tgoop.com/sitamool1/1632
Last Update:
تبقىٰ للمرء تجربته الفريدة، فكلما وجدَ نفسه مقهوراً بحاضره الممل الذي لا يجدُ فيه حتى سبباً واحداً للحزن أو الكآبة، عاد إلى ماضيه يستحضره، ينبشُ في خباياه عن تجربةٍ أصيلة، عاشها ولم يحكها، أو ربما لم يحكي إحدىٰ زواياها، يعودُ ليخلقَ سبباً لحزنه أو فرحه، يعودُ لكي يجددَ معنىٰ وجوده هنا..
وأكثر من يستحضر الماضي هم الجدات والفنانون.. لأنهما كلاهما، عاشا حد الزبىٰ من الحاضر، عاشا لكنهما لم يتأملا ملياً بما عاشاه، فترىٰ الجدة تعيد تكرار الحكاية لا انتظاراً لدهشتك بها فهي تدرك أنك سئمت تكرارها، لكنها تعيدها وتعيدها حتى تصلَ لأفضل صياغة، تروي بها قصتها.. كذلك يفعلُ الفنانون.
والكلمةُ اقتصادُ الحكاية.. فكلما ملكَ المرءُ منّا حصيلةً ساميةً من الكلمات كلما زاد سموه.. ف -القديس يرى العالم مقدساً والبطل يرىٰ العالم سلسلة من الانتصارات- كذلك حين ترصّعُ لغتك ترىٰ العالمَ مرصَّعاً..
لهذا أعملُ في نصوصي على احتقار الكلمات الدنيئة، رغم كلِّ ما تحملهُ من فضلٍ في توصيفِ السخط الكائن في أحشائي، إلّا أنني بدونها، أبحثُ عن معنىً أكثر سمواً ورفعة وللبشارةِ أجده!
الجدات والفناونَ حبيسوا نصوصٍ لم تكتمل، نصوصٌ كان يمكن أن تكون أكثر بهاءً لو أنهم وجدوا كلمةً تعبَّر عن سخطهم رغم تقبلهم، عن سئمهم رغم فهمهم المنطقي لفضل مامروا به عليهم، لكنهم لم يجدوا مايقولونه، لم تكن هناكَ كلمةٌ واحدةٌ تكفي لذا ابتكروا الحكاية، الحكايةُ التي تدور وتدور بذهنك، فإما تخرجُ منها مصروعاً أو فاهماً متعب.
سأدون الكثير حتى أصلَ للقليل الأصيل، كمن يقرأ مئةَ كتابٍ ليخرجَ منه بصفحة. سأدونُ لأن الحاضر ممل ورواية الماضي بتكرارٍ عقيم مملةٌ هي الأخرىٰ، سأبحث لا عن حكايتي المناسبة بل عن الكلمة المفقودة، الكلمة التي صنعت الحكاية.. حينها وحسب يكون ماضيَّ حاضري وحاضري ماضيَّ لأنني عشتهما تماماً متأملاً ورعاً.. وحين أصلُ لعمر الجدات لن أروي الحكايات الماضية بل سأدون حياةً جديدة بحثاً عن مفردة جديدة..
حينها لن أكون فناناً ولا جداً بل خالق لغة..
-محمد قاضي
BY Sitamool- شعر ونثر
Share with your friend now:
tgoop.com/sitamool1/1632