Telegram Web
وصلني هذا الإهداء من مركز تفسير لهذا الكتاب القيم والأصل بين التفاسير، شكر الله لهم جهودهم، تحقيق رائع من الشيخين: أ.د.عبدالرحمن الشهري كمتخصص ومشتغل بهذا التفسير من عدة سنوات، ومحقق بارع:
د. عبدالرحمن قائد.
من غرائب مواقف شيخ الإسلام مع الجن، وكراماته معهم متكررة. الفرقان بين الحق والبطلان: ٣٧٨
قال شيخ الإسلام في سياق رده على تفاسير الصوفية، وفهمهم الخطأ للمعاني الباطنية للنصوص، وطريقة أهل السنة في أثر العمل على العلم: (وأما "العلم اللدني" فلا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين بسبب طهارة قلوبهم ما لا يفتح به على غيرهم. وهذا كما قال علي: إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه" وفي الأثر: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم"..
والناس في هذا الباب على ثلاثة أقسام طرفان ووسط: فقوم يزعمون أن مجرد الزهد وتصفية القلب توجب حصول العلم بلا سبب آخر. وقوم يقولون: لا أثر لذلك بل الموجب للعلم العلم بالأدلة الشرعية أو العقلية. وأما الوسط: فهو أن ذلك من أعظم الأسباب معاونة على نيل العلم؛ بل هو شرط في حصول كثير من العلم؛…وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} فمن ظن أن الهدى والإيمان يحصل بمجرد طريق العلم مع عدم العمل به أو بمجرد العمل والزهد بدون العلم فقد ضل. وأضل منهما من سلك في العلم والمعرفة طريق أهل الفلسفة والكلام بدون اعتبار ذلك بالكتاب والسنة ولا العمل بموجب العلم أو سلك في العمل والزهد طريق أهل الفلسفة والتصوف بدون اعتبار ذلك بالكتاب والسنة؛ فأعرض هؤلاء عن العلم والشرع وأعرض أولئك عن العمل والشرع فضل كل منهما من هذين الوجهين وتباينوا تباينا عظيما حتى أشبه هؤلاء اليهود المغضوب عليهم وأشبه هؤلاء النصارى الضالين). مجموع الفتاوى: (٢٤٥/١٣).
للمفسرين لفتات تربوية رائعة، ففي قوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِی عَلَیۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَیۡهِنَّ دَرَجَةࣱۗ)
ذكر الطبري عدة أقوال في معنى الدرجة: فقيل: الفضلُ الذي فضّلهم الله عليهن في الميراث والجهاد، وقيل: الإمْرة والطاعة، وقيل: ما ساق إليها من الصداق، وأورد عن ابن عباس: تلك الدرجة التي له عليها، إفضاله عليها، وأداء حقها إليها، وصفحه عن الواجب لهُ عليها أو عن بعضه، ونقل عن ابن عباس قوله في عبارة أخاذة: ما أحب أن استنظف جميع حقي عليها، لأن الله تعالى ذكره يقول:" وللرجال عليهن درجة".
وقد رجح الطبري هذا القول.
وتفاعل محمود شاكر مع هذا الترجيح للطبري إذ قال: وأحب أن أقول إن التخلق بآداب كتاب الله يهدي إلى التفسير الصحيح كما تهدي إليه المعرفة بلغة العرب وبسنة رسول الله ﷺ فالأخلاق أداة من أدوات العلم كسائر الأدوات. ولولا ما كان عليه هذا الإمام من عظيم الخلق ونبيل الأدب لما وقف وحده بين سائر المفسرين عند هذه الآية، يستخرج منها هذا المعنى النبيل العظيم الذي أدب الله به المطلقين وحثهم عليه وعرفهم به فضل ما بين اقتضاء الحقوق الواجبة والعفو عن هذه الحقوق.
قال ابن عطية: أي: إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه. وهذا قول حسن بارع.
باب التقديم والتأخير من أوسع أبواب المعاني في النكت والفوائد، ومنه تقديم العبادة على الاستعانة في قوله تعالى: (إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ)
قال ابن القيم: (وتقديم "العبادة" على "الاستعانة" من باب تقديم الغايات على الوسائل، إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها. ولأن {إياك نعبد} متعلق بألوهيته واسمه الله، و {إياك نستعين} متعلق بربوبيته واسمه "الرب"، فقدم {إياك نعبد} على {إياك نستعين}
- ولأن {إياك نعبد} قسم الرب، فكان من الشطر الأول الذي هو ثناء على الرب تعالى لكونه أولى به، و{إياك نستعين}قسم العبد، فكان مع الشطر الذي له، وهو {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة.
- ولأن العبادة المطلقة تتضمن الاستعانة من غير عكس. فكل عابد لله عبودية تامة مستعين به، ولا ينعكس لأن صاحب الأغراض والشهوات قد يستعين به على شهواته. فكانت العبادة أكمل وأتم ولهذا كانت قسم الرب تعالى.
- ولأن العبادة لا تكون إلا من مخلص، والاستعانة تكون من مخلص وغير مخلص.
- ولأن العبادة حقه الذي أوجبه عليك، والاستعانة طلب العون، وهو صدقته التي تصدق بها عليك. وأداء حقه أهم من التعرض لصدقته.
- ولأن العبادة شكر نعمته عليك، والله يحب أن يشكر؛ والإعانة فعله بك وتوفيقه لك. فإذا التزمت عبوديته، ودخلت تحت رقها أعانك عليها. وكلما كان العبد أتم عبودية كانت إعانة الله له أعظم.
- ولأن {إياك نعبد} له، و {إياك نستعين} به. وما له مقدم على ما به، لأن ما له متعلق بمحبته ورضاه، وما به متعلق بمشيئته.
فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم {إياك نعبد} على {إياك نستعين}.) مختصرا من مدارج السالكين: (١١٧/١).
هل تصح الرسالة المنسوبة لشيخ الإسلام حول الخضر في الفتاوى: (٣٣٨/٤).
الجواب من حاشية الفرقان بين الحق والبطلان: ٣٤١ للمحقق: د.حمد العصلاني، وقد قدم للتحقيق الشيخ عبدالرحمن المحمود.
في قوله تعالى: (وإذْ قُلْنا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وادْخُلُوا البابَ سُجَّدًا) (والسجودُ الذي أُمِروا به عندَ الدخولِ هو سجودُ الشكرِ، وفُسِّرَ السجودُ هنا بأنّه الركوعُ، وهو الأصحُّ…وفي الآية إشارة إلى أنه يشرع للمتمكن من الدخول إلى نعمة كبرى كفتح بلد ورغد عيش أن يدخلها مطرقا لله منكسرا، حتى لا يورثه تمكنه منها بطرا وكبرا…والنعمة العظيمة الحادثة لها سكرة على النفس تفقدها توازنها، فإذا لم يكسرها بتواضع من أول الأمر بالسجود للخالق والتضرع والتذلل له، تمكنت منه حتى أورثته غرورا وكبرا وبغيا على الخلق…وورد النص في أنواع السجود، كسجود الشكر والتلاوة وظهور الآية.
وبعض العلماء يرى للدعاء سجودا منفردا لمن أراد توبة، قال ابن تيمية: «ولو أراد الدعاء، فعفر وجهه لله بالتراب وسجد له ليدعوه فيه، فهذا سجود لأجل الدعاء، ولا شيء يمنعه»…وبعض العلماء رأى أن للشكر صلاة كما أن له سجودا، وحملوا الصلاة التي صلاها النبي ﷺ عند فتح مكة على أنها صلاة الشكر، وثبوت صلاة الشكر لله على النعمة لا يحتاج إلى دليل خاص، لأن الله أمر بشكره تعبدا لله.. ولذا كان النبي ﷺ يكثر من قيام الليل حتى تتفطر قدماه ويقول: (أفلا أكون عبدا شكورا؟!)) مختصرا من التفسير والبيان لأحكام القرآن: (٦٨/١).
من تنبيهات ابن القيم العظيمة في أهمية عمل القلب في فضائل الذكر قوله: (وكل قول رتب الشارع عليه ما رتب من الثواب، فإنما هو القول التام، كقوله: ﷺ "من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة، غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" وليس هذا مرتبا على مجرد القول اللساني.
نعم، من قالها بلسانه غافلا عن معناها، معرضا عن تدبرها، ولم يواطئ قلبه لسانه، ولا عرف قدرها وحقيقتها، راجيا مع ذلك ثوابها= حطت من خطاياه بحسب ما في قلبه؛ فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب. فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض. والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدا، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض…وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات، فلا يعذب. ومعلوم أن كل موحد فله مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات، لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والرزانة… وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية، وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره وهو يعالج سكرات الموت).
ثم ذكر توبة بغي بني إسرائيل وسقيها للكلب وصوره أحسن تصوير وقال: (فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها فهكذا حال الأعمال والعمال عند الله. والعامل في غفلة من هذا الإكسير الكيمياوي الذي إذا وضع منه مثقال على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهبا)
واقرأ ما بعدها من أمثلة في مدارج السالكين: (٥١٠/١).
يقول ابن القيم: (فإن كل شيء من الإنسان يستعمله لله فإن الله يقيه شر استعماله لنفسه وللشيطان، وما لا يستعمله لله استعمله لنفسه وهواه ولابد.
فالعلم إن لم يكن لله كان للنفس والهوى، والعمل إن لم يكن لله كان للرياء والنفاق، والمال إن لم ينفق لله أنفق في طاعة الشيطان والهوى، والجاه إن لم يستعمل لله استعمل صاحبه في هواه وحظوظه، والقوة إن لم يستعملها في أمر الله استعملته في معصيته. فمن عود نفسه العمل لله لم يكن عليه أشق من العمل لغيره، ومن عود نفسه العمل لهواه وحظه لم يكن عليه أشق من الإخلاص والعمل لله)
من طريف ما نقله شيخ الإسلام، ما روى القشيري بسنده عن إبراهيم الخواص قال: (انتهيت إلى رجل وقد صرعه الشيطان فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من جوفه دعني أقتله فإنه يقول القرآن مخلوق. قلت: هذه الحكاية موافقة لأصول السنة وقد ذكروا نحوها حكايات واعترض في ذلك الغزالي وغيره بأن هذا الاستدلال
بكلام الشياطين في أصول الدين وذكر عن الإمام أحمد في ذلك حكاية باطلة ذكرها في المنخول. فقال: رُبّ رجل يعتقد الشئ دليلا وليس بدليل كما يذكر. وجواب هذا أن الجن فيهم المؤمن والكافر كما دل على ذلك القرآن ويعرف ذلك بحال المصروع ويعرف بأسباب قد يقضي بها أهل المعرفة فإذا عرف أن الجني من أهل الإيمان كان هذا مثل ما قصه الله في القرآن من إيمان الجن بالقرآن وكما في السيرة من أخبار الهواتف، وإبراهيم الخواص من أكبر الرجال الذين لهم خوارق فله علمه بأن هذا الجني من المؤمنين لما ذكر هذه الحكاية على سبيل الذم لمن يقول بخلق القرآن). الاستقامة.
قال ابن القيم في تحليل لغوي بديع في قوله تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} (قال قتادة: «أذن سمعت وعقلت عن الله ما سمعت»، وقال الفراء: «لتحفظها كل أذن، فتكون عظة لمن يأتي بعد» فالوعي توصف به الأذن كما يوصف به القلب، يقال: قلب واع وأذن واعية لما بين الأذن والقلب من الارتباط، فالعلم يدخل من الأذن إلى القلب، فهي بابه والرسول الموصل إليه العلم، كما أن اللسان رسوله المؤدي عنه.
ومن عرف ارتباط الجوارح بالقلب علم أن الأذن أحقها بأن توصف بالوعي؛ فإنها إذا وعت وعى القلب).
مفتاح دار السعادة: (٣٥٣/١)
ذكر ابن القيم أكثر من عشرة عقوبات للمعرضين في القرآن: الحجاب والأكنة والقسوة والغلف وعمى الأبصار ومنها الصرف عن الحق فقال في قوله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فأخبر سبحانه عن فعلهم وهو الانصراف، وعن فعله فيهم وهو صرف قلوبهم عن القرآن وتدبره؛ لأنهم ليسوا أهلا له، فالمحل غير صالح ولا قابل، فإن صلاحية المحل بشيئين: حسن فهم، وحسن قصد، وهؤلاء قلوبهم لا تفقه، وقصودهم سيئة.
وقد صرح سبحانه بهذا في قوله: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم} فأخبر سبحانه عن عدم قابلية الإيمان فيهم، وأنهم لا خير فيهم يدخل بسببه الإيمان إلى قلوبهم، فلم يسمعهم سماع إفهام ينتفعون به، وإن سمعوه سماعا تقوم به عليهم حجته، فسماع الفهم الذي سمعه به المؤمنون لم يحصل لهم. ثم أخبر سبحانه عن مانع آخر قام بقلوبهم يمنعهم من الإيمان لو أسمعهم هذا السماع الخاص، وهو الكبر والتولي والإعراض، فالأول مانع من الفهم، والثاني مانع من الانقياد والإذعان، فأفهام سيئة وقصود رديئة، وهذه نسخة الضلال وعلم الشقاء، كما أن نسخة الهدى وعلم السعادة فهم صحيح وقصد صالح).
شفاء العليل: (٣١٩/١).
هل للتحديد بالثلاث في الصبر والانتظار أصل في القرآن؟
قال ابن عاشور في قوله تعالى: (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هي إنَّ البَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وإنّا إنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) (وقولهم إن البقر تشابه علينا اعتذار عن إعادة السؤال، وإنما لم يعتذروا في المرتين الأوليين واعتذروا الآن لأن للثالثة في التكرير وقعا من النفس في التأكيد والسآمة وغير ذلك ولذلك كثر في أحوال البشر وشرائعهم التوقيت بالثلاثة).
وفي قوله تعالى: (فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) قال ابن عاشور: (وحكمة هذا التشريع العظيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم، وجعلهن لعبا في بيوتهم، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة، والثالثة فراقا، كما قال رسول الله ﷺ في حديث موسى والخضر: «فكانت الأولى من موسى نسيانا والثانية شرطا والثالثة عمدا» فلذلك قال له الخضر في الثالثة ﴿هذا فراق بيني وبينك﴾).
Forwarded from عبدالله بن بلقاسم (عبدالله بلقاسم)
لن تنال القبول في قلوب الخلق حتى لا يكون لقبولك عندهم في قلبك اهتمام ولا فرح.
فإذا كنت تطلبه وتفرح به فلن تناله
وإذا زهدت فيه فما فرحك بشيء لا يسرك.
فالعاقل من عالج قلبه وانتزع منه كل ذرة عناية بثناء الناس.
هذه جنة عاجلة.
ربنا هب لنا من لدنك رحمة
أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه}.
خاتمة الكتاب العظيم لابن القيم: مدارج السالكين في منازل السائرين.
كل يوم أزداد قناعة أن أكثر الكتب المعاصرة مشتتة لطالب العلم، وبعضها أقرب للضرر من النفع منهجيا وتأصيلا وإهدارا للوقت، وإنك لتحزن كثيرا على طالب العلم المبتديء المشتت بهذه النصائح التجارية المغلفة بالعلم.
أتفق على أهمية شروح المتون التأصيلية فإن لها أهمية وخاصة للمحققين من العلماء المعاصرين، وأما الرسائل والمؤلفات المعاصرة فالكثير منها تشقيق للعلم، ومجرد تمثيل تجد أضعافها في المطولات..روض نفسك بعد استشراح المتون على قراءة كتب المتقدمين، وستجد نقلة هائلة في فهمك لطرق المحققين والعلماء، ولا يوهمك البعض بصعوبتها وعسرها ولا تضع حاجزا وهميا فإن الارتياض على قراءتها يزهدك كثيرا في كتب المعاصرين.
في منزلة التواضع وصف ابن القيم تواضع النبي ﷺ فقال: (وكان النبي ﷺ يمر على الصبيان فيسلم عليهم. وكانت الأمة تأخذ بيده ﷺ فتنطلق به حيث شاءت، وكان إذا أكل لعق أصابعه الثلاث. وكان يكون في بيته في خدمة أهله ولم يكن ينتقم لنفسه قط.
وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير، ويأكل مع الخادم، ويجالس المساكين، ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما، ويبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه ولو إلى أيسر شيء، وكان هين المؤنة، لين الخلق، كريم الطبع جميل المعاشرة، طلق الوجه، بساما، متواضعا من غير ذلة، جوادا من غير سرف، رقيق القلب، رحيما بكل مسلم، خافض الجناح للمؤمنين، لين الجانب لهم. وقال: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار ــ أو تحرم عليه النار ــ؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل».
مدارج السالكين: ٦٧/٣
لا يعلم فضل كلام السلف والأئمة إلا أهل التحقيق، قال شيخ الإسلام يصف فقه الشافعي وأحمد: (وله (الشافعي) وللإمام أحمد وغيرهما من الأئمة من الكلام ما لا يفهم غوره كثير من الناس، كما لأئمة السلف قبلهم، فتجد من يفتي بظاهر من القول ممن ألف طريقة بعض المتأخرين واصطلاحهم، لا يعرف اصطلاحهم ولا يعرف مقصدهم ومغزاهم، بل فيه عجمة عن اللفظ والمعنى جميعا). جواب الاعتراضات: ٨٥
وفي مسائل القدر نقل ابن القيم: (قال الإمام أحمد: "القدر قدرة الله". واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدا، وقال: "هذا يدل على دقة علم أحمد، وتبحره في معرفة أصول الدين". وهو كما قال أبو الوفاء، فإن إنكار القدر إنكار لقدرة الرب على خلق أعمال العباد وكتابتها وتقديرها….عن ابن عباس في قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال: "الذين يقولون: إن الله على كل شيء قدير" وهذا من فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل، ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات، فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها، وإن كانوا يقرون بها).
شفاء العليل: (٩٣/١).
فتأمل احتفاء هؤلاء الأعلام بكلام السلف، ومعرفتهم بنفيس عبارتهم.
2024/09/27 18:43:13
Back to Top
HTML Embed Code: