tgoop.com/zeinabkarout5/12114
Last Update:
أحدّ عشرَ كوكباً شيّعنا، أول من أمس السبت، في بلدتي يحمر الشقيف، التي لا يزال الاحتلال يُعلن منع عودة أهلها إليها. لكن الأهل عادوا، وشيّعوا أبناءهم المقاومين الذين قضوا دفاعاً عن أرضهم وأهلها، وكانت جثامينهم مودعة إلى ما بعد انتهاء الحرب. وما إن فرغنا من التشييع، حتى أتانا البلاغ الذي لم نكن نتمناه: حيدر خميني محمد عليق، ابن شقيقتي الكبرى أميمة، التحق بالركب المبارك.
قصد حيدر جبهة الجنوب قبل اغتيال السيد، بعد تفجيرات "البايجرات" التي نجا منها ولم يُصبه أذاها. ومنذ ذلك الحين، انقطعت أخباره عن العائلة، كما هي عادته كلّما ذهب "إلى العمل". ابن الثالثة والعشرين، اختار وجهته منذ سنوات. كان كتوماً فلم يكن يجيب أحداً في العائلة أو خارجها عن طبيعة عمله التي لم أعرفها سوى اليوم. كان كتوماً إلى درجة أنه أنّبني، ممازحاً، عندما سألتُه عما إذا كان قد خضع لدورة تدريبية محددة. أنّبني، بلطف وتفنّن بالاستفزاز، لأنني سألت. كان عمله سرَّه الأكبر. وكتمانه جزء من سلوكه، كصيامه في كثير من أيام السنة، وكالتزامه بممارسة الرياضة وبنظام غذائي خاص. حيدر، المولود بعد ظهر العاشر من محرّم، قبل ٢٣ عاماً، والذي كنتُ أرى فيه سمات القيادة، لم يمنعه تفرّغه للعمل العسكري من متابعة دراسته الجامعية، التي كان يريد إتباعها بدراسات عليا. ولا حالت مشاغله دون إتقانه ترجمة الكتب من الفارسية إلى العربية، في أوقات فراغه.
حاضِر النكتة، كثير السؤال، الحيويّ دائم الصخب الجميل، الساخر منّي ومن فوضاي، الودود المحبّ، من يجيد القتال واللعب على أكثر من آلة موسيقية والصبر على تعليم صغار العائلة أصول الشطرنج… أكبر أولاد شقيقاتي مضى شاهراً سلاحه، في الجنوب، في القطاع الغربي، قبل أسابيع، في حرب رحل فيها سيدنا، وفي معركة أدّينا فيها واجبنا إلى جانب الحق كُلِّه في وجه الباطل كُلِّه. احتاج الأمر أياماً طويلة قبل إبلاغ العائلة، إذ لم يعرف المعنيون عائلته سوى من اسم والدته.
منذ وقف الحرب، كنا نمنّي النفس بأنه سيعود، "لأننا لم نسمع عنه شيئاً"، وكنتُ أتخيله قائلاً لقادته إنه لن يغادر موقعه إفساحاً في المجال أمام رفاق له عودتهم إلى أهلهم أكثر إلحاحاً من عودته. عاد مستشهداً، فكأنّ بعضاً من روحي قد انسلخ.
مضى حيدر مدافعاً عن بلاده، وعنّا، نحن أهل البلاد. سنشيّعه اليوم، في يحمر الشقيف، بعد منتصف النهار بنصف ساعة. سنزفّه فارساً من فرسان جبل عامل، بحزن وألم ودموع، وبفخر ورؤوس مرفوعة. حسبُنا أنه من الفرحين بما آتاهم الله من فضله، الذين قالوا لا، بكل ما في عروقهم من دماء، وبكل ما في أرواحهم من عزم وثبات، وبكل ما في هذه البلاد من عزّة.. حسبُنا أنه من الذين لم يبالوا ولم يستوحشوا ولو كان كلّ واحد منهم فرداً والعدوّ ملء الأرض، وهو كذلك.
حيدر خميني، إلى اللقاء يا قائدي الشجاع.
-حسن علّيق
BY دفء، زينب قاروط
Share with your friend now:
tgoop.com/zeinabkarout5/12114