PSYCHOANALYSIS_2021 Telegram 3321
أنت نوع من إيفار كروجر،٥⋆ الممثل النموذجي للروح الأوروبي الحديث. يجب أن تدرك، سيدي العزيز، أنك تسعى سعيًا حثيثًا نحو الكلاب.»
ولسوف يكون إدراكه هذا بالغ الأهمية له، لأنَّ في المَرضى مَيلًا ضارًّا إلى المُضِيِّ في التشوُّش والاختلاط بنفس الطريقة القديمة، حتى ولو ثبت لهم عدم جدواها منذ زمن طويل، مما يزيد في تفاقُم وضعهم. لا جدوى من الانتظار؛ لذلك ينهض على الفور السؤال التالي: «ماذا يجب عمله؟»

إن مريضَنا رجل ذكي؛ جرَّب جميع الأدوية المسجلة، من ناجعة وغير ناجعة، وكل أنواع الحِمْية، وجميع نتف النصائح التي قدمَّها له الأناس الأذكياء. لذلك يجب أن نمضي معه كما نمضي مع «تيل يولد شبيغل»، الذي كان يضحك كلما مضى في الطريق صعودًا، ويبكي كلما هبط نزولًا، في تحدٍّ صارم للحس السليم الشائع. لكن تحت ثياب الأحمق، كان يختبئ فيه رجل حكيم: عندما كان يصعد كان يبتهج بالنزول الآتي.

يجب أن نلفت مريضنا إلى المكان الذي تنمو جرثومة الوحدة في داخله، مكان الولادة المبدعة، التي هي أعمق سبب لجميع أنواع الانشقاقات والتصدُّعات والتشيُّعات على السطح. الحضارة لا تفسد بل تولد من جديد. في القرون الأولى من الحقبة المسيحية، كان بوسع امرئٍ ذي تمييز أن يصيح بيقين لا يتزعزع وسط المؤامرة السياسية والمراهنة الوحشية على عبادة القيصر الذي أسكرته خمرة سيرك العالم الروماني: «جرثومة العهد القادم قد ولدت في الظلمة لتوها، خلف كل هذا التخبُّط الذي لا هدف له؛ أنتَشَت بزرة الشجرة التي سوف تُظلل الأمم من «توله» Thule في أقصى الغرب حتى بولونيا، ومن جبال الشمال حتى صقلية، وتوحدها في إيمان واحد وثقافة واحدة ولغة واحدة.»
ذلك هو القانون السيكولوجي! يقينًا إن مريضي لن يصدق ولا كلمة واحدة من هذه الأقوال. في أقل الأحوال ربما أعرب عن رغبته في تجربة هذه الأشياء بنفسه. وهنا تبدأ المصاعب، ذلك أن التعويض لا يظهر إلا في حيث تكون توقُّعاتنا الأقل، وفي حيث تبدو الأقل وضوحًا، إذا نظرنا إلى الأمر نظرةً موضوعية. لنفترض الآن أن مريضنا ليس ذلك التجريد الشاحب من حضارة انقرضت منذ زمن بعيد، بل إنسان من لحم ودم يعيش في يومنا هذا، شاء له سوء حظه أن يكون ممثلًا نموذجيًّا لثقافتنا الأوروبية الحديثة. عندئذٍ نجد أن نظريتنا التعويضية لا تعني له شيئًا. ونجد أنه يعاني أكثر من كل شيء آخر من مرض معرفته لكل شيء بصورة أفضل؛ ما من شيء لا يستطيع أن يصنفه ويضعه في دُرجه الصحيح. أما نفسه فهي من اختراعه، تتبع إرادته، وتطيع عقله. وإذا اتفق وأن ظهرت عليها أعراض مَرَضية، من مثل حالات قلق، وأفكار متسلطة، فهي عندئذٍ أمراض قابلة للتشخيص سريريًّا، لها أسماء علمية واضحة كل الوضوح. لا يعلم شيئًا عن النفس بما هي خبرة أصلية لا يمكن أن ترتد إلى شيء آخر سواها، ولا يعلم شيئًا عما أتكلم عنه، لكنه يعتقد أنه قد فهمه تمامًا. أكثر من ذلك، يدبِّج المقالات ويؤلف الكتب يبدي فيها حسرته من شرور اﻟ «سيكولوجيزم».٦⋆
هذا النوع من العقلية، التي تتحصن خلف ستار صفيق من الكتب والصحف والآراء الاجتماعية والانحيازات المهنية — هذا النوع من العقلية لا يمكن الجدال معه. لا شيء يمكنه أن يخترق دفاعاته، حتى ولا تلك الجرثومة الصغيرة من الجديد الذي قد يجعله في وحدة منسجمة مع العالم ومع نفسه لقد بلغ من ضآلته وهزليته مبلغًا يتخلى معه عن الروح على الفور في سبيل أتفه الأشياء. إلى أين، إذن، ينبغي لنا أن نقتاد مريضنا لكي نعطيه على الأقل بصيصًا يدله على شيء مختلف، شيء يعدل وزنُه وزنَ العالم اليومي الذي يعرفه أكثر مما ينبغي؟ يجب أن ندله، بالسير أولًا على طريق ملتوية، على زاوية في نفسه، مظلمة، تافهة إلى درجة مضحكة، عديمة الأهمية، ثم السير في طريق مهجور منذ زمن بعيد يفضي إلى أطول وهم معروف … تلك الزاوية من الحلم، الذي ما هو — في نظره — غير شبح ليلي غريب، سريع التلاشي، والطريق هو فهم الأحلام.

