tgoop.com/psychoanalysis_2021/2714
Last Update:
تعي الذات العالم حولها مدركة وجوب كبح ميول الأيد الجامحة منعًا لخرق قوانين المجتمع وكما قال فرويد، إن الذات هي الوسيط «بين مطالب الأيد الطائشة وتحريم العالم الخارجي.» وعلى هذا تعمل الذات بمثابة رقيبٍ على دوافع الأيد وتلائمها تبعًا للمواقف الحقيقية مدركة أن تحاشي العقاب أو حتى صيانة النفس، قد تعتمد على مثل هذا الكبت. وقد ينتج عن الصراع بين الذات والأيد اضطرابات عصبية تؤثر على شخصية الفرد.
وأخيرًا، هناك العنصر الثالث للعملية الذهنية، وهو الذات السامية superego، التي يمكن التوسع في تعريفها بالوعي. وكتب أ. أ. بربيل A. A. Brill، وهو أعظم أنصار فرويد في أمريكا، كتب يقول:
«الذات السامية أرقى تطور ذهنيٍّ يمكن أن يصل إليه الإنسان، وتتألف من رواسب جميع المحرمات وجميع القواعد الشخصية التي يطبعها الوالدان في الطفل والبدائل الأبوية. ويتوقف الإحساس بالوعي كلية على نمو الذات السامية.»
وتشبه الذات السامية الأيد في كونها غير واعية، وكلتاهما في صراعٍ دائم بينما تعمل الذات حكمًا بينهما. وتكمن المثل الأخلاقية وقواعد السلوك في الذات السامية.
عندما تكون الأيد والذات السامية في انسجامٍ معقول، يكون الفرد طيب المزاج سعيدًا. أما إذا صرحت الذات للأيد بخرق القوانين، أحدثت الذات السامية قلقًا وإحساسًا بالإثم وغيرهما من مظاهر الوعي …
هناك عامل آخر قريب الشبه من الأيد. أوجده فرويد، وهو نظريته عن الشهوة الجامحة Iibido، فيقول إن جميع انفعالات الأيد مشحونة بصورة من «النشاط النفسي» اصطلح على تسميته libido، أي الشهوة الجامحة «جوهر مذهب التحليل النفسي.» ويعتبر جميع ما يتعلمه المرء من ثقافةٍ وفنٍّ وقانون ودين وغير ذلك من تطورات للشهوة الجامحة. وبينما يشار إلى هذه الشهوة بأنها نشاطٌ جنسيٌّ، فالواقع أن كلمة «جنسي» تستعمل في معنى واسع جدًّا. فتتضمن في حالة الأطفال الحديثي الولادة أعمالًا منها مص الإبهام والرضاعة بالبزازة والتبرز. وفي السنين اللاحقة، قد تنتقل الشهوة إلى شخص آخر عن طريق الزواج، وتتخذ صورة انحراف جنسيٍّ، أو يعبر عنها بخلق فنيٍّ أو أدبي أو موسيقي — وهذه عملية تعرف باسم «الإحلال». والغريزة الجنسية في رأي فرويد، هي أعظم مصدر للعمل الخلاق.
يقرر فرويد في أعظم نظريات التحليل النفسي جدلًا؛ أنه تحت تأثير الشهوة الجنسية، تنمو في الطفل إحساسات جنسية نحو والديه مبتدئًا بأولى اللذات الجنسية المشتقة من التغذية بثدي أمه، فتكون لدى الطفل صلة حب لأمه، وعندما تتقدَّم به السن، ولكن في سن مبكرة، تنمو لدى الطفل الذكر انفعالات جنسية قوية نحو أمه، بينما يمقت أباه ويخافه كمنافسٍ له. أما الطفلة الأنثى فقد تبتعد عن صلتها القريبة بأمها وتقع في حب أبيها وتصير الأم موضع كراهيتها ومنافسة لها. وبتطبيق هذه النظرية على الطفل الذكر، يطلق عليها اسم «عقدة أوديب» التي أخذت اسمها من الشخصية الأسطورية الإغريقية القديمة «أوديب» الذي قتل أباه وتزوج أمه. وقال فرويد إن عقدة «أوديب» موروثة عن أسلافنا البدائيين الذين قتلوا آباءهم في ثورات الغيرة. وعندما يصل الشخص الطبيعي إلى طور البلوغ تنمو فيه الدوافع الأوديبية. أما الأفراد الضعاف فقد لا ينجحون إطلاقًا في قطع الصلة بالأبوين، وبذا ينقادون إلى سلسلةٍ من الاضطرابات النفسية.
الواقع أن فرويد قرَّر يقول: «إن الاضطرابات النفسية، بدون استثناءٍ، اضطرابات للوظيفة الجنسية.» وزيادة على هذا، فلا يمكن إلقاء اللوم على الاضطرابات العصبية فيما يختص بالزيجات الفاشلة أو شئون الحب غير الناجح لدى البالغين. بيد أنه يمكن أن نعزو كل هذه إلى العقد الجنسية للطفولة المبكرة. وبتطبيق نظريته على مجال علم الأجناس البشرية، استنتج فرويد في كتابه «الشعارات والمنبوذين Totem a Taboo» أن الطبيعة والأساطير الدينية للإنسان البدائي نتيجة لعقد الأب والأم. وكان يعتقد أن الدين مجرد تعبير عن عقدة الأب. وبعد تحاليل مفصلة لمئات الحالات التي جاءته للعلاج، رفع الغريزة الجنسية والرغبات الجنسية إلى دورٍ بالغ الشأن في تكوين الشخصية، كما جعلهما السبب الرئيسي في الاضطرابات العصبية. وهذا حكم رفضه بعض مشاهير أخصائيي التحليل النفسي، كما سنبين فيما بعد.
ولما أجبر المجتمع الفرد على أن يوقف الكثير من رغباته الملحة، فإنه يطوي نفسه على كثيرٍ من الكبت بطريقةٍ غير واعية. وإذا استخدمنا مصطلح فرويد: ينجح وعي المرء في منع «قوى اللاوعي المظلمة» التي كتبت ومنعت من الظهور مرةً ثانية. ورغم هذا فإن الأشخاص المصابين بالاضطرابات العصبية، قد يعانون فترات من الاضطرابات العاطفية بسبب مثل هذه الرقابة. فيقول فرويد: إن من وظيفة العلاج بالتحليل النفسي أن يكتشف حالات الكبت ويحلَّ محلها حالات الحكم الصحيح التي قد ينتج عنها إمَّا القبول وإما نبذ ما سبق رفضه. وبسبب الطبيعة المؤلمة للمادة المكبوتة فقد جرت العادة أن يحاول المريض منع اكتشاف كبته. ويطلق فرويد على هذه المجهودات «مقاومات» ويهدف الطبيب إلى التغلُّب عليها.
3
BY علم النفس (مقالات وأبحاث)
Share with your friend now:
tgoop.com/psychoanalysis_2021/2714