Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
5875 - Telegram Web
Telegram Web
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
لذة خفية وشهور من الرضا المرضي سيداعب غرورك كلما رددت في سرك أو ربما في جهرك للمساكين الذين يحيطون بك: لا أحد يفعلها مثلي..
لن يستطيع أحدكم أن يؤدي المهمة بالإتقان المطلوب كما أفعل أنا..
بل غالبا لن تتمكنوا من فعلها أصلا..

جمل تبدو كمحاولات يائسة تحاول أن تربت بها على كاهل أرهقته أحمال قرر أنه لا أحد غيره يستطيع تحملها
لكن الحقيقة غالبًا ما تكون مختلفة
هي في الحقيقة أنشودة الـ(أنا) المتضخمة التي تخشى أن تكتشف أن العالم يمكن أن يستمر بدون بصمتها الفريدة على كل صغيرة وكبيرة

أتذكر يوما أنني حاولت تجاوز تلك القواعد التي أوهم بها نفسي وقررت تفويض مهمة تبدو بسيطة لأحد المساعدين في شيء يتعلق بعملي الطبي لا أذكر تفاصيله الآن
لكني أذكر جيدًا ذلك الشعور الذي اعتراني وأنا أشرح له المطلوب
إحساس يسيطر عليّ بأنني أتحدث باللغة الصينية وأن الطريقة البديهية الوحيدة لإنجاز المهمة - طريقتي أنا بالطبع - تبدو كشفرة معقدة يستحيل فك رموزها والطبيب المناوب المسكين لن يستطيع أبدا فهمها
انتهى الأمر كما يمكنك التخمين بأن استعدتُ المهمة بابتسامة منتصر في معركة تدور في ذهنه وحده والجملة العتيدة تتصدر المشهد المعتاد: "لا عليك سأقوم بها بنفسي الأمر يحتاج لمسة خاصة..
تلك اللمسة كانت في الواقع بصمة الوسواس العملي الذي يعشش في رأسي
وسواس المثالية أو ما يحلو للأطباء تسميتها بـ (البرفكشنزم)

الهوس بالطريقة الصحيحة التي هي دائمًا طريقتك و الشك المسبق والمستمر أبدا في قدرة الآخرين على الوصول لمستوى المعيارية الذهبية التي وضعتها أنت هو ببساطة وصفة كارثية للإنهاك المزمن الذي هو أحد أهون أعراض المركزية التي تصر عليها
أنت لن تصبح بطلاً خارقًا أبدا لتتحمل كل هذا
ما ستتحول إليه تدريجيًا هو عنق زجاجة بشري كل شيء يجب أن يمر من خلاله وكل مهمة تنتظر مباركته بل تدخله المباشر

والنتيجة = سيل هادر من المهام المتراكمة يزحف نحوك وشعور دائم بأنك غارق في بحر من المسؤوليات بينما من حولك الذين حرمتهم من فرصة المحاولة والخطأ والتعلم إما يشعرون بالملل أو بانعدام القيمة
أو الأسوأ يتعودون الاتكالية ويستمرؤون انتظار البطل الخارق لينقذ الموقف

- لكنهم لن يفعلوا المهام أبدا بنفس الجودة!
تصرخ بهذه العبارة وكأنك اطلعت على غيب تصر على توقعه
حسنًا لن أجادل كثيرا في هذه النقطة فربما لن يفعلوها بنفس الطريقة التي تراها أنت ضرورية لحياة الكون وعدم اصطدام الكواكب أو انطفاء الشمس

ربما سيستغرقون وقتًا أطول في البداية
وربما لن تخرج النتيجة مرضية لذوقك الرفيع عدة مرات
بل ربما يفشلون بالفعل مرة بعد مرة
لكن هذا هو الثمن المنطقي للتعلم وأنت تعلم ذلك
أنت لم تولد في يدك أدوات مهنتك ولم تكن ترضع في طفولتك إتقانا ولم تكن ألعاب صباك تنبت حزمك وصرامتك
أخطأت كثيرا وفشلت مرارا حتى تعلمت
فلماذا تصر على حرمانهم ذات الفرصة
فرصة النمو والتطور والمران على تحمل المسؤولية وإيجاد الحلول
لماذا تصمم على قـ.تـ.ل روح المبادرة بتكريسك مبدأ (عرض الرجل الواحد) دائما وأبدا
وهل فكرت في الثمن البديل الذي ستدفعه بمركزيتك المغرورة؟

ثمن هذا التشبث بالكمال المزعوم هو صحتك..
أعصابك..
نومك وراحة بالك..
وقتك الذي كان يمكن أن تقضيه فيما هو أهم والذي ضحيت به لأجل تصور هش وخطير في الآن نفسه
أي مؤسسة سواء كانت شركة أو أسرة أو حتى صداقة وصحبة لا يمكن أن تقوم على هذا العرض المنفرد الذي لن تقبل إلا محاكاته
لن تقبل إلا نسخا كربونية تعمل بنفس الآلية بالضبط وبمقياس دقيق وحدته الميللميتر
أما الثمن الأخطر في نظري لهذا الداء فهو تناقص منسوب التوكل وتعلق القلب بالله المدبر لكل ما في الكون
يتناقص ذلك المنسوب حتى يوكل المرء لنفسه ولحوله وقوته
"ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"
هكذا دعا رسول الله صلى الله عليه حين استغاث برحمة الحي القيوم مدركا أن التعلق بها هو الأصل
ثم يأتي دور الآخرين
وذلك المولى الجليل الذي لم يشأ أن توكل لنفسك هو نفسه من جعل العباد في حاجة بعضهم البعض
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ)
آية محكمة تلخص قيمة عظمى في ديننا
توزيع المهام
الثقة المتبادلة
والشورى
"وشاورهم في الأمر"
"وأمرهم شورى بينهم"
والشورى تعني ببساطة الاستماع للآخرين
تقدير رأيهم
إدراك قيمتهم
لست وحدك إذا من يجيد ويعرف..
هناك آخرون لهم قيمة ولصوتهم أثر رغم أنهم لن يفعلوها مثلك
ما الذي تخشاه حقًا حين تتشبث بكل خيط في نسيج المهمات والمطالب
هل هو خوفٌ حقيقي على جودة العمل أم هو خوفٌ أعمق؟
خوف اكتشاف حقيقة أنك لست بذلك التفرد الذي كنت تتوهمه
هل تخشى أن تظهر بعض الضعف حين تعترف بحاجتك إلى المساعدة من الآخرين واتضاح حقيقة أنك لست ذلك البطل الخارق الذي تصوروه
أم أنك أصلا تستمتع سرًا بأداء هذا الدور؟
دور البطل المُنقذ الذي لا غنى عنه والذي لن ينقذ اليوم غيره؟
لأنه ببساطة لا يوجد من يستطيع فعل ذلك مثلك..
👍2018
#ورد_القرآن_اليومي
الآيات من 246 ل 248 من سورة البقرة
Forwarded from محمود مجاهد
7👍4
Forwarded from محمود مجاهد
7👍3
التلاوة
2
على أريكته الوثيرة جلس "الدكتور فؤاد" أستاذ علم النفس الكهل في ذلك اليوم الممل
أي يوم أجازة كان يعتبره مملا وهو الذي لم يتعود المكث بمنزله الخاوي إلا من الذكريات
لا يحب الأجازات لأنها تتركه في مواجهة نفسه وتذكره بوحدته بعد رحيل زوجته وسفر ابنه الوحيد للدراسة
جلس بضجر لا يدري ما يفعله فيما تبقى من ذلك اليوم الطويل
لمح بطرف عينه ذلك الصندوقٍ الخشبيٍّ القديم الذي يرقد في ركن الردهة من سنوات
صندق ورثه عن والدته رحمها الله، يمتليء بصورٍ فوتوغرافية بالية تفوح منها رائحة الماضي والغبار وربما قليل من النفتالين.
قرر أخيرا أن يقوم من مجلسه الممل ليفتح الصندوق؛ ليس بحثاً عن ذكرى محددة، ولكن كنوعٍ من الهروب، أو قـ.تل الوقت الذي أصبح أطول وأثقل مما يحتمل.
يالها من أحداث تبدو كأنما مرت عليها قرون
أين ذهب كل هؤلاء؟
بل من هؤلاء أصلا؟
عن أي قرون يتحدث وهو الذي لم يكمل عقده الخامس بعد
توقفت يداه عند صورةٍ قديمة مهترأة، تُظهره شاباً يافعاً في مقتبل العمر، ربما في سنته الجامعية الأولى.
شابٌ نحيل، بشعرٍ كثيف وعينين تلتمعان بحماسٍ ساذج ونظرةٍ متفائلة ترحب بالعالم، يرتدي قميصاً تبدو من تحته الرقبة الطويلة التي تميز ملابس هذه الفترة كان مبتسما للكاميرا ابتسامةً واسعة لا معني لها تكشف عن أسنانٍ غير متناسقة بعض الشيء.
حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة طويلاً، وشعر بوخزةٍ غريبة في قلبه.
من هذا الشاب المفعم بالحياة والأحلام؟ هل هذا حقاً هو أنا؟
يشعر أنه مجرد شبحٍ من ماضٍ سحيق لا يمتّ له بصلة؟
هزّ رأسه بسخريةٍ مُرّة، كمن يطرد فكرةً سخيفة.
وضع الصورة جانباً وأكمل تقليب بقية محتويات الصندوق مجترا ذكرياته.
لكن صورة الشاب ظلت عالقة في ذهنه، كشخصيةٍ عنيدة في روايةٍ إثارة رخيصة ترفض أن تموت.
في تلك الليلة، وبينما كان الدكتور "فؤاد" يغط في نوم متقطع كعادته مؤخرا، أيقظه صوتٌ خافتٌ في ردهة منزله.
ليس صوت لصٍ بالتأكيد، فهو يسكن شقة متواضعة ولا يمكن لمظهرها أن يغري بسرقتها أو ينبيء بوجود ما يستحق السرقة.
نهض بحذر، وانسل نحو الردهة.
لم يكن هناك أحد، لكنه لمح شيئاً مستقرا على الأريكة القديمة...
لقد كانت الصورة!
نفس الصورة التي كان يتأملها بالأمس، موضوعة بعناية على مسند الأريكة وكأن يدا أسندتها بشكل مقصود!

شعر الدكتور "فؤاد" بقشعريرة باردة تسري في جسده.
كيف وصلت الصورة إلى هنا؟
هل هو يمشي أثناء نومه؟ أم أن عقله بدأ يُداعبه بألاعيب سخيفة؟
أم هو عرض جديد من أعراض العقد الخامس وما بعد بلوغ الأشُدّ؟
التقط الصورة ليعيدها إلى الصندوق، لكنه تجمد في موضعه حين لاحظ شيئاً عجيبا: الشاب في الصورة الذي كان يوما يؤدي ذوره لم يعد يبتسم!
كانت ملامحه جامدة جادة وعيناه تحدقان فيه مباشرةً بنظرةٍ باردة، تحمل مزيجاً من اللوم وخيبة الأمل.

"مرحباً يا دكتور"
سمع الصوت هادئا لكنه حاد يحمل فتوة الشباب
الصوت يأتي بوضوح من اتجاه الصورة
أكمل الصوت قائلا: "أو ربما يجب أن أقول... مرحباً يا أنا؟"
شعر الدكتور "فؤاد" بأن ركبتيه لا تقويان على حمله.
جلس على أقرب مقعد، محدقاً في الصورة التي يبدو أن ساكنها قد قرر أن يخرج منها ليُجري معه حواراً وجودياً في منتصف الليل.
"مـ.. مـ...من أنت؟"
تمتم د. فؤاد بصوتٍ مختنق.

"أنا هو أنت"
أجاب الشاب في الصورة بنبرةٍ ساخرة.
"أنا هو أنت قبل أن يسحقك الزمن، وتُغيرك المساومات، وتُعلّمك الحياة دروسها القاسية التي محت بريق عينيك وأطفأت شعلة أحلامك.
أنا النسخة التي خنتها تخليت عنها يا دكتور".
"خنت؟ تخلّيت؟ ماذا تقصد؟"
"أحقا.. ألا تتذكر؟"
ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً باردة. "ألا تتذكر أحلامك بتغيير العالم؟
ألا تتذكر مبادئك التي كنتَ تقسم ألا تتنازل عنها أبدا؟
ألا تتذكر شغفك بالحق والعدل والقيم النبيلة؟
انظر إلى نفسك الآن!
مجرد كهل متهالك تؤدي عملك بلا شغف مُحاطا بالغبار والوحدة، تتردد ألف مرة قبل أن تُبدي رأيك ولو في أبسط شؤون الحياة
تُجامل من لا يستحق، وتُبرر لنفسك كل تنازلٍ قدمته ولم تزل تقدمه كأضحية على مذبح 'الواقعية'..

شعر الدكتور "فؤاد" بالكلمات تخترقه كالسهام.
كل ما يقوله الشاب صحيح بشكلٍ مؤلم. لقد تغير كثيراً
تآكلت مبادئه ببطء،
خفتت حماسته وغابت تحت رماد السنين.

"لكن... هذه هي الحياة"
دافع الكهل عن نفسه بصوت ضعيف. "الحياة تُغيرنا، تُجبرنا على التنازل، على التأقلم..."
بحدة رد الشاب في الصورة مقاطعا: "الحياة لا تُجبر أحداً على التفريط يا دكتور.. الحياة تعرض عليك اختبارات، وأنت تختار إما أن تثبت أو أن تسقط.
وأنت اخترتَ الطريق الأسهل، طريق المساومات والمجاملات... والنتيجة؟
هذه النسخة الباهتة المنطفئة التي أراها أمامي الآن!".
👍87😢3😍1
صمت الدكتور "فؤاد" لوهلة شاعرا بالخزي يغمره.
لا يجد ما يقول.
الشاب في الصورة كان محقاً.
لقد خان نفسه القديمة
فرط في أحلامه
تجاهل مبادئه
تغاضى عن قيمه
صار شخصا آخر لو التقى بهذا الشاب في الماضي لكان المستحيل بعينه أن يصدق أنه هو نفسه..
"لكن لماذا الآن؟"
سأل أخيراً بصوتٍ واهن.
"لماذا تظهر لي الآن لتُعذبني؟"

"أنا لستُ هنا لأعذبك.. بل لأنقذك... أو لأنقذ ما تبقى منك"
قالها الشاب ونبرته تخفت حدتها قليلاً.
"ما زال هناك وقت.
ما زالت هناك فرصةٌ لتُشعل تلك الجذوة التي كادت أن تنطفئ.
فرصةٌ لتعود إلى 'أنت' الحقيقي،
تعود قبل أن يبتلعك الزمن تماماً وتذهب إلى رحلة اللاعودة."

"لكن كيف؟
كيف أعود؟
وهل هذا ممكن أصلا"
سأل الدكتور "فؤاد" بلهفةٍ يائسة.

ابتسم الشاب في الصورة ابتسامةً ماكرة هذه المرة، وقال: "الأمر بسيط يا دكتور.
فقط انظر جيداً وتأمل هذه الصورة. ألا تلحظ شيئاً غريباً في الخلفية؟ شيءٌ لم تلحظه من قبل؟"

حدّق الدكتور "فؤاد" في الصورة بتركيزٍ شديد.
كانت الخلفية ضبابية بعض الشيء، لكنه الآن، ربما بفعل ضوء الصالة الخافت أو ربما بفعل شيءٍ آخر، بدأ يرى تفاصيل لم يرها من قبل.
رأى انعكاساً خافتاً في مرآة تقبع في خلفية الصورة...
انعكاساً لوجهٍ آخر!
كان وجهاً مألوفاً بشكلٍ غريب،
إنه يشبه وجهه الحالي لكن أكبر سناً ووقارا و.... ثمة شيء آخر
شيء لا يدري كنهه
ركز د. فؤاد أكثر في تفاصيل الوجه الآخر ليتلمس ذلك الشيء المختلف
الوجه المُسن و رغم التجاعيد العميقة التي تظهر عليه يبدو أكثر إشراقا ورضا
أكثر ابتهاجا و.... سلاما
وأكثر حماسا!
نعم... الوجه المغضن يكاد يكون أشبه بنسخته الشابة
رغم التجاعيد يبدو نضرا متوهجا
"من... من هذا؟"
سأل الدكتور "فؤاد" رغم أنه قد تعرف بالفعل على الوجه الجديد.

ضحك الشاب في الصورة بصوتٍ عالٍ هذه المرة. " أنت تعلم جيدا يا دكتور من هذا
هذا هو أنت
هذه هي النسخة التي يمكنك أن تصبح عليها إن أنتَ أردت!
النسخة التي تصالحت مع الزمن، وتعلمت من أخطائها، ووجدت طريقها إلى النور في نهاية النفق.
أنا مجرد مرحلة.
مجرد ذكرى لحماسٍ قديم.
أما هو...
هو الأمل..
هو المستقبل الذي لا يزال بانتظارك إن أنتَ أردتَ أن تسعى إليه."

نظر الدكتور "فؤاد" مرة أخرى إلى الصورة
إلى وجهه الشاب المتحمس الذي ينبض بالحيوية
وإلى ذلك الوجه الآخر الهادئ المنعكس في الخلفية.
معركة حامية تحتدم بداخله.
صراعٌ بين يأس الماضي وأمل المستقبل.

"الاختيار لك الآن يا دكتور"
قالها الشاب في الصورة التي بدأت تتلاشى ببطء.
"هل ستظل سجين نسختك الحالية التي تراها في المرآة؟ أم أن ثمة احتمالات أخرى واختيارات مغايرة؟

قلَّبَ الدكتور فؤاد الصورة بين يديه وقد تلاشت كل الحيوية والتفاصيل وعادت إلى صمتها القديم، وابتسامتها الساذجة.
ظل جالساً في ردهة منزله، وكأنه قد تجمد تماما بينما المعركة لم تزل تلتهب في صدره وسؤالات الشاب الذي كان تنهال على ذهنه
شيء ما قد تغير في داخله.
نظر إلى المرآة الكبيرة التي تتوسط الردهة وقد تغيرت نظرته
لم يعد يرى نفسه مجرد كهل محطم ينتظر النهاية
إنه الآن مسافر آخر على طريقٍ لم يزل فيه متسعٌ للسير
وللتغيير
وللوصول إلى وجهةٍ أفضل.
لكن هل ستكون لديه الشجاعة الكافية ليكمل السفر ويسعى نحو تلك الوجهة التي يكون فيها أشبه بملامحه القديمة أم أنه سيكتفي بمجرد التقليب في دفتر الماضي ومتأملا صورا قديمة لم يعد يعرفها
ولم تعد تعرفه..
11👍7
نحن كائنات حاسبة بطبعها.
منذ يبدأ يومنا تبدأ معه عقولنا في إجراء عمليات حسابية لا تتوقف
حساب دقائق النوم المتبقية، وهل تبقى وقت على موعد عملي فأستطيع اختطاف مزيد من النعاس
ثم نتأمل ميزانية يومنا علي عجل وهل في المحفظة ما يكفي تكلفة المواصلات ووجبة الإفطار أم سنكتفي بقدح من القهوة
ربما يكون أحدنا مهتما بصحته فيحسب احتياجاته اليومية من السعرات الحرارية وربما كان صاحب تجارة فيعنى بحساب الأرباح والخسائر في صفقة ما، وربما يكون انشغاله بحساب ميزانية الشهر، وربما ينشغل بحسابات المصالح والمفاسد في قضايا أخرى.
تتفاوت المشارب والاهتمامات لكن نشترك في كوننا نعيش ونحن نحسب
غنيا وفقيرا ومتوسطا... الكل له حساباته وتقديراته
مخلوقات مولعة بالحسابات،
نُحصي الأنفاس ونُدقق في الأموال، نخطط لغدنا القريب كما لو كنا نملك مفاتيحه، ونرسم ميزانيات دقيقة لحياة قصيرة
وفي كثير من الأحيان نظن أننا نجيد الحساب، وأن تقديراتنا للأمور دقيقة ومنطقية.
وهذا قد يكون صحيحا بالنسبة للكثيرين..
لكن ماذا لو كانت أهم حساباتنا، تلك التي تتعلق بوجودنا وغايتنا ومصيرنا وعلاقتنا بخالقنا، مليئة بالأخطاء الكارثية؟
ماذا لو كنا نعيش وفق "حسبة خاطئة" دون أن ندري؟
لا أتحدث عن مجرد أخطاء في الجمع والطرح بل هي تشوهات في الرؤية، وانحرافات في البوصلة، وأوهام نتشبث بها كأنما هي معيار الحقيقة بينما هي في حقيقتها قد تقودنا إلى ضفة الخسران المبين.

كلمةٌ تتكرر في كتاب الله بشكلٍ لافت بين هذه الحقيقة
كلمةٌ تبدو بسيطة لكنها تحمل في طياتها عالماً من الأوهام والتصورات المغلوطة التي نُصاب بها كبشر.
كلمة "يحسب"... ومشتقاتها.
"أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى؟"
"أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ؟"
"أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ؟"
"وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"
"وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ".
ما سبق هو غيض من فيض ذلك المعنى المتكرر في القرآن
وكأنه َ يُشير بوضوح إلى تلك الآفة المتأصلة في كثير منا بل فينا جميعا بأقدار متفاوتة
آفة "الحسابات الخاطئة"
يواجهنا بكشف هذه الحسبانات المريضة
يزلزل يقيننا الزائف بـ "أيحسب؟" أو "أفحسبتم؟" أو "أم حسبتم؟"، كأنما يمسك بمرآة الحقيقة أمام وجوهنا الغافلة، داعياً إيانا لمراجعة تلك الافتراضات التي نسير على هديها المعوج.

تلك البوصلة المعطوبة التي نستخدمها أحياناً لقياس قيمتنا، وقيمة الآخرين، وقيمة الأشياء، فنضلّ الطريق ونحن نظن أننا نسير بثبات نحو الوجهة الصحيحة.

نجلس أحياناً، نُقلّب دفاتر حياتنا،
نُجري عملياتنا الحسابية المعقدة.
نحسب نجاحنا برصيد من المال، أو بمساحة بيت، أو بماركة سيارة، أو بعدد "اللايكات" التي تحصدها كلماتنا أو صورنا المُنمّقة على وسائل التواصل.
نحسب قيمة الآخرين بمناصبهم، بأنسابهم، بمدى قدرتهم على إبهارنا بمظاهرهم وزخرفهم.
نحسب أن القوة في العضلات المفتولة، وأن السعادة في المتع الحسية، وأن الذكاء في القدرة على المراوغة والكسب السريع.
حساباتٌ تبدو منطقية جداً في "بورصة الدنيا" الصاخبة، لكنها، يا للأسف، غالباً ما تكون خاطئة تماماً في "ميزان السماء" الدقيق.
نفس طريقة الحساب التي قام بها قوم قارون وهم ينظرون إليه وقد خرج عليهم في زينته، فتهتف تلك الفئة المنبهرة بزخرفه: "يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ".
هكذا كانت طريقة الحساب في تصورهم
قاسوا "الحظ العظيم" بمفاتيح الخزائن التي تنوء بحملها العصبة أولو القوة، ولم يروا أن الحظ الأعظم كان كامناً في كلمات أهل العلم الذين ردوا عليهم: "وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا...".
لكن حسابات أهل العلم هذه بدت باهتة أمام بريق ذهب قارون، حتى جاءت اللحظة التي انشقت فيها الأرض وابتلعته هو وداره وزينته، وليُدرك الجميع متأخراً كم كانت حساباتهم خاطئة ومقاييسهم فاسدة.

وهكذا فعل القرآن دائماً.
يأتي ليُصحح "حساباتنا" المعوجة
ليُعيد ضبط "بوصلة" قيمنا.
يضع أمامنا ميزاناً مختلفاً لا يزن الذهب والفضة والمناصب، بل يزن القلوب والنوايا والأعمال الصالحة. "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
هذه هي المعادلة الإلهية البسيطة والحاسمة.
الكرامة الحقيقية، القيمة العظمى، ليست في لون البشرة، ولا في عراقة النسب، ولا في حجم الثروة، بل في درجة القرب من الله والخوف منه.

ساقي سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه النحيلتين؛ كانتا موضعا يوما لحساب خاطيء حين ضحك البعض من دقتهما
11👍6👌2
عندئذ لم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الطريقة الخاطئةفي التصور والمعيار والمبنية على المظهر، بل صححها فوراً بميزان السماء
"أتضحكون من دقة ساقيه؟! والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من جبل أحد".
تأمل... ساقان نحيلتان أثقل من أُحد!
أي طريقة حساب هذه؟ وأي ميزانٍ هذا الذي نغفل عنه؟ وأي حساباتٍ سطحية تلك التي نُقيم بها الناس والأشياء؟
يجيبك الحديث الآخر عن الرجل العظيم السمين، الذي يُشار إليه بالبنان في الدنيا، يُؤتى به يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة!
بينما رجلٌ آخر، أشعث أغبر، مدفوعٌ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرّه، قد يكون هو الأقرب والأكرم عند ملك الملوك.
حساباتٌ تُقلب كل موازيننا الدنيوية رأساً على عقب، وتُجبرنا على التفكير: على أي أساسٍ أُقيّم نفسي؟

المشكلة أننا نُصرّ أحياناً على حساباتنا الخاطئة.
نرى الفاسد يرتع في نعيم الدنيا، ونرى الصالح يُبتلى؛ فنظن - بجهل أو قصر نظر - أن حسابات السماء تخضع لذلك المعيار الأرضي!
وهيهات
"أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (الجاثية: 21).
يا له من حساب بائس ذلك الذي يتساوى في نتيجته من قضى عمره في طاعة الله بمن أفناه في معصيته؟
كيف يستوي المصلح والمفسد في ميزان العدل الإلهي؟
حاشا وكلا! "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" (القلم: 35-36).
كيف تصلون إلى هذه النتيجة الوهمية وعلى أي أساس كان حكمكم؟
إن القرآن، يا صديقي، هو السبيل الذي من خلاله تُصحح أخطاءنا الحسابية في فهم الحياة وقيمها الحقيقية.
هو الذي يُعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في البطش والغضب، بل في كظم الغيظ والعفو عن الناس وأن الغنى ليس عن كثرة العَرَض، بل غنى النفس. وأن الجمال ليس فقط في ملامح الوجه، بل في نور القلب وحسن الخلق. وأن النجاح ليس مجرد جمع الأموال والمناصب، بل هو الفوز برضا الله والجنة.
وبناء علي علاقة المرء بكتاب الله وفهمه تكون عودته إلى "دفاتر حساباته" ليراجع تلك المعادلات التي بنى عليها حياته وقيمه وأحكامه.
هل هي معادلاتٌ دنيويةٌ قاصرة، مبنيةٌ على الظاهر والزائل؟ أم هي معادلاتٌ أخرى تستمد معاييرها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه؟

إن تصحيح الحسابات هو بداية الطريق نحو حياةٍ أكثر استقامةً وطمأنينة بعيدة عن سبيل الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا بينما تغاضوا كل ضلالهم بسبب تلك الحسابات الخاطئة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"

حين نضع الأمور في نصابها الصحيح، ونزنها بميزان الحق والشرع المنضبط بالوحي = تتغير نظرتنا لكل شيء، وتهدأ نفوسنا، وتستقيم خطواتنا.
فقط إذا سلمنا مفاتح معاييرنا وقياساتنا للقرآن وهو يُصحح لنا أوهاما وظنونا قد تُفلسنا في الدنيا والآخرة،
إن تصحيح الحسابات ليس مجرد عملية فكرية، بل هو رحلة إيمانية وتربوية مستمرة. بدايتها ضبط بوصلتنا وفق الميزان الإلهي، بأن ننظر إلى الأمور بحقائقها لا بظواهرها، وأن نعي جيداً أن كل "حسبة" خاطئة هنا، قد تكلفنا ثمناً باهظاً هناك.
هناك حيث تظهر نتيجة كل الحسابات
ثم يكون الحساب
👍108😢3🥰2
#ورد_القرآن_اليومي
الآيات من 249 إلى 252 من سورة البقرة
Forwarded from محمود مجاهد
👍51
Forwarded from محمود مجاهد
👍54
التلاوة
5
يُباغِتك صقيعُ الغربةِ حتى وأنت غارق في طوفانِ "التواصل"
تُحاصرُك الأطيافُ في زحامٍ لا يُؤنِسُ ويكتظ فضاؤك بأقنعة تلوَ أقنعة..
والروحُ في خضم ذلك الطوفان تبحثُ عن صدىً حقيقي لا تسمعهُ إلا قلةٌ نادرة.
ولا يُجدي ضجيجُ العالَمِ في ترميمِ خواء القلب الذي لا يدرك أن الأُنس الذي يتوق إليه لن يوجد إلا في سكون ليس موضعه ها هنا
سكونِ إليه وحده ودفء مناجاة صادقة لا يسمعها إلا هو ..
حيث يبصرك كما أنت منكشفا..
بلا أقنعة.
16👍9👌2
2025/07/12 22:55:15
Back to Top
HTML Embed Code: