tgoop.com/psychoanalysis_2021/2713
Last Update:
وأثناء ممارسته الخاصة للطب، استمر عدة سنوات يجري التجارب بالتنويم المغناطيسي، ولكنه هجر تدريجيًّا إذ لم يخضع لتجاربه غير القليل من الناس، ولأن التنويم المغناطيسي نفسه ينتج أحيانًا آثارًا مفجعة على الشخصية التي ينوِّمها. فاستعاض عن ذلك بتطوير الطرق المعروفة باسم «المشاركة الحرة» التي صارت منذ ذلك الوقت مهنة التحليل النفسي الأصلي.
لا جدال في أن فرويد هو مؤسس طب الأمراض العقلية الحديث. فقبل عصره كان طب الأمراض العقلية يتناول أغراض الجنون، مثل انشقاق الأنف ومرض العقل الجنوني الهبوطي، الذي يحتاج إلى العزل في مستشفى الأمراض العقلية. بدأ فرويد عمله الإكلينيكي بعلاج حالات الكبت والتنازع العصبي. وسرعان ما استنتج أن مثل هذه التنازعات ليست قاصرة على مرضى الأعصاب، بل تصيب أيضًا سليمي العقول. وعلاوة على ذلك، ليست الاضطرابات العصبية أمراضًا بالمعنى الصحيح، بل حالات نفسية للعقل. وكانت المشكلة الكبرى هي كيفية علاج هذه الاضطرابات العقلية الواسعة الانتشار. وبناءً على ملاحظاته وتجاربه وممارسته علاج كثيرٍ من مرضى فيينا، بنى أسس التحليل النفسي في أواخر ذلك القرن.
كان فرويد من أعظم كتاب العلوم الكثيري التصانيف في عصرنا. فلا يمكن أن نجد مجموعة الأفكار الجديدة والآراء السيكولوجية التي خرجت من قلمه، في أي كتاب فرد أو صحيفة واحدة. ومن المحتمل أنه كان ينظر إلى أول مؤلف له، وهو المؤلف العظيم «تفسير الأحلام»، الذي صدر في سنة ١٩٠٠م كأكثر مؤلفٍ حبيب إلى نفسه، ويضم جميع الملاحظات والآراء الأساسية تقريبًا. وفي أحد مؤلفاته الأولى بعنوان «دراسات في الهستيريا» الذي نُشر في سنة ١٨٩٥م، ذكر اعتقاده بأن الاضطرابات الجنسية هي «العامل الأساسي وأهم أسباب الاضطرابات العصبية والاضطرابات العصبية النفسية.» وهي أحد أحجار الزاوية في نظرية التحليل النفسي. وفي السنوات القليلة التالية كتب فرويد آراءه في المقاومة وانتقال الأفكار ومشاكل الجنس في عهد الطفولة، والعلاقات بين الذكريات البغيضة والأوهام، وميكانيكية الدفاع والكبت.
يبين ملخص موجز للنظريات الأساسية، شيئًا من تعقيد التحليل النفسي. فأولًا، ليست كلمة الأمراض العقلية وكلمة الأمراض العقلية النفسية مترادفتين. يمكن اعتبار الأمراض العقلية النفسية فرعًا من الأمراض العقلية وتطبق عمومًا على أشد حالات اضطرابات الشخصية صعوبة. ثم يمكن تعريف التحليل النفسي بأنه فنٌّ علاجي لمداواة الاضطرابات العصبية والنفسية. وتبعًا لتقرير حديث، يوجد مجرد ثلاثمائة أخصائي في التحليل النفسي من بين أربعة آلاف طبيب نفساني في الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يعجب العلاج الفردي فرويد إلا نادرًا، واعتبر حالات سوء التكوين النفسي في الأفراد، كأعراض الخلل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للعالم المعاصر. كان غرضه مهاجمة المرض جذريًّا.
يتفق معظم النقاد على أن حق فرويد في الشهرة الدائرة يعتمد على اكتشافه وارتياده للعقل غير الواعي. فقارن عقل الإنسان بجبل جليد ثمانية أتساعه مغمورة تحت السطح فقال إن معظم العقل مختفٍ داخل اللاواعي. وتوجد تحت السطح دوافع ومشاعر وأغراض، لا يخفيها المرء عن غيره فحسب، بل وعن نفسه أيضًا. ويقول علم النفس الفرويدي إن العقل اللاواعي هو المسيطر، بينما النشاط الواعي مختصر إلى مركز تابع، وإذ توصَّلنا إلى فهم الأعماق الكبيرة وغير المعروفة للعقل اللاواعي، عرفنا الطبيعة الداخلية للإنسان. فقال فرويد إن معظم تفكيرنا لا واع، ولا يصير واعيًا إلا صدفة. والعقل اللاواعي هو مصدر الاضطرابات العصبية لأن الفرد يحاول أن يزيح ذكرياته البغيضة ورغباته الباطلة إلى تلك المنطقة، ولكنه لا ينجح إلا في حفظها للمتاعب المستقبلة.
قسَّم فرويد النشاط الذهني للفرد على أنه يحدث على ثلاثة مستويات أطلق عليها: Id٢ الأيد، والذات ego والذات السامية superego. والأيد ذات أهمية أولى. ويقول فرويد إن «منطقة عمل الأيد هي الجزء المظلم غير الممكن الوصول إليه من شخصيتنا. والقليل الذي عرفناه عنها، عرفناه عن طريق دراسة الأحلام وتكوين أعراض الاضطرابات العصبية.» والأيد هي مركز الغرائز والانفعالات البدائية، وتمتد إلى الوراء، إلى الماضي الحيواني، وهي حيوانية وجنسية في طبيعتها. إنها غير واعية. ويستطرد فرويد فيقول: «تحتوي الأيد على كل شيء موروث وكل ما هو موجود عند الميلاد وكل ما هو ثابت في تكوين الشخص.» الأيد عمياء متهورة وكل غرضها هو تحقيق رغباتها وملذاتها دون تقدير للعواقب. وبنفس ألفاظ ثوماس مان Thomas Mann «لا تعرف أية قيم ولا خيرًا ولا شرًّا ولا أخلاقًا.»
الطفل الحديث الولادة نموذج الأيد. وبالتدريج تنمو الذات من الأيد أثناء نمو الطفل، وبدلًا من أن تكون الذات منقادةً تمامًا بمبدأ اللذة، يحكمها مبدأ الحقيقة.
2
BY علم النفس (مقالات وأبحاث)
Share with your friend now:
tgoop.com/psychoanalysis_2021/2713