tgoop.com/ranajamous/819
Last Update:
التسامح يفتح أسراير الروح
إنه ظل ورق التين الفارش فستانه كالعروس، حيث جلست لتضع الحنة التي أهداها إياها (أبو أحمد) على رأسها، والمرآة أمامها ريثما تختمر الحنة التي عجنتها عند شقشقة الضوء.
تقلب المرآة على تفاصيل وجهها تتحسس أنفها كيف أصبح اكثر اتساعاً وفلطحة، عيناها يكاد السواد يحيط بهما كالسياج العالي، وشفتاها التي هبطتا كطائرة أرخت جناحيها.
تبسمت أمام المرآة وهي تبحث عن شبابها في تفاصيل معلقة كحبة تين، ونسيت أن أصل التين في شجرة تعمر مئات السنين وهي منتصبة القامة، شهمة تفوح العزة منها وهي تُرضع كل حبة تين من ثديها حليب الوقار فتحليه بطعم السكر اللافت.
وقفت تتلمس الدراعة (اللبس التقليدي في الكويت)، وهو يتدلى على حبل الغسيل لتتأكد أن الشمس قد نشفته بمقاسه الاكس لارج، الشمس التي يبست القلب الأخضر داخلها وهي تلفحه بقسوة وكأنها تذكرها أنها نضجت واقترب موعد القطاف.
تنظر إلى تضاريس جسدها الذي يخبرها أن ما فات أكثر مما تاه، أردافها تدلت من السمنة وثديها جف من كل شيء إلا الحنية فاضت فيه، والتشققات على افخاذها تكاد تشبه جبل (ايفرست).
عادت وتلمست جسدها وهي تنظر إلى وقار شجرة التين ورقرقت دمعة من عينيها وهي تتذكر همس (أبو احمد) وهي يعطيها علبة الحناء قبل خمسة أشهر، يقبل يدها ويخبرها أنها جميلة بخصال الشيب وبهية حين تضفي على الشيب لون الحناء، ثم يتمتم "لم أرى زهرة شبابك إذ كنت اعمى وأرى الآن بهاء البكر فيك وقد اقترب موعد الرحيل يا حليمة".
تلمست شفتاها وكأنها تتذكر تلك القبلة الأخيرة التي طبعها أبو أحمد عليهما، ويميل غصن التوت ناثراً الحكايا والقصص التي مرت بها.
تسدل ظفائرها وتضع الحناء عليها وهي ترمم بها كل ما كُسر فيها خلال حياتها مع (ابو احمد)، زوجها الذي عرف قيمتها قبل رحيله بأشهر، يهز برأسه وكأنه يندب ما فات من أحلام مزقها في قلب تلك الأنثى، وكان يحاول سكب اللون الأحمر في كأس الحب يثير لهفة التسامح في قلبها.
لم تستطع مسامحته بالرغم من أنه أعاد لها أنوثتها بعلبة حناء، وقصيدة كانت مفتوحة على الغيم الجميل، تعود وتنظر إلى ضفائرها وهي تسامح الشيب الذي غزى رأسها دون انتظار أن يوقف الشيب إزهاره، فتسترجع صورة (أبو أحمد) وعينيه تغزو جسدها السمين وكأنما يراها لأول مرة ويقول لها "لا استحق الصفح ولكنك تستحقين ان تسامحي لأن قلباً كقلبك ينساب كالماء في كل حين".
أخذت تنهيدة عميقة لتشم رائحة حنة راجستان تفوح من الهند وصولاً إلى حديقة منزلها والعود خالطها، بعد أن انهت صباغة ضفائرها وتلهفت لرؤية لون التوت على شعرها تتخطى حدود الزمان والمكان، فلاح لها وجه (أبو أحمد)، يلوح بيديه فتتحرك نسائم الله، فارتعشت.
همس "لا تخافي يا حليمة، إنه فضاء الروح وأبعد، ستعلو الدهشة وجه شجرة التين، لا وقت للعتاب، ستعلو الدهشة وجه التين، ليس هناك متسع من الوقت، سامحيني قبل أن يفيض النهر"، قالها ورحل وساد صمت مهيب المكان، سالت نفسها "لماذا ستعلو الدهشة وجه التين يا ترى".
عادت رائحة الحنة تفوح مع هبوب الريح الحارة، نظرت إلى حبات التين وهي تتمايل بدهشة تنتظر منها أن تقول شيئاً قبل أن يفيض النهر، أربعون عاماً أعطت كل شيء إلا الصفح لم تتواصل معه وإن كانت تعتقد أنها أنجبته لكنها اكتشفت في تلك اللحظة أنها لا تزال عالقة في بحة القصب.
عادت ونظرت إلى المرآة وهي تتذكر كل كلمة حب قالها (أبو أحمد)، فرمت وراء ظهرها كل ظلم لحق بها وتركت أشجار العشق تنمو في مخيلتها لتشعر بالحب والتسامح، زفرت زفرة قوية وكأنها تخرج كل البوح في نفس واحد كي ينام النهر على سرير، لقد أدركت النهر قبل أن يفيض، فشعرت بنشوة التسامح وابتسمت.
عاد طيف (أبو أحمد) وردد "التسامح يفتح أسارير الروح فكيف إن كان في حضرة بهاء عمرك يا حليمة".
#أسماء_الله_الحسنى #برنامج_اعادة_تشغيل_الايض_الخلوي
#وفرة
#تنويم_ايحائي
#تجليات #حب_الذات_التفاؤل_البهجة_السلام_الداخلي #الطفل_الداخلي
أحبكم من دون أي شروط.. أحبكم في الله
رنا جاموس
BY إلهامات وتطوير
Share with your friend now:
tgoop.com/ranajamous/819