OOSPX Telegram 12858
#داوم_تصل

طالب الشفاء اليوم لا ينال مراده بعبادة يوم وليلة ، بل لا بد من مداومة ، وقد تبين في حديث العسل أن المريض لم يجد أثر الدواء حتى تناول ثلاث جرعات ، وليس ذلك في أمراض الأبدان فحسب بل في أمراض القلوب كذلك ، فالنفس لا تقبل أثر الطاعة ولا تتشرب فائدتها إلا بعد مدة ومواظبة عليها ، ذلك أن عقبة البدء كؤود ، يصعِّبها الشيطان عليك ، ويضع أمامك الحواجز والمثبطات ، لكن مع البدء وبداية تسلل الإيمان إلى القلب ، وانتشار حلاوته في الروح ، تلين القلوب للطاعة ويستنير الصدر للإنابة ، وصدق ابن الجوزي حين قال : " إذا استقام للجواد الشوط لم يُحوِج راكبه إلى السوط " .

وضرب لنا أبو حامد الغزالي مثلا ليقنع كل يائس من الشفاء بجدوى المحاولة وحتمية الشفاء إذا جدَّ في السعي ، وقلَّد الصالحين الذين جاهدوا ( وفعلوا بها ما يُفعل بالبازي إذا قُصِد تأديبه ونقله من التوثُّب والاستيحاش إلى الانقياد والتأديب ، فإنه يُحبس أولا في بيت مظلم ، وتُخاط عيناه حتى يحصل به الفطام عن الطيران في جو الهواء ، وينسى ما قد كان ألِفه من طبع الاسترسال ، ثم يرفق باللحم حتى يأنس بصاحبه ويألفه إلفا إذا دعاه أجابه ، ومهما سمع صوته رجع إليه ، فكذلك النفس لا تألف ربها ، ولا تأنس بذكره إلا إذا فُطِمت عن عادتها بالخلوة والعزلة أولا ؛ ليحفظ السمع والبصر عن المألوفات ، ثم عُوِّدت الثناء والذكر والدعاء ثانيا في الخلوة حتى يغلب عليها الأنس بذكر الله عز وجل عوضا عن الأنس بالدنيا وسائر الشهوات ، وذلك يثقل على المريد في البداية ، ثم يتنعم به في النهاية ؛ كالصبي يفطم عن الثدي ، وهو شديد عليه إذا كان لا يصبر عنه ساعة ، فلذلك يشتد بكاؤه وجزعه عند الفطام ، ويشتد نفوره عن الطعام الذي يُقدَّم إليه بدلا عن اللبن ، ولكنه إذا مُنِع اللبن رأسا يوما فيوما وعظم تعبه في الصبر عليه وغلبه الجوع تناول الطعام تكلفا ، ثم يصير له طبعا ، فلو رُدَّ بعد ذلك إلى الثدي لم يرجع إليه ، فيهجر الثدي ، ويعاف اللبن ، ويألف الطعام ، وكذلك الدابة في الابتداء : تنفر عن السَّرج واللجام والركوب ؛ فتُحمل على ذلك قهرا ، وتُمنَع عن السرج الذي ألفته بالسلاسل والقيود أولا ، ثم تأنس به بحيث تترك في موضعها ، فتقف فيه من غير قيد ، فكذلك تُؤدَّب النفس كما تؤدَّب الطير والدواب ) .

إن النفس إذا وجدت لذة العبادة ، وأحست بأثر جرعات الدواء بدد فيها نور اليقين ظلام المادة ، وأطفأ برد العفو نار الذنب ، كالرضيع الذي يستغني عن اللبن بألوان الأطعمة المختلفة ليزهد بعدها في ثدي أمه ، والمعنى أنك كلما تناولت جرعة دواء زادت سرعة سيرك ، وانتفض قلبك وكأنما نشط من عقال ؛ ذلك أن المسافر إذا عاين البلد التي يريد دخولها أسرع واستحث دابته على السير بغير ما كانت عليه عند بدايات سفره والهدف عنه غائب ، وكذلك القلب إذا ذاق حلاوة الإيمان ووجد أثر العافية صار أقوى عزما وأشد قوة لقربه من غايته وتلمح قلبه لأنوار ما سعى إليه.

🌿🌷🍀



tgoop.com/oospx/12858
Create:
Last Update:

#داوم_تصل

طالب الشفاء اليوم لا ينال مراده بعبادة يوم وليلة ، بل لا بد من مداومة ، وقد تبين في حديث العسل أن المريض لم يجد أثر الدواء حتى تناول ثلاث جرعات ، وليس ذلك في أمراض الأبدان فحسب بل في أمراض القلوب كذلك ، فالنفس لا تقبل أثر الطاعة ولا تتشرب فائدتها إلا بعد مدة ومواظبة عليها ، ذلك أن عقبة البدء كؤود ، يصعِّبها الشيطان عليك ، ويضع أمامك الحواجز والمثبطات ، لكن مع البدء وبداية تسلل الإيمان إلى القلب ، وانتشار حلاوته في الروح ، تلين القلوب للطاعة ويستنير الصدر للإنابة ، وصدق ابن الجوزي حين قال : " إذا استقام للجواد الشوط لم يُحوِج راكبه إلى السوط " .

وضرب لنا أبو حامد الغزالي مثلا ليقنع كل يائس من الشفاء بجدوى المحاولة وحتمية الشفاء إذا جدَّ في السعي ، وقلَّد الصالحين الذين جاهدوا ( وفعلوا بها ما يُفعل بالبازي إذا قُصِد تأديبه ونقله من التوثُّب والاستيحاش إلى الانقياد والتأديب ، فإنه يُحبس أولا في بيت مظلم ، وتُخاط عيناه حتى يحصل به الفطام عن الطيران في جو الهواء ، وينسى ما قد كان ألِفه من طبع الاسترسال ، ثم يرفق باللحم حتى يأنس بصاحبه ويألفه إلفا إذا دعاه أجابه ، ومهما سمع صوته رجع إليه ، فكذلك النفس لا تألف ربها ، ولا تأنس بذكره إلا إذا فُطِمت عن عادتها بالخلوة والعزلة أولا ؛ ليحفظ السمع والبصر عن المألوفات ، ثم عُوِّدت الثناء والذكر والدعاء ثانيا في الخلوة حتى يغلب عليها الأنس بذكر الله عز وجل عوضا عن الأنس بالدنيا وسائر الشهوات ، وذلك يثقل على المريد في البداية ، ثم يتنعم به في النهاية ؛ كالصبي يفطم عن الثدي ، وهو شديد عليه إذا كان لا يصبر عنه ساعة ، فلذلك يشتد بكاؤه وجزعه عند الفطام ، ويشتد نفوره عن الطعام الذي يُقدَّم إليه بدلا عن اللبن ، ولكنه إذا مُنِع اللبن رأسا يوما فيوما وعظم تعبه في الصبر عليه وغلبه الجوع تناول الطعام تكلفا ، ثم يصير له طبعا ، فلو رُدَّ بعد ذلك إلى الثدي لم يرجع إليه ، فيهجر الثدي ، ويعاف اللبن ، ويألف الطعام ، وكذلك الدابة في الابتداء : تنفر عن السَّرج واللجام والركوب ؛ فتُحمل على ذلك قهرا ، وتُمنَع عن السرج الذي ألفته بالسلاسل والقيود أولا ، ثم تأنس به بحيث تترك في موضعها ، فتقف فيه من غير قيد ، فكذلك تُؤدَّب النفس كما تؤدَّب الطير والدواب ) .

إن النفس إذا وجدت لذة العبادة ، وأحست بأثر جرعات الدواء بدد فيها نور اليقين ظلام المادة ، وأطفأ برد العفو نار الذنب ، كالرضيع الذي يستغني عن اللبن بألوان الأطعمة المختلفة ليزهد بعدها في ثدي أمه ، والمعنى أنك كلما تناولت جرعة دواء زادت سرعة سيرك ، وانتفض قلبك وكأنما نشط من عقال ؛ ذلك أن المسافر إذا عاين البلد التي يريد دخولها أسرع واستحث دابته على السير بغير ما كانت عليه عند بدايات سفره والهدف عنه غائب ، وكذلك القلب إذا ذاق حلاوة الإيمان ووجد أثر العافية صار أقوى عزما وأشد قوة لقربه من غايته وتلمح قلبه لأنوار ما سعى إليه.

🌿🌷🍀

BY 💡🍃نشر الخير للغير🍃💡


Share with your friend now:
tgoop.com/oospx/12858

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Among the requests, the Brazilian electoral Court wanted to know if they could obtain data on the origins of malicious content posted on the platform. According to the TSE, this would enable the authorities to track false content and identify the user responsible for publishing it in the first place. On June 7, Perekopsky met with Brazilian President Jair Bolsonaro, an avid user of the platform. According to the firm's VP, the main subject of the meeting was "freedom of expression." Telegram channels enable users to broadcast messages to multiple users simultaneously. Like on social media, users need to subscribe to your channel to get access to your content published by one or more administrators. How to Create a Private or Public Channel on Telegram? To delete a channel with over 1,000 subscribers, you need to contact user support
from us


Telegram 💡🍃نشر الخير للغير🍃💡
FROM American