SIRSIR888 Telegram 10626
هذه البلاد قاتلة!
كلّ يومٍ تُهيل علينا التراب تروم قَبرَنا، وكلّ يوم تعود بنا إلى زمانٍ طواه العالم ومضى، تاريخ العالم حاضرنا، ومستقبلنا مظلم ومجهول. أحيانًا أُصدِّق أنّ العالم نسينا على هامش التاريخ بعد أن رمى بنا على هامش الجغرافيا منذ الأزل.
كلّ شيء هنا يدفع المرء لكراهية هذه البلاد؛ ما زال النّاس هنا يرفضون اختلافاتهم وتنوّعهم، لا زالوا ينظرون إلى المُختلِف بعين الكراهية. الوحدة كلامٌ مزركش يتشدّق به الساسة والمنتفعون، والتنوُّع محض خُرافة. لم يتوقّف الناس هنا عن ممارسة العنصرية القديمة إياها تجاه بعضهم، لم تمنعهم أديانٌ سماوية ولا قوانين أرضية من العودة إلى طبيعتهم الدونية التي تحبّ التمييز والاقصاء. الزمن هنا يمضي على مهل، والنّاس في غفلة. لا أحد يمارس عمله على الوجه الأكمل، لا أحد يُسخِّر نفسه لأحد. الجميع يبحثون عن بطولاتٍ زائفة في أذهان النّاس؛ ماتت الحقيقة منذ زمن مضى، نحن من ذبحناها وعلّقناها قربانًا للنفاق.
ورغم أنّني أميلُ إلى التشاؤم والسوداوية، إلّا أنّني أؤمن بأنّ الإنسان القادر على القتل والكراهية قادرٌ أيضًا على الحبّ والعطاء. في أكثر أعماقي حلكةً يسكنني إيمانٌ بأنّ الأرض لله يورثها لمن يختار من عباده المتقين، أؤمن أنّ الخير قد ينبتُ من أكثر البقاع شرًّا، وأنّ النور يولدُ من عمق الليالي الليلاء.
هذه البلادُ تجبرنا على كراهيتها، وتجبرنا على رفضها، وكلّما فتحنا لها قلوبنا رَفَدَتْها بالكراهية. أعلمُ أنّني في ذهني مغادر، الله خلقني طيرًا لا يحبُّ السكون، وأعلم أنّني سأسعى -ما بقيتُ حيًّا- إلى الرحيل. أنا حقًا أكره هذه البلاد، وأكفر بالوطنية وزخارفها، لكنّني أملك من الشجاعة ما يجعلني أعترف أنّني أحبّ من يحبونها بصدق، أحبّ فيهم ذلك الإيمان العصي على الفهم، ذلك النقاء الذي لن أبلغه.
لطالما تساءلتُ: ما الوطن؟ ولم أصلْ إلى إجابة، ويبدو أنّني لن أجدها أبدًا.
هذه البلاد جميلة وآسرة، لكن فقط في القصائد والحكايات، جميلةٌ من بعيد، وباعثة على الحنين عند الغياب، جميلةٌ في الذاكرة، لكنّها قاسية في الحاضر، ورغم ذلك لها قدرةٌ خارقةٌ على جعلك تشتاقها في عزّ كرهك لها.
لا ريب، أنا أكرهها، لكنّني أحبُّ حافظ عبد الرحمن وأيامه الخالدة.. أيامنا الخالدة، وأحبُّ حسن العطبراوي وأغنياته. قلبي يخضر عندما ينزف الناي بين يدي حافظ عبد الرحمن وأذوب (بين الذكرى والشجن)، وأتخيّل كم أنّ الملامح من القرية جميلة في نوتاته.
هذه البلاد جميلةٌ في كلمات القدّال وأغاني مصطفى سيد أحمد، وآسرةٌ في دندنات الكابلي وعثمان حسين وأبوعركي وعبد العزيز أبو داؤود، وآمِنةٌ في صوتها.

