tgoop.com/zahraatoo/5398
Last Update:
وأمّا الحسّ:
فإنّ النّائم يرى في منامه أنّه كان في مكان فسيح بهيج فيه، أو أنّه كان في مكان ضيّق موحش يتألّم منه، وربّما يستيقظ أحياناً ممّا رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه، والنّوم أخو الموت ولهذا سماه الله تعالى (وفاة) قال الله تعالى: ﴿ٱللهُ یَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِینَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِی لَمۡ تَمُتۡ فِی مَنَامِهَاۖ فَیُمۡسِكُ ٱلَّتِی قَضَىٰ عَلَیۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَیُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمًّىۚ﴾
وأمّا العقل:
فإنّ النّائم في منامه يرى الرّؤيا الحقّ المطابقة للمواقع، وربّما رأى النّبيّ ﷺ على صفته، ومن رآه على صفته فقد رآه حقّاً ومع ذلك فالنّائم في حجرته على فراشه بعيداً عمّا رأى، فإن كان هذا ممكنا في أحوال الدُّنيا، أفلا يكون ممكناً في أحوال الآخرة؟!
وأمّا اعتمادهم فيما زعموه على أنّه لو كشف عن الميّت في قبره لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغيّر بسعة ولا ضيق، فجوابه من وجوه منها:
الأولى:
أنّه لا تجوز معارضة ما جاء به الشّرع بمثل هذه الشّبهات الدّاحضة الّتي لو تأمّل المعارض بها ما جاء به الشّرع حقّ التّأمّل لعلم بطلان هذه الشّبهات وقد قيل:
وكم من عائب قولًا صحيحاً ... وآفته من الفهم السّقيم
الثّاني:
أنّ أحوال البرزخ من أمور الغيب الّتي لا يدركها الحسّ، ولو كانت تدرك بالحسّ لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولتساوى المؤمنون بالغيب، والجاحدون في التّصديق بها.
الثّالث:
أنّ العذاب والنّعيم وسعة القبر وضيقه إنّما يدركها الميّت دون غيره، وهذا كما يرى النّائم في منامه أنّه في مكان ضيّق موحش، أو في مكان واسع بهيج، وهو بالنّسبة لغيره لم يتغيّر منامه هو في حجرته وبين فراشه وغطائه.
ولقد كان النّبيّ ﷺ يوحى إليه وهو بين أصحابه فيسمع الوحي، ولا يسمعه الصّحابة، وربّما يتمثّل له الملك رجلًا فيكلّمه والصّحابة لا يرون الملك، ولا يسمعونه.
الرّابع:
أنّ إدراك الخلق محدود بما مكّنهم الله - تعالى - من إدراكه ولا يمكن أن يدركوا كلّ موجود، فالسّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ، وكلّ شيء يسبّح بحمد الله تسبيحاً حقيقيّاً يسمعه الله - تعالى - من شاء من خلقه أحياناً.
ومع ذلك هو محجوب عنّا، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ وَإِن مِّن شَیۡءٍ إِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِیحَهُمۡۚ﴾
وهكذا الشّياطين، والجنّ، يسعون في الأرض ذهاباً وإياباً، وقد حضرت الجنّ إلى رسول الله ﷺ واستمعوا لقراءته وأنصتوا وَولّوا إلى قومهم منذرين، ومع هذا فهم محجوبون عنّا وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ لَا یَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ كَمَاۤ أَخۡرَجَ أَبَوَیۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ یَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوۡءَ ٰ تِهِمَاۤۚ إِنَّهُۥ یَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِیلُهُۥ مِنۡ حَیۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾
وإذا كان الخلق لا يدركون كلّ موجود، فإنّه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب، ولم يدركوه.
يُستَكمَل..
BY •| مِحبرة سُنيّة
Share with your friend now:
tgoop.com/zahraatoo/5398