Cellar

اجريت تجربة في احدى الجامعات الاميركية،في احد الايام، وجه ممثلو قسم الدراسات النفسية دعوة الى اهل البلدة للحضور الى الحرم الجامعي للمشاركة في احدى التجارب، كان يوماً لطيفاً، وكانت الجامعة مكاناً جميلاً، دأب اهل البلدة والعاملون في الجامعة على محاولة ادخال السرور على قلوب بعضهم البعض، وصل بضع مئات من الناس الى الحرم الجامعي في الوقت المحدد، ثم .. لا شيء البتة. لا شيء على الاطلاق. فلم يظهر اعضاء قسم الدراسات النفسية في اي مكان، لا ايضاحات ولا اعلانات، وقف الزائرون في الارجاء يترقبون، ثم بدأوا يفتشون عن المعارف والاصدقاء فيما بينهم، وما زال لا شيء في الافق، ناقشوا الامر، وكيف انهم جاءوا جميعاً ولم يُعرض عليهم شيء، وبدأوا يتجادلون، وسرعان ما اصبحوا معسكرين، بوجهتي نظر شديدة التعارض، وبعدها انقسم الحضور الى فريقين، وبرز متحدثون عن كل فريق، ونجم عن ذلك مناظرات ثم شجار، نوقشت امور كثيرة عن مسألة كونهم دعوا هنا الى جامعتهم ثم اهملوا، عرضت انواع القضايا كافة، واختلفوا حولها.
برزت القضايا المتنازع عليها ودبت الحياة فيها مجدداً، وقيل ان المناسبة اصبحت مفيدة رغم كل شيء، لانها وفرت الفرصة "لحسمها للمرة الاخيرة" كما قالت احدى السيدات، بدأ المعسكران بالتشاجر بدرجة من العنف، وبدات اشتباكات صغيرة ظهرت بين الشباب اول الامر، وعند هذا الحد بدا ان التحاماً اكثر خطورة قد يقع، وهنا ظهر فريق الدراسات النفسية وقالوا انهم اوضحوا منذ البداية انها تجربة اجتماعية إذ كانوا يجرون بحثاً عن نزوع العقل البشري الى رؤية الاشياء في ثنائيات- اما/أو، ابيض/اسود، انا/انت، نحن/انتم، حسن/سيء، قوى الخير/قوى الشر.

واكمل الباحثون " انتم ايها الجمع، لم تمكثوا هنا سوى ساعتين، وانقسمتم بالفعل الى معسكرين بقادة ، وكل جانب يرى نفسه مستودعًا لكل الخير، والمعسكر الاخر تفكيره خاطىء، على احسن تقدير، وكنتم على وشك الاشتباك حول اختلافات لا جود لها بالمرة"

ان رؤية التي تهيء لنا اننا على صواب والاخر على خطأ، افكارنا الصحيحة وافكارهم الخاطئة، هي محض هراء، فالتطور يسير عبر التاريخ عبر التفاعل والتأثير المتبادل، حتى اشد الافكار وانماط السلوك جنوحاً وعنفاً تُغزل في النسيج العام للحياة الانسانية، كاحد خيوطها. يمكننا ان نرى هذه العملية مرة تلو الاخرى على مر التاريخ، اذ يبدو ان ما هو حقيقي في التطور الانساني لا يمكنه احتمال التطرف، لذلك يسعى دوماً الى اقصاء التطرف والمتطرفين او التخلص منهم باستيعابهم في التيار العام.

يقول هرقليطس ان كل الاشياء في تدفق دائم، وهنا يجب القول ان لا شيء يوجد من قبيل انني على صواب او انني اقف على جانب الحق والحقيقة، لانه في غضون جيل او جيلين، من المحتم ان طريقة تفكيري الحالية ستصبح اما مدعاة للسخرية، او بالية تماماً بفعل التطورات الجديدة

www.tgoop.com/polinew01/107

786 viewsAug 6, 2021 at 19:25

اجريت تجربة في احدى الجامعات الاميركية،في احد الايام، وجه ممثلو قسم الدراسات النفسية دعوة الى اهل البلدة للحضور الى الحرم الجامعي للمشاركة في احدى التجارب، كان يوماً لطيفاً، وكانت الجامعة مكاناً جميلاً، دأب اهل البلدة والعاملون في الجامعة على محاولة ادخال السرور على قلوب بعضهم البعض، وصل بضع مئات من الناس الى الحرم الجامعي في الوقت المحدد، ثم .. لا شيء البتة. لا شيء على الاطلاق. فلم يظهر اعضاء قسم الدراسات النفسية في اي مكان، لا ايضاحات ولا اعلانات، وقف الزائرون في الارجاء يترقبون، ثم بدأوا يفتشون عن المعارف والاصدقاء فيما بينهم، وما زال لا شيء في الافق، ناقشوا الامر، وكيف انهم جاءوا جميعاً ولم يُعرض عليهم شيء، وبدأوا يتجادلون، وسرعان ما اصبحوا معسكرين، بوجهتي نظر شديدة التعارض، وبعدها انقسم الحضور الى فريقين، وبرز متحدثون عن كل فريق، ونجم عن ذلك مناظرات ثم شجار، نوقشت امور كثيرة عن مسألة كونهم دعوا هنا الى جامعتهم ثم اهملوا، عرضت انواع القضايا كافة، واختلفوا حولها.
برزت القضايا المتنازع عليها ودبت الحياة فيها مجدداً، وقيل ان المناسبة اصبحت مفيدة رغم كل شيء، لانها وفرت الفرصة "لحسمها للمرة الاخيرة" كما قالت احدى السيدات، بدأ المعسكران بالتشاجر بدرجة من العنف، وبدات اشتباكات صغيرة ظهرت بين الشباب اول الامر، وعند هذا الحد بدا ان التحاماً اكثر خطورة قد يقع، وهنا ظهر فريق الدراسات النفسية وقالوا انهم اوضحوا منذ البداية انها تجربة اجتماعية إذ كانوا يجرون بحثاً عن نزوع العقل البشري الى رؤية الاشياء في ثنائيات- اما/أو، ابيض/اسود، انا/انت، نحن/انتم، حسن/سيء، قوى الخير/قوى الشر.

واكمل الباحثون " انتم ايها الجمع، لم تمكثوا هنا سوى ساعتين، وانقسمتم بالفعل الى معسكرين بقادة ، وكل جانب يرى نفسه مستودعًا لكل الخير، والمعسكر الاخر تفكيره خاطىء، على احسن تقدير، وكنتم على وشك الاشتباك حول اختلافات لا جود لها بالمرة"

ان رؤية التي تهيء لنا اننا على صواب والاخر على خطأ، افكارنا الصحيحة وافكارهم الخاطئة، هي محض هراء، فالتطور يسير عبر التاريخ عبر التفاعل والتأثير المتبادل، حتى اشد الافكار وانماط السلوك جنوحاً وعنفاً تُغزل في النسيج العام للحياة الانسانية، كاحد خيوطها. يمكننا ان نرى هذه العملية مرة تلو الاخرى على مر التاريخ، اذ يبدو ان ما هو حقيقي في التطور الانساني لا يمكنه احتمال التطرف، لذلك يسعى دوماً الى اقصاء التطرف والمتطرفين او التخلص منهم باستيعابهم في التيار العام.

يقول هرقليطس ان كل الاشياء في تدفق دائم، وهنا يجب القول ان لا شيء يوجد من قبيل انني على صواب او انني اقف على جانب الحق والحقيقة، لانه في غضون جيل او جيلين، من المحتم ان طريقة تفكيري الحالية ستصبح اما مدعاة للسخرية، او بالية تماماً بفعل التطورات الجديدة

BY Cellar