Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
﴿ذَ ٰ⁠لِكَ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیۡهِ لَیَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورࣱ ۝  ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرࣱ﴾.
لا تتعجب أن ينصر الله المؤمنين الذين بغي عليهم، ﻓﺈﻥّ اﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﺮﻫﻢ!

وقد قرن ﷲ بين هذه اﻟﻈﺎﻫﺮﺓ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ -المتكررة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻏﺎفلين- ﺳﻨﺔ ﺇﻳﻼﺝ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺇﻳﻼﺝ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ؛ وبين سنته حين يهلك اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺘﺠﺒﺮﻳﻦ ﻭيمكن للمؤمنين.
ولكن الناس يغفلون عن سنة تمكين المؤمنين، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ سنة إيلاج الليل والنهار غافلين!
رضي الله عن الشيخ علي، ما أجمل ما يكتب!👇
.
في سياق تثبيت موسى ﷺ لقومه عند مواجهة فرعون قال ﷻ: ﴿قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾.
لقد لوّح لهم موسى ﷺ بالبشارة، ثم علقهم برجاء نصر الله، ثم نبههم ﷺ أن القضاء على العدو ليس آخر الطريق!
وأن دحر الطغاة ليس نهاية الأمر!
وأن الطريق طويل، والابتلاء مستمر!

﴿وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾، فحثّهم على الثبات بعد هلكة العدو، والإحسان في العمل بعد منّة النصر!
قال سبحانه:
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا ۝ وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا﴾.

لما ذكر الله الدنيا وزينتها ذكّر المؤمنين بأمرين:
- أن هذه زينة الدنيا وبهجتها ابتلاء واختبار، فيجب أن يكون المؤمن منها على حذر!
- أنها إلى زوال وخراب، فليست دار بقاء، وإن من أعظم ما يزهد في فتنة الدنيا وزينتها؛ تذكر المؤمن مآل الدنيا، ومصيرها، وزوالها، وأنها تذهب وتخرب!
فهي مخلوقة للابتلاء والمحنة، ثم هي مع ذلك إلى زوال وفناء!
.
البلاء والفتنة
-الحكمة والرحمة-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إن من مقتضى حكمة الله سبحانه أن يجعل الفتنة والابتلاء والاختبار، ليميز الخبيث من الطيب، وليظهر صاحب الطاعة والثبات وإيثار الدار لآخرة من المفرط المعرض العاصي الذي يتبع هواه.
ولذا قال سبحانه: ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ﴾.
فمن حكمته ﷻ أن ركّب الحياة على البلاء والامتحان، فجعل الفتنة والاختبار في الأرض حتى في آياته الشرعية!
ولكن من مقتضى رحمته بعباده أن جعل تنفيسًا، ولم يجعل الفتنة في أكثر الآيات، بل جعل الأكثر هي المحكمات الواضحات البينات المفصلات.
ولذا لم يجعل الآيات المتشابهات هي الأصل والأكثر.
والافتتان بالقرآن واقع لمن لم يأخذه بالقبول والانقياد، وهذا أمر قررته الآيات، كما في قوله تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَا یَزِیدُ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا خَسَارࣰا﴾

وقوله:
﴿وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ فَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ أَیُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِیمَـٰنࣰاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَزَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَهُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾.

وتأمّل أن الله سبحانه جعل من الفتنة شجرة الزقوم، قال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِۚ﴾!
فعن اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻛﻔﺎﺭ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ: ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻛﺬﺏ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻛﺒﺸﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻮﻋﺪﻛﻢ ﺑﻨﺎﺭ ﺗﺤﺘﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎﺭﺓ، ﻭﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺠﺮﺓ؟
وفي ذلك قال سبحانه: ﴿أَذَ ٰ⁠لِكَ خَیۡرࣱ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ۝ إِنَّا جَعَلۡنَـٰهَا فِتۡنَةࣰ لِّلظَّـٰلِمِینَ﴾

وأعظم من ذلك أن تكون الفتنة بالصوت الشيطاني، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِ﴾.
أي التلاوة النبوية، فيلقي الشيطان بصوته فيها ما يكون سببًا للضلال لمن في قلبه مرض.
فهذا من مقتضى حكمته.
ولكن من مقتضى رحمته أن يذهب ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻧﺒﻴﻪ ﻭﻳﺒﻄﻠﻪ، وﻳﺨﻠﺺ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ اﻟﺬﻱ ﺃﻟﻘﻰ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ولذا قال سبحانه:
﴿فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِ﴾.
ولا يؤثر ذلك ولا يزلزل إلا من كان في قلبه مرض، ولذا قال سبحانه: ﴿لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمۡ﴾.
فتدبر هذا، فإنك إذا تدبرته وأعطيته حقه لم تستشكل ما يستشكله بعض أهل العلم من معنى الآية.

ومما يدل على أن الله ينزل الفتنة ويضعها اختبارًا للخلق، ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ﴾.
فأنزل الملكين يعلمان السحر!
وهذا من مقتضى اسمه الحكيم!
ولكنه جعل في الفتنة هذه ما يبينها، وهذا من مقتضى اسمه الرحيم، ولهذا يحذران الناس ويقولان لمن أراد تعلم السحر: ﴿إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ﴾!
وهذا من التنفيس!
=
=
ومن ذلك أن الله سبحانه قال: ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾.
وقال: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ﴾.
فقد زين الله الدنيا وجعل لها بهجة وحلاوة وخضرة، وهذا من مقتضى اسمه الحكيم.
ولكن من مقتضى اسمه الرحيم ألا يجعل فتنتها مضلة لكل الخلق لا تبقي أحدًا، فقال سبحانه: ﴿وَلَوۡلَاۤ أَن یَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ لَّجَعَلۡنَا لِمَن یَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ لِبُیُوتِهِمۡ سُقُفࣰا مِّن فِضَّةࣲ وَمَعَارِجَ عَلَیۡهَا یَظۡهَرُونَ﴾!
فلولا أن يضل الخلق كلهم، ولولا أن يفتنوا جميعهم؛ لجعل الله الدنيا مبسوطة لكل كافر، ولجعل الكفر سببا للرزق!

     ومن هذا الباب، فتنة الدجال، فإن من مقتضى اسم الحكيم أن يجعل الدجال فتنة للخلق، وأن تعظم فتنته حتى يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ويمر على الخربة فيقول: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، ويحيى الموتى، في فتن عظام كثيرة.
ولكنّ من مقتضى رحمة الله أن جعل في هذه الفتنة ما يبينها، فإنه أعور العين، قمئ الشكل، مكتوب بين عينيه كافر كما في الصحيحين، ويدعي أعظم الأمور!
فهذا من التنفيس في الفتنة.

والله أعلم.
.
قال جل في علاه: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾، من أعظم النعم التي يستحق المنعم ﷻ عليها الحمد؛ قطع دابر أهل الظلم والطغيان.
فالحمد لله، الحمد لله.
قصة ملهمة ومحفزة لطلب العلم والثبات عليه 📚📚

قال ابن بطال في شرحه على البخاري (١/ ١٣٤):
وفى فضل العلم آثار كثيرة ومن أحسنها ما جاء عن يحيى بن يحيى بقوله: أول ما حدثنى مالك بن أنس حين أتيته طالباً لما ألهمني الله إليه فى أول يوم جلست إليه أن قال لى: ما اسمك؟ قلت له: أكرمك الله: يحيى.
وكنت أحدث أصحابى سناً.
فقال لى: يا يحيى، الله الله، عليك بالجد فى هذا الأمر وسأحدثك فى ذلك بحديث يرغبك فيه، ويزهدك فى غيره.

قال مالك: قدم المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزل به الموت، فلقد رأيت على جنازته شيئا لم أر مثله على أحد من أهل بلدنا، لا طالب ولا عالم، فرأيت جميع العلماء يزدحمون على نعشه. فلما رأى ذلك الأمير أمسك عن الصلاة عليه، وقال: قدموا منكم من أحببتم.
فقدم أهل العلم ربيعة. ثم نهض به إلى قبره.
قال مالك: فألحده فى قبره ربيعة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، وأقرب الناس إليهم محمد بن المنذر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم، وبنى اللِّبن على لحده ربيعة، وهؤلاء كلهم يناولوه اللبن!
قال مالك: فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه رآه رجل من خيار أهل بلدنا فى أحسن صورة غلام أمرد، وعليه بياض، متعمم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب نازل من السماء، فكأنه كان يأتيه قاصداً ويسلم عليه، ويقول: هذا بلغني إليه العلم.
فقال له الرجل: وما الذى بلغك إليه؟ فقال: أعطانى الله بكل باب تعلمته من العلم درجة فى الجنة، فلم تبلغ بى الدرجات إلى درجة أهل العلم، فقال الله تعالى: زيدوا ورثة أنبيائى، فقد ضمنت على نفسى أنه من مات وهو عالم سنتى، أو سنة أنبيائى، أو طالب لذلك أن أجمعهم فى درجة واحدة.
فأعطاني ربي حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، وليس بينى وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا درجتان، درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم، ودرجة فيها جميع أصحابه، وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم، ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته، فسيرني حتى استوسطتهم فقالوا لى: مرحبا، مرحبا، سوى ما لي عند الله من المزيد.
فقال له الرجل: ومالك عند الله من المزيد؟
فقال: وعدني أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم فى زمرة واحدة، فيقول:
يا معشر العلماء، هذه جنتي قد أبحتها لكم، وهذا رضواني قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم، وأشفعكم فيمن استشفعتم له، ليرى عبادي كرامتكم علي، ومنزلتكم عندي.
فلما أصبح الرجل حدث أهل العلم، وانتشر خبره بالمدينة.
قال مالك: وكان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا فى طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه، حتى سمعوا هذا الحديث، فلقد رجعوا إليه، وأخذوا بالحزم، وهم اليوم من علماء بلدنا الله الله يا يحيى جد فى هذا الأمر)
.
لماذا تعجبت من تلك المناظر المحزنة لمعتقلات العلمانية في سوريا؟
كيف تتعجب وذاك صنع العلمانية الذي عهدناه ويتكرر أمام أعيننا في كل حين!

ثم لا تقل هذا فعل النصيرية! ولكن قل: هذا فعل العلمانية!
فإنك إذا قلت: النصيرية فقد قصرت هذا البؤس والإجرام بطائفة لا تتكرر، وبقوم ليسوا في غير بلاد الشام!
لكنها العلمانية أم الجرائم!

فالحرب التي يقال لها العالمية الأولى، وقتل فيها عشرة (١٠) مليون، وأصيب عشرون (٢٠) مليون آخرون، حرب علمانية وليست دينية!

والحرب العالمية الثانية التي قتل فيها نحو خمسة وخمسون (٥٥) مليون شخص، هي حرب علمانية أيضا!

واجتياح بلاد الهنود الحمر، والقيام بإبادة ما سمع التاريخ بمثلها في القارتين التي سميت بعد بالأمريكيتين، تلك أيضًا إبادات علمانية بامتياز!

ولقد كان سكان هاتين القارتين نحو خمس سكان الأرض، إذ يبلغ عددهم ثمانين (٨٠) مليون في القرن السادس عشر بالتاريخ النصراني.
ثم بعد قرن من الزمان لم يبق منهم إلا عشرة (١٠) ملايين!
لقد أبيد تسعون بالمائة من تلك الشعوب! أبيد منهم أكثر من سبعين مليون إنسان!
وانتشرت عادة سلخ الرؤوس وقطع فروة الرأس لوحدها، وهي عادة انجليزية كانت قد عُرفت في الحرب الانجليزية الإيرلندية، وانتقلت هذه العادة إلى العالم الجديد، القارتين التي سميت بعد بالأمريكيتين!
وتلك فعلة علمانية لم يسبقها أحد إليه!

ثم حدّث عن الحرب الأهلية الأمريكية ولا حرج! الحرب التي قتل فيها أكثر من نصف مليون أمريكي، وهي حرب علمانية!

وإلقاء القنبلة النووية على اليابان كان فعلا علمانيا!

ومقاتل هتلر ومعتقلاته منتج لحكومة علمانية أخرى!

وإجرام ستالين ورحلات قطارات الموت إلى سيبيريا، ومعتقلات الشيوعية، وتهجير مسلمي وسط آسيا، التي قتل فيها أكثر من عشر ملايين مسلم، تلم فعلات علمانية!

وشخصيات دراكولا ورامبو، وفكرة حرب النجوم، ورياضة الملاكمة وكرة اليد الأمريكية، كل ذلك منتجات علمانية!

وسجون بلغرام وغوانتنامو وأبو غريب والمذابح في أفغانستان والعراق وفلسطين كلها من صنيع الأيدي العلمانية!
فلماذا نستغرب اليوم!