لسوف يصرخ المريض ساخطًا مع فاوست:

إن دجل الساحرة يثير قرف نفسي!
هل هذا وعدك إذن، بأن أُشفَى
بتأثير هذه النصيحة الملتوية في هذا الثقب المجنون،
في الحقيقة بتأثير عجوز شمطاء ملهمة؟
… … … …
ألا تستطيع أن تنقع لك صديدًا؟
عن ذلك سوف أجيب: «ألم تجرِّب بعدُ دواءً آخر؟ ألم ترَ بنفسك أن جميع جهودك لم تقُدك إلا إلى الدوران في حلقة، رجوعًا إلى فوضى حياتك الراهنة؟ لذلك من أين سوف تحصل على وجهة النظر الأخرى، إن لم يمكنك العثور عليها في أي مكان في عالمك؟»

هنا يجمجم مغيستوفيل موافِقًا، «ذلك هو المكان الذي تلج منه الساحرة.» بذلك يمنح سر الطبيعة التواءَه الشيطاني، وينحرف بالحقيقة التي تفيد بأن الحلم رؤية داخلية، «غامضة وإنْ في وضح النهار.» الحلم باب مُزيَّق قليلًا في أعمق فجوات الروح وأكثرها سرية؛ كوة في الليل الكوني الذي كان نفسًا مَهمَا بلغ امتداد الوعي؛ ذلك لأن الواعية منعزلة؛ تفصل وتميز، لا تعرف إلا الجزئيات، ولا ترى إلا ما يمكن اتصاله بالأنية؛ جوهرها تحديد، حتى ولو وصلت إلى أبعد السُّدُم

5



tgoop.com/psychoanalysis_2021/3321
Create:
Last Update:

أنت نوع من إيفار كروجر،٥⋆ الممثل النموذجي للروح الأوروبي الحديث. يجب أن تدرك، سيدي العزيز، أنك تسعى سعيًا حثيثًا نحو الكلاب.»
ولسوف يكون إدراكه هذا بالغ الأهمية له، لأنَّ في المَرضى مَيلًا ضارًّا إلى المُضِيِّ في التشوُّش والاختلاط بنفس الطريقة القديمة، حتى ولو ثبت لهم عدم جدواها منذ زمن طويل، مما يزيد في تفاقُم وضعهم. لا جدوى من الانتظار؛ لذلك ينهض على الفور السؤال التالي: «ماذا يجب عمله؟»

إن مريضَنا رجل ذكي؛ جرَّب جميع الأدوية المسجلة، من ناجعة وغير ناجعة، وكل أنواع الحِمْية، وجميع نتف النصائح التي قدمَّها له الأناس الأذكياء. لذلك يجب أن نمضي معه كما نمضي مع «تيل يولد شبيغل»، الذي كان يضحك كلما مضى في الطريق صعودًا، ويبكي كلما هبط نزولًا، في تحدٍّ صارم للحس السليم الشائع. لكن تحت ثياب الأحمق، كان يختبئ فيه رجل حكيم: عندما كان يصعد كان يبتهج بالنزول الآتي.

يجب أن نلفت مريضنا إلى المكان الذي تنمو جرثومة الوحدة في داخله، مكان الولادة المبدعة، التي هي أعمق سبب لجميع أنواع الانشقاقات والتصدُّعات والتشيُّعات على السطح. الحضارة لا تفسد بل تولد من جديد. في القرون الأولى من الحقبة المسيحية، كان بوسع امرئٍ ذي تمييز أن يصيح بيقين لا يتزعزع وسط المؤامرة السياسية والمراهنة الوحشية على عبادة القيصر الذي أسكرته خمرة سيرك العالم الروماني: «جرثومة العهد القادم قد ولدت في الظلمة لتوها، خلف كل هذا التخبُّط الذي لا هدف له؛ أنتَشَت بزرة الشجرة التي سوف تُظلل الأمم من «توله» Thule في أقصى الغرب حتى بولونيا، ومن جبال الشمال حتى صقلية، وتوحدها في إيمان واحد وثقافة واحدة ولغة واحدة.»
ذلك هو القانون السيكولوجي! يقينًا إن مريضي لن يصدق ولا كلمة واحدة من هذه الأقوال. في أقل الأحوال ربما أعرب عن رغبته في تجربة هذه الأشياء بنفسه. وهنا تبدأ المصاعب، ذلك أن التعويض لا يظهر إلا في حيث تكون توقُّعاتنا الأقل، وفي حيث تبدو الأقل وضوحًا، إذا نظرنا إلى الأمر نظرةً موضوعية. لنفترض الآن أن مريضنا ليس ذلك التجريد الشاحب من حضارة انقرضت منذ زمن بعيد، بل إنسان من لحم ودم يعيش في يومنا هذا، شاء له سوء حظه أن يكون ممثلًا نموذجيًّا لثقافتنا الأوروبية الحديثة. عندئذٍ نجد أن نظريتنا التعويضية لا تعني له شيئًا. ونجد أنه يعاني أكثر من كل شيء آخر من مرض معرفته لكل شيء بصورة أفضل؛ ما من شيء لا يستطيع أن يصنفه ويضعه في دُرجه الصحيح. أما نفسه فهي من اختراعه، تتبع إرادته، وتطيع عقله. وإذا اتفق وأن ظهرت عليها أعراض مَرَضية، من مثل حالات قلق، وأفكار متسلطة، فهي عندئذٍ أمراض قابلة للتشخيص سريريًّا، لها أسماء علمية واضحة كل الوضوح. لا يعلم شيئًا عن النفس بما هي خبرة أصلية لا يمكن أن ترتد إلى شيء آخر سواها، ولا يعلم شيئًا عما أتكلم عنه، لكنه يعتقد أنه قد فهمه تمامًا. أكثر من ذلك، يدبِّج المقالات ويؤلف الكتب يبدي فيها حسرته من شرور اﻟ «سيكولوجيزم».٦⋆
هذا النوع من العقلية، التي تتحصن خلف ستار صفيق من الكتب والصحف والآراء الاجتماعية والانحيازات المهنية — هذا النوع من العقلية لا يمكن الجدال معه. لا شيء يمكنه أن يخترق دفاعاته، حتى ولا تلك الجرثومة الصغيرة من الجديد الذي قد يجعله في وحدة منسجمة مع العالم ومع نفسه لقد بلغ من ضآلته وهزليته مبلغًا يتخلى معه عن الروح على الفور في سبيل أتفه الأشياء. إلى أين، إذن، ينبغي لنا أن نقتاد مريضنا لكي نعطيه على الأقل بصيصًا يدله على شيء مختلف، شيء يعدل وزنُه وزنَ العالم اليومي الذي يعرفه أكثر مما ينبغي؟ يجب أن ندله، بالسير أولًا على طريق ملتوية، على زاوية في نفسه، مظلمة، تافهة إلى درجة مضحكة، عديمة الأهمية، ثم السير في طريق مهجور منذ زمن بعيد يفضي إلى أطول وهم معروف … تلك الزاوية من الحلم، الذي ما هو — في نظره — غير شبح ليلي غريب، سريع التلاشي، والطريق هو فهم الأحلام.

لسوف يصرخ المريض ساخطًا مع فاوست:

إن دجل الساحرة يثير قرف نفسي!
هل هذا وعدك إذن، بأن أُشفَى
بتأثير هذه النصيحة الملتوية في هذا الثقب المجنون،
في الحقيقة بتأثير عجوز شمطاء ملهمة؟
… … … …
ألا تستطيع أن تنقع لك صديدًا؟
عن ذلك سوف أجيب: «ألم تجرِّب بعدُ دواءً آخر؟ ألم ترَ بنفسك أن جميع جهودك لم تقُدك إلا إلى الدوران في حلقة، رجوعًا إلى فوضى حياتك الراهنة؟ لذلك من أين سوف تحصل على وجهة النظر الأخرى، إن لم يمكنك العثور عليها في أي مكان في عالمك؟»

هنا يجمجم مغيستوفيل موافِقًا، «ذلك هو المكان الذي تلج منه الساحرة.» بذلك يمنح سر الطبيعة التواءَه الشيطاني، وينحرف بالحقيقة التي تفيد بأن الحلم رؤية داخلية، «غامضة وإنْ في وضح النهار.» الحلم باب مُزيَّق قليلًا في أعمق فجوات الروح وأكثرها سرية؛ كوة في الليل الكوني الذي كان نفسًا مَهمَا بلغ امتداد الوعي؛ ذلك لأن الواعية منعزلة؛ تفصل وتميز، لا تعرف إلا الجزئيات، ولا ترى إلا ما يمكن اتصاله بالأنية؛ جوهرها تحديد، حتى ولو وصلت إلى أبعد السُّدُم

5

BY علم النفس (مقالات وأبحاث)


Share with your friend now:
tgoop.com/psychoanalysis_2021/3321

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Ng, who had pleaded not guilty to all charges, had been detained for more than 20 months. His channel was said to have contained around 120 messages and photos that incited others to vandalise pro-government shops and commit criminal damage targeting police stations. The court said the defendant had also incited people to commit public nuisance, with messages calling on them to take part in rallies and demonstrations including at Hong Kong International Airport, to block roads and to paralyse the public transportation system. Various forms of protest promoted on the messaging platform included general strikes, lunchtime protests and silent sit-ins. On June 7, Perekopsky met with Brazilian President Jair Bolsonaro, an avid user of the platform. According to the firm's VP, the main subject of the meeting was "freedom of expression." Click “Save” ; Select: Settings – Manage Channel – Administrators – Add administrator. From your list of subscribers, select the correct user. A new window will appear on the screen. Check the rights you’re willing to give to your administrator.
from us


Telegram علم النفس (مقالات وأبحاث)
FROM American