PSYCHOANALYSIS_2021 Telegram 3322
فيما بين النجوم. كل الواعية تفرق؛ لكن في الأحلام نرتدي شَبَه ذلك الإنسان الأكثر عالمية، والأكثر حقيقية، والأكثر خلودًا، الإنسان القابع في ظلام الليل البدئي. هناك لا يزال هو الكل والكل فيه، لا يمكن تمييزه من الطبيعة، متجرد من أَنْيَوية Egohood.
من هذه الأعماق الموحدة للكل، يطلع الحلم، لا شيء أكثر منه طفولية وغرابة وحيادًا أخلاقيًّا. كالزهرة براءة وطُهرًا، حتى لتحمَر خجلًا من الغش الذي يسود حياتنا، لذلك لا عجبَ أن يعتبر الحلم، وهو الذي أثر في جميع الحضارات القديمة، رسالة من الآلهة. بقِيَ على عقلانية عصرنا أن نُفسِّر الحلم بأنه بقايا من مخلفات النهار، يتساقط كالفتات في عالم الشفق من موائد الواعية التي أثقلتها أوزارها. هذه الأعماق المظلمة، إن هي إلا كيس فارغ، ليس يحوي أكثر مما يتساقط عليه من فوق. لماذا ننسى دائمًا أن لا شيء، جليلًا أو جميلًا، في الميدان الواسع من الثقافة الإنسانية لم ينبت من فكرة سعيدة أصلًا؟ ماذا يحل بالبشرية لو لم يوجد شخص عنده أفكار سعيدة؟ الأصح أن نقول إن واعيتَنا هي ذلك الكيس الذي ليس فيه غير ما يتفق أن يقع عليه. إننا لا نُقدِّر أبدًا مِقدارَ اعتمادِنا على الأفكار السعيدة، إلا عندما نتأكد — ويا للأسف! — أنها لن تأتي. وما الحلم إلا فكرة سعيدة تأتينا من عالم النفس المظلمة الموحدة للكل. ماذا عساه أن يكون أكثر طبيعيَّةً من أن نقرع باب الأحلام ونطلب منها المعاني التي تُدنِينا قُربًا من حقائق الوجود البشري الأساسية، بعد إذ أضعنا أنفسنا وسط جزئيات لا نهاية لها وتفصيلات منعزلة من عالم السطح.

هنا نواجه الانحياز العنيد الذي يذهب إلى أن الأحلام زبد كثير، ليست حقيقية، تكذب، مجرد تلبيات لرغبة. وما هذه الأقوال إلا تهرُّب من أخذ الأحلام على مأخذ الجد؛ لأن هذا أمر لا يبعث على ارتياح. إن هوَسَنا الفكري بالواعية لهو هَوَس بالعزلة أيضًا على الرغم مما في هذه العزلة من عيوب. ولهذا السبب تجد الناس يفعلون كل شيء ولا يُسَلمون بأن الأحلام حقيقية وأنها تنطق بالحقيقة؛ ففي القِديسِين مَسن رأى أحلامًا غليظة. ترى ما هو مصير قداستهم، وهي الشيء الذي يرفعهم فوق عامةِ الناس، لو اتَّضح أن شناعة أحلامهم حقيقة واقعة؟ لكنَّ أقذر الأحلام هي التي توثق عرى القرابة بيننا وبين سائر أبناء البشر، وتخمد نار الغطرسة التي يورثها ضمور الغرائز. وحدة النفس لن تتحطم أبدأ، حتى ولو تساقط العالم كله شَذَر مَذَر. وكلما اتَّسعت الشقوق وتكاثرت على السطح، قويَت أواصر الوحدة في الأعماق.

طبعًا، كل مَن لم يختبر وحدة النفس بنفسه لن يقتنع بإمكان وجود فعالية نفسية مستقلة عن الواعية، وليست فعالية لا تحدث فيَّ وحسب، وإنما في جميع الناس في وقت واحد. لكن عندما نقارن سيكولوجية الفن الحديث بما كشف عنه البحث السيكولوجي، وهذا مع ما أثمرت معه الميثولوجيا والفلسفة من نتائج، نجد البراهين التي لا تُدحَض على وجود عامل هذه الخافية الجامعة.

غير أن مريضَنا، وقد اعتاد أن يُعامِل نفسَه باعتبارها شيئًا تحت سيطرته، لسوف يرد محتجًّا بأنه ما لاحظ قطُّ شيئًا موضوعيًّا في سياقاته النفسية، بل هي أكثر الأشياء شخصية على ما قد يتصوَّر المرء. على هذا أردُّ قائلًا: «إذن، أنت تستطيع أن تُبدِّد حالات القلق والأفكار المتسلطة عليك على الفور. والنوبات المزعجة لن تنتابك بعد الآن. ما عليك إلا تنطق بالكلمة السحرية.»

