tgoop.com/psychoanalysis_2021/3326
Last Update:
يخاطبنا في الأحلام، ويبين لنا كيف تختلف رؤيته لنا عن طريقة رؤيتنا لأنفسنا، لذلك عندما نجد أنفسنا في وضع صعب ليس له حل، يستطيع أحيانًا أن يوقد لنا مصباحًا يغير من موقفنا تغييرًا جذريًّا — نفس الموقف الذي أوصلنا إلى الوضع الصعب.
وكلما توغلت في هذه المشكلات على مدى السنين، قوي انطباعي بأن تعليمنا الحديث تعليم أحادي إلى حدٍّ مروع. لا شك أننا على حق عندما نفتح عيون شبابنا وآذانهم على العالم الوسيع، لكن من أحمق الضلالات الاعتقاد بأن هذا يؤهلهم فعلًا لمهمة الحياة. إن ما نعلمه شبابَنا لهو نوع من التدريب الذي يمكنُهم من التكيف خارجيًّا مع العالم ومع الواقع، لكن ما من أحد يهتم بإعطائهم فكرة عن ضرورة التكيُّف مع النفس، مع قوى عالمه النفسي، التي هي أقوى بكثير من جميع القوى العظمى على الأرض. صحيح أن لدينا نظامًا للتعليم، لكنَّ بعضَ أصوله يرجع إلى العصور القديمة، وبعضها الآخر إلى العصور الوسطى. وهو في هذا يحتذي حذو الكنيسة المسيحية. لكننا لا يمكن أن ننكر أن المسيحية قد فقدت فعاليتها التعليمية إلى حد كبير، طوال القرنين الماضيين، وهي في هذا ليست أقل من الكنفوشيوسية في الصين والبوذية في الهند. وليس محل اللوم في هذا الجور البشري، بل التغير الروسي الذي حصل تدريجيًّا وعلى نطاق واسع، وكان أول أعراضه الإصلاح الديني. لقد حطم الإصلاح الديني سلطان الكنيسة في صفتها التعليمية، ثم أخذ بعد ذلك المبدأ الاستبدادي نفسه يتقوَّض وينهار. وكانت النتيجة التي لا مفر منها زيادة في أهمية الفرد، التي وجدت تعبيرها في المثل الإنسانية العليا كالرفاه الاجتماعي والديمقراطية والمساواة. لكن الاتجاه الفرداني الحاسم في هذه التطورات الأخيرة أخذ يوازنه الاتجاه التعويضي المعاكس نحو الإنسان الجمعي، الذي يبلغ سلطانه في الوقت ما يبلغ وزن الكتل البشرية. لذلك لا عجب أن يوجد اليوم شعور بالكارثة في الهواء كما لو أن «هَيْلًا» Avalanche انفجر ولا شيء يستطيع إيقافه. الإنسان الجمعي يهدد الإنسان الفرد، الذي يتوقف على شعوره بالمسئولية كل شيء ذي قيمة في الحياة البشرية في نهاية المطاف الكتل البشرية، بهذه الصفة، دائمًا مُغْفَلة ودائمًا غير مسئولة. ما يُسمَّون بالزعماء هم الأعراض التي لا مفر منها على حركة هذه الكتل. أما الزعماء الحقيقيون للبشرية فهم دائمًا القادرون على التفكير الذاتي، الذين يُلقون عن كاهلهم هم على الأقل ذلك العبء الميت الذي تمثله الكتل، ويقفون واعين في معزل عن الزخم الأعمى في حركة الكتلة. لكن مَن يستطيع مقاومة قوة الجذب هذه التي تلتهم كل شيء، عندما يتأبَّط كل أحد الذي يليه، وكل أحد يجر الآخر معه؟ لا أحد غير الذي يتجذر ثابتًا لا في العالم الخارجي وحسب، وإنما في العالم الداخلي أيضًا.
صغير وخفي هو الطريق الذي يفضي إلى الداخل، وتعترض المدخل حواجز لا حصر لها: انحيازات، مُسَلمات خاطئة، مخاوف. دائمًا نرغب في الاستماع إلى خطط سياسية واقتصادية عظيمة، نفس الأشياء التي أرسَت كل أمة في مستنقع، لذلك يبدو أمرًا غريبًا أن يتكلم كل أحد عن أبواب سرية وأحلام وعالم داخلي. ما علاقة هذه المثالية التافهة بالبرامج الاقتصادية الضخمة، بما يُسمَّى مشكلات الواقع؟
إلا أنني لا أخاطب أممًا، لا أخاطب إلا قلة من الأفراد، لا تهبط عليهم القيم الثقافية كما يهبط المنُّ من السماء، بل تخلق بأيدي أفراد — غني عن البيان أن نقول هذا. إذا كانت الأشياء تمضي خاطئة في العالم، فهذا يعني أن شيئًا خاطئًا موجود في الفرد، شيئًا خاطئًا موجود فيَّ. لذلك إن كنت ذا بالمسئولية أضع نفسي في المقدمة. من أجل هذا أحتاج — ما دامت السلطة في الخارج لم تعد تعني لي شيئًا — إلى معرفة الأساسات الجوانية التي يقوم عليها وجودي، لعَلِّي أؤسس نفسي ثابتًا على الحقائق الأولية، حقائق النفس البشرية.
إن تكلمتُ آنفًا عن الأحلام بصفة رئيسية، فلأنني رغبتُ في لفت الانتباه إلى واحد من أكثر المقاربات مباشرةً من عالم الخبرة الداخلية. لكنَّ هناك أشياءَ كثيرة إلى جانب الأحلام لا نستطيع بحثها هنا، وإذا بحثنا في المستويات العميقة من النفس، فإنما نُخرج إلى النور الكثير من الذي نستطيع أن نحلم به على السطح في معظم الأحيان. لا عجب إذن أن نكتشف أحيانًا الفعالية الدينية في أحلامنا أيضًا، وهي أقوى جميع فعاليات الإنسان الروحية وأكثرها أصالة. وقد انحرفت هذه الفعالية في الإنسان الحديث أكثر حتى من انحراف الجنس أو التكيُّف الاجتماعي … أعرف أناسًا كانت المواجهة مع القوة الغريبة في داخل أنفسهم نوعًا من الخبرة الطاغية حتى لقد أسموها «الله». و«الله» عندما نختبره على هذا النحو، هو أيضًا «نظرية» بالمعنى الحرفي للكلمة، طريقة للنظر إلى العالم، صورة خلقها العقل البشري المحدود لكي يُعبِّر عن خبرة بعيدة القرار، خبرة لا توصف. الخبرة وحدها هي الشيء الحقيقي الذي لا جدال فيه؛ أما الصورة فقد يَعلق بها غبار، أو قد تتحطم فتاتًا.
10
BY علم النفس (مقالات وأبحاث)
Share with your friend now:
tgoop.com/psychoanalysis_2021/3326