يبني قصور أحلامه على رمال الشاطئ، ثم يتعجب حين تأتي أول موجة... فتذهب بها!
😢9❤6👍6
الحلقة الصوتية 👆
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ
المجلس الثامن من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 58 إلي 68
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/CTWRJTTdVa4?si=dgO-JojIOXyeXM8F
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ
المجلس الثامن من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 58 إلي 68
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/CTWRJTTdVa4?si=dgO-JojIOXyeXM8F
YouTube
إن هذا لهو القصص الحقll دكتور محمد علي يوسف llسورة #آل_عمران 8 الآيات من 58 إلي68 #العودة_إلى_القرآن
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ
المجلس الثامن من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 58 إلي 68
#العودة_إلى_القرآن
المجلس الثامن من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 58 إلي 68
#العودة_إلى_القرآن
❤3
تلك الإيماءة السريعة، الخاطفة، التي تبدو حلاً سحرياً لكل ما يعكر صفو حياتنا اللامعة (ظاهرياً على الأقل).
مشكلة تطل برأسها..
حقيقة مزعجة تطرق الباب..
أزمة تبدو في أفق المشهد..
مهمة ثقيلة على النفس..
واجب يحمل تكليفا فيه بعض التعب..
كل ذلك قد يتراكم ويتعاظم تدريجيا ليصير من ضمن (كراكيب) حياتنا
حسنا... لا داعي للقلق
الحل بسيط وسريع
ذلك الفن العريق، الموروث كأنه سر عائلي مقدس، والذي نمارسه جميعاً ببراعة منقطعة النظير وإن تفاوتت درجات الإتقان
فن لا يحتاج لورش عمل ولا دورات تدريبية، بل يكتسب بالخبرة والممارسة، وأحياناً بالوراثة
فن "الكنس تحت السجادة".
تلك الحركة التي قد تبدو عبقرية!
اكنس المشكلة بسرعة تحت أقرب سجادة، ويفضل أن تكون سجادة سميكة وثقيلة تخفي ما تحتها جيداً.
ثم ابتسم ابتسامة المنتصر، ونفض يديك كأنك أنجزت عملاً بطولياً، وأكمل يومك وكأن شيئاً لم يكن!
الأرضية تبدو نظيفة، أليس كذلك؟
هذا هو المهم!
أعرف فنانين بالفطرة في هذا المجال.
فاتورة كهرباء بمبلغ فلكي... إلى تحت السجادة!
لكن هل هذا حل؟
أليست ستأتي أخرى وأخرى في الشهر القادم والذي بعده وبعده؟
ألن تتراكم ويصير المبلغ المطلوب أكبر؟
ليس ذلك مهما
المهم الآن أن ترحل الكراكيب والغبار إلى مخزنها تحت السجادة
خلاف حاد مع شريك الحياة يحتاج لمصارحة مؤلمة
فلنؤجله وليرحل إلى تحت السجادة!
حتى لو كان التأجيل سيؤدي إلى مزيد إشكالات؟
نعم... لا مانع. المهم الآن أن تبدو أرضية الحياة الزوجية نظيفة وما يتراكم تحت السجادة لا يهم
تلك الأصوات التي تصدرها السيارة وكأنها زمجرة أسد حبيس ألا تستحق رحلة إلى (ميكانيكي)؟
الإجابة الأسهل ما دامت السيارة لا زالت تتحرك = تحت السجادة!
فلنرجيء الكشف ولنتجاهل الزمجرة حتى لو ازدادات الأصوات وتنوعت
المهم أنها تسير.. والأرضية ناعمة ولن ننظر الآن لما تحت السجادة
خطأ فادح في العمل قد يكلفك وظيفتك
أليس الأولى أن تصلحه؟
طبعا تحت السجادة لم يزل خيارا متاحا وسهلا!
كلمة جارحة قلتها لصديق وتستحي من الاعتذار؛ ادفنها بسرعة تحت السجادة!
صحة جسدك وتلك الإنذارات التي تصدرها أعضاءك منادية بزيارة للطبيب.... لكن العطلة والمسافة تجعل السجادة خيارا أسرع وأسهل..
حتى ذلك الذنب الذي تخلو به وتعرف أنه لا يرضي الله، هل ستجد له أيضا مكاناً دافئاً تحت السجادة؟
طبعا
سجادة التسويف والإرجاء من أثقل السجاجيد التي تجيد تغطية ما تراكم من سوءاتنا
وماذا عن التوبة والاستغفار والندم والإصلاح؟
لا لا.... أن السجادة دائما أقرب
المشكلة، يا عزيزي، أن الكراكيب والأتربة التي ندفنها تحت السجادة لن تختفي..
لن تتبخر بفعل قوى سحرية أو تزول بمجرد نسيانها
للأسف ستتكدس، وتتعفن،
ستتفاعل مع بعضها البعض في الظلام، لتصدر روائح كريهة وربما تلتقطها المخلوقات الدقيقة والزاحفة وتجد فيها بيئة مرحة
وحين نجد تلك المخلوقات تسعى أو الروائح المؤذية تزكم أنوفنا فلربما عندئذ نتحرك
أو ربما نلجأ لمزيد من تجاهلها أو رش معطرات جو فوقها لننال مهلة أكبر ومزيدا من راحة التغافل
ومع الوقت، ستتحول تلك الكومة الصغيرة المختبأة تحت (سجاجيد) حياتنا إلى تلال ونتوءات تجعل السير في دنيانا أشبه بالسير في حقل ألغام.
نتعثر، نسقط، نتألم، ثم نلوم الحظ العاثر أو "العين الحاسدة"
متناسين تماماً أننا من زرع تلك النتؤءات العفنة وتركها تتضخم تحت أقدامه بيديه لا لشيء إلا للاستمتاع بمزيد من أيام وشهور التغافل.
ذلك الدين الصغير الذي كُنس تحت المماطلة والتأجيل، قد يصبح جبلاً من الديون المتراكمة التي تقصم الظهر.
تلك الزلة البسيطة في علاقة، إن لم تعالج فورا، قد تتضخم لتصبح شرخاً لا يمكن رأبه.
ذلك التقصير في حق الله، حين يجتمع مع إخوته من الذنوب والمعاصي تحت سجادة الغفلة والإصرار، فينكت نكتا سوداء تتزاحم على القلب لتصير "الران" الذي حذر منه القرآن، فيطبع على ذلك القلب ويحجب عنه النور.
﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾
نعم يا صديقي.. إنه كسب أيدينا، نتيجة الإرسال المستمر إلى المخبأ المؤجل
تحت السجادة
في جوهره "الكنس تحت السجادة" هو استراتيجية هروب بائسة، وشهادة إنكار موقعة بختم الجُبن.
هو اختيار للراحة المؤقتة على حساب الحقيقة الدائمة.
هو خلاصة المسكنات القوية التي يعتبرها المريض الخائف بديلا لزيارة حاسمة للطبيب
سيشعر بتحسن لحظي بينما يترك الداء العضال ينهش جسده في الخفاء... هنالك في المكان المظلم
تحت السجادة
وإن رفع السجادة المتروكة لسنين يتطلب شجاعة
رؤية ما ترك تحتها لسنين لن يكون سارا في البداية
مشكلة تطل برأسها..
حقيقة مزعجة تطرق الباب..
أزمة تبدو في أفق المشهد..
مهمة ثقيلة على النفس..
واجب يحمل تكليفا فيه بعض التعب..
كل ذلك قد يتراكم ويتعاظم تدريجيا ليصير من ضمن (كراكيب) حياتنا
حسنا... لا داعي للقلق
الحل بسيط وسريع
ذلك الفن العريق، الموروث كأنه سر عائلي مقدس، والذي نمارسه جميعاً ببراعة منقطعة النظير وإن تفاوتت درجات الإتقان
فن لا يحتاج لورش عمل ولا دورات تدريبية، بل يكتسب بالخبرة والممارسة، وأحياناً بالوراثة
فن "الكنس تحت السجادة".
تلك الحركة التي قد تبدو عبقرية!
اكنس المشكلة بسرعة تحت أقرب سجادة، ويفضل أن تكون سجادة سميكة وثقيلة تخفي ما تحتها جيداً.
ثم ابتسم ابتسامة المنتصر، ونفض يديك كأنك أنجزت عملاً بطولياً، وأكمل يومك وكأن شيئاً لم يكن!
الأرضية تبدو نظيفة، أليس كذلك؟
هذا هو المهم!
أعرف فنانين بالفطرة في هذا المجال.
فاتورة كهرباء بمبلغ فلكي... إلى تحت السجادة!
