tgoop.com/psychoanalysis_2021/2591
Last Update:
نقلاً عن هوارد زين Howard Zinn في كتابه "تاريخ الشعب في الولايات المتحدة A People s History of the United States".
في نهاية الحرب العالمية الثانية ، تكتشف أوروبا فظاعة الهولوكوست وتدرك خطورة الأيديولوجية العنصرية التي طبقتها ألمانيا النازية، وفي عام 1953، تم اكتشاف جزيء الحمض النووي ADN الذي يحتوي على التراث الجيني لجميع البشر، حيث نكتشف أن هناك العديد من الاختلافات بين أفراد الشعوب ذاتها، وأن التغيرات والاختلافات بين شخصين من نفس القرية هي أكثر من الإختلافات أو الفروق بين شخصين من قارتين مختلفتين أو بين شخص أسود وأبيض أو أسود وأصفر أو أحمر أو أخضر. لقد ساهم هذا الاكتشاف في إلغاء النظريات العنصرية التي تؤكد تفوق عرق على آخر، من وجهة نظر علمية ووراثية. ومع ذلك، حتى لو أثبت المجتمع العلمي أن العرق ليس حقيقة بيولوجية ولا علمية، فإن العنصرية لا تزال موجودة، ولكن في أشكال أكثر ليونة مما كانت عليه في عهد كريستوف كولومب والفترات الإستعمارية اللاحقة.
ومن هذه الفترة، لا نجرؤ اليوم ولا نستطيع، بسبب التشريع والقوانين الإنسانية العديدة على وجه الخصوص، أن نميز - علنًا - بين شخص وآخر بسبب لون البشرة أو هيئة الجسم أو اللغة أو الدين وندعي أنه "أدنى منزلة". إن الرفض والنفور وحتى كراهية الآخر وإحتقاره، يتم تمويهه وإخفائه وراء بعض المفاهيم والتصورات الجديدة، مثل اختلاف الثقافات الذي يحل محل التسلسل الهرمي للأعراق؛ إذا لم يكن للآخر الغريب ما يفعله هنا في وطني، فذلك لأنه غير قابل للاندماج ثقافيًا؛ ذلك لأنه ليس لديه نفس العلاقة بالعمل والمعرفة ولا نفس النظرة للعلاقة بين الرجل والمرأة والتعليم والطعام؛ ولا نفس العلاقة بالدين والمقدس والعنف .. إلخ. من الآن فصاعدًا، لا يسعى العنصري إلى الهيمنة على الآخر، أو إخضاعه لتسلسله الهرمي "للأجناس"، ولكن لإخفائة وطرده بعيدا لأنه مختلف تماما وغير قابل للاندماج أو الذوبان، لا ثقافيًا ولا إجتماعيا ولا سياسيا في بوثقة المجتمع الجديد الذي يريد أن يستقر فيه لبدء أو مواصلة حياته. إن الإثنية أو التمييز العرقي في المجتمع ليست نتيجة لتيارات اليمين المتطرف فحسب، بل هي أيضًا نتيجة المبالغة في تقدير الاختلافات والهويات التي تركز عليها العديد من المجموعات الإجتماعية للدفاع عن حقوقها والمطالبة بالمساواة بين المواطنين، والتي يمكن أن تؤدي إلى أشكال جديدة من العنصرية. وذلك لإرتباط مفهوم "الهوية" بعناصر طبيعية ووراثية مثل أسود ، مسلم، عربي، يهودي، حيث يتم ربط الإنسان بهوية مفترضة حتى قبل ولادته وقبل أن يختار هويته الحقيقية والتي لا يمكن أن تكون ثابتة وراسخة وغير قابلة للتحول. ولقد رددنا مرات عديدة على صفحات الحوار المتمدن بأن الإنسان ليس شجرة أو نبات بحيث تكون له جذور غائصة في تربة بلد أو وطن أو شيء من هذا القبيل، هوية الإنسان مشروع وجودي يبنيه في كل لحظة وكل ثانية من معاناته ونضاله وعمله وليس شيئا يتلقاه بيولوجيا أو ثقافيا او دينيا من والديه أو من المجتمع الذي يعيش فيه.
فالعنصرية هي منظومة أيديولوجية للسلطة تعمل على نشر وتطبيق مبدأ التفاوت والتمييز العنصري بين فئات المجتمع الواحد أو بين عدة مجتمعات متجاورة، وتعمل العنصرية كنظام أيديولوجي على تشريع قوانين ودساتير تميز الأفراد والجماعات على أساس عرقي أو ثقافي أو تاريخي.
يقول جان بول سارتر، في أورفيوس الأسود Orphée Noire وهو نص كتبه كمقدمة لكتاب ليوبولد سنغور عن الشعر والشعراء السود Leopold Sédar-Senghor - Anthologie de la nouvelle poésie nègre et malgache de langue français, Paris, 1948.
" يمكن لليهودي ، كإنسان أبيض بين البيض، أن ينكر أنه يهودي، ويعلن نفسه إنسانا في مجتمع من البشر. بينما لا يستطيع الزنجي أن ينكر أنه زنجي ولا أن يدعي لنفسه هذه الإنسانية المجردة عديمة اللون: إنه زنجي أسود. وهكذا أصبح محاصرًا في أصالتة: مهانًا، مستعبدًا، لكنه ينهض، يلتقط كلمة "زنجي" التي ألقيت عليه مثل الحجر، ويدعي بإفتخار أنه زنجي أسود، أمام الأبيض.
يمكن لليهودي أن يعلن نفسه رجلاً بين الرجال وأن يهرب من رهاب وخوف الأجانب العادي Xenophobia، إذا غير اسمه ودينه ونسي تاريخه وأصبح رجلاً أبيض بين البيض. يمكن للأسود أيضًا والعربي والهندي .. من خلال الاندماج أو الاستيعاب والإنسلاخ مما يسمى هويته والهروب من كراهية الأجانب والغرباء، ويصبح جزءا من المجتمع المختلط، بل يمكن بعضهم أن يصبح برلمانيا أو حتى رئيسا للدولة.