tgoop.com/othmabah/402
Last Update:
▪️عبارات التغليظ الواردة عن السلف▪️
وضح الإمام ابن تيمية رحمه الله -وهو الخبير بمذهب السلف وطرائقهم وأقوالهم- مقصودَ أئمة السلف بالعبارات التي ظاهرها التغليظ على المخالف في بعض المسائل العلمية وبيَّن أنهم لا يريدون بها التنزيلَ على المعين المخطئ المجتهد من أهل الفضل والعلم. ففي الفتاوى ٢٣ / ٣٠٣ -٣٠٧ في معرض بحثه لمسألة القراءة خلف الإمام -وهي من مسائل الخلاف المشهورة عند السلف والخلف-، وقف مع ما ورد فيها عن بعض السلف -من الصحابة وغيرهم- من عبارات فيها تغليظ على من يقرأ خلف الإمام، من نحو قول بعضهم: "وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلِئ فوه رضفاً أو تبناً أو تراباً"، "وددت أن في فيه جمراً"، "من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له"، فقال -رحمه الله- تعليقاً على ذلك:
"ومن قال هذا من السلف من صحابي أو تابعي فقد يريد به معنى صحيحاً، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخلص إلى جلده فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)، وتعذيب الإنسان بعذاب في الدنيا أيسر عليه من ركوب ما نهى الله عنه. ٠فمن اعتقد أن قراءته حال استماع إمامه معصيةً لله ورسوله ترَك بها ما أمره الله وفعَل ما نهى اللهج عنه =جاز أن يقول: لأن يحصل بفيه شيء يؤذيه فيمنعه عن المعصية خير له من أن يفعل ما نهي عنه، كما قد يقال لمن تكلم بكلمة محرمة: لو كنتَ أخرس لكان خيراً لك، ولا يُراد بذلك أنا نحن نعذبه بذلك، لكن يُراد لو ابتلاه الله بهذا لكان خيراً له من أن يقع في الذنب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: (عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة).
والواحد من السلف قد يذكر ما في الفعل من الوعيد وإن فعله غيره متأولاً، كقول عائشة: "أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب"، وليس في هذا تلاعن بلعنة الله ولا بالنار ولا تعذيب بعذاب الله، بل فيه تمني أن يُبتلى بما يمنعه عن المعصية، وإن كان فيه أذى له، والعالم قد يذكر الوعيد فيماً يراه ذنباً مع علمه بأن المتأول مغفور له لا يناله الوعيد، لكن يذكر ذلك ليبين أن هذا الفعل مقتضٍ لهذه العقوبة عنده، فكيف وهو لم يذكر إلا ما يمنعه عما يراه ذنباً. وكذلك قول من قال: "وددت أنه مُلِئ فوه سكراً" يتناول من فعل ما أمر الله به من القراءة، ومع هذا فمن فعل القراءة المنهيَ عنها معتقداً أنه مأمور به، أو تَرَك المأمورَ به معتقداً أنه منهي عنه =كان مثاباً على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وإن كان العالم يقول في الفعل الذي يرى أنه واجب أو محرم ما يناسب الوجوب والتحريم، وليس في ذلك تمني أن يملأ أفواه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من المؤمنين رضفاً ولا تبناً، لأن أولئك عامة ما نُقل عنهم من القراءة خلف الإمام في السر، وذم الذامين لمن يقرأ في الجهر، فلم يتوارد الذم والفعل، وإن قدر أنهما تواردا من السف فهو كتواردهما من الخلف، وحينئذ فهذا يتكلم باجتهاده وهذا باجتهاده...".
اللهم بصِّرنا واهدنا وارزقنا الفقه وحسنَ الفهم..
BY عثمان أباحسين
Share with your friend now:
tgoop.com/othmabah/402