لكن هل هذا حل؟
أليست ستأتي أخرى وأخرى في الشهر القادم والذي بعده وبعده؟
ألن تتراكم ويصير المبلغ المطلوب أكبر؟
ليس ذلك مهما
المهم الآن أن ترحل الكراكيب والغبار إلى مخزنها تحت السجادة
خلاف حاد مع شريك الحياة يحتاج لمصارحة مؤلمة
فلنؤجله وليرحل إلى تحت السجادة!
حتى لو كان التأجيل سيؤدي إلى مزيد إشكالات؟
نعم... لا مانع. المهم الآن أن تبدو أرضية الحياة الزوجية نظيفة وما يتراكم تحت السجادة لا يهم
تلك الأصوات التي تصدرها السيارة وكأنها زمجرة أسد حبيس ألا تستحق رحلة إلى (ميكانيكي)؟
الإجابة الأسهل ما دامت السيارة لا زالت تتحرك = تحت السجادة!
فلنرجيء الكشف ولنتجاهل الزمجرة حتى لو ازدادات الأصوات وتنوعت
المهم أنها تسير.. والأرضية ناعمة ولن ننظر الآن لما تحت السجادة
خطأ فادح في العمل قد يكلفك وظيفتك
أليس الأولى أن تصلحه؟
طبعا تحت السجادة لم يزل خيارا متاحا وسهلا!
كلمة جارحة قلتها لصديق وتستحي من الاعتذار؛ ادفنها بسرعة تحت السجادة!
صحة جسدك وتلك الإنذارات التي تصدرها أعضاءك منادية بزيارة للطبيب.... لكن العطلة والمسافة تجعل السجادة خيارا أسرع وأسهل..
حتى ذلك الذنب الذي تخلو به وتعرف أنه لا يرضي الله، هل ستجد له أيضا مكاناً دافئاً تحت السجادة؟
طبعا
سجادة التسويف والإرجاء من أثقل السجاجيد التي تجيد تغطية ما تراكم من سوءاتنا
وماذا عن التوبة والاستغفار والندم والإصلاح؟
لا لا.... أن السجادة دائما أقرب
المشكلة، يا عزيزي، أن الكراكيب والأتربة التي ندفنها تحت السجادة لن تختفي..
لن تتبخر بفعل قوى سحرية أو تزول بمجرد نسيانها
للأسف ستتكدس، وتتعفن،
ستتفاعل مع بعضها البعض في الظلام، لتصدر روائح كريهة وربما تلتقطها المخلوقات الدقيقة والزاحفة وتجد فيها بيئة مرحة
وحين نجد تلك المخلوقات تسعى أو الروائح المؤذية تزكم أنوفنا فلربما عندئذ نتحرك
أو ربما نلجأ لمزيد من تجاهلها أو رش معطرات جو فوقها لننال مهلة أكبر ومزيدا من راحة التغافل
ومع الوقت، ستتحول تلك الكومة الصغيرة المختبأة تحت (سجاجيد) حياتنا إلى تلال ونتوءات تجعل السير في دنيانا أشبه بالسير في حقل ألغام.
نتعثر، نسقط، نتألم، ثم نلوم الحظ العاثر أو "العين الحاسدة"
متناسين تماماً أننا من زرع تلك النتؤءات العفنة وتركها تتضخم تحت أقدامه بيديه لا لشيء إلا للاستمتاع بمزيد من أيام وشهور التغافل.
ذلك الدين الصغير الذي كُنس تحت المماطلة والتأجيل، قد يصبح جبلاً من الديون المتراكمة التي تقصم الظهر.
تلك الزلة البسيطة في علاقة، إن لم تعالج فورا، قد تتضخم لتصبح شرخاً لا يمكن رأبه.
ذلك التقصير في حق الله، حين يجتمع مع إخوته من الذنوب والمعاصي تحت سجادة الغفلة والإصرار، فينكت نكتا سوداء تتزاحم على القلب لتصير "الران" الذي حذر منه القرآن، فيطبع على ذلك القلب ويحجب عنه النور.
﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾
نعم يا صديقي.. إنه كسب أيدينا، نتيجة الإرسال المستمر إلى المخبأ المؤجل
تحت السجادة
في جوهره "الكنس تحت السجادة" هو استراتيجية هروب بائسة، وشهادة إنكار موقعة بختم الجُبن.
هو اختيار للراحة المؤقتة على حساب الحقيقة الدائمة.
هو خلاصة المسكنات القوية التي يعتبرها المريض الخائف بديلا لزيارة حاسمة للطبيب
سيشعر بتحسن لحظي بينما يترك الداء العضال ينهش جسده في الخفاء... هنالك في المكان المظلم
تحت السجادة
وإن رفع السجادة المتروكة لسنين يتطلب شجاعة
رؤية ما ترك تحتها لسنين لن يكون سارا في البداية
❤8👍4
غالبا سيكون مشهدا لا يسر العين ولا الأنف لكنه ضروري للإصلاح وللبدء في التنظيف بدلا من إدمان ذلك الفن الرديء قد يقود إلى مرحلة متقدمة من خداع الذات حتى نقنع أنفسنا بأن الأرضية نظيفة حقاً، وأن تلك النتوءات مجرد عيوب في تصميم السجادة والحل قد يكون مجرد شراء سجادة جديدة أكبر وأثقل لإخفاء المزيد
وماذا عن تلك الرائحة الكريهة المنبعثة مما تراكم
أكيد هي قادمة من مكان آخر.
سنطور تدريجيا "مناعة ضد الحقيقة"، ونفضل العيش في فقاعة الوهم المريح على مواجهة الواقع المؤلم.
لكن أصدقك القول، لا يوجد خيار آخر.
المواجهة، رغم ألمها الأولي = ٪ بداية الشفاء والتطهير.
إن امتلاك مكنسة حقيقية تتمثل في الإرادة، ممزوجة بمنظفات الصدق مع النفس مدعومة بمياه التوبة النقية ثم البدء الفوري في عملية "التنظيف العميق" = السبيل الوحيد لاستعادة أرضية حياتنا نظيفة ومستوية وآمنة.
الراحة الحقيقية لن تكون أبدا في إخفاء منغصات حياتنا وكراكيب واقعنا
الراحة الحقيقية في التخلص منها نهائياً. والجمال الحقيقي ليس في لمعان السجادة التي تخفي مؤقتا ما ستفوح رائحته بعد حين..
قد يكون المنظر في البدء صادماً.
وقد نجد المتراكم أكثر مما توقعنا وقد تكون الرائحة لا تُحتمل.
وقد تكون عملية التنظيف شاقة وتتطلب جهداً ووقتاً
وربما دموعاً..
لكن النظافة تستحق..
#كراكيب 2
وماذا عن تلك الرائحة الكريهة المنبعثة مما تراكم
أكيد هي قادمة من مكان آخر.
سنطور تدريجيا "مناعة ضد الحقيقة"، ونفضل العيش في فقاعة الوهم المريح على مواجهة الواقع المؤلم.
لكن أصدقك القول، لا يوجد خيار آخر.
المواجهة، رغم ألمها الأولي = ٪ بداية الشفاء والتطهير.
إن امتلاك مكنسة حقيقية تتمثل في الإرادة، ممزوجة بمنظفات الصدق مع النفس مدعومة بمياه التوبة النقية ثم البدء الفوري في عملية "التنظيف العميق" = السبيل الوحيد لاستعادة أرضية حياتنا نظيفة ومستوية وآمنة.
الراحة الحقيقية لن تكون أبدا في إخفاء منغصات حياتنا وكراكيب واقعنا
الراحة الحقيقية في التخلص منها نهائياً. والجمال الحقيقي ليس في لمعان السجادة التي تخفي مؤقتا ما ستفوح رائحته بعد حين..
قد يكون المنظر في البدء صادماً.
وقد نجد المتراكم أكثر مما توقعنا وقد تكون الرائحة لا تُحتمل.
وقد تكون عملية التنظيف شاقة وتتطلب جهداً ووقتاً
وربما دموعاً..
لكن النظافة تستحق..
#كراكيب 2
❤14👍4
جلس الدكتور منير على مقعده والعرق يتصبب على جبينه بلا انقطاع رغم برودة قاعة الاحتفالات الكبرى المكيفة.
كان قد انتهى من عرضه الموجز لبحثه الأخير على وجلس ينتظر الأسئلة النقاشية في ذلك اليوم الذي لم يكن يوما اعتياديا
لقد كان يوم إعلان نتائج "جائزة الإبداع العلمي الشاب"
تلك الجائزة المرموقة التي كان الجميع، بمن فيهم منير نفسه في لحظات نادرة من التفاؤل الهش الذي سرعان ما يتبدد؛ يتوقعون أن تكون الجائزة من نصيبه تتويجًا لأبحاثه الدؤوبة وتكريما لجهده المضني واكتشافاته الملموسة التي سبقت حتى حصوله على درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية بامتياز مع مرتبة الشرف وفي سن مبكرة أثارت إعجاب الكثيرين وربما حسدهم!
