Telegram Web
في مثل هذا التوقيت من كل سنة أخبُئ دعوةً معينة بين طيّات دعائي، لا أجعلها الأولى فأهمل الباقي لأجلها، ولا الأخيرة فأهملها لأجل الباقي، في المنتصف تمامًا محاطة بِكمٍّ من الدعوات الغضّة يطلُبن الاستجابة رغم حداثتهن وقِدَمها في هذا العهد!
عزيزي العيد..

قد اعتدتُ في أمري إن امتنع حرفي وأُصبتُ باحتقان في المشاعر؛ جعلتُها في رسالةٍ تُجسّدُ ما أردت، هذا لأني أجدُ في الرسائل مُتسعًا وتحريرًا من كل القيود التي تفرضُها بقيّة الفنون..

ولم أجد في هذا التوقيت غيرك يستحقُّ أن أُراسله، إذ أن مُعظم المشاعر التي تلبّستني خاصة بك، لا أكذِبُكَ أني في اليوم الذي يسبقُك كنت على هيئةٍ مُناقضة لملامحك، وحالٍ لا يوحي بقدومِك عليّ، لكنك أتيتَني بكرمِك وكل ما يحملهُ العيد من مشاعر وذكريات دافئة، واستقبلتُكَ على استحياءٍ وقلّة زادٍ لا تليق بضيفٍ سَخيٍّ مثلك!

إلا أنك كعادتك لم تُبالِ بقلّة زادي وأغدقتني بكمٍّ كافٍ من السعادةِ جعلني قادرةً على الابتسام دون أن أحتاج إلى التظاهر بهذا، حتى أنني بادرتُ في مُعايدتِهم وكنتُ مُرحّبةً بهذه الفكرة من داخلي الذي لا يُرحُب بأفكارٍ كهذه.

عزيزي العيد، شكرًا لأنك أتيت.
الحمد لله الذي يمنُّ علينا بلُطفٍ يشمل عباده.
الانتظارُ قيدٌ من وَهمٍ نُنشئه بأنفُسِنا ليصل بين قلوبنا والأشياء التي نُحبها ونتمنّى حدوثها، آمِلِينَ أننا بهذا القيد نكون قد أحكمنا القبض عليها وأصبحت ملكنا، فنطمئن لهذا الخاطر ونغفل عن أنه وهمٌ في أساسه لا يُسمِنُ بأملٍ ولا يُغني بِتحقُّق..
ولا يزالُ هذا القيد يُغرينا بالتمسُّكِ ويمنّينا التحقُّق حتى نزهدَ أشياءَ كانت في مُتناول أيدينا متمسّكين بهذا الأمل الزائف والذي في حقيقته سراب.
الانتظارُ مطفأة للشَغَف، غَيابةُ قلبٍ نُلقي بها مُنًى قد يئسنا من تحققها وتركناها لتأتي مع انتهائه، شمّاعةٌ نُعلّق عليها خيباتنا وآمالنا الضائعة.
👍1
كمّن يجلسُ في قاربٍ يتقصّى مواطنَ هبوب الرياحِ لتُحرّكهُ مع أنّ قاربَهُ لا يملك أشرِعة!
"(
كاتبُ لفظٍ وكاتبُ معنى..

لا تخلو الكتابة من كليهما ولو اتحدا لكان الكمال بعينه، وليس مُصطلح الفصاحة والبلاغة إلا مَظهرين يدلان على حضورِ إشكالٍ في اللفظِ والمعنى، يقول عبد اللطيف البغدادي:" البلاغةُ شيءٌ يبتدئ من المعنى وينتهي إلى اللفظ، والفصاحةُ شيءٌ يبتدئ من اللفظ وينتهي إلى المعنى".

كاتبُ اللفظِ يتشدّق به، يتباهى بوعورته، يستدعي الأذهان بصعوبته لتتساءلَ عن ماهيته، يكون فظًا قليلًا متباهٍ بما لديه من معاجم كلاميّة.. الألفاظُ شَحيحة المعنى لا تصلُ فِكرَ القارئ لتتخطّى حاجِزَ قلبه، مما يستدعي الملل رغم فخامة اللفظ، لا يخلو لفظٌ من معنى لكن ليست كل الألفاظِ تُناسب كل المواضِع رغم تشابه معانيها، فهناك مواضِع ليّنة قريبة من القلب تحتاج سهولةَ اللفظِ والعبارة فإن أُدخِلَ عليها لفظٌ مُستعصٍ أُفسِد الموضِع والغاية، وقد قيل: "إياك والتوعّر فإن التوعّر يُسلمك إلى التعقيد".

كاتبُ المعنى ليّن، وفي ليونتهِ قليلٌ من اللامبالاة بشأن الألفاظ، يُنشد القلوب ويجعلها قِبلتهُ الأولى، وينسى أن العقل-في رواية- محلّه القلب، يتخيّر المعاني التي تنفذ إلى القلوب لكن يغفل عن أن يكسوها ما يليقُ بها من حُلى الألفاظ وأن يوشّي أطرافها وحاشيتها، قيل: "أن الكلمة فيها إلى جانب معناها العقلي حشدٌ عظيمٌ من دقائق الشعور قد يهتز لها كياننا كله، وفي هذه الدقائق يختلف المعنى من شخصٍ إلى شخص إذ قد تُثير فيك اللفظة المُعيّنة من الذكريات ما لا تُثيره في سواك".

المعنى في أصله لا يحتاج إلى توشيّة ولو لم يمتلك غير النفاذِ إلى خلجاتِ القلب لكفاهُ، لكن كثرة استخدامِه في نفسِ نَمطهِ تجعله مُبتذلًا في فكر القارئ فلا يملك القُدرة على تجديد الشعور وإثارته، لكن أن تُلبس نفس المعنى لفظًا آخرَ فهذا يَنقُلهُ من معنًى مُبتزلٍ إلى آخر مُبتكر..
قيل: "ومن أراد معنًى كريمًا فليلتمس لفظًا كريمًا، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يُفسدهمُا".

كاتِبُ المعنى مُسترسل، كاتب اللفظ مُختصِر، الأوّل يعوّض نقصَه في استرساله، والثاني يعوّضه باختصاره واقتصاره على حصيلته اللغوية حتى ذلك الحين..
كلٌّ يُداري نقصهُ بدلًا من علاجه، في حِين أن العلاجَ في متناولهما، ولو أمعنّا في قول الجاحِظ لكفى به علاجًا، يقول: "يجب أن يكون المُفكّر في ثلاث منازل، فإنّ أولى الثلاث أن يكون لفظه رشيقًا عذبًا وفخمًا سهلًا، ويكون معناه ظاهرًا مكشوفًا وقريبًا معروفًا، إمّا عند الخاصّة إن كان للخاصة قصد، وإمّا عند العامة إن كان للعامة أراد".

وفي قراءة الشعرِ تهذيبٌ للذائقة وتشبّعٌ بالمعاني واختصارٌ للاسترسال يصلُ إلى ذلك الحد المُشبِع والمُرضي للنفس، فإن جعلنا كاتبَ المعنى يغوصُ في عالمِ الشعرِ خرجَ منه بمحصولٍ لُغوي قادرٍ على جعله كاتبَ لفظٍ مُشبّعِ بمعنى..

"تَزين معانيه ألفاظَهُ
وألفاظُهُ زائِناتُ المعاني"

ولو دفعنا كاتب اللفظ إلى التطرّق إلى عالم أدب الرسائل والسّيَر، تعلّمهُ البساطة في شموخٍ لا ابتزال، وأنه لا عيب من الاسترسال -في بعض الأحيان- إن كان لا يدفعُ إلى الملال، فتُذلَّل ألفاظُه بالمعاني  وتصير عذبة مُستساغة لا يستغربُها الفكر الأدبي، وهي في عذوبتها السهل المُمتنع الذي لا يؤتى بمثله في موضعِه..
فيكون كل منهما أعاد هيكلة فِكره بصورةٍ لم تسلب أسلوبَه لكن قامت بتجويده.

