.
(تواضع العلماء)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي مصنف ابن أبي شيبة ورواه النسائي في الكبرى عن ﻋﺎﺋﺸﺔ انها ﻗﺎﻟﺖ: "ﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﺪﻋﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ اﻟﺘﻮاﺿﻊ".
(ابن أبي شيبة، برقم ٣٤٧٣٩، النسائي في الكبرى، برقم ١١٨٥٢).
وأولى الناس بهذا الخلق الشريف أهل العلم والدعوة والإصلاح، وقد روى البيهقي في المدخل عن عمر ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ قال: "ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﺗﻌﻠﻤﻮا ﻟﻠﻌﻠﻢ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭاﻟﺤﻠﻢ، ﻭﺗﻮاﺿﻌﻮا ﻟﻤﻦ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ، ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻣﻦ ﺟﺒﺎﺭﻱ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻼ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻤﻜﻢ ﻣﻊ ﺟﻬﻠﻜﻢ"!
(المدخل ٥٣٩).
وفي مصنف ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺃﻳﻮﺏ السختياني، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ اﻟﺘﺮاﺏ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ تواضعًا ﻟﻠﻪ!
(مصنف ابن أبي شيبة، برقم ٣٥٦٨٤)
وقد جاء مثل ذلك عن حماد بن زيد.
(الجامع للخطيب ١/ ٣٥١)
ولاشك أن وضع التراب على الرأس ليس من السنة، ولم تأت به أدلة الشرع، ولكن تأمل أصل الأمر عند هذا الإمام الصالح أيوب السختياني، فإنه نظر إلى شأن العالم، وما منَ الله به على العالم من منة العلم، وما ينبغي أن يقابل العالم هذه النعمة! وأن من تمام ذلك عنده -رحمه الله- أن يدفع عن نفسه رعونة الفخر بالعلم حتى يضع التراب على رأسه!
والتواضع من أبواب الحكمة، قال سفيان: "ﻛﺎﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﻘﻮﻝ:
ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ المتواضعين ﺑﻴﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻻ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮﻳﻦ"!
(تاريخ جرجان ٢١٦)
ومن أعظم أنواع التواضع غمط النفس ولو في اختصاصها العملي والعلمي إذا وجد المقتضى! فإن من فُتح له في علم حُبّبَ له أن يراه أفضل علم وأشرف عبادة!
وقد قال ابن مجاهد: كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال: يا أبا بكر، اشتغل أهل القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو؛ فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة! فانصرفت من عنده تلك الليلة، فرأيت النبي ﷺ في المنام، فقال: "أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل"!
(تاريخ بغداد ٦/ ٤٤٨)
قال أبو عبد الله الروذباري: أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، أو أنه أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه.
ومن عظيم ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم من التواضع؛ أنهم كانوا لا يمتنعون أن يأخذ أحدهم العلم عن طلابه!
ولذا كتب المحدثون في علوم الحديث في كتابة الشيخ عن تلميذه، وصار ذلك فرعًا من فروع علوم الحديث، يؤلفون فيه وينبهون عليه، ويسمونه: رواية الأكابر عن الأصاغر، ومنه رواية الآباء عن الأبناء.
والتلطف بالطالب، والتواضع له من خصال العالم الصالح، وقد ذكر محمد بن بشر العكري أنه حضر عند المزني فجاء رجل فقبل رأسه، فأخذ المزني يد الرجل فقبلها!
(الجامع للخطيب ١/ ٣٥١)
ولطالما كان شيخنا العلّامة عبد الله بن جبرين إذا أراد أحد أن يقبّل رأسه تمنّع، فإن غلبه أحد على ذلك، سارع هو لتقبيل رأس الطالب!
وكان مالك على سلطنته في العلم يتواضع لطلابه وأصحابه، فلما قدم عليه ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ -ﻓﻘﻴﻪ اﻟﻘﻴﺮﻭاﻥ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ- واﺗﺎﻩ ﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻐﺮﺏ ﺑﻤﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎﺕ ﻓﻘﺮﺋﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻣﺎﻟﻚ: ﺃﺟﺒﻬﻢ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﻬﻢ ﺃﻫﻞ ﺑﻠﺪﻙ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ: ﺑﺤﻀﺮﺗﻚ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ! ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻴﻚ!
وابن فروخ فقد كان له مقام زكيّ في هذا، وكان يجهد ألا تظهر في النّاس منزلته، ولا يشتهر فيهم جاهه، وقد ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ يسارعون لصحبته ﻭﻳﺠﻠﺴﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺇﺫا ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺩاﺭﻩ، ﻭﻳﻤﺸﻮﻥ ﻣﻌﻪ، ﻭﻳﻐﺘﻨﻤﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻭﺩﻋﻮﺓ ﻣﺘﻰ أتى اﻟﺠﺎﻣﻊ، فكان إذا ﻭﺻﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺗﺸﺎﻏﻞ ﺑﻤﺴﺢ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﺧﺎﺭﺝ اﻟﻤﺴﺠﺪ! ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﻣﻌﻪ: اﺩﺧﻠﻮا ﺭﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ. ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻪ ﺃﺣﺪ!
وقد كان لهذا الرجل الصالح حكايات عجيبة ذكرها القاضي عياض، فقد ذكر ﺳﺤﻨﻮﻥ أن اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ اختلف مع اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻮﻟﻴﻪ ﺃﻣﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻋﺪﻝ اﻟﻘﻀﺎء، ﻓﺄﺟﺎﺯ اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻠﻲ، ﻭﺃﺑﺎﻩ اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ، ﻭﻛﺘﺒﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ!
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺃ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻗﺎﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ: ﻭﻟﻲ اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ!
ﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ: ﺇﻧﺎ ﻟﻠﻪ ﻭﺇﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺭاﺟﻌﻮﻥ، ﻓﺄﻻ ﻫﺮﺏ! ﻓﺄﻻ ﻓﺮّ، ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻄﻊ ﻳﺪاﻩ؟!
ﺃﺻﺎﺏ اﻟﻔﺎﺭﺳﻲ، ﻭﺃﺧﻄﺄ اﻟﺬﻱ ﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻋﺮﺑﻲ".
ترتيب المدارك (٣/ ١٠٢)
ولما حضر أبو الثناء الأصفهاني عند ابن تيمية، وعنده مجلس في العمدة في الأحكام الصغرى، قال ابن تيمية: ما نتكلم وأنت حاضر!
(مسالك الأبصار، لابن فضل الله العمري - ٩/ ٢٢٩).
=
(تواضع العلماء)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي مصنف ابن أبي شيبة ورواه النسائي في الكبرى عن ﻋﺎﺋﺸﺔ انها ﻗﺎﻟﺖ: "ﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﺪﻋﻮﻥ ﺃﻓﻀﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ اﻟﺘﻮاﺿﻊ".
(ابن أبي شيبة، برقم ٣٤٧٣٩، النسائي في الكبرى، برقم ١١٨٥٢).
وأولى الناس بهذا الخلق الشريف أهل العلم والدعوة والإصلاح، وقد روى البيهقي في المدخل عن عمر ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ قال: "ﺗﻌﻠﻤﻮا اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﺗﻌﻠﻤﻮا ﻟﻠﻌﻠﻢ اﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭاﻟﺤﻠﻢ، ﻭﺗﻮاﺿﻌﻮا ﻟﻤﻦ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ، ﻭﻻ ﺗﻜﻮﻧﻮا ﻣﻦ ﺟﺒﺎﺭﻱ اﻟﻌﻠﻤﺎء ﻓﻼ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻤﻜﻢ ﻣﻊ ﺟﻬﻠﻜﻢ"!
(المدخل ٥٣٩).
وفي مصنف ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺃﻳﻮﺏ السختياني، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﺃﻥ ﻳﻀﻊ اﻟﺘﺮاﺏ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻪ تواضعًا ﻟﻠﻪ!
(مصنف ابن أبي شيبة، برقم ٣٥٦٨٤)
وقد جاء مثل ذلك عن حماد بن زيد.
(الجامع للخطيب ١/ ٣٥١)
ولاشك أن وضع التراب على الرأس ليس من السنة، ولم تأت به أدلة الشرع، ولكن تأمل أصل الأمر عند هذا الإمام الصالح أيوب السختياني، فإنه نظر إلى شأن العالم، وما منَ الله به على العالم من منة العلم، وما ينبغي أن يقابل العالم هذه النعمة! وأن من تمام ذلك عنده -رحمه الله- أن يدفع عن نفسه رعونة الفخر بالعلم حتى يضع التراب على رأسه!
والتواضع من أبواب الحكمة، قال سفيان: "ﻛﺎﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻳﻘﻮﻝ:
ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ المتواضعين ﺑﻴﺖ اﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻻ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻤﺘﻜﺒﺮﻳﻦ"!
(تاريخ جرجان ٢١٦)
ومن أعظم أنواع التواضع غمط النفس ولو في اختصاصها العملي والعلمي إذا وجد المقتضى! فإن من فُتح له في علم حُبّبَ له أن يراه أفضل علم وأشرف عبادة!
وقد قال ابن مجاهد: كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال: يا أبا بكر، اشتغل أهل القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو؛ فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة! فانصرفت من عنده تلك الليلة، فرأيت النبي ﷺ في المنام، فقال: "أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل"!
(تاريخ بغداد ٦/ ٤٤٨)
قال أبو عبد الله الروذباري: أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، أو أنه أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه.
ومن عظيم ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم من التواضع؛ أنهم كانوا لا يمتنعون أن يأخذ أحدهم العلم عن طلابه!
ولذا كتب المحدثون في علوم الحديث في كتابة الشيخ عن تلميذه، وصار ذلك فرعًا من فروع علوم الحديث، يؤلفون فيه وينبهون عليه، ويسمونه: رواية الأكابر عن الأصاغر، ومنه رواية الآباء عن الأبناء.
والتلطف بالطالب، والتواضع له من خصال العالم الصالح، وقد ذكر محمد بن بشر العكري أنه حضر عند المزني فجاء رجل فقبل رأسه، فأخذ المزني يد الرجل فقبلها!
(الجامع للخطيب ١/ ٣٥١)
ولطالما كان شيخنا العلّامة عبد الله بن جبرين إذا أراد أحد أن يقبّل رأسه تمنّع، فإن غلبه أحد على ذلك، سارع هو لتقبيل رأس الطالب!
وكان مالك على سلطنته في العلم يتواضع لطلابه وأصحابه، فلما قدم عليه ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ -ﻓﻘﻴﻪ اﻟﻘﻴﺮﻭاﻥ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ- واﺗﺎﻩ ﺳﺎﺋﻞ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻤﻐﺮﺏ ﺑﻤﺴﺎﺋﻞ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺎﻳﺎﺕ ﻓﻘﺮﺋﺖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻣﺎﻟﻚ: ﺃﺟﺒﻬﻢ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﻓﻬﻢ ﺃﻫﻞ ﺑﻠﺪﻙ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ: ﺑﺤﻀﺮﺗﻚ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ! ﻋﺰﻣﺖ ﻋﻠﻴﻚ!
وابن فروخ فقد كان له مقام زكيّ في هذا، وكان يجهد ألا تظهر في النّاس منزلته، ولا يشتهر فيهم جاهه، وقد ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ يسارعون لصحبته ﻭﻳﺠﻠﺴﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺇﺫا ﺧﺮﺝ ﻣﻦ ﺩاﺭﻩ، ﻭﻳﻤﺸﻮﻥ ﻣﻌﻪ، ﻭﻳﻐﺘﻨﻤﻮﻥ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﻋﻈﺔ ﻭﺩﻋﻮﺓ ﻣﺘﻰ أتى اﻟﺠﺎﻣﻊ، فكان إذا ﻭﺻﻞ اﻟﺠﺎﻣﻊ ﺗﺸﺎﻏﻞ ﺑﻤﺴﺢ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﺧﺎﺭﺝ اﻟﻤﺴﺠﺪ! ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻤﻦ ﻣﻌﻪ: اﺩﺧﻠﻮا ﺭﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ. ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻞ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻌﻪ ﺃﺣﺪ!
وقد كان لهذا الرجل الصالح حكايات عجيبة ذكرها القاضي عياض، فقد ذكر ﺳﺤﻨﻮﻥ أن اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ اختلف مع اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ ﻓﻲ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻮﻟﻴﻪ ﺃﻣﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻋﺪﻝ اﻟﻘﻀﺎء، ﻓﺄﺟﺎﺯ اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻠﻲ، ﻭﺃﺑﺎﻩ اﺑﻦ ﻓﺮﻭﺥ، ﻭﻛﺘﺒﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻟﻚ!
ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺮﺃ ﻣﺎﻟﻚ اﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻗﺎﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ: ﻭﻟﻲ اﺑﻦ ﻏﺎﻧﻢ؟
ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ!
ﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ: ﺇﻧﺎ ﻟﻠﻪ ﻭﺇﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﺭاﺟﻌﻮﻥ، ﻓﺄﻻ ﻫﺮﺏ! ﻓﺄﻻ ﻓﺮّ، ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻄﻊ ﻳﺪاﻩ؟!
ﺃﺻﺎﺏ اﻟﻔﺎﺭﺳﻲ، ﻭﺃﺧﻄﺄ اﻟﺬﻱ ﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻋﺮﺑﻲ".
ترتيب المدارك (٣/ ١٠٢)
ولما حضر أبو الثناء الأصفهاني عند ابن تيمية، وعنده مجلس في العمدة في الأحكام الصغرى، قال ابن تيمية: ما نتكلم وأنت حاضر!
(مسالك الأبصار، لابن فضل الله العمري - ٩/ ٢٢٩).
=
👍13❤5
=
والتواضع في العلم من أسباب التوفيق والإعانة، وبضده قد تسدّ أبواب التوفيق، ومن طريف ما في الباب أن ابن حمدون ذكر في حاشيته على شرح المكودي (١/ ٢٣)، في شرحه لقول ابن مالك:
"فائقة ألفية ابن معطي"، قال: "ويروى أن ابن مالك زاد بعد هذا:
فائقة منها بألف بيت!
ثم وقف!
ولم يستطع الزيادة على هذا الشعر أيامًا!
فرأى شخصًا في منامه، فقال: سمعت أنك تضع ألفية في النحو؟
قال ابن مالك: نعم!
فقال: إلى أين وصلت؟
فقال: إلى "فائقة منها بألف بيت"!
فقال: ما منعك من إتمام هذا البيت؟
فقال له: عجزت منذ أيام!
فقال له: أتريد إتمامه؟
قال له: نعم!
فقال له: "والحي قد يغلب ألف ميت"!
فقال له: لعلك أنت ابن معطي!
قال له: نعم!
فاستحيا منه!
فلما أصبح أسقط ذلك الشطر وقال: "وهو بسبْق حائزًا تفضيلاً! إلخ.
والإنصاف أن نظم ابن مالك أجمع وأوعب، ونظم ابن معطي أسلس وأعذب".
ومن ألطف أنواع التواضع العلمي أن يرجع العالم عن خطئه، ولا يستنكف أن ينوه بمن صحح له خطأه!
ومن جميل ما يروى في هذا أن الدارقطني ذكر أنه حضر عند الإمام أبي ﺑﻜﺮ اﺑﻦ اﻷﻧﺒﺎﺭﻱ اﻟﻨﺤﻮﻱ، وهو من هو في علمه وفضله، وﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺤﻮ ﻭاﻷﺩﺏ، ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺣﻔﻈًﺎ ﻟﻪ.
فحضر الدارقطني ﻣﺠﻠﺲ إملاء له في ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺼﺤّﻒ ابن الأنباري اﺳﻤًﺎ ﺃﻭﺭﺩﻩ ﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺣﺪﻳﺚ، ﺇﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺒﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﻴﺎﻥ، ﺃﻭ ﺣﻴﺎﻥ ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﺒﺎﻥ.
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ الدارقطني: ﻓﺄﻋﻈﻤﺖ ﺃﻥ ﻳُﺤﻤﻞ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻓﻀﻠﻪ ﻭﺟﻼﻟﺘﻪ ﻭﻫﻢ!
ﻭﻫﺒﺘﻪ ﺃﻥ ﺃﻭﻗﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ!
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﻘﻀﻰ اﻹﻣﻼء، ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻤﻠﻲ ﻭﺫﻛﺮﺕ ﻟﻪ ﻭﻫﻤﻪ، ﻭﻋﺮّﻓﺘﻪ ﺻﻮاﺏ اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ، ﻭاﻧﺼﺮﻓﺖ.
ﺛﻢ ﺣﻀﺮﺕ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺠﻠﺴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن الأنباري ﻟﻠﻤﺴﺘﻤﻠﻲ: ﻋﺮّﻑ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ، ﺃﻧﺎ ﺻﺤّﻔﻨﺎ اﻻﺳﻢ اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻟﻤﺎ ﺃﻣﻠﻴﻨﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻛﺬا ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻭﻧﺒﻬﻨﺎ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺎﺏ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮاﺏ، ﻭﻫﻮ ﻛﺬا!
ﻭﻋﺮّﻑ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺎﺏ ﺃﻧﺎ ﺭﺟﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ اﻷﺻﻞ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎﻩ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ!
تاريخ بغداد (٤/ ٢٩٩)
وقريب من ذلك ألا يستكبر العالم أن يرجع إذا أخطأ في حق طالب أو صاحب.
ومن مفاخر ما يذكر في تراجم علمائنا، أنه ﻛﺎﻥ ﻳُﻘﺮﺃ ﻋﻨﺪ الفقيه ابن هبيرة -الوزير الصالح- اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺤﻀﺮ ﻓﻘﻴﻪ ﻣﺎﻟﻜﻲ وذكرت ﻣﺴﺄﻟﺔ، ﻓﺨﺎﻟﻒ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻊ ﻭﺃﺻﺮّ!
ﻓﻘﺎﻝ له اﻟﻮﺯﻳﺮ ابن هبيرة: ﺃﺣﻤﺎﺭ ﺃﻧﺖ! ﺃﻣﺎ ﺗﺮﻯ اﻟﻜﻞ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻧﻚ؟!
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ، ﻗﺎﻝ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ: ﺇﻧﻪ ﺟﺮﻯ ﻣﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ، ﻓﻠﻴﻘﻞ ﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ، ﻓﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻻ ﻛﺄﺣﺪﻛﻢ!
ﻓﻀﺞّ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء!
ﻭاﻋﺘﺬﺭ اﻟﻔﻘﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻻﻋﺘﺬاﺭ!
ﻭﺟﻌﻞ الوزير العالم ابن هبيرة ﻳﻘﻮﻝ: اﻟﻘﺼﺎﺹ اﻟﻘﺼﺎﺹ!
ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻝ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻝ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ: ﺇﺫ ﺃﺑﻰ اﻟﻘﺼﺎﺹ ﻓﺎﻟﻔﺪاء!
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻮﺯﻳﺮ: ﻟﻪ ﺣﻜﻤﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻔﻘﻴﻪ: ﻧﻌﻤﻚ ﻋﻠﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺄﻱ ﺣﻜﻢ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ؟
ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺑﺪ!
ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﺩﻳﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺩﻳﻨﺎﺭ!
ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ مائتي ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﺎﺋﺔ ﻹﺑﺮاء ﺫﻣﺘﻪ، ﻭﻣﺎﺋﺔ ﻹﺑﺮاء ﺫﻣﺘﻲ.
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
ومما له اتصال بذلك وهو من التواضع العلمي، ألا يظهر المفيد للمستفيد عظيم إفادته، وألا يستطيل بتلك الفائدة، ومما يذكر في ترجمة اﻟﺨﻠﻴﻞ الفراهيدي، وكان إمامًا في العربية، عابدًا، صالحًا، معظّمًا للسنة، قانعًا متواضعًا، ﻗﺎﻝ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ: ﻛﺎﻥ اﻟﺨﻠﻴﻞ ﺇﺫا ﺃﻓﺎﺩ ﺇﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺷﻴﺌًﺎ، ﻟﻢ ﻳﺮﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻓﺎﺩﻩ!
ﻭﺇﻥ اﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺷﻴﺌًﺎ، ﺃﺭاﻩ ﺑﺄﻧﻪ اﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻪ!
