tgoop.com/yahiaaldailami/7884
Last Update:
ثم قال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء: ٥] يريد عز وجل من عباده المؤمنين أن لا يعطوا أموالهم كلها أهل السفه في العقول والدين فيكونوا إلى هلاك أنفسهم وعيالهم آثمين، ويكونوا بعد هلاك أموالهم هالكين، ثم نهاهم عن البخل في آخر الآية، فقال سبحانه: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ٥}[النساء: ٥]. فإن قال: ولم نهاهم عن إخراج أموالهم كلها وقد وعدهم أنهم إذا أنفقوها فهو يخلفها فقال سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}[سبا: ٣٩].
[قيل له]: أنه أراد ما أنفقتم من شيء فهو يثيبكم عليه، أن لكم الثواب في الآخرة لديه، وربما أثاب في هذه الدنيا أحسن الثواب مع السلامة من السخط والعقاب، والله سبحانه لا يكلف عباده ما لا يقدرون على فعله، وذلك دليل على رحمته وفضله ورأفته وعدله، بل كلفهم أيسر اليسير ونهاهم عن البخل والدناءة والتقصير، ومن أنفق من ماله أكثر الكثير فهو أفضل من المنفق اليسير، ومن بخل ولام على الحطام الحقير فهو كافر فاجر في حكم الله اللطيف الخبير.
وأما قوله سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ٢٦}[الإسراء: ٢٦] فلم ينه نبيه صلوات الله عليه وعلى آله من انفاق ماله، وإنما نهاه عن تبذير اموال المساكين وطرحها جملة كأفعال إخوان الشياطين الذين يرمون بأموال الأيتام ويبذرونها على غير أهلها من الأنام ألا تسمع إلى أول خطابه وما ذكر في أول الآية من آدابه حين يقول: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ٢٦} إلى قوله: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ٢٩}[الإسراء: ٢٦ - ٢٩] يريد لا تلزم يدك على الإنفاق ولا تبسط يدك مرة واحدة فتقعد ملوماً عند الله محسوراً منقطعاً، كما أخرجت أموال عباد الله وصرت لهم دافعاً وتصير بذلك أيضاً ملوماً عند جميع الآدميين وتنحسر
عن العطاء لفقراء المومنين وغيرهم من المؤلفة المجرمين الذين لا يتبعون الحق والمحقين إلا بالأجرة التي يكونون عليها معذبين، فأما هو في نفسه صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم ومن كان مقتدياً به من الأئمة السابقين، فمعاذ الله أن يكونوا من التاجرين وحاشا الله أن يأمرهم بذلك أو يرضي لهم أن يكونوا في الإنفاق كذلك؛ لأن الله رفعهم على جميع المسلمين، وفرق بينهم وبين عباده المؤمنين، فلم يرد لهم أن [يتاجروا] فيما يروه أحداً من المخلوقين، فقال رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم: «إني لعنت الإمام يتجر في رعيته» أي مثل رعيته؛ لأن التجارة لا تليق بأهل الشرف العظيم والمغرس المهذب الطاهر الكريم، ولقد رأيت القاسم بن علي صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين مع ملكه لكثير من البلاد وقدرته على ما لا يقدر عليه اكثر العباد لا يحمل بيده فضة ولا ذهباً، وكان يرى ذلك عاراً وفضيحة وعيباً، ولقد توفي صلوات الله عليه فما وجدنا له ديناراً ولا درهماً، وكذلك الهادي إلى الحق صلوات الله عليه ما وجد له عند موته كفن، وكل ذلك زهد منهم في الحطام، وإهانة منهم للحلال مع الحرام، وإبعاد لأنفسهم عن مشابهة اللئام، وتنزيهاً من الدناءة والآثام، وخوف الله ذي الجلال والإكرام، والدنيا أقل وأحقر من أن يدنس بها عاقل عرضه، فكيف يهين بذلك دين الله وفرضه.
#مكتب_العلامة_يحيى_بن_حسين_الديلمي
BY مكتب العلامة يحيى بن حسين الديلمي
Share with your friend now:
tgoop.com/yahiaaldailami/7884