طبعًا، إن مريضَنا، في سذاجته الحديثة، لم يستطِع أن يدرك أنَّ أحواله الباثولوجية تستحوذ عليه مثلما كانت تستحوذ على كل ساحرة أو صائد ساحرات في أظلم العصور الوسطى. المسألة لا تعدو أن تكون اختلافًا في التسميات. في تلك الأيام كانوا يتكلمون عن الشيطان، وفي يومنا هذا ندعو المرضَ عُصابًا. لكننا نصل إلى نفس الشيء، إلى نفس الخبرة القديمة: شيء نفسي موضوعيًّا وغريب عنَّا، لا يقع تحت سيطرتنا، ويقاوم إرادتنا مقاومة عنيدة. لسنا في حال أفضل من اﻟ «بروكتوفنتامست» في «فاوست» الذي صاح في دهشة:

مُنافٍ للعقل! أما زلت تنوي البقاء؟
اختفِ حالًا، لقد انفضح أمرُك!
لا يُخَوَّف رهطُ هذا الشيطان بالأحكام
مع كل حكمتنا، لا يزال «تيغيل» مسكونًا.
لو كان باستطاعة مريضنا الخضوع إلى منطق هذه الحجة، لكسبنا الشيء الكثير. الطريق لاختبار النفس مفتوح، لكنَّ المرءَ ما يلبث أن يأتي إلى انحيازٍ آخرَ يسدُّ عليه التقدم إلى ما وراء ما وصل إليه. لسوف يقول: «لنُسلمْ جدلًا أنني أختبر الآن قوةً نفسيةً تخذل إرادتي، اختبر عاملًا نفسيًّا موضوعيًّا، إن كنت تحب أن تسميه كذلك. لكنه يظل مع ذلك شيئًا سيكولوجيًّا محضًا، غامضًا، لا يعتمد عليه، وليس له أهمية في الحياة العملية.»

6



tgoop.com/psychoanalysis_2021/3322
Create:
Last Update:

فيما بين النجوم. كل الواعية تفرق؛ لكن في الأحلام نرتدي شَبَه ذلك الإنسان الأكثر عالمية، والأكثر حقيقية، والأكثر خلودًا، الإنسان القابع في ظلام الليل البدئي. هناك لا يزال هو الكل والكل فيه، لا يمكن تمييزه من الطبيعة، متجرد من أَنْيَوية Egohood.
من هذه الأعماق الموحدة للكل، يطلع الحلم، لا شيء أكثر منه طفولية وغرابة وحيادًا أخلاقيًّا. كالزهرة براءة وطُهرًا، حتى لتحمَر خجلًا من الغش الذي يسود حياتنا، لذلك لا عجبَ أن يعتبر الحلم، وهو الذي أثر في جميع الحضارات القديمة، رسالة من الآلهة. بقِيَ على عقلانية عصرنا أن نُفسِّر الحلم بأنه بقايا من مخلفات النهار، يتساقط كالفتات في عالم الشفق من موائد الواعية التي أثقلتها أوزارها. هذه الأعماق المظلمة، إن هي إلا كيس فارغ، ليس يحوي أكثر مما يتساقط عليه من فوق. لماذا ننسى دائمًا أن لا شيء، جليلًا أو جميلًا، في الميدان الواسع من الثقافة الإنسانية لم ينبت من فكرة سعيدة أصلًا؟ ماذا يحل بالبشرية لو لم يوجد شخص عنده أفكار سعيدة؟ الأصح أن نقول إن واعيتَنا هي ذلك الكيس الذي ليس فيه غير ما يتفق أن يقع عليه. إننا لا نُقدِّر أبدًا مِقدارَ اعتمادِنا على الأفكار السعيدة، إلا عندما نتأكد — ويا للأسف! — أنها لن تأتي. وما الحلم إلا فكرة سعيدة تأتينا من عالم النفس المظلمة الموحدة للكل. ماذا عساه أن يكون أكثر طبيعيَّةً من أن نقرع باب الأحلام ونطلب منها المعاني التي تُدنِينا قُربًا من حقائق الوجود البشري الأساسية، بعد إذ أضعنا أنفسنا وسط جزئيات لا نهاية لها وتفصيلات منعزلة من عالم السطح.

هنا نواجه الانحياز العنيد الذي يذهب إلى أن الأحلام زبد كثير، ليست حقيقية، تكذب، مجرد تلبيات لرغبة. وما هذه الأقوال إلا تهرُّب من أخذ الأحلام على مأخذ الجد؛ لأن هذا أمر لا يبعث على ارتياح. إن هوَسَنا الفكري بالواعية لهو هَوَس بالعزلة أيضًا على الرغم مما في هذه العزلة من عيوب. ولهذا السبب تجد الناس يفعلون كل شيء ولا يُسَلمون بأن الأحلام حقيقية وأنها تنطق بالحقيقة؛ ففي القِديسِين مَسن رأى أحلامًا غليظة. ترى ما هو مصير قداستهم، وهي الشيء الذي يرفعهم فوق عامةِ الناس، لو اتَّضح أن شناعة أحلامهم حقيقة واقعة؟ لكنَّ أقذر الأحلام هي التي توثق عرى القرابة بيننا وبين سائر أبناء البشر، وتخمد نار الغطرسة التي يورثها ضمور الغرائز. وحدة النفس لن تتحطم أبدأ، حتى ولو تساقط العالم كله شَذَر مَذَر. وكلما اتَّسعت الشقوق وتكاثرت على السطح، قويَت أواصر الوحدة في الأعماق.

طبعًا، كل مَن لم يختبر وحدة النفس بنفسه لن يقتنع بإمكان وجود فعالية نفسية مستقلة عن الواعية، وليست فعالية لا تحدث فيَّ وحسب، وإنما في جميع الناس في وقت واحد. لكن عندما نقارن سيكولوجية الفن الحديث بما كشف عنه البحث السيكولوجي، وهذا مع ما أثمرت معه الميثولوجيا والفلسفة من نتائج، نجد البراهين التي لا تُدحَض على وجود عامل هذه الخافية الجامعة.

غير أن مريضَنا، وقد اعتاد أن يُعامِل نفسَه باعتبارها شيئًا تحت سيطرته، لسوف يرد محتجًّا بأنه ما لاحظ قطُّ شيئًا موضوعيًّا في سياقاته النفسية، بل هي أكثر الأشياء شخصية على ما قد يتصوَّر المرء. على هذا أردُّ قائلًا: «إذن، أنت تستطيع أن تُبدِّد حالات القلق والأفكار المتسلطة عليك على الفور. والنوبات المزعجة لن تنتابك بعد الآن. ما عليك إلا تنطق بالكلمة السحرية.»

طبعًا، إن مريضَنا، في سذاجته الحديثة، لم يستطِع أن يدرك أنَّ أحواله الباثولوجية تستحوذ عليه مثلما كانت تستحوذ على كل ساحرة أو صائد ساحرات في أظلم العصور الوسطى. المسألة لا تعدو أن تكون اختلافًا في التسميات. في تلك الأيام كانوا يتكلمون عن الشيطان، وفي يومنا هذا ندعو المرضَ عُصابًا. لكننا نصل إلى نفس الشيء، إلى نفس الخبرة القديمة: شيء نفسي موضوعيًّا وغريب عنَّا، لا يقع تحت سيطرتنا، ويقاوم إرادتنا مقاومة عنيدة. لسنا في حال أفضل من اﻟ «بروكتوفنتامست» في «فاوست» الذي صاح في دهشة:

مُنافٍ للعقل! أما زلت تنوي البقاء؟
اختفِ حالًا، لقد انفضح أمرُك!
لا يُخَوَّف رهطُ هذا الشيطان بالأحكام
مع كل حكمتنا، لا يزال «تيغيل» مسكونًا.
لو كان باستطاعة مريضنا الخضوع إلى منطق هذه الحجة، لكسبنا الشيء الكثير. الطريق لاختبار النفس مفتوح، لكنَّ المرءَ ما يلبث أن يأتي إلى انحيازٍ آخرَ يسدُّ عليه التقدم إلى ما وراء ما وصل إليه. لسوف يقول: «لنُسلمْ جدلًا أنني أختبر الآن قوةً نفسيةً تخذل إرادتي، اختبر عاملًا نفسيًّا موضوعيًّا، إن كنت تحب أن تسميه كذلك. لكنه يظل مع ذلك شيئًا سيكولوجيًّا محضًا، غامضًا، لا يعتمد عليه، وليس له أهمية في الحياة العملية.»

6

BY علم النفس (مقالات وأبحاث)


Share with your friend now:
tgoop.com/psychoanalysis_2021/3322

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

With Bitcoin down 30% in the past week, some crypto traders have taken to Telegram to “voice” their feelings. Those being doxxed include outgoing Chief Executive Carrie Lam Cheng Yuet-ngor, Chung and police assistant commissioner Joe Chan Tung, who heads police's cyber security and technology crime bureau. According to media reports, the privacy watchdog was considering “blacklisting” some online platforms that have repeatedly posted doxxing information, with sources saying most messages were shared on Telegram. The group also hosted discussions on committing arson, Judge Hui said, including setting roadblocks on fire, hurling petrol bombs at police stations and teaching people to make such weapons. The conversation linked to arson went on for two to three months, Hui said. Channel login must contain 5-32 characters
from us


Telegram علم النفس (مقالات وأبحاث)
FROM American