- مُنى بنفسج.
1
أصحابُ الحزنِ رَحِمٌ مُتصلة، فقد يقصدُ أحدهم نفسَهُ ويجد أنه قد جسّد غيره دون قصدٍ منه، ليس لِاطلاعِه على نفوسهم ولكنه تشابه الحال مع الحالِ.. ورغم هذا لا يبوح بما في نفسه كليًا، يظلُّ جزءً من نفسه مُستعصيًا عليه يأبى أن يكون في مُتناول الأفكار والأقلام، وهذا الجُزء المستعصي هو الرمق الأخير منه، فإن وصل إليه؛ فاضت نفسه.
1
في كل المعاني التي قرأتُها تجذبني الثنائيات المُكمّل بعضها الآخر والمُتمِّم بعضُها للآخر، تلك التي لا تَرِدُ مُفردةً إلا تلاها صاحبُها، فرقدان في أصلِهما يَتبعُ أحدهما الآخر، فإن توافقا تتامّا وإن اختلفا تكاملا، كالصدرِ والعجزِ، واللفظ والمعنى، والروح والجسد.. ثنائياتٌ هيَ لكنّها في أصلها واحد، إن ظهرَ أحدهما غيرَ مقترنٍ بصاحبه خَفَتَ وَميضُه وبَهَتَ بريقهُ، كلاهما قادرٌ على إحياء الآخر وعاجزٌ عن إحياء نفسه.. هُنا يكمُن جمال الثنائيات وتفرّدها.
2
ليلٌ يلتحفُ بالنجوم، أو نجومٌ تلتحفُ بالليل، لا ندري أيًّا منهُما يلتحفُ بالآخر، لكن ما نعرفهُ أننا لا نستطيع تفرقة أحدهما عن الآخر، لكن يالكثرة الليالي التي لم تحوِ نجومًا! دائمًا يحضرُ الليل، وتتخلّف النجومُ عن الحضورِ وتختبئ، تريدُ اختبار الليل في حبِّه لها، كم كان الليلُ وحيدًا وقتها!، يُحرّم على نفسه مُسامرة القَمرِ خوفًا من غيرة النجوم، من أن تقول تسلّى عنا وتخلّى عن شوقه لنا واستبدل مكانتنا بِحلول القمر.. وهل يقدرُ عاشقٌ على التسلّي أو التخلّي أو استبدال مكانة معشوقه!
لكن النجوم لم تفطِن هذا، ظلّت تختبر الليل بغيابها المُتكرر وأفعالها الطفولية.

لكن هل يتّسعُ صَدرَ الليلِ لأفعالها هذه؟
1
الساكنان لا يلتقيان، ويورِث سكونُهما فيهما حسرةً لا يُبرّرها عقلٌ ولا يُقلِّلُها مرور الزمن.. المُتحرّكان تنتفي منهما حسرةُ السكون وتلازمهما حسرةُ عدم الوصول مُكلّلة ب "رُبّما!".

"بعسى وليتَ وربّما ولعلّهُ
أفنيتَ عمركَ كُلّهُ!
فمتى ستؤمنُ أنّ قلبكَ لم يعد
يرضى بما ترضى لهُ!"
- كثرةُ الصَدِّ تورّث النفور!
أعتقد أن الفواصل مناطق صمتٍ يستعيدُ فيها القارئ شتاته جرّاء قراءة نصٍّ بديعٍ سلَبَ أنفاسه ولُبّه.

كقول الشاعر:
"‏لنا في كلِّ مفردةٍ شعورٌ
‏تقطّعهُ الفواصلُ بالسكوتِ!"
ما يجعلُ الأمرَ مُستساغًا عندي -رغم أكداره- هو علمي أنكِ تتواجدينَ في حيّزٍ من هذه الحياة هو النعيم في نظري.. تخطرين ببالي فأبتسم كم هذا الخاطرُ مُطمئِن!، أدركتُ من وقتها معنى جُملة "أن وجودك ولو في البُعد هو سندٌ هائلٌ لي!" أدركتُ أن ال "هائل" قد يكون بسيطًا في أصله مؤثّرًا بكونه، أن الوجود القلبيّ هو أسمى أنواع الوجود حين تبخل علينا كل الأساليب الأخرى، كنتُ أقولُ كيف لوجودٍ خياليّ في محض رسائل وكلمات يكون مضمّدًا لكل جروح المسافات فينا؟ حتى راودَ طيفُكِ مُخيلتي ورأيتُه مُتجسّدًا أمامي، لتنقشعَ كل تلك التساؤلات المُضلِّلة ويبقى هو هِدايتي..

سألتكِ يومًا: "هل يزعجكِ غيابي؟"
قلتِ: "رسائلُك حضورٌ آخرٌ لك."
لم أستشفّ من ردّك هذا سخطًا ولا رضا، ردودك المُسكِتة تنجح دائمًا في إرباكي.

أعلمُ حُبكِ للرسائل وشغفك بها، لكن لا أخفيكِ سرًّا أنا أحب رسائلَنا وأخشاها، الرسائلُ لها جاذبية تجعلُ المرءَ يبوحُ بمكنوناته القَصيّة حتى كأنّ الأوراق مرآةٌ تعكسه فيرى نفسه فيها!

أخشى -يا يُمن- أن تعرفينني أكثر مما أعرفُ نفسي، فيبدو لكِ ما جاهدتُ في إخفائه عنكِ؛ "أنا المُحِب" والذي تأبى نفسي عليّ إظهاره رأفةً بي وحِرصًا عليكِ، أريدكِ أن تعرفيني بالقدر الذي أريده لا بالقدر الذي تستطيعيه!

- يُسر.
#رسائل_يمن_ويسر. ٢
👌1
بم التَعلُّل لا مالٌ ولا عَمَلُ
ولا أنيسٌ ولا إلْفٌ ولا خِلُّ!
:))
كم من "لا" في طيّاتِها "نَعمُ"!
لزم الأمرُ منّا كثيرًا من الشجارات التي يعقبها فراقٌ كاذب لنُدرك أن كل التعقيدات والطرق المتعرّجة بيننا يمكنها أن تصبح مسمًّى آخر للحب.. لزم كثيرًا من الانكسارات والخسائر التي لا تُعوَّض، كأنْ نتخلّى عن قلبينا مثلًا!.. كنّا نَخطو بكل جسارةٍ على قلبينا فقط لنعبُرَ حيثُ ذاك المُسمّى بالحُب.. كم استهلَكَنا واستهلَك مِنَّا! وحينَ وردناهُ صفوًا؛ كنّا نحنُ المُكَدِّرينَ لهُ بكل ما حملناهُ من أعباءٍ في سبيله.

"ووجدتُ حَوضَ الحبِّ حين وَرَدتُه
مُـرَّ المَذاَقةِ، طَعمُه كالعَلقَمِ!"

*من وحي الصورة*
الحُبُّ ضِدّان؛ روضَةٌ وبُركان."))
تمرُّ الأعوامُ سِراعًا وعادتنا التباطؤ!
- متى تجد العجز؟
- أمامكِ.
- عجزك أنا؟
- إعجازي أنتِ.
- تُبالغ.
- بل أصِف.
- كيف أكون إعجازك وعجزك؟
- أجِدُ ألفَ وصفٍ للجمال إن مررتِ بخاطري، وأمامكِ تنعقدُ أفكاري وأعجز.
- قل لي "أحبكِ" إن عجزتَ.
- وهل عن سِواها أعجزُ!
- من رأيك ما هو تعريف الفصاحة والبلاغة؟
- كلاهما تحملهُ كلمة "أحبك".
- كيف هذا؟
- أن أُفصح عن مكنوني بقولها؛ نجدُ الفصاحة، وإذا بلغت قلبكِ؛ أجدُ البلاغة.
آنسني في رحلتي نَجمٌ وقَمَر، كان القمرُ مُكتملًا يُغريك بمراقبته، والنجمُ أعلاهُ كَأنّهُ يُريدُ مُساررتهُ بأمرٍ بعيدًا عن سائر النجوم، منفردان في صفحة السماءِ وفِكري، كان عقلي ممتلئًا بعدّة أمورٍ، وإثرَ رؤيتهما أصبح منشغلًا عنها بهما، كم تأسرُنا رؤية الجمال وتجعلنا في حِلٍّ من أنفسنا وترحالٍ فيه!
- ما الحب؟

- أن أطمئن.. أنا بطبعي شخصية قلوقة، وأسأل نفسي عشرات الأسئلة وأجيبها فقط لأطمئن، أريد من الحب أن يكون هو الأجوبة لكل هذه الأسئلة، أن يجيب عليها جميعها حتى لا يكون هناك متسع لأي منها، حتى إذا ورَدَ بخاطري سؤال أتاه الحب مجيبًا ملبيّا..
الحب -ببساطة- هو الجواب الصحيح لكل الأسئلة التي تأزّ قلبي أزًا.
1
2025/07/13 20:38:11
Back to Top
HTML Embed Code: