يُعامل كأنه خطأ طباعي في الصفحة الأولى من تاريخ البشرية، لا كجذر أولي لهُوية الإنسان.
صارت هناك أيديولوجيا تقوم على مناهضة ما يسمونه - أو الأصح "تُسمِّينه" - بـ "النظام الأبوي"
وفي ظلّ هذا الارتباك العام، أصبح الإنسان يتلعثم حين يُسأل: من هو "أبوك"؟
لا على مستوى النسب البيولوجي وحسب بل أيضا على مستوى الانتماء الروحي.
أصبحت علاقة الأب بالابن محلّ اتهامٍ مبطّن
هل هي علاقة سلطوية؟
هل هي محض قيود وأغلال؟
هل هي عُقدة؟
هل يجب التخلُّص منها كمنظومة؟
و أين نجد النموذج الحقيقي للأبوة التي تُرشد ولا تقمع.. التي تحمي ولا تكبت..
التي تمنح هويةً لا تمحو شخصية؟
وبينما أنا غارقٌ في أفكاري، قفز إلى ذهني اسمٌ واحد..
اسمٌ يتردد صداه عبر آلاف السنين.
اسمٌ لم يكن مجرد أبٍ لولدٍ أو اثنين، بل أصبح "أباً" لأممٍ وشعوب، أباً بالمعنى الروحي العميق الذي يتجاوز صلة الدم والنسب.
إنه سيدنا إبراهيم عليه السلام
"أبيكم إبراهيم".
بين كل هذه الأمواج المتلاطمة من الرفض لكل ما هو أبوي وفي خضم أجواء تلك المعركة، حيث تُنقض أبوة النسب، وأبوة الحنان، وأبوة القيم؛ يرفع القرآن راية ترفرف بهدوء وسكينة معلنةً أن ثمة "أب" معين لهذه الأمة
"﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هو سمّاكم المسلمين من قبل..." [الحج: 78]
هكذا يستعلن القرآن باللفظة وبكل وضوح في آية تختصر الإرث كله ومن خلالها يبقى "إبراهيم" عليه السلام استثناءً يمشي على حواف الزمن.
ليس لأنه رجلٌ من التاريخ، بل لأنه الأب الذي تجاوز الزمان والمكان.
إنه الأب الذي جمع في مقامه النسب والنبوة، والقدوة والدعاء، والنور الذي لا يُطفأ.
لم يقل في هذا السياق "نبيكم" ولا حتى "إمامكم" رغم كونه رسولا نبيا وللناس إماما..
لقد قال: أبيكم.
أبيكم!
يا لها من كلمةٍ دافئة في زمن اليتم الفكري والروحي!
هي ليست مجرد إشارة إلى نسلٍ جسدي، فكثير من أمتنا منا ليسوا من صلبه المباشر.
إنها إشارةٌ إلى "أبوةٍ روحية" جامعة..
إلى أننا نحن الذين نبحث عن مرضاة الله في زحام هذا الكون، ننتمي إلى هذه السلالة الإيمانية العريقة التي بدأت بلحظة تسليمٍ واحدة، صافية، خالدة
"إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ".
في زمن يغدو فيه "الأب" لدى الكثيرين؛ مرادفًا للهيمنة =يُقدّمه القرآن بصيغةٍ مختلفة:
"أبوةٌ تُضيء، لا تُظلّل… تُعطي، لا تأخذ… تُحب، لا تبتز."
نحن هنا لا نتحدث عن تشريعٍ مؤقت في زمان أو مكان ولكن انتماء ممتد، ونسب لا يمر من مجرى الدم، بل من مجرى النور.
نور الوحي..
لك أن تتوقف طويلًا عند هذه الكلمة الشامخة
هي ليست مجازًا بلاغيا، بل عنوانٌ لهُويةٍ كاملة.
هُوية أمة..
في الوقت الذي يُقدَّم فيه "الأب" كشخصيةٍ إقصائية تحدّ من حرية الابن، يُقدَّم إبراهيم في القرآن والسنة كـ"أبٍ" يُرسّخ الخيط الذي يجمع بين الفرد والأمة..
❤6👍2
بين العابر والخالد
بين الدعوة والحنو.
قال الطبري رحمه الله: "أراد بالأب هنا أبوة الدين، لا أبوة النسب فقط."
وقال ابن كثير: "قيل له: أبيكم، لأنه أبو العرب الذين ينتمي إليهم النبي ﷺ."
فهو الأب من جهتين: نسَبًا من إسماعيل، ودينًا بالتوحيد.
وما أجمل قول ابن القيم عنه "هو الأب الثاني للبشر بعد نوح، وهو أبو الأنبياء، وهو الذي سُمي أبًا لنا."
إن كلمة "أب" في اللغة العربية أكثر سعةً من أن تُقيد بجينات وراثية أو أنساب.
قال ابن عباس:
"نُربّى في الحِجر ويُعلّمنا آباؤنا"
ها هنا سياق يحدثنا فيه حيبر الأمة عن الآباء المعلمين المربين
وقديما قالوا: "فلان أبو القوم" أي كبيرهم وقدوتهم.
والنبي ﷺ كان يسمي الأنبياء "آباء"، وكان يرى نفسه امتدادًا لهم.
إذاً الأب هو المعلم..وهو القدوة
والأب في سياق الحديث عن سيدنا إبراهيم لم يكن ذلك الذي يُملي و يأمر وحسب
لقد كان من يُنبت وينمي.
ليس من يُراقب ويتسلط، ولكن من يُؤمن ببنيه حتى قبل أن يوجدوا.
وإن أبوة إبراهيم؛ منهج حياة لا مسمّى نسبي
وكل أبوةٍ تُعطي شيئًا..
الجينات، الرعاية، الاسم، الميراث... لكن أبوة سيدنا إبراهيم عليه السلام تعطيك شيئا مختلفا
تعطيك الوجهة..
حتى حين التسمية تأتي تلك الوجهة التي يشير إليها حين يسميك
{هو سمّاكم المسلمين من قبلُ وفي هذا}
[الحج: 78]
وكأنه يقول لك في حكمةٍ الوالد: "أكمل الطريق أنت يا بنيّ
طريق الإسلام...".
فليس فقط أنك على ملته، بل هو من يطلق عليك الاسم، لتبني على طريقه وتُكمل نداءه.
هنا ستشعر بشعور مختلف تجاه سيدنا إبراهيم
أن يكون هو من سمّاك، وحدد لك الوجهة، وأعدّ لك البيت، وطلب من الله أن يُرّقق قلوب الناس لتُحبك قبل أن يعرفوك.
حين نُنسب إليه، فليس لنباهي ونتفاخر بالأنساب باسم الدين، ولكن لنُولَد من جديد في مشروعٍ أكبر من ذواتنا.
نحن لسنا ورثة فقط... بل أبناء ملة راسخة وامتداد لنداءٍ لم ينقطع صدر من أب شفوق
إن سيدنا إبراهيم ليس فقط من أنشأ لنا بيتًا أو رفع بناء، بل هو الذي دعا لنا قبل أن نُخلق
هو من ربط بين الدعاء والإرث، بين المِلَّة والحنيفيّة، بين البيت والجماعة، وبين الله وعبدٍ اسمه "أنت".
وهو الذي "سمّاك"...
وأحبّ لك أن نكون وأن توجد...
ولذلك يشملك نداؤه "يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين".
إنها أبوة بلا عَقد مكتوب أو شهادة مختومة
أبوة بدأت في لقاء مع نبي هذه الأمة ﷺ
لقاء ليلة المعراج في حدث لا يُنسى
حين ارتقى رسول الله صلى الله عليه في معارج السماء حتى بلغ السابعة منها فقال رفيق رحلته جبريل عليه السلام: هذا أبوك، فسلم عليه..
هنا تكلم الأب:
مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح
لو أردت أن تتأمل بعين قلبك مشهدًا محوريا يلخص تلك العلاقة ويرسخ للأبوة الكاملة، فلن تجد أوفى من هذا المشهد الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه
"أبوك"...
لم يتساءل النبي ﷺ عن هذا اللقب، ولم يُقيده، ولم يقل: "ليس أبي على الحقيقة أو في سجلات الأنساب!"
لقد قبِل النسبة مباشرة، وابتسم القلب حين سمع الإقرار الأبوي الجميل يصدر من إبراهيم عليه السلام
"مرحبًا بالابن الصالح."
لقد كانت العلاقة أقدم من الجسد، وأعمق من النسب.
كأن الأبوة هنا ليست ورقة في شجرة العائلة، بل جذعًا من التكوين الروحي.
ثم لا يكتفي الأب الرحيم بالترحيب، بل يوصي ابنه وابناءه من بعده:
"يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ."
إنها وصية أب لابنه ثم لأحفاده من بعده
أَخبر أولادي أن الجنة طيبة..
فليشتاقوا إليها
و الطريق لا يزال مفتوحًا فليشمروا إذاً
وليسلكوه
إنها أَبُوةُ متكاملة الأركان فيها الحرص والوصية والانشغال بمستقبل الأبناء والأحفاد
الانشغال الحقيقي
انشغال بالمصير
إنه الأب الذي علمنا "كيف نكون" لا فقط "من نكون"
حين سجد إبراهيم، لم يكن ساجدًا فقط، بل كان يعلمنا كيف نسجد...
وحين هاجر، لم يكن فقط يفرُّ بدينه بل كان يعلّمنا متى نغادر بصمت ونعود بيقين.
أي أبٌ هذا، من يعلّم أبناءه أن تُقاد أرواحهم قبل أقدامهم، وأن ترتّب بوصلتك الداخلية أولًا، ثم تبدأ السير.
لذلك كانت أبوته أيضا أبوة الدعاء
حين تشعر أنك تنتمي إلى من دعا لك قبل أن تُخلق
قال نبينا ﷺ:
"أنا دعوة أبي إبراهيم..."
هكذا سماه النبي ﷺ
أبي..
الذي دعا فكنت إجابة دعائه
النبي هنا يبين لك أنه لم يأتِ من فراغ، بل جاء من دعوة أبٍ عظيم رأى ببصيرته ما سيأتي بعده بآلاف الأعوام.
بين الدعوة والحنو.
قال الطبري رحمه الله: "أراد بالأب هنا أبوة الدين، لا أبوة النسب فقط."
وقال ابن كثير: "قيل له: أبيكم، لأنه أبو العرب الذين ينتمي إليهم النبي ﷺ."
فهو الأب من جهتين: نسَبًا من إسماعيل، ودينًا بالتوحيد.
وما أجمل قول ابن القيم عنه "هو الأب الثاني للبشر بعد نوح، وهو أبو الأنبياء، وهو الذي سُمي أبًا لنا."
إن كلمة "أب" في اللغة العربية أكثر سعةً من أن تُقيد بجينات وراثية أو أنساب.
قال ابن عباس:
"نُربّى في الحِجر ويُعلّمنا آباؤنا"
ها هنا سياق يحدثنا فيه حيبر الأمة عن الآباء المعلمين المربين
وقديما قالوا: "فلان أبو القوم" أي كبيرهم وقدوتهم.
والنبي ﷺ كان يسمي الأنبياء "آباء"، وكان يرى نفسه امتدادًا لهم.
إذاً الأب هو المعلم..وهو القدوة
والأب في سياق الحديث عن سيدنا إبراهيم لم يكن ذلك الذي يُملي و يأمر وحسب
لقد كان من يُنبت وينمي.
ليس من يُراقب ويتسلط، ولكن من يُؤمن ببنيه حتى قبل أن يوجدوا.
وإن أبوة إبراهيم؛ منهج حياة لا مسمّى نسبي
وكل أبوةٍ تُعطي شيئًا..
الجينات، الرعاية، الاسم، الميراث... لكن أبوة سيدنا إبراهيم عليه السلام تعطيك شيئا مختلفا
تعطيك الوجهة..
حتى حين التسمية تأتي تلك الوجهة التي يشير إليها حين يسميك
{هو سمّاكم المسلمين من قبلُ وفي هذا}
[الحج: 78]
وكأنه يقول لك في حكمةٍ الوالد: "أكمل الطريق أنت يا بنيّ
طريق الإسلام...".
فليس فقط أنك على ملته، بل هو من يطلق عليك الاسم، لتبني على طريقه وتُكمل نداءه.
هنا ستشعر بشعور مختلف تجاه سيدنا إبراهيم
أن يكون هو من سمّاك، وحدد لك الوجهة، وأعدّ لك البيت، وطلب من الله أن يُرّقق قلوب الناس لتُحبك قبل أن يعرفوك.
حين نُنسب إليه، فليس لنباهي ونتفاخر بالأنساب باسم الدين، ولكن لنُولَد من جديد في مشروعٍ أكبر من ذواتنا.
نحن لسنا ورثة فقط... بل أبناء ملة راسخة وامتداد لنداءٍ لم ينقطع صدر من أب شفوق
إن سيدنا إبراهيم ليس فقط من أنشأ لنا بيتًا أو رفع بناء، بل هو الذي دعا لنا قبل أن نُخلق
هو من ربط بين الدعاء والإرث، بين المِلَّة والحنيفيّة، بين البيت والجماعة، وبين الله وعبدٍ اسمه "أنت".
وهو الذي "سمّاك"...
وأحبّ لك أن نكون وأن توجد...
ولذلك يشملك نداؤه "يا بنيَّ إن الله اصطفى لكم الدين".
إنها أبوة بلا عَقد مكتوب أو شهادة مختومة
أبوة بدأت في لقاء مع نبي هذه الأمة ﷺ
لقاء ليلة المعراج في حدث لا يُنسى
حين ارتقى رسول الله صلى الله عليه في معارج السماء حتى بلغ السابعة منها فقال رفيق رحلته جبريل عليه السلام: هذا أبوك، فسلم عليه..
هنا تكلم الأب:
مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح
لو أردت أن تتأمل بعين قلبك مشهدًا محوريا يلخص تلك العلاقة ويرسخ للأبوة الكاملة، فلن تجد أوفى من هذا المشهد الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه
"أبوك"...
لم يتساءل النبي ﷺ عن هذا اللقب، ولم يُقيده، ولم يقل: "ليس أبي على الحقيقة أو في سجلات الأنساب!"
لقد قبِل النسبة مباشرة، وابتسم القلب حين سمع الإقرار الأبوي الجميل يصدر من إبراهيم عليه السلام
"مرحبًا بالابن الصالح."
لقد كانت العلاقة أقدم من الجسد، وأعمق من النسب.
كأن الأبوة هنا ليست ورقة في شجرة العائلة، بل جذعًا من التكوين الروحي.
ثم لا يكتفي الأب الرحيم بالترحيب، بل يوصي ابنه وابناءه من بعده:
"يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ."
إنها وصية أب لابنه ثم لأحفاده من بعده
أَخبر أولادي أن الجنة طيبة..
فليشتاقوا إليها
و الطريق لا يزال مفتوحًا فليشمروا إذاً
وليسلكوه
إنها أَبُوةُ متكاملة الأركان فيها الحرص والوصية والانشغال بمستقبل الأبناء والأحفاد
الانشغال الحقيقي
انشغال بالمصير
إنه الأب الذي علمنا "كيف نكون" لا فقط "من نكون"
حين سجد إبراهيم، لم يكن ساجدًا فقط، بل كان يعلمنا كيف نسجد...
وحين هاجر، لم يكن فقط يفرُّ بدينه بل كان يعلّمنا متى نغادر بصمت ونعود بيقين.
أي أبٌ هذا، من يعلّم أبناءه أن تُقاد أرواحهم قبل أقدامهم، وأن ترتّب بوصلتك الداخلية أولًا، ثم تبدأ السير.
لذلك كانت أبوته أيضا أبوة الدعاء
حين تشعر أنك تنتمي إلى من دعا لك قبل أن تُخلق
قال نبينا ﷺ:
"أنا دعوة أبي إبراهيم..."
هكذا سماه النبي ﷺ
أبي..
الذي دعا فكنت إجابة دعائه
النبي هنا يبين لك أنه لم يأتِ من فراغ، بل جاء من دعوة أبٍ عظيم رأى ببصيرته ما سيأتي بعده بآلاف الأعوام.
❤8👍1
وهكذا، لا يُكتمل فهم النبوة المحمدية دون إدراك جذورها الإبراهيمية.
تلك التي بدأت بالدعاء
وإن دعاء سيدنا إبراهيم بابتعاث نبيٍ يأتي من ذريته لم يكن طلبًا عابرًا، بل زرعًا، يتعهده الله حتى ينبت في رحم الزمان نبيًّا اسمه محمد.
هل ثمة أبوّة أكثر حنانا وحرصا من أن يدعو لك الوالد قبل أن تُولد؟
أن يراك في ظلال الغيب ويستشرف وجودك ويبني لك بيتًا قبل أن تصرخ صرختك الأولى؟
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 129]
كان إبراهيم يبني الكعبة، وعين قلبه على رجلٍ سيأتي بعد آلاف السنين، ليأتم الناس به حيث كان يُصلي هو.
وكذلك كان في باقي دعواته:
{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [إبراهيم: 40]
لم يقل فقط: "اجعل أولادي من المصلين" بل بدأ بنفسه
كأنه يقول:
"لن أطلب لذريتي إلا ما أعيشه أنا أمامهم ابتداءً."
وهذه هي الأبوة في أسمى معانيها
أبوة القدوة لا الاكتفاء بالأوامر
أبوة غرس لا تسلط
أبوة الرسالة
إن سيدنا إبراهيم ليس أبا جينيا في الوصف القرآني
هو أبٌ شعوريّ، وظيفيّ، أسوة وتكوين.
ولذلك حين مدحه الله، وصفه بأوصافٍ تشكّل خريطةً للأب التربوي المتكامل
الذي ورث حفيده النبوة وورث أمته صفات وملامح
لذلك ستجد في مواقف النبي ﷺ ذلك الإرث الإبراهيمي حيًّا:
حين صلّى في بيت الله الحرام، أعاد الوصل بين اللبنة الأخيرة واللبنة الأولى.
و حين ضحّى في عيد الأضحى، جسّد المعنى الذي بدأه أبوه.
و حين سمى ديننا "الحنفيّة السمحة"، كان يستدعي الأصل النقي الذي بدأ من دعاء إبراهيم.
ومن هنا تمت الولاية المقصودة
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: 68]
في هذه الآية سلسلة نسبٍ جديدة، لا تُكتب فقط بالحبر
ولكن بالاتباع.
والسؤال هنا لا يتكرر، بل يتكرس ويترسخ:
هل نحن نكتفي بالفخر بـ "أبوة إبراهيم"؟
أم نعيشها حقًا؟
هل نقرأ وصاياه لنا كما نقرأ وصايا آبائنا في النسب؟
هل نقول: "أبي إبراهيم" بذلك العمق.. والحب؟
وهل نجرؤ أن ننتسب إليه بينما لا نحمل من صفاته سوى تسمية صارت عند الكثيرين لا تظهر إلا عند إبراز بطاقة إثبات الشخصية حيث تستقر في خانة الديانة وحسب؟
إن أبوة إبراهيم مشروع حياة
سيدنا إبراهيم ليس مجرد جد أو سلفٍ يُذكر في سلسلة النسب، بل هو أبٌ مربي، وقدوةٌ دعوية
هو ذاكرةٌ للانتماء، وصورةٌ للهُوية السليمة.
هو أبٌ ليس لجسدك، بل لقلبك...
في كل مرة تتوضأ، تستعد للوقوف على طريقٍ مهّدها إبراهيم.
في كل طواف، في كل أذان، في كل استسلام لله دون شروط فأنت لا تمشي وحدك، بل فوق دربٍ تركه لك أبوك إبراهيم.
وفي كل مرة تُصلي فيها على النبي ﷺ، فأنت تقول:
"كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم."
وكأن العبادة لا تكتمل إلا إذا مرت من قلب هذا الأب الأواه الحليم
وكأن الدين لا يزال يدين له بشرف التأسيس.
إن سيدنا براهيم عليه السلام بالنسبة للمسلم ليس شخصية من الماضي السحيق، بل من الأبوة التي كتبت على جبين المستقبل:
إن هذا الدرب… يبدأ من أبٍ، واسمه إبراهيم.
وحين يُربّي أبناء هذا الزمان على أن الأب عائق، وأن سلطته ينبغي أن تسقط كونها ذكورية خطرة في مجملها؛ يبرز ذكر إبراهيم في القرآن كـ"أبٍ لا يُلغى"
"أبٍ لا يُنكر"
{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}
كأنها استعادة لكل ما ضاع من معنى الأبوة الحقيقية وطمأنة لكل من لم يعرف حضنًا دافئًا، ولم يسمع كلمة "يا بنيّ" تُقال له بلا تهديد.
الله جعل لك من إبراهيم أبًا لا يموت ذكره، ولا يغيب منطقه
أب لا يملّ من الدعاء لك، حتى لو نسيت أنت أن تدعو لنفسك.
فيا من تبحث في زمن التشويش عن انتماء لا يُشوَّه...
ويا من تتساءل من بقي لك أبًا حين تسقط الرموز...
عد إلى إبراهيم.
فحين يهوي الابن في أودية الخذلان قد لا يُنقذه إلا يد أب تمتد إليه لتنتشله
يد أبٍ.. لم يسقط.
#أبيكم_إبراهيم 13
#الذي_وفَّى
تلك التي بدأت بالدعاء
وإن دعاء سيدنا إبراهيم بابتعاث نبيٍ يأتي من ذريته لم يكن طلبًا عابرًا، بل زرعًا، يتعهده الله حتى ينبت في رحم الزمان نبيًّا اسمه محمد.
هل ثمة أبوّة أكثر حنانا وحرصا من أن يدعو لك الوالد قبل أن تُولد؟
أن يراك في ظلال الغيب ويستشرف وجودك ويبني لك بيتًا قبل أن تصرخ صرختك الأولى؟
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 129]
كان إبراهيم يبني الكعبة، وعين قلبه على رجلٍ سيأتي بعد آلاف السنين، ليأتم الناس به حيث كان يُصلي هو.
وكذلك كان في باقي دعواته:
{رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي} [إبراهيم: 40]
لم يقل فقط: "اجعل أولادي من المصلين" بل بدأ بنفسه
كأنه يقول:
"لن أطلب لذريتي إلا ما أعيشه أنا أمامهم ابتداءً."
وهذه هي الأبوة في أسمى معانيها
أبوة القدوة لا الاكتفاء بالأوامر
أبوة غرس لا تسلط
أبوة الرسالة
إن سيدنا إبراهيم ليس أبا جينيا في الوصف القرآني
هو أبٌ شعوريّ، وظيفيّ، أسوة وتكوين.
ولذلك حين مدحه الله، وصفه بأوصافٍ تشكّل خريطةً للأب التربوي المتكامل
الذي ورث حفيده النبوة وورث أمته صفات وملامح
لذلك ستجد في مواقف النبي ﷺ ذلك الإرث الإبراهيمي حيًّا:
حين صلّى في بيت الله الحرام، أعاد الوصل بين اللبنة الأخيرة واللبنة الأولى.
و حين ضحّى في عيد الأضحى، جسّد المعنى الذي بدأه أبوه.
و حين سمى ديننا "الحنفيّة السمحة"، كان يستدعي الأصل النقي الذي بدأ من دعاء إبراهيم.
ومن هنا تمت الولاية المقصودة
﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [آل عمران: 68]
في هذه الآية سلسلة نسبٍ جديدة، لا تُكتب فقط بالحبر
ولكن بالاتباع.
والسؤال هنا لا يتكرر، بل يتكرس ويترسخ:
هل نحن نكتفي بالفخر بـ "أبوة إبراهيم"؟
أم نعيشها حقًا؟
هل نقرأ وصاياه لنا كما نقرأ وصايا آبائنا في النسب؟
هل نقول: "أبي إبراهيم" بذلك العمق.. والحب؟
وهل نجرؤ أن ننتسب إليه بينما لا نحمل من صفاته سوى تسمية صارت عند الكثيرين لا تظهر إلا عند إبراز بطاقة إثبات الشخصية حيث تستقر في خانة الديانة وحسب؟
إن أبوة إبراهيم مشروع حياة
سيدنا إبراهيم ليس مجرد جد أو سلفٍ يُذكر في سلسلة النسب، بل هو أبٌ مربي، وقدوةٌ دعوية
هو ذاكرةٌ للانتماء، وصورةٌ للهُوية السليمة.
هو أبٌ ليس لجسدك، بل لقلبك...
في كل مرة تتوضأ، تستعد للوقوف على طريقٍ مهّدها إبراهيم.
في كل طواف، في كل أذان، في كل استسلام لله دون شروط فأنت لا تمشي وحدك، بل فوق دربٍ تركه لك أبوك إبراهيم.
وفي كل مرة تُصلي فيها على النبي ﷺ، فأنت تقول:
"كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم."
وكأن العبادة لا تكتمل إلا إذا مرت من قلب هذا الأب الأواه الحليم
وكأن الدين لا يزال يدين له بشرف التأسيس.
إن سيدنا براهيم عليه السلام بالنسبة للمسلم ليس شخصية من الماضي السحيق، بل من الأبوة التي كتبت على جبين المستقبل:
إن هذا الدرب… يبدأ من أبٍ، واسمه إبراهيم.
وحين يُربّي أبناء هذا الزمان على أن الأب عائق، وأن سلطته ينبغي أن تسقط كونها ذكورية خطرة في مجملها؛ يبرز ذكر إبراهيم في القرآن كـ"أبٍ لا يُلغى"
"أبٍ لا يُنكر"
{مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ}
كأنها استعادة لكل ما ضاع من معنى الأبوة الحقيقية وطمأنة لكل من لم يعرف حضنًا دافئًا، ولم يسمع كلمة "يا بنيّ" تُقال له بلا تهديد.
الله جعل لك من إبراهيم أبًا لا يموت ذكره، ولا يغيب منطقه
أب لا يملّ من الدعاء لك، حتى لو نسيت أنت أن تدعو لنفسك.
فيا من تبحث في زمن التشويش عن انتماء لا يُشوَّه...
ويا من تتساءل من بقي لك أبًا حين تسقط الرموز...
عد إلى إبراهيم.
فحين يهوي الابن في أودية الخذلان قد لا يُنقذه إلا يد أب تمتد إليه لتنتشله
يد أبٍ.. لم يسقط.
#أبيكم_إبراهيم 13
#الذي_وفَّى
❤12👍1
في البدء، لم أكن أعرف بدقة ما أبحث عنه.
كنت فقط أريد أن أزيد اتصالي بهذا الأب العظيم…
أن أعرفه لا كقصةٍ نُرددها في موسم أضحى أو حج ولك كظلٍ ألتجيء إليه حين يجتاحني قيظ التيه.
شرعت في الكتابة...
وبدأت الرحلة ومعها سؤال يلتمع في جنبات نفسي:
من هو أبي إبراهيم؟
هل هو ذلك النبيُّ الذي سار إلى النار بخطواتٍ مطمئنة ورأس مرفوعة؟
أم هو ذلك الأبُ الذي أُمر أن يضحي بأعز ما يملك، فقال: سمعًا وطاعة؟
أم هو الغريب المهاجر الذي عاش عمره يتنقل بين أرجاء الأرض محدقا في الغيم… بحثًا عن مراد ربه؟
أم هو ذلك البنّاء الدؤوب الذي حمل الحجارة ليرفع القواعد من هذا البيت الذي أتوق إليه كل لحظة؟
وفي كل مشهد ومع كل سطر، كنت أكتشف شيئًا لم أكن أتوقعه..
لكن قلبي كان ينتظره!
وجدتني لا أعيد قراءة سيرة نبي… بل أبحث عن نفسي من خلاله.
كنت أظن أنني سأكتب لأفهمه، فاكتشفت أنني أكتب لأفهمني.
أقلب سطور قصته لأجد أنني إنما أقلب صفحات حياة أتوق لعيشها.
في كل محطة كنت أمرّ بها، كنت أشعر أنني لا أكتب سيرة رجل… بل أرتّق شيئا تمزق بداخلي.
أقرأ عنه… ثم أسمع صداه في أعماقي.
ألمح دعاءه... ثم أقول لنفسي: هذا الدعاء كان لي!
كان يذكرني..
يطلب لأجلي..
يسأل الله أن توجد أمة أنتمي إليها
وفي كل دعاءٍ له وجدت اسمي مكتوبًا،
وفي كل لحظة صمت تمر به كنت أسمع قلقي..
وفي تسليمه وخضوعه كنت أراني.. لا كما أنا؛ ولكن كما أتمنى أن أكون.
شيئًا فشيئًا، أدركت أن سيرة الخليل ليست عن رجلٍ غاب...
بل عن إنسان حاضر لم يغب أبدًا.
عن أثرٍ يظلّ حيًا في دعائك الذي لا تجد عبارته..
في سجدتك التي تنكسر فيها لربك..
في غربتك التي لا اسم لها ولا يعرف أحد عنها شيئا..
وفي دمعة اشتياق تسيل على وجنتك فجأةً عندما يذكر اسمه.
عندئذ فقط، فهمت الآية كما لو كانت تهمس في أذني
> "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" [الحج: 78]
هذا أبي..
ليس أبًا بيولوجيًا ولا سطرًا في شجرة نسب،
هو أبٌ لفكرة الإنسان حين يُحسن الوقوف أمام الله.
هو من علّمني ألا أطلب راحتي… بل رضاه.
أن أنحني بقلبي لا بظهري،
أن أغرس الدعاء في التربة دون أن أطلب موعدًا للحصاد.
أن أُتمّ لا لأن العالم يشهد، بل لأن الله يرى.
كنت أستوقف اللحظة، وأهمس لقلبي: هذا أبي
ها قد وجدته
وجدته فهدأت،
وقرأته فبكيت..
وتأملته فتحرك فيْ شيء كان خاملًا،
ذلك الشيء الذي يقول همسًا: "أريد أن أكون ابنًا لهذا الرجل.
وأدركت حينذاك أن البنوة لا تبدأ في سجلات مدنية أو وثائق رسمية
ولكن في خريطة القلب.
وحين كتبت عن ذلك ما سبق من فصول؛ انفتحت طرق لم أطرقها، وسرت على آثار أقدام خفية سبقتني قرونا مضت..
وكأن النداء الذي أطلقه إبراهيم في الصحراء وصل إلى صدري و التسليم الذي عاهد به ربّه... هو ما ينبغي أن أبدأ به علاقتي بربي.
ثم جاءت اللحظة الفارقة…
حين تمثلت صورته في معراج السماء عند لقائه بابنه وثمرة دعائه؛ محمد ﷺ
تخيلته كما وصفه حفيده ﷺ مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة حيث لا مكان للمصادفة.
هنالك انتهت رحلته وجلس بعد حياة امتلأت بكل أشكال التعب
وها هو يرتاح أخيرا... وأين؟
بجوار بيت السماء
وكأن الله يبشره ويعجل جزاءه
كما بنيتَ لي بيتًا على الأرض،
أبني لك بيتًا في السماء بموضع لا يُزاحمك فيه أحد
ولا يؤذيك أحد..
هناك.. في ذلك المقام المهيب.. استقرّ الخليل.
ذلك الذي لم يسكن طويلا إلى بيت أو أرض استند أخيرا إلى البيت الذي لا يفنى.
ذلك الذي عاش عابرًا في الأرض، صار مقيمًا في جوار النور.
"وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" [الشعراء: 84]
هكذا كان دعاءه وقد أجابه الله وكان له ما أراد
في كل ركنٍ من أركان هذا الدين كان لسان صدق لإبراهيم
في الملّة التي صارت هي الإسلام.
في الكعبة التي رفعها ليطوف حولها من لا يعرف اسمه، لكن يعرف قلبه.
في الصلاة التي نختمها بذكره وصلاة عليه وعلى آله.
وفي أعماق كل عبدٍ يقول "لبيك" في الحج، وهو لا يعرف لماذا تدمع عيناه.
ذلك هو لسان الصدق...
ذكر حسن وأثر لا يُمحى ونبض يبقى حين يُنسى التاريخ.
وأرجو وأسأل الله أن يكون ما سبق من سطور وصفحات امتدادا لتلك الإجابة التي لا تعد صفحتنا الأخيرة هذه هي ختامها
هي فقط نهاية هذه الرحلة العابرة مع أبينا الذي وفَّى وأتمَّ
ولنعرف عندها أننا لم ننتهِ، بل بدأنا للتو.
بدأنا حين نبحث عن إتمام جديد…
حين نلتمس طمأنينة فنذكر أن لنا أبًا علّمنا كيف نكون، قبل أن نكون أو نعرف من نكون.
ولا تنتظر خارقة لتؤمن،
ليس فقط في الأفعال الكبرى ولا التضحيات العظمى ولا أن نبحث عن نار لنُلقى فيها.. ولكن في كل لحظة صدقٍ نقول فيها لله:
كنت فقط أريد أن أزيد اتصالي بهذا الأب العظيم…
أن أعرفه لا كقصةٍ نُرددها في موسم أضحى أو حج ولك كظلٍ ألتجيء إليه حين يجتاحني قيظ التيه.
شرعت في الكتابة...
وبدأت الرحلة ومعها سؤال يلتمع في جنبات نفسي:
من هو أبي إبراهيم؟
هل هو ذلك النبيُّ الذي سار إلى النار بخطواتٍ مطمئنة ورأس مرفوعة؟
أم هو ذلك الأبُ الذي أُمر أن يضحي بأعز ما يملك، فقال: سمعًا وطاعة؟
أم هو الغريب المهاجر الذي عاش عمره يتنقل بين أرجاء الأرض محدقا في الغيم… بحثًا عن مراد ربه؟
أم هو ذلك البنّاء الدؤوب الذي حمل الحجارة ليرفع القواعد من هذا البيت الذي أتوق إليه كل لحظة؟
وفي كل مشهد ومع كل سطر، كنت أكتشف شيئًا لم أكن أتوقعه..
لكن قلبي كان ينتظره!
وجدتني لا أعيد قراءة سيرة نبي… بل أبحث عن نفسي من خلاله.
كنت أظن أنني سأكتب لأفهمه، فاكتشفت أنني أكتب لأفهمني.
أقلب سطور قصته لأجد أنني إنما أقلب صفحات حياة أتوق لعيشها.
في كل محطة كنت أمرّ بها، كنت أشعر أنني لا أكتب سيرة رجل… بل أرتّق شيئا تمزق بداخلي.
أقرأ عنه… ثم أسمع صداه في أعماقي.
ألمح دعاءه... ثم أقول لنفسي: هذا الدعاء كان لي!
كان يذكرني..
يطلب لأجلي..
يسأل الله أن توجد أمة أنتمي إليها
وفي كل دعاءٍ له وجدت اسمي مكتوبًا،
وفي كل لحظة صمت تمر به كنت أسمع قلقي..
وفي تسليمه وخضوعه كنت أراني.. لا كما أنا؛ ولكن كما أتمنى أن أكون.
شيئًا فشيئًا، أدركت أن سيرة الخليل ليست عن رجلٍ غاب...
بل عن إنسان حاضر لم يغب أبدًا.
عن أثرٍ يظلّ حيًا في دعائك الذي لا تجد عبارته..
في سجدتك التي تنكسر فيها لربك..
في غربتك التي لا اسم لها ولا يعرف أحد عنها شيئا..
وفي دمعة اشتياق تسيل على وجنتك فجأةً عندما يذكر اسمه.
عندئذ فقط، فهمت الآية كما لو كانت تهمس في أذني
> "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" [الحج: 78]
هذا أبي..
ليس أبًا بيولوجيًا ولا سطرًا في شجرة نسب،
هو أبٌ لفكرة الإنسان حين يُحسن الوقوف أمام الله.
هو من علّمني ألا أطلب راحتي… بل رضاه.
أن أنحني بقلبي لا بظهري،
أن أغرس الدعاء في التربة دون أن أطلب موعدًا للحصاد.
أن أُتمّ لا لأن العالم يشهد، بل لأن الله يرى.
كنت أستوقف اللحظة، وأهمس لقلبي: هذا أبي
ها قد وجدته
وجدته فهدأت،
وقرأته فبكيت..
وتأملته فتحرك فيْ شيء كان خاملًا،
ذلك الشيء الذي يقول همسًا: "أريد أن أكون ابنًا لهذا الرجل.
وأدركت حينذاك أن البنوة لا تبدأ في سجلات مدنية أو وثائق رسمية
ولكن في خريطة القلب.
وحين كتبت عن ذلك ما سبق من فصول؛ انفتحت طرق لم أطرقها، وسرت على آثار أقدام خفية سبقتني قرونا مضت..
وكأن النداء الذي أطلقه إبراهيم في الصحراء وصل إلى صدري و التسليم الذي عاهد به ربّه... هو ما ينبغي أن أبدأ به علاقتي بربي.
ثم جاءت اللحظة الفارقة…
حين تمثلت صورته في معراج السماء عند لقائه بابنه وثمرة دعائه؛ محمد ﷺ
تخيلته كما وصفه حفيده ﷺ مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة حيث لا مكان للمصادفة.
هنالك انتهت رحلته وجلس بعد حياة امتلأت بكل أشكال التعب
وها هو يرتاح أخيرا... وأين؟
بجوار بيت السماء
وكأن الله يبشره ويعجل جزاءه
كما بنيتَ لي بيتًا على الأرض،
أبني لك بيتًا في السماء بموضع لا يُزاحمك فيه أحد
ولا يؤذيك أحد..
هناك.. في ذلك المقام المهيب.. استقرّ الخليل.
ذلك الذي لم يسكن طويلا إلى بيت أو أرض استند أخيرا إلى البيت الذي لا يفنى.
ذلك الذي عاش عابرًا في الأرض، صار مقيمًا في جوار النور.
"وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" [الشعراء: 84]
هكذا كان دعاءه وقد أجابه الله وكان له ما أراد
في كل ركنٍ من أركان هذا الدين كان لسان صدق لإبراهيم
في الملّة التي صارت هي الإسلام.
في الكعبة التي رفعها ليطوف حولها من لا يعرف اسمه، لكن يعرف قلبه.
في الصلاة التي نختمها بذكره وصلاة عليه وعلى آله.
وفي أعماق كل عبدٍ يقول "لبيك" في الحج، وهو لا يعرف لماذا تدمع عيناه.
ذلك هو لسان الصدق...
ذكر حسن وأثر لا يُمحى ونبض يبقى حين يُنسى التاريخ.
وأرجو وأسأل الله أن يكون ما سبق من سطور وصفحات امتدادا لتلك الإجابة التي لا تعد صفحتنا الأخيرة هذه هي ختامها
هي فقط نهاية هذه الرحلة العابرة مع أبينا الذي وفَّى وأتمَّ
ولنعرف عندها أننا لم ننتهِ، بل بدأنا للتو.
بدأنا حين نبحث عن إتمام جديد…
حين نلتمس طمأنينة فنذكر أن لنا أبًا علّمنا كيف نكون، قبل أن نكون أو نعرف من نكون.
ولا تنتظر خارقة لتؤمن،
ليس فقط في الأفعال الكبرى ولا التضحيات العظمى ولا أن نبحث عن نار لنُلقى فيها.. ولكن في كل لحظة صدقٍ نقول فيها لله:
❤3👍1