tgoop.com/Abonoaf88/3079
Last Update:
كلام نفيس للطبري فلتجتهدوا في قراءته وإن ثقلت عليكم فصاحته
عند قوله تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}
مبينًا سياقها وما هي معطوفة عليه وسبب دخول "إذ"
قال:"فإن قال لنا قائل: فما معنى ذلك؟ وما الجالب لـ "إذ"، إذ لم يكن في الكلام قبله ما يُعطف به عليه(١٠) ؟
قيل له: قد ذكرنا فيما مضى(١١) : أنّ الله جل ثناؤه خاطب الذين خاطبهم بقوله:"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم"، بهذه الآيات والتي بعدها، مُوَبِّخهم مقبحًا إليهم سوءَ فعالهم ومقامهم على ضلالهم، مع النعم التي أنعمها عليهم وعلى أسلافهم؛ ومذكِّرَهم -بتعديد نعمه عليهم وعلى أسلافهم- بأسَه، أن يسلكوا سبيل من هلك من أسلافهم في معصيته(١٢) ، فيسلك بهم سبيلهم في عقوبته؛ ومعرِّفهم ما كان منه من تعطّفه على التائب منهم استعتابًا منه لهم. فكان مما عدّد من نعمه عليهم أنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا، وسخّر لهم ما في السموات من شمسها وقمرها ونجومها، وغير ذلك من منافعها التي جعلها لهم ولسائر بني آدم معهم منافع. فكان في قوله تعالى: ذكره"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون"، معنى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم، إذ خلقتكم ولم تكونوا شيئًا، وخلقت لكم ما في الأرض جميعًا، وسويت لكم ما في السماء. ثم عطف بقوله:"وإذ قال رَبُّك للملائكة" على المعنى المقتضَى بقوله:"كيف تكفرون بالله"، إذ كان مقتضيًا ما وصفتُ من قوله: اذكروا نعمتي إذ فعلت بكم وفعلتُ، واذكروا فعلي بأبيكم آدم إذ قلتُ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةً(١٣) .
فإن قال قائل: فهل لذلك من نظير في كلام العرب نعلم به صحة ما قلت؟ قيل: نعم، أكثرُ من أن يحصى، من ذلك قول الشاعر:
أجِدَّك لَنْ تَرَى بِثُعَيْلِبَاتٍ ... وَلا بَيْدَانَ نَاجِيةَ ذَمُولا(١٤) وَلا مُتَدَاركٍ وَالشَّمْسُ طِفْلٌ ... بِبَعْضِ نَوَاشغ الوَادي حُمُولا(١٥)
فقال:"ولا متداركٍ"، ولم يتقدمه فعلٌ بلفظ يعطفه عليه(١٦) ، ولا حرف مُعرَب إعرابَه، فيردّ "متدارك" عليه في إعرابه. ولكنه لما تقدّمه فعل مجحود بـ "لن" يدل على المعنى المطلوب في الكلام من المحذوف(١٧) ، استغني بدلالة ما ظهر منه عن إظهار ما حُذِف، وعاملَ الكلامَ في المعنى والإعراب معاملته أن لو كان ما هو محذوف منه ظاهرًا(١٨) . لأن قوله:
أجدّك لن تَرَى بِثُعَيْلِبَات
بمعنى:"أجدّك لستَ بِرَاءٍ"، فردّ "متداركًا" على موضع"ترى"، كأنْ "لست" و"الباء" موجودتان في الكلام. فكذلك قوله:"وإذ قالَ رَبُّك"، لمّا سلف قبله تذكير الله المخاطبين به ما سلف قِبَلهم وقِبَل آبائهم من أياديه وآلائه، وكانَ قوله: "وإذ قال ربك للملائكة" مع ما بعده من النعم التي عدّدها عليهم ونبّههم على مواقعها - رَدّ "إذْ" على موضع" وكنتم أمواتًا فأحياكم". لأن معنى ذلك: اذكروا هذه من نعمي، وهذه التي قلت فيها للملائكة. فلما كانت الأولى مقتضية"إذ"، عطف بـ "إذ" على موضعها في الأولى(١٩) ، كما وصفنا من قول الشاعر في"ولا متدارك".
BY قناة| أبي نواف.
Share with your friend now:
tgoop.com/Abonoaf88/3079