- عبد الرحمن عباس يوسف



tgoop.com/sirsir888/10626
Create:
Last Update:

هذه البلاد قاتلة!
كلّ يومٍ تُهيل علينا التراب تروم قَبرَنا، وكلّ يوم تعود بنا إلى زمانٍ طواه العالم ومضى، تاريخ العالم حاضرنا، ومستقبلنا مظلم ومجهول. أحيانًا أُصدِّق أنّ العالم نسينا على هامش التاريخ بعد أن رمى بنا على هامش الجغرافيا منذ الأزل.
كلّ شيء هنا يدفع المرء لكراهية هذه البلاد؛ ما زال النّاس هنا يرفضون اختلافاتهم وتنوّعهم، لا زالوا ينظرون إلى المُختلِف بعين الكراهية. الوحدة كلامٌ مزركش يتشدّق به الساسة والمنتفعون، والتنوُّع محض خُرافة. لم يتوقّف الناس هنا عن ممارسة العنصرية القديمة إياها تجاه بعضهم، لم تمنعهم أديانٌ سماوية ولا قوانين أرضية من العودة إلى طبيعتهم الدونية التي تحبّ التمييز والاقصاء. الزمن هنا يمضي على مهل، والنّاس في غفلة. لا أحد يمارس عمله على الوجه الأكمل، لا أحد يُسخِّر نفسه لأحد. الجميع يبحثون عن بطولاتٍ زائفة في أذهان النّاس؛ ماتت الحقيقة منذ زمن مضى، نحن من ذبحناها وعلّقناها قربانًا للنفاق.
ورغم أنّني أميلُ إلى التشاؤم والسوداوية، إلّا أنّني أؤمن بأنّ الإنسان القادر على القتل والكراهية قادرٌ أيضًا على الحبّ والعطاء. في أكثر أعماقي حلكةً يسكنني إيمانٌ بأنّ الأرض لله يورثها لمن يختار من عباده المتقين، أؤمن أنّ الخير قد ينبتُ من أكثر البقاع شرًّا، وأنّ النور يولدُ من عمق الليالي الليلاء.
هذه البلادُ تجبرنا على كراهيتها، وتجبرنا على رفضها، وكلّما فتحنا لها قلوبنا رَفَدَتْها بالكراهية. أعلمُ أنّني في ذهني مغادر، الله خلقني طيرًا لا يحبُّ السكون، وأعلم أنّني سأسعى -ما بقيتُ حيًّا- إلى الرحيل. أنا حقًا أكره هذه البلاد، وأكفر بالوطنية وزخارفها، لكنّني أملك من الشجاعة ما يجعلني أعترف أنّني أحبّ من يحبونها بصدق، أحبّ فيهم ذلك الإيمان العصي على الفهم، ذلك النقاء الذي لن أبلغه.
لطالما تساءلتُ: ما الوطن؟ ولم أصلْ إلى إجابة، ويبدو أنّني لن أجدها أبدًا.
هذه البلاد جميلة وآسرة، لكن فقط في القصائد والحكايات، جميلةٌ من بعيد، وباعثة على الحنين عند الغياب، جميلةٌ في الذاكرة، لكنّها قاسية في الحاضر، ورغم ذلك لها قدرةٌ خارقةٌ على جعلك تشتاقها في عزّ كرهك لها.
لا ريب، أنا أكرهها، لكنّني أحبُّ حافظ عبد الرحمن وأيامه الخالدة.. أيامنا الخالدة، وأحبُّ حسن العطبراوي وأغنياته. قلبي يخضر عندما ينزف الناي بين يدي حافظ عبد الرحمن وأذوب (بين الذكرى والشجن)، وأتخيّل كم أنّ الملامح من القرية جميلة في نوتاته.
هذه البلاد جميلةٌ في كلمات القدّال وأغاني مصطفى سيد أحمد، وآسرةٌ في دندنات الكابلي وعثمان حسين وأبوعركي وعبد العزيز أبو داؤود، وآمِنةٌ في صوتها.

- عبد الرحمن عباس يوسف

BY Al-Sirdab - الــسِّــرداب


Share with your friend now:
tgoop.com/sirsir888/10626

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Telegram Android app: Open the chats list, click the menu icon and select “New Channel.” How to Create a Private or Public Channel on Telegram? How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) But a Telegram statement also said: "Any requests related to political censorship or limiting human rights such as the rights to free speech or assembly are not and will not be considered." With the “Bear Market Screaming Therapy Group,” we’ve now transcended language.
from us


Telegram Al-Sirdab - الــسِّــرداب
FROM American