وإن من أعجب ما أنت راءٍ في هذا الزمن؛ أن أكثر الناس مناداة بحقوق الإنسان، وادعاءً للحضارة، واستطالة على الناس بمعاني التقدّم والرحمة! هم أكثر الناس توحشًّا وإبادة وقتلًا للأطفال والشيوخ، واستغلالًا لبلاد غيرهم، وسرقة لها، وإهلاكًا للحرث والنسل!

وهذا التوحش العلماني والقسوة والصدام والعدوان أمر مركوز، وموروث مغروز، في الحضارة الغربية العلمانية!

وهو توحش ضروري للهيمنة على العالم!
وإلا فمالذي يجعل ثلاثة عشر في المائة (١٣%) من سكان العالم، يهيمنون على بقية العالم؟!
ويخضعون بقية سكان الأرض لحضارتهم ومعاييرهم الحياتية وإعلامهم إلا بالقوة المتوحشة!
الكاتب الكريم الأديب عبد الله الخميس -رحمه الله-، يتحدث عن دمشق وأهلها بعد أول زيارة زارها.
(شهر في دمشق ص ٣١)
.
حين كنت فتى صغيرًا أحضر اللقاءات الدعوية وأجلس في مجالس العلم والوعظ، وألتحق بالدروس والمراكز الصيفية والمخيمات الدعوية؛ كان الشباب ممن يكبرنا سنًا يلقون فينا تلك المواعظ الإيمانية.
ولا تزال كلمات عايض القحطاني -ذلك الشاب الذكيّ الذي كان يدرس آنذاك أول ثانوي، وهو الآن مهندس كبير في شركة أرامكو- لا زالت كلماته تلجلج في ذهني، بنغمته المؤثرة، وهو يتحدث عن مأساة المسلمين في الأندلس، ويقص بعض خبر محاكم التفتيش التي نالت من إخواننا المسلمين في تلك البلاد منال بؤس!
لا زلت أذكره وهو يحيل على كتاب: (قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله)، وينقل عنه مقالات وأخبارًا.
وذهبتُ لأحصل على نسخة من الكتاب، ووجدت نسخة قديمة متفسخة الأوراق، لا أدري الآن من أين حصلت عليها، لكنني أدري بعد مرور ثلاثين عامًا على قراءتي لذلك الكتاب كم أبكتني كلماته، وأشجتني قصصه!
كان كتابًا من القطع الصغير، لمؤلفه (جلال عالم)!
ومكثت مدة طويلة أبحث عن هذا المؤلف الفاضل الذي أثرت فيّ كلماته، وهزتني أسطره، حتى علمت بعد أكثر من عشرين سنة أن هذا الاسم اسم قلمي للشيخ الأديب المؤرخ الدمشقي: عبد الودود بن يوسف الدمشقي، وأن هذا الشيخ من دعاة الشام وعلمائه، وبحثت عن سيرته وكتاباته، فوجدت أن له كتابات كثيرة في نصرة الإسلام والمسلمين، تنبض بالعزة، وتثير سواكن القلب، وتوقد حماسته الإيمانية.
رأيت من كتبه كتبًا ألفها لفتية الإسلام مثل: كتاب (حارثة) في عشرين جزءًا، و(حكايات عن القرآن)، في أكثر من عشرين جزءًا، وتفسير للقرآن سماه: تفسير المؤمنين، وألف كتابا جليلا سماه: (بناء الإسلام)، أكمل بعضه ولم ينتهِ منه.
وكان يعد أطروحة للدكتوراه عن (تاريخ حماة من خلال سجلات المحاكم الشرعية).
وكان لهذا العالم الكريم نشاط دعوي وعلمي عريض، مع غيرة إيمانية، وحماسة شاميّة، فاعتقله النظام العلماني النصيري بسوريّة في (أوائل 1980 بالتاريخ النصراني)، قبل مناقشة رسالته الدكتوراه.
وأُخفي منذ ذلك اليوم، فلا يُدرَى عنه خبر، ولم يثبت له حياة ولا موت، فلعله ممن رزق الشهادة في سجون العلمانية النصيرية، والله المستعان!


وقد انبهر المستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس، ودهش بأطروحة الشيخ عن (تاريخ حماة من خلال سجلات المحاكم الشرعية)، وأعجب بافتراع الشيخ لهذا المصدر في تدوين التاريخ وابتداعه هذه الطريق في توثيقه، وهذا المستشرق مهتم بتاريخ المسلمين المعاصر، ومن أكثر المستشرقين حنَقًا على الإسلام وأهله، وهو صاحب مشروع تقسيم بلاد المسلمين على العشائر، وله كتب مهمة في صياغة النظرة الغربية عن الإسلام والمسلمين، وهو ممن شحن كتبه وملأها بالفِرى على دين الله وحمَلَته، قاتله الله.
.
الحديث عن أمويّة دمشق، وعودة الشام للأمويين؛ له مقصدان:
- فإن كانت نسبة تاريخية، باعتبار اتخاذهم لها مقرًا وحكمًا فتلك نسبة صحيحة، وخبر تاريخي حق.

- وإن كانت نسبة فخر وتمدّح فهي نسبة قاصرة!
فالأمويون كغيرهم لهم وعليهم، وليسوا كلهم من خيار الأمة الذين يفتخر بالنسبة لهم، وإنما يفتخر بالنسبة للإسلام والسنة والإيمان.

فأما بنو أمية فكان منهم من هو من مفاخر الأمة كمعاوية رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، ومنهم من كان دون ذلك، وهكذا حتى كان منهم من هو سفاك للدماء صاحب بطش وظلم وطغيان.
فلا يصح أن نقابل غلو الرافضة بغلو يقابله.
بل الواجب أن تكون النسبة لما هو محل المدح حقا، فتنسب الأرض للإسلام والسنة.

وكم يقع من الانحراف حين تُنْتحل عقائد ردود الأفعال!
وحين تكون مضادة الخصوم حاكمة للأقوال والمعتقدات دون غيرها من الأصول والضوابط التي تُبنى عليه الاعتقادات.
بل المؤمن المتّبع يتبع الحق ويرد على الباطل، وينخل أقوال خصومه لينقّي ما فيها من الحق، ويميزه عن الباطل.
فليست النسبة للفرس ذمًا للخصوم، ولا النسبة للأموين ممدحة لنا.
ولكن المدح باتباع السنة، والقدح بوصف العلمنة والطغيان والبدعة والرفض.

فإن قيل: ولكن النسبة للأمويين فيها نكاية بالرافضة وإغاظة لهم.
فيقال: نعمّا ما تصنع إذا أغظت الرافضي وكل بدعي، ولكن لا تنس أن من الناس من سيظن أن أهل السنة ينتسبون إلى يزيد بن معاوية، وأن أهل الأثر يمدحون صنائع عبد الملك بن مروان، وأن أهل الحديث لم يكونوا ينقدون مروان وأبناءه!

وهكذا كان، فلقد وجدت من يزيل كل ممدحة لأبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويثني على يزيد نكاية في الرافضة!
وهكذا سنرى من يذم آل البيت مناقضة للرافضة، وسنرى من يسب العترة مدافعة للشيعة.
ثم سنرى من أبنائنا من يتشيع ويغلو نكاية فيمن يفرط ويجفو.
وهكذا تنشأ البدع، ويفشو التبديل.
عصمني الله وإياكم.
.
تسمية "الهنود الحمر بالعرب للمبالغة في التحقير. ويروي وولتر من جامعة ولاية أورغن والمسؤول عن الأقلية العرقية في المجلس الوطني للعلاقات العائلية أن اسم عرب أميركا يطلق على الهنود الأميركيين في دروس العلاقات العرقية وفي أدبيات عدد من المنظمات الوطنية الأميركية.
كذلك يطلق عليهم اسم المسلمين الأميركيين.
وتسمية الهنود الحمر بالعرب في النهاية ليست جديدة، ففي دراسة عما يسمى بالهنود الخفاء أو اللامرئيين، تتحدث العالمة الأنثروبولوجية (Louise Heite)، وزوجها إدوارد عن الهنود الذين كان المستعمرون الأوروبيون يسمونهم باسم «المور»، لا سيما أولئك الذين نجوا من الإبادة وتم استيعابهم في المجتمع الأوروبي الاستعماري، أو الذين نجوا من المذابح على طول الشاطي الشرقي وعاشوا خارج المنعزلات الهندية، أو خارج التجمعات التي تعترف وزارة الداخلية الأميركية بهنديتها.
فكل هندي نجا من الإبادة ولم يعش في المنعزلات أنكرت الولايات المتحدة عليه هنديته وصارت تطلق عليه اسم مور - عربي أو مبغل كلمة مستمدة من تهجين البغال، أو زنجي.
وقوانين ولاية فرجينيا ماتزال إلى الآن تصف طفل الهندي الذي لا يعيش في المنعزلات بأنه مبغل.
والغريب أن بعض عملاء البيض ممن أثروا على حساب إبادة شعوبهم الهندية تمتعوا بصفة البيض فيما ظل آباؤهم أو أخوتهم أو أبناء عمومتهم تحت صنف الزنوج أو المبغلين".

كتاب: أمريكا والإبادات الجماعية، منير العكش (ص١٤٦)
الدعوة_السلفية_في_دمشق_قبل_سبعين_عامًا_241223_134749.pdf
167.8 KB
الدعوة السلفية في دمشق قبل سبعين عامًا.
• العلامة جمال الدين القاسمي الدمشقي، حين ذهب لبيت المقدس، عام ١٣٢١ هـ، وطلبوا منه درسًا هناك.
هذا وهو عالم معروف، له تأهل في العلم، وتقدم في التدريس، ومع ذلك يرعى قلبه، ويحذر على نفسه.
• من كتاب رحلته لبيت المقدس (ص ٦٤)
.
من رحمة الله بعباده أن وسّع لهم في وجوه البر، وفتح لهم أسباب الثواب، وجعل لهم من أبواب الأجور أبوابًا؛ حتى جعل لعباده أجرا فيما ليس لهم فيه نية! مع أن الأصل أن الأجر إنما يترتب على ما كان فيه للعبد نية.

ومن ذلك الثواب على المصيبة، فقد دلت الأدلة على أن المصيبة يكفّر بها عن العبد، فهذا ما لا إشكال فيه.
ولكن جاء ما قد يدل على أن العبد يثاب على المصيبة.
وجاء عن بعض الصحابة أنّ المصيبة لا يؤجر بها، ولكن يكفر بها عن العبد، كما ثبت عن أبي عبيدة، فيما رواه ابن أبي شيبة عن ﻋﻴﺎﺽ ﺑﻦ ﻏﻄﻴﻒ، قال: ﺩﺧﻠﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺑﻦ اﻟﺠﺮاﺡ ﻧﻌﻮﺩﻩ، ﻓﺈﺫا ﻭﺟﻬﻪ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻲ اﻟﺠﺪاﺭ، ﻭاﻣﺮﺃﺗﻪ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻋﻨﺪ ﺭﺃﺳﻪ، ﻗﻠﺖ: ﻛﻴﻒ ﺑﺎﺕ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﻴﺪﺓ؟
ﻗﺎﻟﺖ: ﺑﺎﺕ ﺑﺄﺟﺮ!
ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﻮﺟﻬﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻲ ﻟﻢ ﺃﺑﺖ ﺑﺄﺟﺮ!
وقال: ألا تسألوني عما قلت؟
قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه!
قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من ابتلاه الله عز وجل، ببلاء في جسده فهو له حطّة».

وفي مصنف ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺷﺮﺣﺒﻴﻞ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: "ﺇﻥ اﻟﻮﺟﻊ ﻻ ﻳﻜﺘﺐ ﺑﻪ اﻷﺟﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻜﻔﺮ ﺑﻪ اﻟﺨﻄﺎﻳﺎ".

وجاء ما قد يدل على خلاف ذلك عن ﻣﺠﺎﻫﺪ، في ابن أبي شيبة قال: "ﻳﻜﺘﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﻳﺾ ﻛﻞ ﺷﻲء، ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻴﻨﻪ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻪ".

وقد ذكر ابن تيمية هذا الشأن، فقال: "ﻭاﻟﺪﻻﺋﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻛﻔﺎﺭاﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺇﺫا ﺻﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﺛﻴﺐ ﻋﻠﻰ ﺻﺒﺮﻩ، ﻓﺎﻟﺜﻮاﺏ ﻭاﻟﺠﺰاء ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ -ﻭﻫﻮ اﻟﺼﺒﺮ-، ﻭﺃﻣﺎ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺼﻴﺒﺔ ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﻠﻪ؛ ﻻ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ اﻟﻌﺒﺪ ﻭﻫﻲ ﻣﻦ ﺟﺰاء اﻟﻠﻪ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻋﻠﻰ ﺫﻧﺒﻪ ﻭﺗﻜﻔﻴﺮﻩ ﺫﻧﺒﻪ ﺑﻬﺎ.. وذكر أثر أبي عبيدة، ثم قال: ﻭﻛﺜﻴﺮا ﻣﺎ ﻳﻔﻬﻢ ﻣﻦ الأجر ﻏﻔﺮاﻥ اﻟﺬﻧﻮﺏ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺃﺟﺮ ﺑﻬﺬا اﻻﻋﺘﺒﺎﺭ".

وذكر ذلك ابن القيم، فقال: "الأﺟﺮ إﻧﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ الأﻋﻤﺎﻝ اﻻﺧﺘﻴﺎﺭﻳﺔ ﻭﻣﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻨﻬﺎ".

ولكن قد دلت أدلة أخرى أن العبد ربما كُتب له الثواب ولو بغير عمله.
كما في صحيح مسلم ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ، ﻗﺎﻟﺖ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻳﺼﻴﺐ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﺣﺘﻰ اﻟﺸﻮﻛﺔ ﺗﺼﻴﺒﻪ، ﺇﻻ ﻛﺘﺐ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﺃﻭ ﺣﻄﺖ ﻋﻨﻪ ﺑﻬﺎ ﺧﻄﻴﺌﺔ».
وفي لفظ: «ﺇﻻ ﺭﻓﻌﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﺩﺭﺟﺔ».
وفي لفظ: «ﺇﻻ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻪ ﺑﻬﺎ ﺩﺭﺟﺔ».

وأكثر دلالة على هذا الأصل، وهو من لطيف ما جاء في هذا، ما ثبت في صحيح مسلم ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﷺ: «ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﻐﺮﺱ ﻏﺮﺳًﺎ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﺃﻛﻞ ﻣﻨﻪ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ، ﻭﻣﺎ ﺳﺮﻕ ﻣﻨﻪ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ، ﻭﻣﺎ ﺃﻛﻞ اﻟﺴﺒﻊ ﻣﻨﻪ ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ، ﻭﻣﺎ ﺃﻛﻠﺖ اﻟﻄﻴﺮ ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ، ﻭﻻ ﻳﺮﺯﺅﻩ ﺃﺣﺪ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ».
وفي النسائي ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻣﻦ ﺃﺣﻴﺎ ﺃﺭﺿﺎ ﻣﻴﺘﺔ، فله ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺟﺮ، ﻭﻣﺎ ﺃﻛﻠﺖ اﻟﻌﻮاﻓﻲ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻟﻪ ﺻﺪﻗﺔ».
فقد دلّ هذا الدليل على أجر المسلم إذا سرق منه، وهو دال على ثبوت الأجر بغير نية، ومثله ثبوت أجر القربات المهداة، فهي محل إجماع في البدنية، وقول جمع من السلف في المالية.
والله أعلم.
.
من يقول: تلك آخر جمعة في السنة فاجتهدوا فيها.
أو يقول: هذا آخر يوم فاختموه بخير.
أو يقول: هذا آخر يوم اثنين في العام فلنصمه، وغير ذلك مما هو من جنسها.
خلل من ثلاث جهات:
- أولًا: أن مثل ذلك لا يشرع ولو كان في ختام سنة هجرية إسلامية، فإن مثل ذلك ليس مما دلت عليه الأحاديث ولا الآثار.

- ثانيا: أن هذا التأريخ ليس للمسلم به علاقة، فاليوم لم تنتهِ سنته، ولم يختم عامه، بل هو في وسط سنته، وليس لهذا اليوم مزية توقيتيه في ذاته.

- ثالثًا: أن لكل شخص سنته الخاصة، التي تنتهي فيها أيام عامه باعتبار مولده.
والله المستعان.
.
في قوله تعالى: ﴿سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّاهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾.

للعلماء مسلكان في ترتيب الآية في قصة تحويل القبلة:
هل ﺃﺧﺒﺮت ﻋﻨﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ يقولوا ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ؟ أم أن الآية مقدمة في تلاوتها مؤخرة في نزولها، إذ تحدثت عن مقالة المبطلين بعد تحويل القبلة.

فعلى المسلك الأول، وأنها نزلت قبل وقوع ذلك منهم، لأنها استفتحت بقوله سبحانه: ﴿سَیَقُولُ﴾، أي في مستقبل الأمر؛ فعلى هذا المسلك هناك فائدة:
وهي ﺃن من منهج القرآن الإخبار بالشبهة وجوابها قبل وقوعها، لأن المسلم ﺇﺫا ﺃُﺧﺒﺮ ﻋﻦ جواب الشبهة والتهمة ﺃﻭﻻ ﺛﻢ سمعها؛ قلّ ﺗﺄﺫﻳﻪ منها، وتوطّنت نفسه لعلمه بالجواب قبل الحاجة، فيكون ﺃﻗﻄﻊ ﻟﻠﺨﺼﻢ ﻭﺃﻛﺴﺮ ﻟﺸﻮﻛﺘﻪ ﻭﺃﺭﺩّ ﻟﺸﻐﺒﻪ، بخلاف ﺇﺫا سمع الشبهة أولًا، وجاءت على غفلة منه فربما بهت وحزن.

وهذا أيضا ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﻨﺒﻮﺓ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء.

وهذا الشأن معلوم في أحوال الناس، وفي الدراسات الحديثة، في باب المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة، ولهذا يجري التدريب المعاصر على جعل المتدرب يعيش أجواء محاكية للواقع، ليكون ذا كفاءة عالية في استجابته للأمور المتوقعة، وذلك يكسبه معارف تضع في عقله عناوين ينتفع بها إذا احتاج لذلك.

وفي مباحث الاستعدادات النفسية في الأزمات والكوارث يقرر المختصون أن الذين لديهم تقييم للمخاطر المقبلة هم أكثر تقبلًا وسكينة عند وقوعها من الذين يفاجؤون بالصدمات والبلاءات، والله المستعان.
.
من منهج التزكية القرآني تربية القلوب على دوام الاستغفار حتى مع عظيم العمل، وذلك من مقتضى مقت النفس في ذات الله، التي يقول فيها ابن القيم رحمه الله: "ﻭﻣﻘﺖ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻰ ﺫاﺕ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺕ اﻟﺼﺪﻳﻘﻴﻦ، ﻭﻳﺪﻧﻮ اﻟﻌﺒﺪ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻰ ﻟﺤﻈﺔ ﻭاﺣﺪﺓ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﺃﺿﻌﺎﻑ ﻣﺎ ﻳﺪﻧﻮ ﺑﻪ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ".
(إغاثة اللهفان ١/ ٨٧)

فتأمل قوله سبحانه في الثناء على المتقين أهل الجنة في أول آل عمران: ﴿ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ۝ ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ﴾
فقد وصفهم بأنّهم يدعون ربّهم بالمغفرة، ويسألون تكفير الذنب، وذكر أنّهم يتوسلون بإيمانهم به سبحانه، فقال: ﴿ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا﴾، وهذا توسل بالعمل الصالح.

ثم إنّه سبحانه وصفهم بالأوصاف الصالحة، واثنى عليهم بأعمالهم الطاهرة، فقال: ﴿ ٱلصَّـٰبِرِینَ وَٱلصَّـٰدِقِینَ وَٱلۡقَـٰنِتِینَ وَٱلۡمُنفِقِینَ﴾، فيندفع بذلك أن يُظنّ بهم أنهم من أهل التفريط، أو الجراءة على الله، فإنهم وإن ذكر الله عنهم سؤال مغفرة الذنوب، لكنهم من أهل الصبر والصدق والقنوت والنفقة!
ثم عاد السياق ليثني عليهم بالاستغفار في الأوقات الفاضلة، فقال: ﴿وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِینَ بِٱلۡأَسۡحَارِ﴾، وهذا مقتضٍ لصلاتهم الليل، وقيامهم بالسحر، كما جاء عن ابن مسعود أنه كان في اﻟﻤﺴﺠﺪ وﻳﻘﻮﻝ: "ﺭﺏ ﺃﻣﺮﺗﻨﻲ ﻓﺄﻃﻌﺘﻚ، ﻭﻫﺬا ﺳﺤﺮ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ"، وجاء عن ابن عمر نحوه، وقال قتادة وغيره هي في المصلين بالأسحار.

فاجتمع في الآيتين ذكر عبادتهم واجتهادهم، مع ذكر خوفهم ومقتهم لأنفسهم.
2025/01/13 13:13:47
Back to Top
HTML Embed Code: