tgoop.com/ttangawi/690
Last Update:
#إضاءة_منهجية (35)
أنت مؤدلج! (1/3)
تكلمنا في إضاءة منهجية سابقة بعنوان (أنت صاحب موقف مسبق https://www.tgoop.com/ttangawi/247 ) عن خطأ ربط التفكير السليم بالشك في كل ما نشأ عليه الإنسان, بما فيه من قضايا فطرية وعقلية صحيحة, كما سلطنا الضوء في إضاءة سابقة بعنوان (منهجية الشك https://www.tgoop.com/ttangawi/266 ) على الشك كمنهجية للنظر في غير القطعيات من مسائل الدين وضبط ذلك منهجياً.
وهناك طرح له صلة بهذه الإضاءات يتعلق بمصطلح الإيديولوجيا, فهناك من يوظّف هذا المصطلح للتنفير من التمسّك بالدين أو بعض صوره, على اعتبار أنّ مصطلح الإيديولوجيا يرتبط في بعض استعمالاته بمضامين وممارسات يعتبرها من يوظّفون هذا المصطلح سلبية, وسنتغاضى هنا عن أنّ المصطلح قد يستعمل بمعانٍ لا تستلزم ذلك, كأن يستعمل بمعنى مجموعة الأفكار والمعتقدات أيا كانت، فسنتغاضى عن ذلك اختصاراً لننتقل إلى نقد هذا التوظيف, بعد أن نلخّص أهم ما يطرح كسلبيات للإيديولوجيا في النقاط التالية:
1- الإيديولوجيا تخلو من الأسس العلمية والأدلة المثبتة.
2- الإيديولوجيا تقدّم رؤية كاملة للعالم ولا تدع مجالاً للنقد.
3- الإيديولوجيا تقدّم الإجابات السهلة وتغيّب التفكير العميق الناقد.
4- الإيديولوجيا مشحونة بالدوافع الخبيثة للسيطرة وتغييب العقول.
5- الإيديولوجيا توفّر الانتماء وتشجّع الإقصاء والكراهية والعنف.
هذه أبرز النقاط التي تطرح كسلبيات, وبتفحّصها جيداً يظهر أنّ بروز الجانب السلبيّ من هذه النقاط مبني على أساس قد لا يصرّح به معها, وهو القول بنسبية الحقيقة, فحين نعتبر الحقائق المطروحة مجرد أفكار نسبية لا تقوم على أساس مبرهن ملزم, ولا تنتمي لمصدرية ربّانية, حينها فقط تظهر سلبية هذه النقاط.
ولذلك تخيّل أنّ من يوظّف هذا المصطلح أقرّ لك بأنّ الإسلام الذي تستند له في طرحك حق قاطع من عند الله, هل سيستسيغ أن يصفه بالخالي من الأدلة, أو أنّك بالأخذ به واتّباع منهجه تأخذ بإجابات سهلة ويغيب عنك التفكير الناقد, أو أنّك تقع تحت سيطرة خبيثة تغيّب عقلك! لا شكّ أنّ هذا كلّه لا معنى له إذا أيقن الإنسان أنّه على حقّ من الله تعالى, وعلى منهج صحيح مبرهن.
إنّ من يوظف هذا المصطلح إذاً في دائرة الخصومة مع الاستناد إلى الإسلام ومنهجه يسويّ بين المختلفات التي تختلف أشد الاختلاف, وهذا من تغييب العقل, وهو عين ما يعيبه هو بزعمه على مخالفيه!
وحتى إذا كان توظيف المصطلح في سياق نقد طرح اجتهادي سائغ, فإنّ هذا التوظيف لا يصحّ تعميمه أيضاً, لأنّ المسائل الاجتهادية محكومة بمنهج علميّ, ومن تبع ذلك المنهج لا يقال أنّه يمشي على غير أساس علمي, وإنّما يصحّ أن تنقد اجتهاداته نقداً مبنياً على نفس المنهج العلميّ, بأن يستعمل الناقد أدوات الاجتهاد ويتبنّى اجتهاداً آخر, وما دام ذلك وفق ضوابط الاجتهاد وخارج دائرة التعصّب المذموم واتّباع الهوى, وبقصد الوصول للحقّ, فإنّ توظيف توصيف الإيديولوجيا السلبي ضدّه لا يصحّ أيضاً, لأنّ الاجتهاد السائغ وإن خُولِف لا يُشنّع عليه من حيث كونه اجتهاداً.
وخذ هذا المثال لتوضيح الخلل مع فارق التشبيه: هل يستطيع من يوظّف تهمة الإيديولوجيا في سياق الخصومة مع التديّن أن يوجهها أيضاً إلى من يتّبعون منهج الطبّ المبني على البراهين ويرفضون المزاعم غير المبرهنة, هل يجرؤ أن يقول أنّهم يتبعون إيديولوجيا تخلو من الأسس العلمية وتقدم رؤية غير قابلة للنقد وتغيّب الفكر الناقد وتشجّع الإقصاء؟ طبعاً لن يجرؤ؟ لماذا؟ لأنّه يعتبر أنّ هذا المنهج قائم على أسس وأدلة صحيحة..
إذاً هناك وراء الكواليس موقف مسبق من الدين, يصادر أدلّته ويصوّره بصورة غير صورته بعيداً عن أساسه البرهاني العلمي المتين, متجاهلاً الحقيقة الفارقة بينه وبين غيره (راجع إضاءة الحقيقة الفارقة https://www.tgoop.com/ttangawi/408 ), وهو ما يُفسّر توظيف هذا المصطلح, ويُظهر أنّه توظيف غير نزيه.
بل إنّ من يتأمّل في مجموع أطروحات من يوظّفون هذا المصطلح يجد فيها أكثر من مجرد تجاهل هذه الحقيقة الفارقة, فهناك انحيازٌ معرفيٌ وفكريٌ لديهم, إمّا إلى الغلو في العلم التجريبي واختزال المعرفة المبرهنة فيه, مستبعدين أو مقلّلين من مصادر المعرفة الأخرى كالعقل والخبر الصادق (ومنه الوحي), وإمّا أنّ لديهم إيديولوجيات فكرية أخرى ينحازون لها كالليبرالية, أو مبادئ فلسفية يتمسّكون بها كنسبية الحقيقة, ولذلك من تأمّل وجد أنّ النقاط السلبية التي تطرح تجاه الإيديولوجيا تنطبق عليهم بجلاء, فهم:
1️⃣ يتبنّون إيديولوجيات تخلو من الأسس العلمية والأدلة المثبتة, فهي أنظمة فكرية لا تستند لمصدر ربّاني ليتمّ قبولها بإطلاق كمرجعيات حاكمة, بل إنّ فلسفة نسبية الحقيقة التي يستندون لها في توظيف مصطلح الإيديولوجيا تدحض نفسها أصلاً, فهي تقدّم نفسها على أنّها قاعدة مطلقة لا نسبية! فجمعت إلى الخلو من البرهنة التناقض الكامن في معناها الأساسي.
يتبع..
BY رسائل..
Share with your friend now:
tgoop.com/ttangawi/690