ﻭﻛﺎﻥ الوزير الصالح الحنبلي ابن هبيرة ﺇﺫا اﺳﺘﻔﺎﺩ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻓﺎﺩﻧﻴﻪ ﻓﻼﻥ.
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
ومن تواضع أكابر العلماء، ألا يستنكف من قضاء حوائج أهله وسوقه، وقد كان النبي ﷺ يكون في مهنة أهله، كما في البخاري.
وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه، كما في مسند أحمد.
وفي ترجمة أبي ﺑﻜﺮ اﻟﻌﻠﺜﻲ، أنه كان ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺣﻮاﺋﺠﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ.
=
والتواضع في العلم من أسباب التوفيق والإعانة، وبضده قد تسدّ أبواب التوفيق، ومن طريف ما في الباب أن ابن حمدون ذكر في حاشيته على شرح المكودي (١/ ٢٣)، في شرحه لقول ابن مالك:
"فائقة ألفية ابن معطي"، قال: "ويروى أن ابن مالك زاد بعد هذا:
فائقة منها بألف بيت!
ثم وقف!
ولم يستطع الزيادة على هذا الشعر أيامًا!
فرأى شخصًا في منامه، فقال: سمعت أنك تضع ألفية في النحو؟
قال ابن مالك: نعم!
فقال: إلى أين وصلت؟
فقال: إلى "فائقة منها بألف بيت"!
فقال: ما منعك من إتمام هذا البيت؟
فقال له: عجزت منذ أيام!
فقال له: أتريد إتمامه؟
قال له: نعم!
فقال له: "والحي قد يغلب ألف ميت"!
فقال له: لعلك أنت ابن معطي!
قال له: نعم!
فاستحيا منه!
فلما أصبح أسقط ذلك الشطر وقال: "وهو بسبْق حائزًا تفضيلاً! إلخ.
والإنصاف أن نظم ابن مالك أجمع وأوعب، ونظم ابن معطي أسلس وأعذب".
ومن ألطف أنواع التواضع العلمي أن يرجع العالم عن خطئه، ولا يستنكف أن ينوه بمن صحح له خطأه!
ومن جميل ما يروى في هذا أن الدارقطني ذكر أنه حضر عند الإمام أبي ﺑﻜﺮ اﺑﻦ اﻷﻧﺒﺎﺭﻱ اﻟﻨﺤﻮﻱ، وهو من هو في علمه وفضله، وﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻠﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻨﺤﻮ ﻭاﻷﺩﺏ، ﻭﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺣﻔﻈًﺎ ﻟﻪ.
فحضر الدارقطني ﻣﺠﻠﺲ إملاء له في ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺼﺤّﻒ ابن الأنباري اﺳﻤًﺎ ﺃﻭﺭﺩﻩ ﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩ ﺣﺪﻳﺚ، ﺇﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﺒﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﻴﺎﻥ، ﺃﻭ ﺣﻴﺎﻥ ﻓﻘﺎﻝ: ﺣﺒﺎﻥ.
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ الدارقطني: ﻓﺄﻋﻈﻤﺖ ﺃﻥ ﻳُﺤﻤﻞ ﻋﻦ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻓﻀﻠﻪ ﻭﺟﻼﻟﺘﻪ ﻭﻫﻢ!
ﻭﻫﺒﺘﻪ ﺃﻥ ﺃﻭﻗﻔﻪ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ!
ﻓﻠﻤﺎ اﻧﻘﻀﻰ اﻹﻣﻼء، ﺗﻘﺪﻣﺖ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻤﻠﻲ ﻭﺫﻛﺮﺕ ﻟﻪ ﻭﻫﻤﻪ، ﻭﻋﺮّﻓﺘﻪ ﺻﻮاﺏ اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻴﻪ، ﻭاﻧﺼﺮﻓﺖ.
ﺛﻢ ﺣﻀﺮﺕ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺠﻠﺴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن الأنباري ﻟﻠﻤﺴﺘﻤﻠﻲ: ﻋﺮّﻑ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﺤﺎﺿﺮﻳﻦ، ﺃﻧﺎ ﺻﺤّﻔﻨﺎ اﻻﺳﻢ اﻟﻔﻼﻧﻲ ﻟﻤﺎ ﺃﻣﻠﻴﻨﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﻛﺬا ﻓﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ، ﻭﻧﺒﻬﻨﺎ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺎﺏ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮاﺏ، ﻭﻫﻮ ﻛﺬا!
ﻭﻋﺮّﻑ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺎﺏ ﺃﻧﺎ ﺭﺟﻌﻨﺎ ﺇﻟﻰ اﻷﺻﻞ ﻓﻮﺟﺪﻧﺎﻩ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ!
تاريخ بغداد (٤/ ٢٩٩)
وقريب من ذلك ألا يستكبر العالم أن يرجع إذا أخطأ في حق طالب أو صاحب.
ومن مفاخر ما يذكر في تراجم علمائنا، أنه ﻛﺎﻥ ﻳُﻘﺮﺃ ﻋﻨﺪ الفقيه ابن هبيرة -الوزير الصالح- اﻟﺤﺪﻳﺚ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺼﺮ، ﻓﺤﻀﺮ ﻓﻘﻴﻪ ﻣﺎﻟﻜﻲ وذكرت ﻣﺴﺄﻟﺔ، ﻓﺨﺎﻟﻒ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺠﻤﻊ ﻭﺃﺻﺮّ!
ﻓﻘﺎﻝ له اﻟﻮﺯﻳﺮ ابن هبيرة: ﺃﺣﻤﺎﺭ ﺃﻧﺖ! ﺃﻣﺎ ﺗﺮﻯ اﻟﻜﻞ ﻳﺨﺎﻟﻔﻮﻧﻚ؟!
ﻓﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ، ﻗﺎﻝ ﻟﻠﺠﻤﺎﻋﺔ: ﺇﻧﻪ ﺟﺮﻯ ﻣﻨﻲ ﺑﺎﻷﻣﺲ ﻓﻲ ﺣﻖ ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻠﻴﻖ، ﻓﻠﻴﻘﻞ ﻟﻲ ﻛﻤﺎ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ، ﻓﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻻ ﻛﺄﺣﺪﻛﻢ!
ﻓﻀﺞّ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺑﺎﻟﺒﻜﺎء!
ﻭاﻋﺘﺬﺭ اﻟﻔﻘﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﺃﻭﻟﻰ ﺑﺎﻻﻋﺘﺬاﺭ!
ﻭﺟﻌﻞ الوزير العالم ابن هبيرة ﻳﻘﻮﻝ: اﻟﻘﺼﺎﺹ اﻟﻘﺼﺎﺹ!
ﻓﻠﻢ ﻳﺰﻝ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻝ ﻳﻮﺳﻒ اﻟﺪﻣﺸﻘﻲ: ﺇﺫ ﺃﺑﻰ اﻟﻘﺼﺎﺹ ﻓﺎﻟﻔﺪاء!
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻮﺯﻳﺮ: ﻟﻪ ﺣﻜﻤﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻔﻘﻴﻪ: ﻧﻌﻤﻚ ﻋﻠﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺄﻱ ﺣﻜﻢ ﺑﻘﻲ ﻟﻲ؟
ﻗﺎﻝ: ﻻ ﺑﺪ!
ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻲ ﺩﻳﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺩﻳﻨﺎﺭ!
ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ مائتي ﺩﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﺎﺋﺔ ﻹﺑﺮاء ﺫﻣﺘﻪ، ﻭﻣﺎﺋﺔ ﻹﺑﺮاء ﺫﻣﺘﻲ.
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
ومما له اتصال بذلك وهو من التواضع العلمي، ألا يظهر المفيد للمستفيد عظيم إفادته، وألا يستطيل بتلك الفائدة، ومما يذكر في ترجمة اﻟﺨﻠﻴﻞ الفراهيدي، وكان إمامًا في العربية، عابدًا، صالحًا، معظّمًا للسنة، قانعًا متواضعًا، ﻗﺎﻝ ﺃﻳﻮﺏ ﺑﻦ اﻟﻤﺘﻮﻛﻞ: ﻛﺎﻥ اﻟﺨﻠﻴﻞ ﺇﺫا ﺃﻓﺎﺩ ﺇﻧﺴﺎﻧًﺎ ﺷﻴﺌًﺎ، ﻟﻢ ﻳﺮﻩ ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻓﺎﺩﻩ!
ﻭﺇﻥ اﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺷﻴﺌًﺎ، ﺃﺭاﻩ ﺑﺄﻧﻪ اﺳﺘﻔﺎﺩ ﻣﻨﻪ!
ﻭﻛﺎﻥ الوزير الصالح الحنبلي ابن هبيرة ﺇﺫا اﺳﺘﻔﺎﺩ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ اﻟﻌﻠﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻓﺎﺩﻧﻴﻪ ﻓﻼﻥ.
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
ومن تواضع أكابر العلماء، ألا يستنكف من قضاء حوائج أهله وسوقه، وقد كان النبي ﷺ يكون في مهنة أهله، كما في البخاري.
وكان يخصف نعله ويرقع ثوبه، كما في مسند أحمد.
وفي ترجمة أبي ﺑﻜﺮ اﻟﻌﻠﺜﻲ، أنه كان ﻳﺤﻤﻞ ﻣﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ اﻟﺨﺒﺰ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺣﻮاﺋﺠﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﻴﻦ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﻳﻌﺮﻓﻪ.
=
👍15❤8
=
ومن صفة العلماء القرب من الطلاب، والقيام بحق الناس، وعيادة مرضاهم، وقضاء حوائجهم.
وقد كان هذا نمط العلماء الرشيد، وكان المترجمون في تراجم العلماء يسطرون ذلك في صفة العالم، وينوّهون به في سيرته، ولذا كثر حديثهم عن قيام العالم بشأن العامة، ومخالطتهم، وعدم الاستنكاف من ممازجتهم، ومن ذلك:
أن أبا ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻤﻌﺎﻓﺮﻱ، كان قد عرف بقيامه بحقوق اﻟﻤﺮﺿﻰ، وتعاهدهم ﺑﺎﻟﻄﻌﺎﻡ.
(ترتيب المدارك ٧/ ٣٣)
ومنهم ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻌﻠﻮﻱ اﻟﻤﻮﺳﻮﻱ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﻫﺮاﺓ، فقد كان متواضعًا ﻛﺜﻴﺮ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭاﻟﺨﻴﺮ، يتفقد اﻟﻔﻘﺮاء، ﻭﻳﺮاﻋﻴﻬﻢ، ﻭﻳﺒﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺸﻲء ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻲء.
(التحبير في المعجم الكبير، ١/ ٥٦٨)
وكان ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ اﻹﺷﺒﻴﻠﻲ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ، ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﺠﺎﻧﺔ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺇﻻ ﺳﺄﻝ ﻋﻨﻪ، ﻭﻣﺸﻰ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺁﻧﺴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ.
(بغية الملتمس ٣٩١)
وقد كان المحدث الثقة ﺃﺑﻮ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻣﻨﺪه، ﻃﻮﻳﻞ اﻟﺮﻭﺡ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻠﺒﺔ، ﻃﻴّﺐ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺤﺴﻨًﺎ ﻣﺘﻮاضعًا، وﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﺑﻮ اﻷﺭاﻣﻞ.
(سير أعلام النبلاء، ١٣/ ٥٠٩)
ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﺮاء ﻳﻘﺮﺃ عند الوزير الصالح الفقيه ابن هبيرة ﻛﺜﻴﺮا، ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ، حتى ﻗﺎﻝ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺯﻭﺟﻪ ﺑﺎﺑﻨﺘﻲ، ﻓﻐﻀﺒﺖ اﻷﻡ!
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
وفي ترجمة الفقيه الشافعي -الشهيد بإذن الله- ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺑﻦ ﻧﺼﻴﺮ القوصي، أنه كان ﻳﺨﺪﻡ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻳﻌﺎﻟﺞ اﻟﻤﺮﺿﻰ، ﻭﻳﻄﺒﺦ ﻟﻬﻢ!
(أعيان العصر ٤/ ١٩٠).
وكان الفقيه الحنبلي الكبير منصور البهوتي ﻓﻰ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺟﻤﻌﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻭﻳﺪﻋﻮ طلابه وأصحابه ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﺩﺳﺔ، ﻭاﺫا ﻣﺮﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪ ﻋﺎﺩﻩ، ﻭﺃﺧﺬﻩ اﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻣﺮّﺿﻪ اﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺸﻔﻰ!
(خلاصة الأثر، ٤/ ٤٢٦)
ومن صفة تواضع العلماء ألا يستحيوا من ذكر ما كانوا عليه من حاجة وفقر.
ويعجبني هنا ما جاء في سيرة اﺑﻦ ﻫﺒﻴﺮﺓ الفقيه الوزير العالم العامل.
أنه ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻨﻌﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ حال وزارته وﻣﻨﺼﺒﻪ ﺷﺪﺓ ﻓﻘﺮﻩ اﻟﻘﺪﻳﻢ!
ﻭﻗﺎﻝ: ﻧﺰﻟﺖ ﻳﻮﻣًﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﺟﻠﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻌﻲ ﺭﻏﻴﻒ ﺃﻋﺒﺮ ﺑﻪ!
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
وقد كان شيخ مشايخنا عبد الرحمن السعدي، على حال عظيمة من التواضع والقرب من الناس، وكان يضع في دفتر صغير معه مواعيد زياراته لأهل عنيزة، ويسجل فيها: ولادة فلان، وختان فلان، حتى يخصهم بزيارة، وكان يجعلها زيارات خفيفة يقوم بها بحق الناس، ولا يذهب عليه وقته.
ومن ذلك أنه كان في يوم من الأيام جالسًا يتعشى مع ابنه أحمد، فطرق عليه الباب، فذهب أحمد فوجد رجلا، فقال الرجل:
الشيخ موجود؟
فقال أحمد: الشيخ غير موجود! سوف يأتي بعد شوي!
فذهب الرجل، ورجع أحمد يكمل عشاءه مع الشيخ.
فقال له الشيخ من عند الباب؟
قال أحمد: رجل يسأل عنك! وقلت له: إنك غير موجود!
وكان قصده ألا ينزعج الشيخ على عشائه!
قال الشيخ لابنه أحمد معنفًا: ليش تعمل هذا العمل؟ وليش تقول إني غير موجود؟
يا وليدي أحب لي أن أقوم وأجيب السائل من جلستي على العشاء.
فقام الشيخ -رحمه الله- من العشاء غاضبا ولم يكمل عشاءه.
(مجموع مؤلفات السعدي، ١/ ٤٠٢)
ومن أهل التواضع الكريم، شيخ مشايخنا العلامة عبد الله بن حميد، رحمه الله، فإنه حين ترك القضاء في بريدة، وتفرغ للتدريس، خصص في يومي الاثنين والخميس درسًا في السوق، فكان يدرّس ويتحلق الناس حوله، ولما جاء ليجلس أول يوم؛ أراد أحدهم أن يفرش له بساطًا صغيرًا، فامتنع!
وقال: أجلس على الأرض كما يجلس الناس!
فقيل له: الأرض فيها بعض روث الإبل!
فقال: الحمد لله روث ما يؤكل لحمه طاهر! فجلس على الأرض وتحلق الناس حوله".
(تاج القضاة في عصره، ٢٠٤)
وحدثني شيخنا أحمد الحمزاوي المغربي أنه لما حفظ القرآن وهو صغير في القرية، لم يكن يعرف العلم ولا طريق العلم، وحفظ القرآن دون تجويد ولا عناية بمخارج الحروف، وقدّر له أن يلتقي بالعالم المحقق الكبير تقي الدين الهلالي، فطلب منه أن يدرس عنده، وقد ناهز الشيخ التسعين، يقول شيخنا: فكان يدرسني التجويد، ويصبر عليّ، ويترفق بي وأنا فتى صغير!
ومثله في ذلك شيخنا المعمر العابد محمد العليط، فإنه كان يأتيه الشخص لا يقيم الحرف، وشيخنا فوق الثمانين، فيصبر على تعليمه، وتلقينه حتى يبرع!
ولست أنسى موقف شيخنا وحيد بن عبد السلام بالي -العالم المصري المعروف- وكان يدَرّس اللغة العربية في متوسطة الفرعين بضواحي خميس مشيط، وكان آية في مداراة الناس وملاطفتهم، ودرسنا الشيخ في الثالث المتوسط، فقال: سأحدد لكم أسئلة في الاختبار، لن يأتيكم سؤال من خارجها!
فأعظمت ذلك! وظننته يدخل في الغش! لصغر سني وعدم فقهي، فقلت للشيخ: يا شيخ هذا غشّ!
فنظر الشيخ إليّ بحنو وابتسام ولم يعنفني، ولم يردّ عليّ قولي!
بل قال للطلاب:
محمد يقول: هذا غش! وخلاص ما دام قاله محمد فهو كما قال!
وألغى الفكرة!
هكذا لم يُرِد الشيخ أن يكسر في نفس الفتى غيرته الإيمانية! ولا أن يهدم فيها إنكار المنكر! مع إنه كان فقيهًا عالمًا يعرف خطأ كلامي، وخلل إنكاري.
=
ومن صفة العلماء القرب من الطلاب، والقيام بحق الناس، وعيادة مرضاهم، وقضاء حوائجهم.
وقد كان هذا نمط العلماء الرشيد، وكان المترجمون في تراجم العلماء يسطرون ذلك في صفة العالم، وينوّهون به في سيرته، ولذا كثر حديثهم عن قيام العالم بشأن العامة، ومخالطتهم، وعدم الاستنكاف من ممازجتهم، ومن ذلك:
أن أبا ﻏﺎﻟﺐ اﻟﻤﻌﺎﻓﺮﻱ، كان قد عرف بقيامه بحقوق اﻟﻤﺮﺿﻰ، وتعاهدهم ﺑﺎﻟﻄﻌﺎﻡ.
(ترتيب المدارك ٧/ ٣٣)
ومنهم ﺃﺑﻮ اﻟﺤﺴﻦ اﻟﻌﻠﻮﻱ اﻟﻤﻮﺳﻮﻱ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﻫﺮاﺓ، فقد كان متواضعًا ﻛﺜﻴﺮ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭاﻟﺨﻴﺮ، يتفقد اﻟﻔﻘﺮاء، ﻭﻳﺮاﻋﻴﻬﻢ، ﻭﻳﺒﺮﻫﻢ ﺑﺎﻟﺸﻲء ﺑﻌﺪ اﻟﺸﻲء.
(التحبير في المعجم الكبير، ١/ ٥٦٨)
وكان ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ اﻹﺷﺒﻴﻠﻲ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ، ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﺠﺎﻧﺔ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺇﻻ ﺳﺄﻝ ﻋﻨﻪ، ﻭﻣﺸﻰ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺁﻧﺴﻪ ﺑﻤﺎ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ.
(بغية الملتمس ٣٩١)
وقد كان المحدث الثقة ﺃﺑﻮ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﻣﻨﺪه، ﻃﻮﻳﻞ اﻟﺮﻭﺡ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻠﺒﺔ، ﻃﻴّﺐ اﻟﺨﻠﻖ ﻣﺤﺴﻨًﺎ ﻣﺘﻮاضعًا، وﻛﺎﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﺑﻮ اﻷﺭاﻣﻞ.
(سير أعلام النبلاء، ١٣/ ٥٠٩)
ﻭﻛﺎﻥ ﺑﻌﺾ اﻟﻔﻘﺮاء ﻳﻘﺮﺃ عند الوزير الصالح الفقيه ابن هبيرة ﻛﺜﻴﺮا، ﻓﺄﻋﺠﺒﻪ، حتى ﻗﺎﻝ ﻟﺰﻭﺟﺘﻪ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺯﻭﺟﻪ ﺑﺎﺑﻨﺘﻲ، ﻓﻐﻀﺒﺖ اﻷﻡ!
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
وفي ترجمة الفقيه الشافعي -الشهيد بإذن الله- ﻣﺒﺎﺭﻙ ﺑﻦ ﻧﺼﻴﺮ القوصي، أنه كان ﻳﺨﺪﻡ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻳﻌﺎﻟﺞ اﻟﻤﺮﺿﻰ، ﻭﻳﻄﺒﺦ ﻟﻬﻢ!
