‏أن يعتريك الضعف في الموقف الحاسم، أن يخذلك شيء من داخلك و أنت الذي كنت تعول كثيرًا كثيرًا على نفسك، على تجاربك و فهمك و إصرارك وعزيمتك، أن يبدأ الذي دفعت ثمنًا باهظًا في إقامته و تحصينه في الانهيار أمامك دون استطاعة منك على وقف تحوله لركام، ذلك وجع لن تتمكن من الشفاء منه و إن قاومت.

هذا النضج الذي أرتديه لم تلبسني إياه الأيام كهدية. لقد نسجته من تجارب قاسية وأخرى كادت أن تكون الأخيرة، وهذا الهدوء الذي يعلو ملامحي قد سبقه اندفاع كلفني كثيرًا وقبل أن أقف بثبات هكذا تأرجحت وسقطت مرات وعدت من حافة الهاوية، كل خيط في هذا الثوب قد دفعت ثمنه بعضًا مني.

‏في حياتي دائمًا توجد تلك اللحظة التي أفكر فيها فجأة بالتمسك وجدواه، و بالطبع هي ذاتها اللحظة التي تدفعني للتخلي بهدوء، لحظة خاطفة لقلب الأمور.

‏أشعرُ بالأرَق الذِي يجعلنِي في تعَب لا نهاية له، مزاج مُتقلب، جسَد مُرهَق لشّدة تماسكه، وعقل غير هادِئ، وأنا التِي تفكر في كل شيء في آنٍ واحد، مُرهقَة بالقدَر الذِي لا يجعلني أخذ قسط من الراحة، الراحة التِي تجعلني لا أشعرُ بشيء لوقتٍ طويل، لأغفو هذه المرَة دون أن تفزعني الأيام.

افتقدك

‏أريد أن أستريح منك، فقد صعّب علي هذا الصمت، أرهقني الكبرياء، واستنزفني التظاهر بالتحمل، أريد فقط أن اعبر الطرقات دون أن أجد الذكرى التي جمعت تشابك أيادينا.. دون أن أبصر خطواتنا على الرصيف، وظلال أجنحتنا على الجدران، وجْهة واحدة أريد أن أنظر إليها دون أن أجدك تلوح لي عند نهايتها.

‏لا أعرف شيئًا آخر، غير أنني امرأة يبدو عليها الإطمئنان رغم ما تحمله بجوف رأسها من قلق.

‏أيام شاقة، أحاول عبورها بكل هذا الإنهاك ومع ذلك أقاوم رغبتي الشديدة في التوقف قليلًا أو الانهيار، يكفيني منها كلمة حانية تقال لي أو التفاتة دافئة من أجلي في نهايتها، لأشعر ولو لحظة واحدة أني بخير و يمكنني الاستمرار.

‏وأن أعود إليّ، عودة من يُفتّش عن نفسه، هاربًا من الوحشة التي تسكنه، إلى النسخة التي أحب وأعرف مني، ولكل ما كان مألوف، بكل حنينٍ ورجاء لأملئ الفراغ الذي خلّفه رحيل المعنى من أيامي .

"أغيب عن الزمن، عن العالم، عن اللحظة وعنك، عن الصراعات التي داخلي، والنزاعات التي بالخارج، ليست رغبة بالهرب بقدر ما هي نية صريحة بعدم التواجد، أمنية ورغبة بالتوقف. التوقف عن السعي، عن الركض، عن المواصلة، عن الحب.. عنِّي، عن أن أكون أنا. عن كل ما يربطني بالذات التي احوم وراءها واجول حولها ولا أجدها. ما أريده هو أن أقف وأنظر للحياة، أن تستمر هي بالتقدم، بالإخضرار، أن أتشبع أنا بالرؤية الواضحة. الحركة تصيبني بالدوار وكل ماهو أمامي يكون ضبابيًا؛ لذلك لم أتعلق بفكرة واضحة، ولم أحب لربع قرن، ولم أرَ سطوعك كاملًا لأقع؛ ولذلك لم أكن. الوقوع، أي الثبات على الأرض، التشبث بها، هو ما أغبط الآخرين عليه، الذين يحلمون بالتحليق بينما أنا أترنح، ولا رياح من حولي تسوقني إليك، إلى الاقتراب منك، إلى فكرة تدحرجني إلى مسافة كافية لتصطدم أنفاسك بخدي، ليس لألتصق بك، بل لأفهم كيف هو الشعور بالحياة، وكيف للحب أن يكون ملموسًا، وكيف لأنفاس مستخدمة أن تكون منعشة بدرجة كافية ليبتسم جسد لم يشعر بحياة تسري داخله من قبل. أراهم في الجانب الآخر يحلقون، لكنهم لا يثيرون رغبتي باتّباعهم. بقدر ما تجعلني الأشجار أتأملها، بقدر ما أحلم بأن أنغرس. أحب السماء لكن كل ذلك الحب يرتكز في النظر إليها من بعيد.. وأحبك كذلك."

أستر حزني طوال اليوم
ويأتي الليّل، يعريني مجددًا .

كُل عام وأنتم إلى الرحمن أقرب، كُل عام وصحائِف أعمالُكم بِالحسنات أثقل🤍.

حيرة وقلق.

كانت اللحظة الأولى التي شعرت فيها بأنني أغرق في بحر من الظلمات، غريب عني تمامًا جربت شيء لم أكن أتصور أنني قد أقبله في يومٍ من الأيام، لكن شيئًا ما يشدني للأمام، لا أعرف إن كان هذا الهروب من الواقع أم الفضول اللعين الذي يجعلني أبحث عن شيء رغم علمي بمخاطره، كانت المرة الأولى من يدري؟ قد لا تكون الأخيرة. كل شيء يشير إلى أنني قد أعود، قاسٍ هذا الشعور أن أعي تمامًا أنني أخطأت وأنني أكرر نفس الخطأ دون أن أملك القدرة على التوقف، كُنت أظن أنني قادرة على الحفاظ على نفسي بعيدًا.. لكن ها أنا ذا.

‏ليالٍ طويلة أغيبُ فيها عنك وعني ‏ولا شهية لي لشيء سوى أن أواصل، التوقف يتعبني والمجهول كذلك، ‏لا مُبرر لي سوى أنني لستُ سوى ‏جُثةٍ هامدة كيفما أخذتها الأمواج ‏تسبح ، هكذا أواصل.. استدعي صورة وجهُك ‏وحُبك وحنيتك كُلّما ضاقت أنفاسي ‏وخنقني الوجود، وأصبحت أمثل دورًا راضخًا لا يُعجبني.

‏دائمًا كنت أرمي الأشياء خلف ظهري بمجرد حدوثها و انتهائها ولا أسمح لنفسي أن تعيش حزنها الكامل عليها لأسباب عديدة، وفجأة أجدها تعترض طريقي في وقت لم يكن في الحسبان وتثير حنقي وغضبي وتدفعني لتصرفات لم أعتد عليها، اليوم أعي أن هذه غلطتي الوحيدة في عدم التجاوز بالكامل، تخليت عنها الان.