رغم كل ذلك كان منير، كعادته يشعر بذاك الغثيان المألوف، وذلك الصوت من جديد يتردد داخله برتابة كصافرة إنذار لا تمل: "تكريم؟!
على ماذا بالضبط؟!
على قدرتك المذهلة في إخفاء جهلك المطبق؟
على تمكنك في الاحتيال عليهم وإقناعهم أنك كفؤ وأنك تستحق؟!
يا لها من مهزلة متقنة!
ويالك من مدَّعٍ محتال!
هكذا كان الصوت يردد ما تعود منير سماعه منه منذ صغره
على كل منصة تكريم اعتلاها من أيام دراسته الابتدائية وحتى مناقشة رسالته التي نال عليها أعلى الدرجات مرورا بترتيبه الأول دائما في كل سنوات دراسته الجامعية
مع كل إنجاز وتكريم كان الصوت يتردد
عرقه البارد، الذي بلل ياقة قميصه، كان شاهدًا صامتًا على هذه المعركة الداخلية المستعرة.
يوما ما تكلم مع صديقه عصام الطبيب النفسي الواعد يشكو إليه هذا الصوت الذي يؤرقه فطمأنه مبتسما أنه يعاني من متلازمة شهيرة تدعى متلازمة المحتال Impostor Syndrome
"ذلك الشعور الدائم بأنك أقل كفاءة مما تبدو عليه، وأن نجاحاتك هي نتاج حظ أو تلاعب أو قدرة على خداع الآخرين، وليست انعكاساً لقدراتك الحقيقية.
الأمر الذي يجعلك تعيش في قلق دائم من أن "يُقبض عليك متلبساً" بعدم الكفاءة.
استمر الدكتور عصام في وصف الحالة ومنير يستمع بشغف
"هذه المتلازمة يا صديقي تصيب غالباً الأشخاص ذوي الإنجازات العالية، المتفوقين، الطموحين.
وكأن النجاح نفسه يصبح دليلاً على "احتيالهم" فينسبون نجاحهم لعوامل خارجية (الحظ، مساعدة الآخرين، توقيت جيد) بينما ينسبون أي فشل أو تقصير لجوهرهم الداخلي غير الكفء."
تذكر منير كلمات صديقه عصام وهو في مجلسه على المنصة ينتظر تكريمه المتوقع ويحاول كبت هذا الصوت السمج بطمأنة كون كل ذلك لا يعدو جزءا من متلازمة وهمية
في الصفوف الأمامية أمام المنصة لمح منير زميلا قديما
(الدكتور) سمير
الحق أنه لم يكن قط دكتورا ولم يحصل قط على ما يؤدي لذلك اللقب لكنه كان يصر بابتذال أن يلصقه باسمه عند كل تعريف حتى وصل إلى طباعته على بطاقات شخصية فاخرة يوزعها بسخاء على أي كائن حي يقع في طريقه.
منير و سمير كانا زميلي دفعة واحدة في كلية العلوم لكن ثمة فوارق شاسعة كانت تفصل بينهما منذ اليوم الأول؛ فبينما كان منير يتصدر الدفعة عامًا بعد عام، محققًا أعلى الدرجات؛ كان سمير يقضي معظم وقته على أرصفة الكلية أو المقهى المجاور للجامعة ونادرا ما كان يُرى في مدرج اللهم إلا كان بحاجة إلى بعض النوم أو يحلو له إمضاء بعض الوقت في السخرية من زملائه ومضايقتهم
استغرق سمير أكثر من ثنتي عشر عاما ليتخرج بشق الأنفس ويحصل على درجة البكالوريوس، وبتقدير تراكمي يؤهله إلى أن ينافس على وظيفة عامل نظافة في أروقة الكلية منه إلى باحث علمي واعد.
ما الذي جاء به إلى الصفوف الأولى في تلك الحفلة وهي مخصصة للباحثين الذين يشاركون في المسابقة
سأل منير نفسه مندهشا وهو يتأمل نظر سمير له
نفس تلك التي كان يحدجه بها أيام كانا زملاء دفعة واحدة ثم سبق منير حتى الاقيا من جديد حين صار معيدا يدرس لسمير العملي الخاص بالمادة التي أدمن الرسوب فيها
نظرة يتمزج في الاحتقار والازدراء بالحقد والكراهية مع بعض الرتوش من السخرية والاستخفاف
مزيج متعجرف يختلط بشفقة لا تخرج إلا من موقن بعبقريته الخاصة التي لم يكتشفها بعد ذلكم العالم الغارق في الجهل والسطحية.
همس (الدكتور) سمير في أذن جاره في المقعد المجاور : كل هذا الكلام مجرد قشور لا تسمن ولا تغني من جوع.
منير هذا مدعي لا يفقه شيئا في الفيزياء
أعرفه منذ سنين وبحثه هذا الذي عرضه هو مجرد أضحوكة لا تقارن بنظريتي الفريدة حول "الأبعاد الكونية المتراقصة بفعل الموجات الكهرومغناطيسية وتأثيرها على الحالة المزاجية للحيوانات الأليفة" نظريتي هذه ستحدث انقلابًا حقيقيًا في مفاهيم الفيزياء الحديثة.
لكنهم، كما تعلم يا صديقي، يخشون العقول التي تسبق عصرها بسنوات ضوئية، يفضلون الدوران في فلك الأفكار البالية والميتة إكلينيكيًا
كان قد انتهى من عرضه الموجز لبحثه الأخير على وجلس ينتظر الأسئلة النقاشية في ذلك اليوم الذي لم يكن يوما اعتياديا
لقد كان يوم إعلان نتائج "جائزة الإبداع العلمي الشاب"
تلك الجائزة المرموقة التي كان الجميع، بمن فيهم منير نفسه في لحظات نادرة من التفاؤل الهش الذي سرعان ما يتبدد؛ يتوقعون أن تكون الجائزة من نصيبه تتويجًا لأبحاثه الدؤوبة وتكريما لجهده المضني واكتشافاته الملموسة التي سبقت حتى حصوله على درجة الدكتوراه في الفيزياء النظرية بامتياز مع مرتبة الشرف وفي سن مبكرة أثارت إعجاب الكثيرين وربما حسدهم!
رغم كل ذلك كان منير، كعادته يشعر بذاك الغثيان المألوف، وذلك الصوت من جديد يتردد داخله برتابة كصافرة إنذار لا تمل: "تكريم؟!
على ماذا بالضبط؟!
على قدرتك المذهلة في إخفاء جهلك المطبق؟
على تمكنك في الاحتيال عليهم وإقناعهم أنك كفؤ وأنك تستحق؟!
يا لها من مهزلة متقنة!
ويالك من مدَّعٍ محتال!
هكذا كان الصوت يردد ما تعود منير سماعه منه منذ صغره
على كل منصة تكريم اعتلاها من أيام دراسته الابتدائية وحتى مناقشة رسالته التي نال عليها أعلى الدرجات مرورا بترتيبه الأول دائما في كل سنوات دراسته الجامعية
مع كل إنجاز وتكريم كان الصوت يتردد
عرقه البارد، الذي بلل ياقة قميصه، كان شاهدًا صامتًا على هذه المعركة الداخلية المستعرة.
يوما ما تكلم مع صديقه عصام الطبيب النفسي الواعد يشكو إليه هذا الصوت الذي يؤرقه فطمأنه مبتسما أنه يعاني من متلازمة شهيرة تدعى متلازمة المحتال Impostor Syndrome
"ذلك الشعور الدائم بأنك أقل كفاءة مما تبدو عليه، وأن نجاحاتك هي نتاج حظ أو تلاعب أو قدرة على خداع الآخرين، وليست انعكاساً لقدراتك الحقيقية.
الأمر الذي يجعلك تعيش في قلق دائم من أن "يُقبض عليك متلبساً" بعدم الكفاءة.
استمر الدكتور عصام في وصف الحالة ومنير يستمع بشغف
"هذه المتلازمة يا صديقي تصيب غالباً الأشخاص ذوي الإنجازات العالية، المتفوقين، الطموحين.
وكأن النجاح نفسه يصبح دليلاً على "احتيالهم" فينسبون نجاحهم لعوامل خارجية (الحظ، مساعدة الآخرين، توقيت جيد) بينما ينسبون أي فشل أو تقصير لجوهرهم الداخلي غير الكفء."
تذكر منير كلمات صديقه عصام وهو في مجلسه على المنصة ينتظر تكريمه المتوقع ويحاول كبت هذا الصوت السمج بطمأنة كون كل ذلك لا يعدو جزءا من متلازمة وهمية
في الصفوف الأمامية أمام المنصة لمح منير زميلا قديما
(الدكتور) سمير
الحق أنه لم يكن قط دكتورا ولم يحصل قط على ما يؤدي لذلك اللقب لكنه كان يصر بابتذال أن يلصقه باسمه عند كل تعريف حتى وصل إلى طباعته على بطاقات شخصية فاخرة يوزعها بسخاء على أي كائن حي يقع في طريقه.
منير و سمير كانا زميلي دفعة واحدة في كلية العلوم لكن ثمة فوارق شاسعة كانت تفصل بينهما منذ اليوم الأول؛ فبينما كان منير يتصدر الدفعة عامًا بعد عام، محققًا أعلى الدرجات؛ كان سمير يقضي معظم وقته على أرصفة الكلية أو المقهى المجاور للجامعة ونادرا ما كان يُرى في مدرج اللهم إلا كان بحاجة إلى بعض النوم أو يحلو له إمضاء بعض الوقت في السخرية من زملائه ومضايقتهم
استغرق سمير أكثر من ثنتي عشر عاما ليتخرج بشق الأنفس ويحصل على درجة البكالوريوس، وبتقدير تراكمي يؤهله إلى أن ينافس على وظيفة عامل نظافة في أروقة الكلية منه إلى باحث علمي واعد.
ما الذي جاء به إلى الصفوف الأولى في تلك الحفلة وهي مخصصة للباحثين الذين يشاركون في المسابقة
سأل منير نفسه مندهشا وهو يتأمل نظر سمير له
نفس تلك التي كان يحدجه بها أيام كانا زملاء دفعة واحدة ثم سبق منير حتى الاقيا من جديد حين صار معيدا يدرس لسمير العملي الخاص بالمادة التي أدمن الرسوب فيها
نظرة يتمزج في الاحتقار والازدراء بالحقد والكراهية مع بعض الرتوش من السخرية والاستخفاف
مزيج متعجرف يختلط بشفقة لا تخرج إلا من موقن بعبقريته الخاصة التي لم يكتشفها بعد ذلكم العالم الغارق في الجهل والسطحية.
همس (الدكتور) سمير في أذن جاره في المقعد المجاور : كل هذا الكلام مجرد قشور لا تسمن ولا تغني من جوع.
منير هذا مدعي لا يفقه شيئا في الفيزياء
أعرفه منذ سنين وبحثه هذا الذي عرضه هو مجرد أضحوكة لا تقارن بنظريتي الفريدة حول "الأبعاد الكونية المتراقصة بفعل الموجات الكهرومغناطيسية وتأثيرها على الحالة المزاجية للحيوانات الأليفة" نظريتي هذه ستحدث انقلابًا حقيقيًا في مفاهيم الفيزياء الحديثة.
لكنهم، كما تعلم يا صديقي، يخشون العقول التي تسبق عصرها بسنوات ضوئية، يفضلون الدوران في فلك الأفكار البالية والميتة إكلينيكيًا
👍4❤2🤔1
كأفكار هذا المدعي... منير".
منير على المنصة لم يزل غارقا في عرقه الذي تضاعف حين لمح نظرات (الدكتور) سمير التي تشع "ثقة" تبدو نابعة من عمق فكري لا يضاهى
ازداد شعوره بالضآلة والانكشاف الوشيك.
تعالى الصوت من جديد
"حتى هذا الذي كان ينام في المحاضرات ويغش في الامتحانات، والذي لا يكاد يفرق بين النظرية النسبية ونظرية الانفجار العظيم
ها هو ينظر إليّ ويبدو كأنه يرى من خلال قناعي الهش!"
ابتسم (الدكتور) سمير بثقة أكبر حين لمح ارتباك منير الواضح وقلقه الظاهر والذي يتقاطر مع عرقه واعتبر ذلك دليلا دامغا على "هشاشة منطقه العلمي وتفاهة أطروحاته أمام عظمة فكره الكوني المستقبلي الذي سيسطر في كتب التاريخ".
قطع حبل الأفكار والنظرات تقدم عميد الكلية إلى موقعه بالمنصة في ختام الفعاليات ليلقي كلمته الختامية، مشيدًا بجهود الشباب الباحث، وملمحًا بعبارات ذات مغزى إلى أن الجائزة هذا العام ستذهب إلى عمل "يتميز بالأصالة والجرأة في طرح الأفكار الجديدة التي تتحدى المسلمات النمطية وأن اللجنة المنوطة بالتحكيم ستفاجأهم بالنتيجة الاي لم يعرفها هو نفسه بعد".
ارتفع معدل نبضات قلب منير حتى كاد أن يقفز من صدره بينما همسات الصوت في نفسه تتعالى لتصير صراخًا مدويًا.
أما (الدكتور) سمير فقد انتفخت أوداجه ثقة، واعتدل في جلسته، وكأنه يستعد لشيء مفروغ منه
ثم جاءت اللحظة الحاسمة. فتح العميد الظرف المختوم ببطء مسرحي، وساد صمت ترقب كثيف كاد يقطع الأنفاس.
اختفت الابتسامة من وجه العميد فجأة وهو يقرأ الاسم، عيناه تحملان نظرة غريبة
ربما هي أقرب لدهشة لم يستطع إخفاءها
ثم تكلم أخيرا
"والفائز بجائزة الإبداع العلمي الشاب لهذا العام... هو... الباحث... (الدكتور)... سـ...مـ... ير!!!"
قالها متقطعة متلعثمة كأن الكلمات لا تريد أن تخرج من فمه
للحظة، حبس الجميع أنفاسهم. هل قال "منير" أم "سمير"؟
تشابه النطق بين الاسمين، خاصة مع الإلقاء المسرحي للعميد الذي مدّ الحرف الأول، جعل البعض يظن أن الفوز ذهب للدكتور منير كما كان متوقعًا.
بل لقد ارتفعت بعض الهمسات: ألم أقل لكم؟ د. منير يستحقها طبعا!.... ماذا؟.... ليس هو؟ من إذا؟
سرعان ما تبدد هذا التردد والتلعثم عندما رفع (الدكتور) سمير رأسه شامخًا وبدأ في السير نحو المنصة قبل أن يكمل العميد بقية الاسم الثلاثي لقطع الشك باليقين.
هنا صمتت القاعة تماما إلا من صوت خطوات سمير ودقات قلب منير
لو أن نيزكًا سقط في منتصف القاعة لكان وقعه أقل إثارة للدهشة والصدمة.
استمر الصمت للحظات ثم تعالت الهمهمات و التمتمات غير المفهومة والمندهشة
وبشكل لا يصدق ولا يمت للمنطق بصلة، بدأ تصفيق متفرق، خجول ومتردد في البداية، ثم ازداد شيئا فشيئا، ربما من باب المجاملة أو الدبلوماسية بعد أن تأكد الجميع من هوية الفائز
أو ربما لأن كل مصفق أراد ألا يبدو وكأنه لم يفهم "عبقرية" الفائز "المتفردة" التي ألمح إليها العميد بكلمة "جرأة".
وقف (الدكتور) سمير، مزهوًا بنفسه، وكأنه الإمبراطور نابليون بونابرت يعتلي شرفة قصره ويتلقى أكاليل الغار والورود بعد انتصاره في معركة أوسترليتز
صعد إلى المنصة بخطوات واثقة ومتغطرسة، وتسلم الجائزة وسط وميض الكاميرات التي التقطت صورًا ستزين لاحقًا أغلفة المجلات العلمية تحت عنوان صارخ:
"نجم جديد يسطع في سماء الفيزياء ويثور على التقاليد البالية!".
ألقى سمير كلمة نارية، مليئة بالمصطلحات العلمية الرنانة المستخدمة في غير محلها والجمل الجوفاء التي لا معنى لها عن "كسر التابوهات وقيود التقليد المظلم" و"انتصار الفكر المتحرر"
لم يفهم أغلب الحاضرين شيئًا على الإطلاق، لكنهم صفقوا بحرارة مبالغ فيها، ربما إعجابًا بـثقته الواضحة التي لا تتزعزع
منير كان في عالم آخر
ظل جالسًا في مقعده لدقائق والعرق لم يزل يجري على جبينه ويعم بدنه كتمثال من ثلج بدأ يذوب تحت شمس الظهيرة الحارقة.
لم يعد يسمع شيئًا أو يرى شيئًا.
فوز (الدكتور) سمير، بهذا البحث الذي يعرفه منير جيدًا ويعلم أنه لا يرقى حتى لمستوى مقال في مجلة أطفال
بحث يتذكر منير أنه كان مليئا بالأخطاء الفادحة والتخاريف التي لا أساس لها،
كان فوز بحث كهذاكان بمثابة رصاصة الرحمة التي أنهت صراعه الداخلي الطويل.
لم يعد هناك أي مجال للشك.
إذا كان هذا هو معيار "الإبداع" و"الجرأة" الذي يُكافأ ويُحتفى به، فهو بالفعل لا ينتمي إلى هذا العالم.
هو ليس مجرد محتال كما يؤكد الصوت الداخلي ويُكذبه عصام الطبيب النفسي
هو في الحقيقة أحمق أيضا لأنه لم يدرك هذه الحقيقة المؤلمة مبكرًا.
لم ينتظر نهاية هذا الحفل العبثي.
انسحب بهدوء، كشبح يتبدد في الضوء الخافت.
منير على المنصة لم يزل غارقا في عرقه الذي تضاعف حين لمح نظرات (الدكتور) سمير التي تشع "ثقة" تبدو نابعة من عمق فكري لا يضاهى
ازداد شعوره بالضآلة والانكشاف الوشيك.
تعالى الصوت من جديد
"حتى هذا الذي كان ينام في المحاضرات ويغش في الامتحانات، والذي لا يكاد يفرق بين النظرية النسبية ونظرية الانفجار العظيم
ها هو ينظر إليّ ويبدو كأنه يرى من خلال قناعي الهش!"
ابتسم (الدكتور) سمير بثقة أكبر حين لمح ارتباك منير الواضح وقلقه الظاهر والذي يتقاطر مع عرقه واعتبر ذلك دليلا دامغا على "هشاشة منطقه العلمي وتفاهة أطروحاته أمام عظمة فكره الكوني المستقبلي الذي سيسطر في كتب التاريخ".
قطع حبل الأفكار والنظرات تقدم عميد الكلية إلى موقعه بالمنصة في ختام الفعاليات ليلقي كلمته الختامية، مشيدًا بجهود الشباب الباحث، وملمحًا بعبارات ذات مغزى إلى أن الجائزة هذا العام ستذهب إلى عمل "يتميز بالأصالة والجرأة في طرح الأفكار الجديدة التي تتحدى المسلمات النمطية وأن اللجنة المنوطة بالتحكيم ستفاجأهم بالنتيجة الاي لم يعرفها هو نفسه بعد".
ارتفع معدل نبضات قلب منير حتى كاد أن يقفز من صدره بينما همسات الصوت في نفسه تتعالى لتصير صراخًا مدويًا.
أما (الدكتور) سمير فقد انتفخت أوداجه ثقة، واعتدل في جلسته، وكأنه يستعد لشيء مفروغ منه
ثم جاءت اللحظة الحاسمة. فتح العميد الظرف المختوم ببطء مسرحي، وساد صمت ترقب كثيف كاد يقطع الأنفاس.
اختفت الابتسامة من وجه العميد فجأة وهو يقرأ الاسم، عيناه تحملان نظرة غريبة
ربما هي أقرب لدهشة لم يستطع إخفاءها
ثم تكلم أخيرا
"والفائز بجائزة الإبداع العلمي الشاب لهذا العام... هو... الباحث... (الدكتور)... سـ...مـ... ير!!!"
قالها متقطعة متلعثمة كأن الكلمات لا تريد أن تخرج من فمه
للحظة، حبس الجميع أنفاسهم. هل قال "منير" أم "سمير"؟
تشابه النطق بين الاسمين، خاصة مع الإلقاء المسرحي للعميد الذي مدّ الحرف الأول، جعل البعض يظن أن الفوز ذهب للدكتور منير كما كان متوقعًا.
بل لقد ارتفعت بعض الهمسات: ألم أقل لكم؟ د. منير يستحقها طبعا!.... ماذا؟.... ليس هو؟ من إذا؟
سرعان ما تبدد هذا التردد والتلعثم عندما رفع (الدكتور) سمير رأسه شامخًا وبدأ في السير نحو المنصة قبل أن يكمل العميد بقية الاسم الثلاثي لقطع الشك باليقين.
هنا صمتت القاعة تماما إلا من صوت خطوات سمير ودقات قلب منير
لو أن نيزكًا سقط في منتصف القاعة لكان وقعه أقل إثارة للدهشة والصدمة.
استمر الصمت للحظات ثم تعالت الهمهمات و التمتمات غير المفهومة والمندهشة
وبشكل لا يصدق ولا يمت للمنطق بصلة، بدأ تصفيق متفرق، خجول ومتردد في البداية، ثم ازداد شيئا فشيئا، ربما من باب المجاملة أو الدبلوماسية بعد أن تأكد الجميع من هوية الفائز
أو ربما لأن كل مصفق أراد ألا يبدو وكأنه لم يفهم "عبقرية" الفائز "المتفردة" التي ألمح إليها العميد بكلمة "جرأة".
وقف (الدكتور) سمير، مزهوًا بنفسه، وكأنه الإمبراطور نابليون بونابرت يعتلي شرفة قصره ويتلقى أكاليل الغار والورود بعد انتصاره في معركة أوسترليتز
صعد إلى المنصة بخطوات واثقة ومتغطرسة، وتسلم الجائزة وسط وميض الكاميرات التي التقطت صورًا ستزين لاحقًا أغلفة المجلات العلمية تحت عنوان صارخ:
"نجم جديد يسطع في سماء الفيزياء ويثور على التقاليد البالية!".
ألقى سمير كلمة نارية، مليئة بالمصطلحات العلمية الرنانة المستخدمة في غير محلها والجمل الجوفاء التي لا معنى لها عن "كسر التابوهات وقيود التقليد المظلم" و"انتصار الفكر المتحرر"
لم يفهم أغلب الحاضرين شيئًا على الإطلاق، لكنهم صفقوا بحرارة مبالغ فيها، ربما إعجابًا بـثقته الواضحة التي لا تتزعزع
منير كان في عالم آخر
ظل جالسًا في مقعده لدقائق والعرق لم يزل يجري على جبينه ويعم بدنه كتمثال من ثلج بدأ يذوب تحت شمس الظهيرة الحارقة.
لم يعد يسمع شيئًا أو يرى شيئًا.
فوز (الدكتور) سمير، بهذا البحث الذي يعرفه منير جيدًا ويعلم أنه لا يرقى حتى لمستوى مقال في مجلة أطفال
بحث يتذكر منير أنه كان مليئا بالأخطاء الفادحة والتخاريف التي لا أساس لها،
كان فوز بحث كهذاكان بمثابة رصاصة الرحمة التي أنهت صراعه الداخلي الطويل.
لم يعد هناك أي مجال للشك.
إذا كان هذا هو معيار "الإبداع" و"الجرأة" الذي يُكافأ ويُحتفى به، فهو بالفعل لا ينتمي إلى هذا العالم.
هو ليس مجرد محتال كما يؤكد الصوت الداخلي ويُكذبه عصام الطبيب النفسي
هو في الحقيقة أحمق أيضا لأنه لم يدرك هذه الحقيقة المؤلمة مبكرًا.
لم ينتظر نهاية هذا الحفل العبثي.
انسحب بهدوء، كشبح يتبدد في الضوء الخافت.
👍4❤3
في الأيام التالية، تحولت حياة منير تماما صوته الداخلي أصبح هو الصوت الوحيد الذي يسمعه.
في تلك الليلة، لم يمزق منير أوراقه البحثية التي أفنى فيها زهرة شبابه.
فقط وضعها بعناية وترتيب في صندوق خشبي قديم، وأغلقه بإحكام.
فكر مبتسما ومرارة تملأ حلقه: سيأتي يوم تحتاج فيه متاحف التاريخ الطبيعي إلى نموذج لـ"عالم مجتهد لكنه شديد السذاجة".
قرر أن يترك الجامعة
ذلك المكان الذي كان يعشقه رغم راتبه الهزيل الذي كان بالكاد يكفي لسد رمقه، لكن شغفه بالبحث العلمي كان هو الوقود الذي يدفعه للتحمل والاستمرار.
الآن، انطفأ هذا الوقود.
ما الذي يجبره الآن أن يظل في مكان لا ينتمي إليه؟
المشكلة أن تخصصه النظري وشهادته الرفيعة ظهر أنها لا تحمل أي قيمة فيما يسمونه سوق العمل
ذلك الذي لا يعترف إلا بلغة الأرقام والمكاسب السريعة.
حسنا... فليبحث عن مهنة بسيطة
لا بأس..
المهم أن تكون بعيدة عن الأضواء والجوائز الخادعة
مهنة لا يطارده فيها شبح "المحتال" اللعين، ولا يسخر من جهده المضني فيها "عباقرة" حصلوا على الدكتوراه الخاصة بهم من أفضل مقهى يقدم مشروب السحلب في المدينة.
حسنا هو يمتلك سيارة صغيرة لم يزل يسدد أقساطها
التحق بأحد تطبيقات المواصلات الخاصة وبدأ العمل الجديد الذي أقنعه الصوت أنه الأنسب له
ها هو يتنقل بين شوارع المدينة المزدحمة، يحمل غرباء لا يعرفونه، ويستمع إلى أحاديثهم بصبر، بينما عقله يعج بمعادلات لم تعد ذات جدوى، وأفكار لم يعد هناك من يقدرها.
على جدار مكتب (الدكتور) سمير الجديد والفاخر، الذي حصل عليه كجزء من مكافأة عبقريته الفذة التي سبقت عصرها عُلقت صورة ضخمة له وهو يتسلم الجائزة بفخر، وتحتها عبارة منقوشة بخط ذهبي براق: "حيث تنتهي حدود فهمهم الضيق، تبدأ عبقريتي".
لم يعلم أحد، بمن فيهم (الدكتور) سمير نفسه بطبيعة الحال، أن لجنة التحكيم، في محضر اجتماعها السري الذي تم تسريبه لاحقًا عن طريق عامل نظافة فضولي، كتبت توصية عاجلة بإعادة النظر جذريًا في معايير الجائزة للعام القادم، بعد أن اكتشفوا، متأخرين جدًا، وبفضل مراجعة خارجية طلبها أحد الأعضاء الذي لم يستطع النوم ليلتها، أن "الجرأة" التي كافأوها لم تكن سوى جهل مطبق وسطحية لا حدود لها،
وأن "البحث" الذي أشادوا به لم يكن إلا خليطًا من الهراء المنمق والادعاءات الفارغة.
لكن، من يهتم بهذه التفاصيل الصغيرة والهوامش المنسية التي لن تظهر إلى جوار بريق اللقب الجديد ولمعة الخط الذهبي المنمق التي كتبت به العبارة الرنانة
عبارة (الدكتور) سمير
في تلك الليلة، لم يمزق منير أوراقه البحثية التي أفنى فيها زهرة شبابه.
فقط وضعها بعناية وترتيب في صندوق خشبي قديم، وأغلقه بإحكام.
فكر مبتسما ومرارة تملأ حلقه: سيأتي يوم تحتاج فيه متاحف التاريخ الطبيعي إلى نموذج لـ"عالم مجتهد لكنه شديد السذاجة".
قرر أن يترك الجامعة
ذلك المكان الذي كان يعشقه رغم راتبه الهزيل الذي كان بالكاد يكفي لسد رمقه، لكن شغفه بالبحث العلمي كان هو الوقود الذي يدفعه للتحمل والاستمرار.
الآن، انطفأ هذا الوقود.
ما الذي يجبره الآن أن يظل في مكان لا ينتمي إليه؟
المشكلة أن تخصصه النظري وشهادته الرفيعة ظهر أنها لا تحمل أي قيمة فيما يسمونه سوق العمل
ذلك الذي لا يعترف إلا بلغة الأرقام والمكاسب السريعة.
حسنا... فليبحث عن مهنة بسيطة
لا بأس..
المهم أن تكون بعيدة عن الأضواء والجوائز الخادعة
مهنة لا يطارده فيها شبح "المحتال" اللعين، ولا يسخر من جهده المضني فيها "عباقرة" حصلوا على الدكتوراه الخاصة بهم من أفضل مقهى يقدم مشروب السحلب في المدينة.
حسنا هو يمتلك سيارة صغيرة لم يزل يسدد أقساطها
التحق بأحد تطبيقات المواصلات الخاصة وبدأ العمل الجديد الذي أقنعه الصوت أنه الأنسب له
ها هو يتنقل بين شوارع المدينة المزدحمة، يحمل غرباء لا يعرفونه، ويستمع إلى أحاديثهم بصبر، بينما عقله يعج بمعادلات لم تعد ذات جدوى، وأفكار لم يعد هناك من يقدرها.
على جدار مكتب (الدكتور) سمير الجديد والفاخر، الذي حصل عليه كجزء من مكافأة عبقريته الفذة التي سبقت عصرها عُلقت صورة ضخمة له وهو يتسلم الجائزة بفخر، وتحتها عبارة منقوشة بخط ذهبي براق: "حيث تنتهي حدود فهمهم الضيق، تبدأ عبقريتي".
لم يعلم أحد، بمن فيهم (الدكتور) سمير نفسه بطبيعة الحال، أن لجنة التحكيم، في محضر اجتماعها السري الذي تم تسريبه لاحقًا عن طريق عامل نظافة فضولي، كتبت توصية عاجلة بإعادة النظر جذريًا في معايير الجائزة للعام القادم، بعد أن اكتشفوا، متأخرين جدًا، وبفضل مراجعة خارجية طلبها أحد الأعضاء الذي لم يستطع النوم ليلتها، أن "الجرأة" التي كافأوها لم تكن سوى جهل مطبق وسطحية لا حدود لها،
وأن "البحث" الذي أشادوا به لم يكن إلا خليطًا من الهراء المنمق والادعاءات الفارغة.
لكن، من يهتم بهذه التفاصيل الصغيرة والهوامش المنسية التي لن تظهر إلى جوار بريق اللقب الجديد ولمعة الخط الذهبي المنمق التي كتبت به العبارة الرنانة
عبارة (الدكتور) سمير
👍9😢4❤3
تتشابكُ في وجهك الدروبُ
وتُثقلُ كاهلَكَ الهموم
تشعرُ بأنكَ تسيرُ وحيداً في صحراءَ مُوحشة لا أحدَ يرى حالك أو يسمعُ أنينَ قلبكَ
هنا عليك أن تتوقفْ للحظة وتصغِي لنداءٍ سماويٍّ يترددُ الأرجاء
نداء يحملُ في طياته دفءَ العنايةِ وسكينةَ الطمأنينة
همسُ يسري لقلبكَ المُتعب
" فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُ"
تلك الكلمةُ التي تبدو بسيطة لأول وهلة لكنها حين تستقرُّ في أعماقِ الروح تُحدثُ فيها تغيرات عجيبة
الله يعلم..
قد تظنُّ للوهلةِ الأولى حين يتبادر الحديث عن علمهُ سبحانه أن السياق مقتصر على تجليات اسمه الرقيب الذي يحاسب المذنب حساب عليم لا تخفى عليه خافيةٌ من تقصير أو تعدي
وهذا حقٌّ لا شك فيه وهو ما يدفع المؤمن للحذرِ والخشية والمراقبة
"وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ"
فأنعم بها من رقابة تُهذبُ النفسَ وتُقومُ المسار
لكن ثمة معنى مختلف للعلم الإلهي يضفي على النفس شيئا آخر تحتاج إليه في صحراء الحياة
"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"
تلك الطمأنة القرآنية التي لا أعلم ما هو أجلب للسكينة منها
أن يستشعر العبد رعاية الله وحفظه
أن يرنو بقلبه إلى السماء وهو يعلم أن مولاه يسمع ويرى
أن يملأ نفسه إحساس مختلف بعلم الله ورقابته
رقابة ذات سياق مغاير للرقابة الحسابية عند المعصية والتجاوز
رقابة العناية والحفظ واللطف والحنو
تلك التي طمأن الله بها أم موسى حين أمرها: "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ..
عدوه يتلقاه؟
مترصده يلقاه؟
نعم... لكن ماذا يضيره في ذلك وهو يصنع على عين الله وبحفظه ورعايته يتولاه
" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي"
تأمل عظم المعنى
وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي
هل يؤذيه عدو حينئذ أو يتخطفه موج؟
إن موجا كالجبال وطوفان هادر = لم يضرا بعض الألواح والمسامير التي حُمل عليها نوح ومن معه
"وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ"
لكن السر لم يك في الألواح والدسر
كان في رقابة الحفظ و العناية والرعاية
"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ"
إنها كما قلت رقابة مختلفة
رقابة لطيفة يستشعرها من يخلو بليل مظلم يضيئه بالقربى
بصلاة قيام واستغفار أسحار
حينئذ يستشعر قول مولاه
" الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ"
عندها يكون الصبر مختلفا وبقلب آخر
قلب يستظل في واحات الرعايةِ والحنان ويلحظ اللطفِ الذي يسري في أقدارِنا كالنّسيمِ العليل
حين تدرك أن علمه بكَ ليس فقط ليُحصي عليكَ زلاتِكَ
بل هو أيضاً ليُقدّرَ ضعفَكَ البشريّ
ليُلاحظَ دمعتكَ الصامتةَ في جوفِ الليل
ليسمعَ مناجاتِكَ الخافتةَ التي لا تبوحُ بها لأحد
ليرى صدقتكَ الخفيةَ التي أخفيتَها عن عيونِ الناس
ليعلمَ مجاهدتك الداخلية مع نفسِكَ الأمارةِ بالسوء
حين شقَّ على الصحابةِ في أول الأمر شأن الصيامِ في بداياته وحين استسلمت بعض النفوسِ لضعفها البشريّ؛ لم يأتِ العتابُ قاسياً بل جاءَ العلمُ الإلهي مُقدِّراً لذلك الضعف ومُخفِّفاً لما يبدو من شدة الحكم
وأثناء ذلك التخفيف بُث ذلك المعنى الذي تذوب له النفس شوقا
"عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ "
تأمل الكلمة.. "عَلِمَ ٱللَّهُ "
علِمَ ضعفكم
علِمَ مشقة الأمر عليكم
علِمَ كل ما أصابكم وأدى لذلك الوصف الذي لأول وهلة يستوجب عقوبة
"تختانون"
لكن مع هذا العلم كانت النتيجة مختلفة
"فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْۖ"
العلم هنا إذا لم يكن فقط للحساب
بل كان سبباً للتوبة والعفو والتيسير..
وكأن علمه بضعفنا هو بحد ذاته رحمةٌ تُخفف عنا وتفتح لنا أبواب المغفرة
ذلك اللطف نفسه يتجلى في أمور القلب الخفية..
تلك المشاعر التي قد تتسلل إلى النفس دون قصدٍ أو رغبةٍ صريحة في شأن خِطبة النساء المُعتدّات..
في سورة البقرة وفي سياق إباحة التلميح بطلب الزواج دون التصريح مع النهي عن المواعدة السرية ثم يُعقّب بكلماتٍ تكشف علمه بما وراء الكلمات
"عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا..."
علِمَ الله ما قد يجيش في صدوركم من ميلٍ ورغبة..
علِمَ أنكم بشرٌ تضعفون أمام الذكرى والحنين فلم يُعنّفكم على هذا الميل القلبي بل وجّهكم وضبط سلوككم الظاهري
مرة أخرى علمه بما في النفس لم يكن مدعاةً للعقاب بل مدعاةً للتوجيه والرحمة والتنبيه
وتُثقلُ كاهلَكَ الهموم
تشعرُ بأنكَ تسيرُ وحيداً في صحراءَ مُوحشة لا أحدَ يرى حالك أو يسمعُ أنينَ قلبكَ
هنا عليك أن تتوقفْ للحظة وتصغِي لنداءٍ سماويٍّ يترددُ الأرجاء
نداء يحملُ في طياته دفءَ العنايةِ وسكينةَ الطمأنينة
همسُ يسري لقلبكَ المُتعب
" فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُ"
تلك الكلمةُ التي تبدو بسيطة لأول وهلة لكنها حين تستقرُّ في أعماقِ الروح تُحدثُ فيها تغيرات عجيبة
الله يعلم..
قد تظنُّ للوهلةِ الأولى حين يتبادر الحديث عن علمهُ سبحانه أن السياق مقتصر على تجليات اسمه الرقيب الذي يحاسب المذنب حساب عليم لا تخفى عليه خافيةٌ من تقصير أو تعدي
وهذا حقٌّ لا شك فيه وهو ما يدفع المؤمن للحذرِ والخشية والمراقبة
"وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ"
فأنعم بها من رقابة تُهذبُ النفسَ وتُقومُ المسار
لكن ثمة معنى مختلف للعلم الإلهي يضفي على النفس شيئا آخر تحتاج إليه في صحراء الحياة
"وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"
تلك الطمأنة القرآنية التي لا أعلم ما هو أجلب للسكينة منها
أن يستشعر العبد رعاية الله وحفظه
أن يرنو بقلبه إلى السماء وهو يعلم أن مولاه يسمع ويرى
أن يملأ نفسه إحساس مختلف بعلم الله ورقابته
رقابة ذات سياق مغاير للرقابة الحسابية عند المعصية والتجاوز
رقابة العناية والحفظ واللطف والحنو
تلك التي طمأن الله بها أم موسى حين أمرها: "أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ..
عدوه يتلقاه؟
مترصده يلقاه؟
نعم... لكن ماذا يضيره في ذلك وهو يصنع على عين الله وبحفظه ورعايته يتولاه
" وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي"
تأمل عظم المعنى
وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي
هل يؤذيه عدو حينئذ أو يتخطفه موج؟
إن موجا كالجبال وطوفان هادر = لم يضرا بعض الألواح والمسامير التي حُمل عليها نوح ومن معه
"وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ"
لكن السر لم يك في الألواح والدسر
كان في رقابة الحفظ و العناية والرعاية
"تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ"
إنها كما قلت رقابة مختلفة
رقابة لطيفة يستشعرها من يخلو بليل مظلم يضيئه بالقربى
بصلاة قيام واستغفار أسحار
حينئذ يستشعر قول مولاه
" الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ"
عندها يكون الصبر مختلفا وبقلب آخر
قلب يستظل في واحات الرعايةِ والحنان ويلحظ اللطفِ الذي يسري في أقدارِنا كالنّسيمِ العليل
حين تدرك أن علمه بكَ ليس فقط ليُحصي عليكَ زلاتِكَ
بل هو أيضاً ليُقدّرَ ضعفَكَ البشريّ
ليُلاحظَ دمعتكَ الصامتةَ في جوفِ الليل
ليسمعَ مناجاتِكَ الخافتةَ التي لا تبوحُ بها لأحد
ليرى صدقتكَ الخفيةَ التي أخفيتَها عن عيونِ الناس
ليعلمَ مجاهدتك الداخلية مع نفسِكَ الأمارةِ بالسوء
حين شقَّ على الصحابةِ في أول الأمر شأن الصيامِ في بداياته وحين استسلمت بعض النفوسِ لضعفها البشريّ؛ لم يأتِ العتابُ قاسياً بل جاءَ العلمُ الإلهي مُقدِّراً لذلك الضعف ومُخفِّفاً لما يبدو من شدة الحكم
وأثناء ذلك التخفيف بُث ذلك المعنى الذي تذوب له النفس شوقا
"عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ "
تأمل الكلمة.. "عَلِمَ ٱللَّهُ "
علِمَ ضعفكم
علِمَ مشقة الأمر عليكم
علِمَ كل ما أصابكم وأدى لذلك الوصف الذي لأول وهلة يستوجب عقوبة
"تختانون"
لكن مع هذا العلم كانت النتيجة مختلفة
"فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْۖ"
العلم هنا إذا لم يكن فقط للحساب
بل كان سبباً للتوبة والعفو والتيسير..
وكأن علمه بضعفنا هو بحد ذاته رحمةٌ تُخفف عنا وتفتح لنا أبواب المغفرة
ذلك اللطف نفسه يتجلى في أمور القلب الخفية..
تلك المشاعر التي قد تتسلل إلى النفس دون قصدٍ أو رغبةٍ صريحة في شأن خِطبة النساء المُعتدّات..
في سورة البقرة وفي سياق إباحة التلميح بطلب الزواج دون التصريح مع النهي عن المواعدة السرية ثم يُعقّب بكلماتٍ تكشف علمه بما وراء الكلمات
"عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا..."
علِمَ الله ما قد يجيش في صدوركم من ميلٍ ورغبة..
علِمَ أنكم بشرٌ تضعفون أمام الذكرى والحنين فلم يُعنّفكم على هذا الميل القلبي بل وجّهكم وضبط سلوككم الظاهري
مرة أخرى علمه بما في النفس لم يكن مدعاةً للعقاب بل مدعاةً للتوجيه والرحمة والتنبيه
❤7👍3
ويا لروعةِ المواساةِ الربانيةِ لقلبِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم وهو يتألمُ من تكذيب قومهِ وسخريتهم؛ كيف تأتي الكلماتُ كبلسمٍ شافٍ
"وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ"
يا لهامن كلمة
"نَعْلَمُ"
كلمة تحمل تربيتا وطمأنة لا مثيل لها
وكأن الرسالة الحانية: أنا أعلم ما يُحزنك
أعلم هذا الضيق الذي يعتصر صدرك
أدرك ألمك
أرى دمعتك التي تخفيها
لستَ وحدك
أنا معك
أعلمُ وأسمع وأرى
بعد ذلك يأتي تأتي المداواة السماويّة وسبيل الشفاء الرباني
"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"
تلمس هنا سياق علم آخر تستشعره في الدنيا مع الطبيبِ الرحيمِ الذي يُشخّصُ الداءَ ويصفُ الدواءَ بلطفٍ وحنان وهذا مخلوق رحمته مهما عظمت جزء من رحمة واحدة جعلها الله في ارضه يتراحم بها الخلق
فكيف برحمته هو وله المثل الأعلى
في سورة المزمل أيضا يبرز ذات المعنى
حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُطيلون القيام في الليل حتى تتورم أقدامهم ويشقّ عليهم ذلك
هنا يطمئنهم الله نفس الطمأنة
إنه يعلم
" إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"
ثلاث مراتٍ تتكرر في الآية لفظة "عَلِمَ"
علِمَ مشقتكم في إحصاء الوقت بدقة
وعلِمَ ضعفكم البشري الذي قد يعتريه المرض أو الانشغال بالسعي في الأرض أو الجـ.hـ.اد
في سبيله فماذا كانت نتيجة هذا العلم؟
مرة أخرى التخفيف والتيسير والرحمة
"فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ"
إنه علم العناية الذي يُراعي الحال ويُقدّر الظرف ويُخفف التكليف رحمةً بالعباد
حتى في أمور الإنفاق والصدقات ذلك البذل الذي قد نستصعبه أو نخشى عواقبه على دنيانا يُطمئننا الله بعلمه الشامل الذي لا يضيع عنده أجر المحسنين
"وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ..."
هكذا بوضوح
لا تخف أيها المنفق
أنفقْ في سبيلي
ابذلْ ما تستطيع فإن ما تُقدمه اليوم مهما كان صغيراً في عينك هو معلومٌ عندي محفوظٌ في سجلات ملائكتي؛ وسأُجزيك عليه أضعافاً مضاعفة
ببساطة؛ علمه بإنفاقك هو ضمانٌ لجزائك.
حتى لو لم تلمس نتيجة دنيوية عاجلة
هل تذكر هذا الإحباط الذي تشعر به أحيانا حين لا تشهد ثمرة أعمالك عاجلا
ذلك الإحساس بانعدام الجدوى الذي تجده حين تقابل أفعالك بالجحود فضلا عن قلة الشكر أو انعدامه
عندئذ قد تظن لوهلة أن كل سعيك أو جله قد ذهب هباءً تذروه رياح النكران
لكن إحباطك هذا سيتبدد وينقلب إلى حسن ظن ورغبة وأمل حين تتذكر أن سعيك إن كان خالصا صادقا = لم يتبخر ولم يضع بغض النظر عن النتائج
سعيك سوف يُرى
وسوف تُجزى به
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ
إن من فضل الله عليك أنه لم يتعبدك بالنتائج ولكن بالعمل..
وإن منتهى أمل شيطانك أن يقعدك عن ذلك الذي تعبدك به ربك وأن يمنعك منه..
وهو في سبيل ذلك يبرز لك أي نقص في نتائج ذلك العمل ويظهر لك فشل عاجل مآلاته ثم يخوِّفك من الاستمرار فيه أو يعدك بمزيد من الفقر إن أنت عصيته وأطعت ربك...
وعملت..
ربك الذي يقول "وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ"
تأمل..
سيرى ماذا؟
عملك
بذلك
سعيك وجهدك
"وأن سعيه سوف يُرى"
وهذا ما سينبئك به حين تُرد إليه
"وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"
حتى في ساحات الوغى حيث تشتدّ الخطوب وتُصبح النفوس في أمسّ الحاجة للتثبيت يأتي علم الله ليُخفف عن المؤمنين ويربط على قلوبهم وبعد أن أمرهم بالصبر والثبات في مواجهة العدو حتى وإن كان عددهم عشرة أضعاف عددكم = عاد ليُخفف عنهم في سورة الأنفال قائلاً: "ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ..."
"وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ"
يا لهامن كلمة
"نَعْلَمُ"
كلمة تحمل تربيتا وطمأنة لا مثيل لها
وكأن الرسالة الحانية: أنا أعلم ما يُحزنك
أعلم هذا الضيق الذي يعتصر صدرك
أدرك ألمك
أرى دمعتك التي تخفيها
لستَ وحدك
أنا معك
أعلمُ وأسمع وأرى
بعد ذلك يأتي تأتي المداواة السماويّة وسبيل الشفاء الرباني
"فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ"
تلمس هنا سياق علم آخر تستشعره في الدنيا مع الطبيبِ الرحيمِ الذي يُشخّصُ الداءَ ويصفُ الدواءَ بلطفٍ وحنان وهذا مخلوق رحمته مهما عظمت جزء من رحمة واحدة جعلها الله في ارضه يتراحم بها الخلق
فكيف برحمته هو وله المثل الأعلى
في سورة المزمل أيضا يبرز ذات المعنى
حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُطيلون القيام في الليل حتى تتورم أقدامهم ويشقّ عليهم ذلك
هنا يطمئنهم الله نفس الطمأنة
إنه يعلم
" إِنَّ رَبَّكَ یَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَیِ ٱلَّیۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَاۤىِٕفَةࣱ مِّنَ ٱلَّذِینَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ یُقَدِّرُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَیَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ یَضۡرِبُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ یَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنࣰاۚ وَمَا تُقَدِّمُوا۟ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَیۡرࣰا وَأَعۡظَمَ أَجۡرࣰاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمُۢ"
ثلاث مراتٍ تتكرر في الآية لفظة "عَلِمَ"
علِمَ مشقتكم في إحصاء الوقت بدقة
وعلِمَ ضعفكم البشري الذي قد يعتريه المرض أو الانشغال بالسعي في الأرض أو الجـ.hـ.اد
في سبيله فماذا كانت نتيجة هذا العلم؟
مرة أخرى التخفيف والتيسير والرحمة
"فَٱقۡرَءُوا۟ مَا تَیَسَّرَ مِنۡهُۚ"
إنه علم العناية الذي يُراعي الحال ويُقدّر الظرف ويُخفف التكليف رحمةً بالعباد
حتى في أمور الإنفاق والصدقات ذلك البذل الذي قد نستصعبه أو نخشى عواقبه على دنيانا يُطمئننا الله بعلمه الشامل الذي لا يضيع عنده أجر المحسنين
"وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ..."
هكذا بوضوح
لا تخف أيها المنفق
أنفقْ في سبيلي
ابذلْ ما تستطيع فإن ما تُقدمه اليوم مهما كان صغيراً في عينك هو معلومٌ عندي محفوظٌ في سجلات ملائكتي؛ وسأُجزيك عليه أضعافاً مضاعفة
ببساطة؛ علمه بإنفاقك هو ضمانٌ لجزائك.
حتى لو لم تلمس نتيجة دنيوية عاجلة
هل تذكر هذا الإحباط الذي تشعر به أحيانا حين لا تشهد ثمرة أعمالك عاجلا
ذلك الإحساس بانعدام الجدوى الذي تجده حين تقابل أفعالك بالجحود فضلا عن قلة الشكر أو انعدامه
عندئذ قد تظن لوهلة أن كل سعيك أو جله قد ذهب هباءً تذروه رياح النكران
لكن إحباطك هذا سيتبدد وينقلب إلى حسن ظن ورغبة وأمل حين تتذكر أن سعيك إن كان خالصا صادقا = لم يتبخر ولم يضع بغض النظر عن النتائج
سعيك سوف يُرى
وسوف تُجزى به
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ
إن من فضل الله عليك أنه لم يتعبدك بالنتائج ولكن بالعمل..
وإن منتهى أمل شيطانك أن يقعدك عن ذلك الذي تعبدك به ربك وأن يمنعك منه..
وهو في سبيل ذلك يبرز لك أي نقص في نتائج ذلك العمل ويظهر لك فشل عاجل مآلاته ثم يخوِّفك من الاستمرار فيه أو يعدك بمزيد من الفقر إن أنت عصيته وأطعت ربك...
وعملت..
ربك الذي يقول "وَقُلِ ٱعۡمَلُوا۟ فَسَیَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ"
تأمل..
سيرى ماذا؟
عملك
بذلك
سعيك وجهدك
"وأن سعيه سوف يُرى"
وهذا ما سينبئك به حين تُرد إليه
"وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"
حتى في ساحات الوغى حيث تشتدّ الخطوب وتُصبح النفوس في أمسّ الحاجة للتثبيت يأتي علم الله ليُخفف عن المؤمنين ويربط على قلوبهم وبعد أن أمرهم بالصبر والثبات في مواجهة العدو حتى وإن كان عددهم عشرة أضعاف عددكم = عاد ليُخفف عنهم في سورة الأنفال قائلاً: "ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ..."
❤5👍1