(أعيان العصر ٤/ ١٩٠).
وكان الفقيه الحنبلي الكبير منصور البهوتي ﻓﻰ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺟﻤﻌﺔ ﻳﺠﻌﻞ ﺿﻴﺎﻓﺔ ﻭﻳﺪﻋﻮ طلابه وأصحابه ﻣﻦ اﻟﻤﻘﺎﺩﺳﺔ، ﻭاﺫا ﻣﺮﺽ ﻣﻨﻬﻢ ﺃﺣﺪ ﻋﺎﺩﻩ، ﻭﺃﺧﺬﻩ اﻟﻰ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻣﺮّﺿﻪ اﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺸﻔﻰ!
(خلاصة الأثر، ٤/ ٤٢٦)
ومن صفة تواضع العلماء ألا يستحيوا من ذكر ما كانوا عليه من حاجة وفقر.
ويعجبني هنا ما جاء في سيرة اﺑﻦ ﻫﺒﻴﺮﺓ الفقيه الوزير العالم العامل.
أنه ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻨﻌﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻓﻲ حال وزارته وﻣﻨﺼﺒﻪ ﺷﺪﺓ ﻓﻘﺮﻩ اﻟﻘﺪﻳﻢ!
ﻭﻗﺎﻝ: ﻧﺰﻟﺖ ﻳﻮﻣًﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﺟﻠﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻌﻲ ﺭﻏﻴﻒ ﺃﻋﺒﺮ ﺑﻪ!
(سير أعلام النبلاء، ١٥/ ١٧٢)
وقد كان شيخ مشايخنا عبد الرحمن السعدي، على حال عظيمة من التواضع والقرب من الناس، وكان يضع في دفتر صغير معه مواعيد زياراته لأهل عنيزة، ويسجل فيها: ولادة فلان، وختان فلان، حتى يخصهم بزيارة، وكان يجعلها زيارات خفيفة يقوم بها بحق الناس، ولا يذهب عليه وقته.
ومن ذلك أنه كان في يوم من الأيام جالسًا يتعشى مع ابنه أحمد، فطرق عليه الباب، فذهب أحمد فوجد رجلا، فقال الرجل:
الشيخ موجود؟
فقال أحمد: الشيخ غير موجود! سوف يأتي بعد شوي!
فذهب الرجل، ورجع أحمد يكمل عشاءه مع الشيخ.
فقال له الشيخ من عند الباب؟
قال أحمد: رجل يسأل عنك! وقلت له: إنك غير موجود!
وكان قصده ألا ينزعج الشيخ على عشائه!
قال الشيخ لابنه أحمد معنفًا: ليش تعمل هذا العمل؟ وليش تقول إني غير موجود؟
يا وليدي أحب لي أن أقوم وأجيب السائل من جلستي على العشاء.
فقام الشيخ -رحمه الله- من العشاء غاضبا ولم يكمل عشاءه.
(مجموع مؤلفات السعدي، ١/ ٤٠٢)
ومن أهل التواضع الكريم، شيخ مشايخنا العلامة عبد الله بن حميد، رحمه الله، فإنه حين ترك القضاء في بريدة، وتفرغ للتدريس، خصص في يومي الاثنين والخميس درسًا في السوق، فكان يدرّس ويتحلق الناس حوله، ولما جاء ليجلس أول يوم؛ أراد أحدهم أن يفرش له بساطًا صغيرًا، فامتنع!
وقال: أجلس على الأرض كما يجلس الناس!
فقيل له: الأرض فيها بعض روث الإبل!
فقال: الحمد لله روث ما يؤكل لحمه طاهر! فجلس على الأرض وتحلق الناس حوله".
(تاج القضاة في عصره، ٢٠٤)
وحدثني شيخنا أحمد الحمزاوي المغربي أنه لما حفظ القرآن وهو صغير في القرية، لم يكن يعرف العلم ولا طريق العلم، وحفظ القرآن دون تجويد ولا عناية بمخارج الحروف، وقدّر له أن يلتقي بالعالم المحقق الكبير تقي الدين الهلالي، فطلب منه أن يدرس عنده، وقد ناهز الشيخ التسعين، يقول شيخنا: فكان يدرسني التجويد، ويصبر عليّ، ويترفق بي وأنا فتى صغير!
ومثله في ذلك شيخنا المعمر العابد محمد العليط، فإنه كان يأتيه الشخص لا يقيم الحرف، وشيخنا فوق الثمانين، فيصبر على تعليمه، وتلقينه حتى يبرع!
ولست أنسى موقف شيخنا وحيد بن عبد السلام بالي -العالم المصري المعروف- وكان يدَرّس اللغة العربية في متوسطة الفرعين بضواحي خميس مشيط، وكان آية في مداراة الناس وملاطفتهم، ودرسنا الشيخ في الثالث المتوسط، فقال: سأحدد لكم أسئلة في الاختبار، لن يأتيكم سؤال من خارجها!
فأعظمت ذلك! وظننته يدخل في الغش! لصغر سني وعدم فقهي، فقلت للشيخ: يا شيخ هذا غشّ!
فنظر الشيخ إليّ بحنو وابتسام ولم يعنفني، ولم يردّ عليّ قولي!
بل قال للطلاب:
محمد يقول: هذا غش! وخلاص ما دام قاله محمد فهو كما قال!
وألغى الفكرة!
هكذا لم يُرِد الشيخ أن يكسر في نفس الفتى غيرته الإيمانية! ولا أن يهدم فيها إنكار المنكر! مع إنه كان فقيهًا عالمًا يعرف خطأ كلامي، وخلل إنكاري.
=
❤25👍13
المقالة السابعة_240826_091649.pdf
286.8 KB
• المقالة السابعة: الدقة الحادّة والإحكام الجادّ عند المحدثين.
❤7
=
وممن أدركناه من أهل التواضع الكبير لطلاب العلم شيخنا د. سعيد بن حماد فقيه الخميس، فقد كان يأخذ في المباحثة العلمية معي وأنا فتى في أول الجامعة، فيسألني عن قراءاتي، ويتلطف بي إن رأى في يدي كتابًا، فيستفهم عن فوائده، ويبدي لي فرحه بالفائدة، ويثني عليها، ولا يمتنع أن يذكر استفادته من أي أحدٍ أبدًا.
ومن رؤوس المتواضعين شيخنا البروفسور الأصولي يحيى السعدي، أحد علماء ووجهاء أبها، أمتع الله به، فقد كنت آتيه وهو وكيل كلية الشريعة، فأكلمه في بعض الشأن في الكلية، فلا يقهر ولا ينهر، وأنا فتى لم يطرّ لي شارب ولا لحية، بل يأخذ سماعة الهاتف ثم يهاتف في قضاء حاجة من أتيت في حاجته.
وهو إن زاره أحد في بيته، قام على ضيافته، بنفسه، وطبخ له أمامه، وصنع قهوة ضيفه وشايه بيده، لا يستنكف أن يقوم على خدمة ضيوفه، وهم من طلابه والمستفيدين منه، وهو على منزلته في العلم والجاه والمال وقد وخطه الشيب، أبقاه الله.
وكان شيخنا المعمر محمد العليّط إذا سمع فائدة من طلابه دوّنها، لا يترفع عن ذلك.
ومثله في ذلك الشيخ الفقيه الأصولي عالم الدلم وليد السعيدان، فلا أحصي عدد المرات التي رأيته في مجالسه يدوّن عمن هو أصغر منه الفوائد التي تؤنقه، ويستعيدها منه، ويستمليه.
وجمعني مجلس بالأستاذ الفاضل الأديب المؤرخ أحمد علاونة -الأردني بلدًا- صاحب الكتب الكثيرة في التاريخ، خاصّة كتاب: ذيل الأعلام، وهو تكملة لكتاب الأعلام للزركلي.
فقال له أحد فضلاء الحضور: لماذا لم تسمّ كتابك: تكملة الأعلام؟ فهي أحسن من اسم: (الذيل)!
فقال الأستاذ أحمد: هو استعمال في التراث، وهو أيضًا: أكثر تواضعًا!
وكنت قد سمعت شيخنا الكبير المحقق: ياسر بن فتحي آل عيد، يقول: سمّيت كتابي: (فضل الرحيم الودود في تخريج أبي داود)، ولم أسمه: (فتح الرحيم)، لما فيه من التزكية!
ومن تتبع أخبار علمائنا في التواضع وهضم النفس أتعبه ذلك، ووجد أننا أمة ليس لعلمائها وفضلائها نظير في هذا، وأن علماءها قد جمعوا بين الفضل والعلم والطهر وبين غمط النفس وهضم حقها وإسقاط حظها.
والله المستعان.
وممن أدركناه من أهل التواضع الكبير لطلاب العلم شيخنا د. سعيد بن حماد فقيه الخميس، فقد كان يأخذ في المباحثة العلمية معي وأنا فتى في أول الجامعة، فيسألني عن قراءاتي، ويتلطف بي إن رأى في يدي كتابًا، فيستفهم عن فوائده، ويبدي لي فرحه بالفائدة، ويثني عليها، ولا يمتنع أن يذكر استفادته من أي أحدٍ أبدًا.
ومن رؤوس المتواضعين شيخنا البروفسور الأصولي يحيى السعدي، أحد علماء ووجهاء أبها، أمتع الله به، فقد كنت آتيه وهو وكيل كلية الشريعة، فأكلمه في بعض الشأن في الكلية، فلا يقهر ولا ينهر، وأنا فتى لم يطرّ لي شارب ولا لحية، بل يأخذ سماعة الهاتف ثم يهاتف في قضاء حاجة من أتيت في حاجته.
وهو إن زاره أحد في بيته، قام على ضيافته، بنفسه، وطبخ له أمامه، وصنع قهوة ضيفه وشايه بيده، لا يستنكف أن يقوم على خدمة ضيوفه، وهم من طلابه والمستفيدين منه، وهو على منزلته في العلم والجاه والمال وقد وخطه الشيب، أبقاه الله.
وكان شيخنا المعمر محمد العليّط إذا سمع فائدة من طلابه دوّنها، لا يترفع عن ذلك.
ومثله في ذلك الشيخ الفقيه الأصولي عالم الدلم وليد السعيدان، فلا أحصي عدد المرات التي رأيته في مجالسه يدوّن عمن هو أصغر منه الفوائد التي تؤنقه، ويستعيدها منه، ويستمليه.
وجمعني مجلس بالأستاذ الفاضل الأديب المؤرخ أحمد علاونة -الأردني بلدًا- صاحب الكتب الكثيرة في التاريخ، خاصّة كتاب: ذيل الأعلام، وهو تكملة لكتاب الأعلام للزركلي.
فقال له أحد فضلاء الحضور: لماذا لم تسمّ كتابك: تكملة الأعلام؟ فهي أحسن من اسم: (الذيل)!
فقال الأستاذ أحمد: هو استعمال في التراث، وهو أيضًا: أكثر تواضعًا!
وكنت قد سمعت شيخنا الكبير المحقق: ياسر بن فتحي آل عيد، يقول: سمّيت كتابي: (فضل الرحيم الودود في تخريج أبي داود)، ولم أسمه: (فتح الرحيم)، لما فيه من التزكية!
ومن تتبع أخبار علمائنا في التواضع وهضم النفس أتعبه ذلك، ووجد أننا أمة ليس لعلمائها وفضلائها نظير في هذا، وأن علماءها قد جمعوا بين الفضل والعلم والطهر وبين غمط النفس وهضم حقها وإسقاط حظها.
والله المستعان.
❤23👍10💔2
المقالة التاسعة_240829_091217.pdf
245.9 KB
المقالة التاسعة: الحفظ والمشافهة طريق عقلية لنقل العلوم.
👏4
.
أهل العلم والفضل في تأثيرهم على أصحابهم وعلى الناس درجات، وقد قال أبو أحمد الزبيري: كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح رجعت وقد نغص على ليلتي!
وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري رجعت وقد هممت أن أعمل عملا صالحا!
وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبد الله رجعت وقد استفدت أدبًا حسنًا".
تاريخ بغداد (١٠/ ٣٨٤)
فالحسن بن صالح كان عابدًا خائفًا حزينًا، كثير اللهج بالآخرة والنار، فوجد أبو أحمد أن مجالسته تذهب نفسه أسَفًا وحزنًا، فانتفع به في هذا.
وأما سفيان الثوري وهو العالم النفّاع للخلق، ولذا انتفع به الزبيري في عبادته وعمله.
وأما شَريك فقد كان ممن اشتهر بأدبه، حتى إنه ﻣﺮ باﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ اﻟﻨﺨﻌﻲ، ﻓﺠﻠﺲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻣﻦ ﺃﺩّﺑﻚ؟
ﻗﺎﻝ: ﺃﺩّﺑﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭاﻟﻠﻪ!
ﻭﻟﺪﺕ ﺑﺨﺮاﺳﺎﻥ ﺑﺒﺨﺎﺭﻯ، ﻓﺤﻤﻠﻨﻲ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻃﺮﺣﻨﻲ ﻋﻨﺪ بني ﻋﻢ ﻟﻲ بنهر ﺻﺮﺻﺮ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺟﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻠﻢ ﻟﻬﻢ ﻓﻌﻠﻖ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺠﺌﺖ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺨﻬﻢ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﻋﻤّﺎﻩ! اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻲ ﻫﻬﻨﺎ ﺃﺟﺮﻩ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﻋﺮﻑ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻨﺔ ﻭﻗﻮﻣﻲ، ﻓﻔﻌﻞ.
ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﻨﺖ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﺿﺮﺏ اللّبِن ﻭﺃﺑﻴﻌﻪ، ﻭﺃﺷﺘﺮﻱ ﺩﻓﺎﺗﺮ ﻭﻃﺮﻭﺳًﺎ ﻓﺄﻛﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺛﻢ ﻃﻠﺒﺖ اﻟﻔﻘﻪ ﻓﺒﻠﻐﺖ ﻣﺎ ﺗﺮﻯ.
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻟﻮﻟﺪﻩ:
ﺳﻤﻌﺘﻢ ﻗﻮﻝ اﺑﻦ ﻋﻤﻜﻢ، ﻭﻗﺪ ﺃﻛﺜﺮﺕ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﺩﺏ ﻭﻻ ﺃﺭاﻛﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮﻥ ﻓﻴﻪ! ﻓﻠﻴﺆﺩﺏ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻤﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﻓﻠﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺃﺳﺎء ﻓﻌﻠﻴﻬﺎ.
أهل العلم والفضل في تأثيرهم على أصحابهم وعلى الناس درجات، وقد قال أبو أحمد الزبيري: كنت إذا جلست إلى الحسن بن صالح رجعت وقد نغص على ليلتي!
وكنت إذا جلست إلى سفيان الثوري رجعت وقد هممت أن أعمل عملا صالحا!
وكنت إذا جلست إلى شريك بن عبد الله رجعت وقد استفدت أدبًا حسنًا".
تاريخ بغداد (١٠/ ٣٨٤)
فالحسن بن صالح كان عابدًا خائفًا حزينًا، كثير اللهج بالآخرة والنار، فوجد أبو أحمد أن مجالسته تذهب نفسه أسَفًا وحزنًا، فانتفع به في هذا.
وأما سفيان الثوري وهو العالم النفّاع للخلق، ولذا انتفع به الزبيري في عبادته وعمله.
وأما شَريك فقد كان ممن اشتهر بأدبه، حتى إنه ﻣﺮ باﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ اﻟﻨﺨﻌﻲ، ﻓﺠﻠﺲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻣﻦ ﺃﺩّﺑﻚ؟
ﻗﺎﻝ: ﺃﺩّﺑﺘﻨﻲ ﻧﻔﺴﻲ ﻭاﻟﻠﻪ!
ﻭﻟﺪﺕ ﺑﺨﺮاﺳﺎﻥ ﺑﺒﺨﺎﺭﻯ، ﻓﺤﻤﻠﻨﻲ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻃﺮﺣﻨﻲ ﻋﻨﺪ بني ﻋﻢ ﻟﻲ بنهر ﺻﺮﺻﺮ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺟﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻠﻢ ﻟﻬﻢ ﻓﻌﻠﻖ ﺑﻘﻠﺒﻲ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﺠﺌﺖ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺨﻬﻢ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﻋﻤّﺎﻩ! اﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻲ ﻫﻬﻨﺎ ﺃﺟﺮﻩ ﻋﻠﻲ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﻋﺮﻑ ﺑﻬﺎ اﻟﺴﻨﺔ ﻭﻗﻮﻣﻲ، ﻓﻔﻌﻞ.
ﻗﺎﻝ: ﻓﻜﻨﺖ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﺃﺿﺮﺏ اللّبِن ﻭﺃﺑﻴﻌﻪ، ﻭﺃﺷﺘﺮﻱ ﺩﻓﺎﺗﺮ ﻭﻃﺮﻭﺳًﺎ ﻓﺄﻛﺘﺐ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﻠﻢ ﻭاﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺛﻢ ﻃﻠﺒﺖ اﻟﻔﻘﻪ ﻓﺒﻠﻐﺖ ﻣﺎ ﺗﺮﻯ.
ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻤﺴﺘﻨﻴﺮ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﻟﻮﻟﺪﻩ:
ﺳﻤﻌﺘﻢ ﻗﻮﻝ اﺑﻦ ﻋﻤﻜﻢ، ﻭﻗﺪ ﺃﻛﺜﺮﺕ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﺩﺏ ﻭﻻ ﺃﺭاﻛﻢ ﺗﻔﻠﺤﻮﻥ ﻓﻴﻪ! ﻓﻠﻴﺆﺩﺏ ﻛﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻤﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﻓﻠﻬﺎ، ﻭﻣﻦ ﺃﺳﺎء ﻓﻌﻠﻴﻬﺎ.
❤17👍7🔥2🤯1🏆1
.
من الآفات التي تعرض لصاحب العلم؛ الاشتغال بالدنيا عن العلم والتحصيل، وهو داء يُبتلى به بعض أهل التميّز والتقدّم، قال اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "ﻟﻤﺎ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﻤﺪاﺋﻦ ﺃﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ، ﻓﻜﺎﻥ ﻋﺎﻣﺔ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ"!
البزار (١٩٩).
والدنيا حلوة خضرة، لها زهرة في النظر، وبهجة في النفوس، ولا يخلص منها المؤمن إلا بجريعة الذقن! ولا يزال منها على شفا هلكة.
ولكن أهل الإمامة في دين ﷲ يستعلون عليها وعلى أهلها، وقد نقل البزار تلميذ ابن تيمية: أنه قد وشى قومٌ عند الملك الناصر أن ابن تيمية يريد الملك! فاستدعاه الملك، فرفع ابن تيمية صوته، وقال: "والله إن ملكك لا يساوي عندي فلسين"!
الأعلام العليّة (٧٢)
وصدق والله! فما الدنيا كلها في مقابل العلم؟
وأين تقع السلطة والمال وزينة الدنيا إذا وُزنت بالإمامة في العلم؟
وأيّ أمر وراء أن ينال الإنسان سعةً من مال أو دنيا ثم تذهب عنه نهمة التحصيل ولذائذ العلم، ومجالسة العلماء، ومؤانسة طلابه، وطيب الاستنباط من كلام ﷲ ورسوله، وخشوع واردات المعارف؟
ثم عد وانظر مآل هذا الرجل -رحمه ﷲ- فهذا علمه إلى يومنا يُنشر ويُذكر، وهذا اسمه تلهج به الألسن دعاء وثناء، وما من أحد من أهل العلم في عصره فمن بعده قد تُرجم له كما تُرجم لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن لطائف ما نقله ابن رجب في ترجمة ابن تيمية، أنه لما مات، صُلي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام، ونودي بأقصى الصين يوم الجمعة: "الصلاة على ترجمان القرآن"!
ذيل طبقات الحنابلة (٤/ ٥٢٨)
ولقد رأيت بعض من كان مع العلم والكتاب والحفظ، فانصرف إلى الدنيا وتحصيلها فذهب عنه مُدّخر الحكمة، وحلاوة المذاكرة، وخشوع الحال، وحَلّ محلّها سآم المجالسة، وإملال الحديث الدنيوي، وبؤس اللقاء، وبرودة النفس، والله المستعان.
من الآفات التي تعرض لصاحب العلم؛ الاشتغال بالدنيا عن العلم والتحصيل، وهو داء يُبتلى به بعض أهل التميّز والتقدّم، قال اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: "ﻟﻤﺎ ﻓﺘﺤﺖ اﻟﻤﺪاﺋﻦ ﺃﻗﺒﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﺮ، ﻓﻜﺎﻥ ﻋﺎﻣﺔ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ"!
البزار (١٩٩).
والدنيا حلوة خضرة، لها زهرة في النظر، وبهجة في النفوس، ولا يخلص منها المؤمن إلا بجريعة الذقن! ولا يزال منها على شفا هلكة.
ولكن أهل الإمامة في دين ﷲ يستعلون عليها وعلى أهلها، وقد نقل البزار تلميذ ابن تيمية: أنه قد وشى قومٌ عند الملك الناصر أن ابن تيمية يريد الملك! فاستدعاه الملك، فرفع ابن تيمية صوته، وقال: "والله إن ملكك لا يساوي عندي فلسين"!
الأعلام العليّة (٧٢)
وصدق والله! فما الدنيا كلها في مقابل العلم؟
وأين تقع السلطة والمال وزينة الدنيا إذا وُزنت بالإمامة في العلم؟
وأيّ أمر وراء أن ينال الإنسان سعةً من مال أو دنيا ثم تذهب عنه نهمة التحصيل ولذائذ العلم، ومجالسة العلماء، ومؤانسة طلابه، وطيب الاستنباط من كلام ﷲ ورسوله، وخشوع واردات المعارف؟
ثم عد وانظر مآل هذا الرجل -رحمه ﷲ- فهذا علمه إلى يومنا يُنشر ويُذكر، وهذا اسمه تلهج به الألسن دعاء وثناء، وما من أحد من أهل العلم في عصره فمن بعده قد تُرجم له كما تُرجم لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ومن لطائف ما نقله ابن رجب في ترجمة ابن تيمية، أنه لما مات، صُلي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام، ونودي بأقصى الصين يوم الجمعة: "الصلاة على ترجمان القرآن"!
ذيل طبقات الحنابلة (٤/ ٥٢٨)
ولقد رأيت بعض من كان مع العلم والكتاب والحفظ، فانصرف إلى الدنيا وتحصيلها فذهب عنه مُدّخر الحكمة، وحلاوة المذاكرة، وخشوع الحال، وحَلّ محلّها سآم المجالسة، وإملال الحديث الدنيوي، وبؤس اللقاء، وبرودة النفس، والله المستعان.
❤19💯4👍3🔥2
المقالة العاشرة_240901_050807.pdf
248.4 KB
المقالة العاشرة: السنة منقولة بالكتابة كما نقلت بالمشافهة.
👍6❤4
.
كاد غمط النفس في ذات ﷲ وعدم الفخر على الخلق أن يكون السمة الخاصة بعلماء هذه الأمة، والوصف الجامع لهم!
ﻭلما كان ﺃﻭﻝ ﺟﻠﻮس أبي الحسن القابسي ﻟﻠﻤﻨﺎﻇﺮﺓ ﻗﺎﻝ:
"ﻟﻌﻤﺮ ﺃﺑﻴﻚ ﻣﺎ ﻧُﺴِﺐ اﻟﻤُﻌﻠّﻰ** ﻟِﻤﻜﺮﻣﺔٍ ﻭﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﻳﻢ!
ﻭﻟﻜﻦ اﻟﺮﻳﺎﺽ ﺇﺫا اﻗﺸﻌﺮﺕ** وﺻﻮّﺡ ﻧﺒﺘُﻬﺎ ﺭُﻋِﻲَ اﻟﻬﺸﻴﻢ!
ﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ ﺃﺑﻜﻰ اﻟﻨﺎﺱ! ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ اﻟﻬﺸﻴﻢ ﺛﻼﺛًﺎ! ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺃﻥّ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺧﻀﺮاء ﻣﺎ ﺭُﻋِﻴﺖ ﺃﻧﺎ"!
(ترتيب المدارك ٧/ ٩٤، الوافي بالوفيات ٢١/ ٣٠٢)
كاد غمط النفس في ذات ﷲ وعدم الفخر على الخلق أن يكون السمة الخاصة بعلماء هذه الأمة، والوصف الجامع لهم!
ﻭلما كان ﺃﻭﻝ ﺟﻠﻮس أبي الحسن القابسي ﻟﻠﻤﻨﺎﻇﺮﺓ ﻗﺎﻝ:
"ﻟﻌﻤﺮ ﺃﺑﻴﻚ ﻣﺎ ﻧُﺴِﺐ اﻟﻤُﻌﻠّﻰ** ﻟِﻤﻜﺮﻣﺔٍ ﻭﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺮﻳﻢ!
ﻭﻟﻜﻦ اﻟﺮﻳﺎﺽ ﺇﺫا اﻗﺸﻌﺮﺕ** وﺻﻮّﺡ ﻧﺒﺘُﻬﺎ ﺭُﻋِﻲَ اﻟﻬﺸﻴﻢ!
ﺛﻢ ﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ ﺃﺑﻜﻰ اﻟﻨﺎﺱ! ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ اﻟﻬﺸﻴﻢ ﺛﻼﺛًﺎ! ﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺃﻥّ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺧﻀﺮاء ﻣﺎ ﺭُﻋِﻴﺖ ﺃﻧﺎ"!
(ترتيب المدارك ٧/ ٩٤، الوافي بالوفيات ٢١/ ٣٠٢)
❤13👍3
.
من الخلق العالي والصفة الحسنى لصاحب العلم أن يكون ذا تجرد وطلب لمرضاة الله ومجاهدة على الإخلاص في تلقّي العلم وفي بذله.
وقد اجتمع ذلك في ثلاث كلمات أُثِرت عن الإمام الشافعي:
فذكر ابن حبان في صحيحه (٥/ ٤٩٩) قال: "للشافعي -رحمه الله- ثلاث كلمات ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوّه بها أحد بعده إلا والمأخذ فيها كان عنه:
إحداها: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
والثانية: أخبرني محمد بن المنذر بن سعيد عن الحسن بن محمد الصباح الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ.
والثالثة: سمعت موسى بن محمد الديلمي بأنطاكية يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: وددت أنّ الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي"!
فقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي تجرد في التلقي والأخذ.
وقوله: "ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ"، وقوله: "وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي" تجرد في نشر العلم وتبليغه.
فرحمه ﷲ.
ومن تجردهم ما ذكره ابن خزيمة رحمه الله في كتابه التوحيد، حين قال: "ﻗﺪ ﺃﻋﻠﻤﺖ ﻣﺎ ﻻ ﺃﺣﺼﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺓ ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﺳﺘﺤﻞ ﺃﻥ ﺃﻣﻮّﻩ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺏ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﻮاﻫﻲ، ﻭﺇﻧﻲ ﺧﺎﺋﻒ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ، ﺇﺫا ﻣﻮّﻫﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺏ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎﺭ اﻟﻮاﻫﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺔ ﻟﻣﺬﻫﺒﻲ"!
التوحيد، (٢/ ٥٣٣)
من الخلق العالي والصفة الحسنى لصاحب العلم أن يكون ذا تجرد وطلب لمرضاة الله ومجاهدة على الإخلاص في تلقّي العلم وفي بذله.
وقد اجتمع ذلك في ثلاث كلمات أُثِرت عن الإمام الشافعي:
فذكر ابن حبان في صحيحه (٥/ ٤٩٩) قال: "للشافعي -رحمه الله- ثلاث كلمات ما تكلم بها أحد في الإسلام قبله ولا تفوّه بها أحد بعده إلا والمأخذ فيها كان عنه:
إحداها: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
والثانية: أخبرني محمد بن المنذر بن سعيد عن الحسن بن محمد الصباح الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ.
والثالثة: سمعت موسى بن محمد الديلمي بأنطاكية يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: وددت أنّ الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي"!
فقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي تجرد في التلقي والأخذ.
وقوله: "ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطئ"، وقوله: "وددت أن الناس تعلموا هذه الكتب ولم ينسبوها إلي" تجرد في نشر العلم وتبليغه.
فرحمه ﷲ.
ومن تجردهم ما ذكره ابن خزيمة رحمه الله في كتابه التوحيد، حين قال: "ﻗﺪ ﺃﻋﻠﻤﺖ ﻣﺎ ﻻ ﺃﺣﺼﻲ ﻣﻦ ﻣﺮﺓ ﺃﻧﻲ ﻻ ﺃﺳﺘﺤﻞ ﺃﻥ ﺃﻣﻮّﻩ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺏ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ اﻟﻮاﻫﻲ، ﻭﺇﻧﻲ ﺧﺎﺋﻒ ﻣﻦ ﺧﺎﻟﻘﻲ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ، ﺇﺫا ﻣﻮّﻫﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺏ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺑﺎﻷﺧﺒﺎﺭ اﻟﻮاﻫﻴﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﺠﺔ ﻟﻣﺬﻫﺒﻲ"!
التوحيد، (٢/ ٥٣٣)
❤14👍5
.
الناس أنماط في أخلاقهم وطباعهم، ولكل نمط داء يفسد على صاحبه قلبه، ولكل صنف من الناس آفات تعرض لهم، ما لم يتداركه بتزكية وتطهير!
وقد لا تعرِض تلك الأدواء لمن يختلف عنهم في طبعه وخلقه.
وداء بعض الأذكياء -من طلاب العلم- العجب بالذكاء والاسترواح إلى التحصيل!
ولقد ترى من يعجبه ذكاؤه وعلمه يعود فيُبْتلى بازدراء المؤمنين!
ثم يبتلى بغيبتهم وتَسَقّط عثراتهم!
قال بشر الحافي: "ﻫﻠﻚ اﻟﻘﺮاء ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻴﻦ اﻟﺨﺼﻠﺘﻴﻦ: اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻭاﻟﻌﺠﺐ"!
شعب الإيمان للبيهقي (٩/ ١٢٢).
الناس أنماط في أخلاقهم وطباعهم، ولكل نمط داء يفسد على صاحبه قلبه، ولكل صنف من الناس آفات تعرض لهم، ما لم يتداركه بتزكية وتطهير!
وقد لا تعرِض تلك الأدواء لمن يختلف عنهم في طبعه وخلقه.
وداء بعض الأذكياء -من طلاب العلم- العجب بالذكاء والاسترواح إلى التحصيل!
ولقد ترى من يعجبه ذكاؤه وعلمه يعود فيُبْتلى بازدراء المؤمنين!
ثم يبتلى بغيبتهم وتَسَقّط عثراتهم!
قال بشر الحافي: "ﻫﻠﻚ اﻟﻘﺮاء ﻓﻲ ﻫﺎﺗﻴﻦ اﻟﺨﺼﻠﺘﻴﻦ: اﻟﻐﻴﺒﺔ ﻭاﻟﻌﺠﺐ"!
شعب الإيمان للبيهقي (٩/ ١٢٢).
👍12😢5❤1💔1
.
غالب الناس مطبوع على الاستعجال وعدم التريث.
ولئن كانت العجلة من سيء معايب الناس فإنها من صاحب العلم أشد.
ونفوس أكثر الشباب صافية لم تكدرها غبرة صراعات الحياة، لكنها طريّة لم تُلبّثها التجارب! وكما قيل: رأي الشاب شخبة في الإناء وشخبة في الأرض!
ولهذا ترى الشاب العاقل يتخايل ذلك من نفسه، فيتهم رأيه ولا يتعجل في رأي أو فتيا، لاسيما فيما تعلق بمسائل الأمة.
غالب الناس مطبوع على الاستعجال وعدم التريث.
ولئن كانت العجلة من سيء معايب الناس فإنها من صاحب العلم أشد.
ونفوس أكثر الشباب صافية لم تكدرها غبرة صراعات الحياة، لكنها طريّة لم تُلبّثها التجارب! وكما قيل: رأي الشاب شخبة في الإناء وشخبة في الأرض!
ولهذا ترى الشاب العاقل يتخايل ذلك من نفسه، فيتهم رأيه ولا يتعجل في رأي أو فتيا، لاسيما فيما تعلق بمسائل الأمة.
👍18❤3
قناة: محمد آل رميح.
= ومن صفة العلماء القرب من الطلاب، والقيام بحق الناس، وعيادة مرضاهم، وقضاء حوائجهم. وقد كان هذا نمط العلماء الرشيد، وكان المترجمون في تراجم العلماء يسطرون ذلك في صفة العالم، وينوّهون به في سيرته، ولذا كثر حديثهم عن قيام العالم بشأن العامة، ومخالطتهم،…
.
جمعني مجلس بالأستاذ الفاضل الأديب المؤرخ أحمد علاونة -الأردني بلدًا- صاحب الكتب الكثيرة في التاريخ، خاصّة كتاب: ذيل الأعلام، وهو تكملة لكتاب الأعلام للزركلي.
فقال له أحد فضلاء الحضور: لماذا لم تسمّ كتابك: تكملة الأعلام؟ فهي أحسن من اسم: (الذيل)!
فقال الأستاذ أحمد: هو استعمال في التراث، وهو أيضًا: أكثر تواضعًا!
فأعجبتني هذه اللطيفة من هذا الأستاذ الفاضل.
وكنت قد سمعت الشيخ الكبير، والمحقق العالم: ياسر بن فتحي آل عيد، يقول: سمّيت كتابي: (فضل الرحيم الودود في تخريج أبي داود)، ولم أقل: فتح الرحيم، لأن في ذلك مدحًا للنفس، وسميته هكذا تذللاً لله.
فجزاهما الله خيرًا.
جمعني مجلس بالأستاذ الفاضل الأديب المؤرخ أحمد علاونة -الأردني بلدًا- صاحب الكتب الكثيرة في التاريخ، خاصّة كتاب: ذيل الأعلام، وهو تكملة لكتاب الأعلام للزركلي.
فقال له أحد فضلاء الحضور: لماذا لم تسمّ كتابك: تكملة الأعلام؟ فهي أحسن من اسم: (الذيل)!
فقال الأستاذ أحمد: هو استعمال في التراث، وهو أيضًا: أكثر تواضعًا!
فأعجبتني هذه اللطيفة من هذا الأستاذ الفاضل.
وكنت قد سمعت الشيخ الكبير، والمحقق العالم: ياسر بن فتحي آل عيد، يقول: سمّيت كتابي: (فضل الرحيم الودود في تخريج أبي داود)، ولم أقل: فتح الرحيم، لأن في ذلك مدحًا للنفس، وسميته هكذا تذللاً لله.
فجزاهما الله خيرًا.
❤16👍8
.
من الآفات التي تعرض لسالك العلم: الميل لقول الشيوخ والأصحاب والطائفة والمذهب والبلد، لا لحقٍ في ذات القول، ولكن لكونه قد صدر عن أولئك المقرّبين!
ومن لمحات التعصب المختبئ:
قبولٌ (لاواعي) لفتيا ورأي المؤالف! وإن كانت مدللة بظواهر الأدلة دون نقد! ويقابله استقصاء النقاش لأدلة رأي وفتيا المخالف!
وفي جنس ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذم اليهود: "لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها".
اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٨٤)
وقد وجد بالاختبار أن هذا الأمر سبب عظيم من أسباب الافتراق والخلاف، قال ابن تيمية رحمه الله في أسباب الافتراق: "لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها".
الاقتضاء، (١/ ١٥٦)
من الآفات التي تعرض لسالك العلم: الميل لقول الشيوخ والأصحاب والطائفة والمذهب والبلد، لا لحقٍ في ذات القول، ولكن لكونه قد صدر عن أولئك المقرّبين!
ومن لمحات التعصب المختبئ:
قبولٌ (لاواعي) لفتيا ورأي المؤالف! وإن كانت مدللة بظواهر الأدلة دون نقد! ويقابله استقصاء النقاش لأدلة رأي وفتيا المخالف!
وفي جنس ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذم اليهود: "لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها".
اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٨٤)
وقد وجد بالاختبار أن هذا الأمر سبب عظيم من أسباب الافتراق والخلاف، قال ابن تيمية رحمه الله في أسباب الافتراق: "لأن إحدى الطائفتين لا تعترف للأخرى بما معها من الحق ولا تنصفها".
الاقتضاء، (١/ ١٥٦)
👍24
.
اللهم اجبر قلبي أخي وصديقي الشيخ القاضي خالد المطيري، في وفاة بنتنا غادة.
واجبر قلب أم غادة.
وألهمهم الصبر.
والله إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا غادة لمحزونون.
اللهم اجبر قلبي أخي وصديقي الشيخ القاضي خالد المطيري، في وفاة بنتنا غادة.
واجبر قلب أم غادة.
وألهمهم الصبر.
والله إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا غادة لمحزونون.
💔56😢30❤5👍1🤝1
.
صاحب العلم محتاج إلى التنوع المعرفي، والأخذ بأطراف العلوم، فإن العلم يعود بعضه على بعض بالمعاضدة، وحين يلمّ العالم بشيء من علوم عصره؛ يقوي حجته الشرعية، ويعضد رأيه الفقهي، ويقوم نظره ومذهبه.
•• وقد ذكر السرخسي في المبسوط (١/ ٢٢٤)، في مباحث سجود السهو:
"قال محمد بن الحسن للكسائي وكان ابن خالته: لم لا تشتغل بالفقه؟ مع هذا الخاطر -أي مع هذا الذكاء وسيلان الذهن-!
فقال: من أحكم علماً فذلك يهديه إلى سائر العلوم!
فقال محمد: إني ألقي عليك شيئًا من مسائل الفقه فخرِّج جوابه من النحو؟
فقال: هات!
فقال: ما تقول فيمن سها في سجود السهو ففكّر ساعة؟
فقال: لا سهو عليه!
فقال: من أيّ باب من النحو خرجت هذا الجواب؟
فقال: من باب: أن المُصّغر لا يصّغر!
فتعجب من فطنته!".
صاحب العلم محتاج إلى التنوع المعرفي، والأخذ بأطراف العلوم، فإن العلم يعود بعضه على بعض بالمعاضدة، وحين يلمّ العالم بشيء من علوم عصره؛ يقوي حجته الشرعية، ويعضد رأيه الفقهي، ويقوم نظره ومذهبه.
•• وقد ذكر السرخسي في المبسوط (١/ ٢٢٤)، في مباحث سجود السهو:
"قال محمد بن الحسن للكسائي وكان ابن خالته: لم لا تشتغل بالفقه؟ مع هذا الخاطر -أي مع هذا الذكاء وسيلان الذهن-!
فقال: من أحكم علماً فذلك يهديه إلى سائر العلوم!
فقال محمد: إني ألقي عليك شيئًا من مسائل الفقه فخرِّج جوابه من النحو؟
فقال: هات!
فقال: ما تقول فيمن سها في سجود السهو ففكّر ساعة؟
فقال: لا سهو عليه!
فقال: من أيّ باب من النحو خرجت هذا الجواب؟
فقال: من باب: أن المُصّغر لا يصّغر!
فتعجب من فطنته!".
👍20❤15
.
الكمال يتحقق بأمرين: بالبصيرة العلمية بالحق، والقدرة العملية للعمل بالحق ونصرته، وقد جمع الله الأمرين في مدح أنبيائه فقال: ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾.
الكمال يتحقق بأمرين: بالبصيرة العلمية بالحق، والقدرة العملية للعمل بالحق ونصرته، وقد جمع الله الأمرين في مدح أنبيائه فقال: ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ﴾.
❤12👍10
قال ابن القيم: "ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﻓﻮاﺋﺪ اﻟﻌﻠﻢ إﻻ أنه ﻳﺜﻤﺮ اﻟﻴﻘﻴﻦ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ أﻋﻈﻢ ﺣﻴﺎﺓ اﻟﻘﻠﺐ، ﻭﺑﻪ ﻃﻤﺄﻧﻴﻨﻪ ﻭﻗﻮﺗﻪ ﻭﻧﺸﺎﻃﻪ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﻟﻮاﺯﻡ اﻟﺤﻴﺎﺓ".
مفتاح دار السعادة (١/ ٥١١)
مفتاح دار السعادة (١/ ٥١١)
❤23👍7