DARU_SALATAW Telegram 2954
الشيخ شامِل – أسد القوقاز
ترجمة وإعداد إبراهيم إستنبولي
تحتفل شعوب داغستان وعموم القوقاز اليوم ٤ شباط بذكرى وفاة الشيخ أو الإمام شامل (1797 – 1871) أحد أعظم القادة المسلمين في العصور الحديثة. وقد قاد المقاومة ضد روسيا القيصرية على مدى ثلاثين سنة تقريبا.
إنه ثالث أئمة الشيشان وداغستان من 1834 لغاية 1859 م.
لُقِّب بأسد القوقاز وصقر الجبال.
يشغل الشيخ شامِل مكانة بارزة في العالم الإسلامي، إلى جانب مجموعة من الشخصيات التاريخية البارزة، إذ جَمَعَ في شخصِه في آن واحدة، خصالَ العالِم والقائد العسكري ورجل الدولة والزعيم الروحي. ولا يوجد أي خلاف حول موقع وأهمية الشيخ شامِل في القوقاز بل وفي العالم بأكمله، وذلك على الرغم من محاولات البعض للحطِّ من قيمتِهِ ولتشويه سمعته.
وُلِد الشيخ بعد انتصار شعوب داغستان على الملك الفارسي نادر شاه الملقّب "بعاصفة الكون الرعدية"، وبعد أنْ تمّ ضمُّ داغستان إلى الإمبراطورية الروسية. كان شامِل منذ نعومة أظفاره على تماس مع العلوم الدينية والعقيدة. وقد كان العرف السائد في داغستان هو إيلاء اهتمام خاص بتربية الرجال من الناحية الروحية والبدنية. تصادق شامِل منذ طفولته مع غازي مُحميدوف الذي سيصبح فيما بعد أوّلَ إمامٍ في داغستان. حيث تتلمذا معًا على أيدي علماء عارفين مشهورين في جبال القوقاز. ولطالما كان ثمة علماء ومتنورون بارزون ومعروفون في العالم الإسلامي من أبناء داغستان. صحب الشيخ شعبان، الذي قاد حركة التحرير الوطنية في منطقة جارو – بيلوكانسك، كلًّا من غازي محميدوف وشامِل إلى محمّد ياراغسكي (محمد العراقي – المترجم) الذي كان مرشدًا معروفًا في أنحاء القوقاز، وكان بمثابة المعلّم والواعظ عند المسلمين هناك، حيث أصبح كلاهما من مريدي الشيخ شعبان. كما أنهما تتلمذا على يدِ الشيخ جمال الدين غازيكومسكي .
في نفس تلك الفترة تقريبًا، قام القيصر بتعيين الجنرال أ. ب. ييرمولوف، أحد أبطال الحرب مع نابليون، حاكمًا على داغستان، ومنحه صلاحيات واسعة؛ وقد انتهج الجنرال سياسة عدائية عنيفة، متجاهلًا عقيدة وتقاليد الشعوب المحلية. فكانت النتيجة أنْ راح سكان الجبال يعانون من ظلم مضاعف، ذلك لأنَّ الإدارة القيصرية والعسكرية راحت تدعم بشتى الوسائل الأمراء الإقطاعيين المحليين في أماكن سيطرتها، منتهكة حقوق الفلاحين والفئات الأخرى من السكان. وهذا ما جعل حياة الشعب في داغستان أقرب إلى الجحيم.
بعد مداولات ومناقشات طويلة، وبعد مواعظ وخطب المشايخ الكبار وعلماء الدين المعروفين، توصّل كل من غازي محميدوف وشامِل إلى نتيجة مفادها أنّ تلك النصائح والعظات أمر حسن، لكنها غير كافية ولن تنفع في شيء. لذلك تقرَّر البدءُ بالجهاد المقدّس دفاعًا عن الحرية والعقيدة، وضد الإقطاعيين المحليين أيضًا. بيدَ أنَّ القوات القيصرية كثّفت إزاء ذلك من أعمالها العدوانية والوحشية ضد أبناء داغستان. خاضت شعوب القوقاز نضالًا بطوليًا في سبيل نيل حقوقها على أساس الشريعة وتحت شعار "الجهاد ضد كلّ مَن يعتدي على حريتنا وعقيدتنا". وقد حقّقوا الكثير من الانتصارات، لكن حربهم منذ البداية لم تكن موجهة ضد الروس وروسيا وحسب، بل وكانت حربًا في سبيل التحرر من ظلم الأمراء الإقطاعيين المحليين ومن أجل إحلال السلام. وعندما أصبح شامِل إمامًا، كان يريد أن يحصل على هدنة سلمية، وذلك لأنه كان يريد توحيد داغستان مع الشيشان والشركس بل والقوقاز بأكمله، وأن يقيم دولة واحدة لجميع المسلمين هناك، وقد كان هذا الاتجاه في نشاط الشيخ شامِل هو الأكثر تفاؤلًا وتبشيرًا بالنسبة لداغستان – توحيد جميع الأقليات القومية الداغستانية في شعب واحد وفي دولة واحدة.
تمَّ تعيين شامِل إمامًا بعد اغتيال الشيخ حمزة – بيك. وقد رسمَ تعيينه مرحلة جديدة في مسار الحركة التحررية، وقبل كلِّ شيء على طريق توحيد جميع أبناء داغستان بل وكافة أبناء القوقاز حول فكرة تأسيس دولة موحدة. لقد ناضل شامِل وحارب من أجل السلام، وحتى أنّه قدّم ابنه جمال الدين أمانةً (اِقرأ – أسيرًا) لكي يحصل على السلام. دافعت فصائل شامِل عن المناطق الجبلية ببسالة وبشجاعة. وأكبر مثال على بطولاتهم ومآثرهم كانت معركة الدفاع عن آخولغو. ففي ظروف الحصار الكامل والهجمات المستمرة التي فرضتها القوات القيصرية، استطاع أبناء داغستان أن يصمدوا لمدة 79 يومًا كاملة. في نهاية تلك المعركة، وبعد أن استشهِد معظم المدافعين عن آخولغو، اضطر الشيخ شامِل وهو يحمل ابنه على كتفيه أن ينتقل إلى الشيشان، حيث تلقى دعمًا ومساعدة من قبل الأخوة الشيشانيين، ما سمح له بأن يحصل على فرصة جديدة لإعادة تنظيم عمليات المقاومة ضد القوات الروسية على أساس نوعي جديد. يمكننا بل ويجب علينا أن نعتزَّ وأن نفتخر بتلك السنوات من الوحدة والكفاح المشترك الذي خاضه أبناء داغستان وأبناء الشيشان جنبًا إلى جنب.



tgoop.com/Daru_salataw/2954
Create:
Last Update:

الشيخ شامِل – أسد القوقاز
ترجمة وإعداد إبراهيم إستنبولي
تحتفل شعوب داغستان وعموم القوقاز اليوم ٤ شباط بذكرى وفاة الشيخ أو الإمام شامل (1797 – 1871) أحد أعظم القادة المسلمين في العصور الحديثة. وقد قاد المقاومة ضد روسيا القيصرية على مدى ثلاثين سنة تقريبا.
إنه ثالث أئمة الشيشان وداغستان من 1834 لغاية 1859 م.
لُقِّب بأسد القوقاز وصقر الجبال.
يشغل الشيخ شامِل مكانة بارزة في العالم الإسلامي، إلى جانب مجموعة من الشخصيات التاريخية البارزة، إذ جَمَعَ في شخصِه في آن واحدة، خصالَ العالِم والقائد العسكري ورجل الدولة والزعيم الروحي. ولا يوجد أي خلاف حول موقع وأهمية الشيخ شامِل في القوقاز بل وفي العالم بأكمله، وذلك على الرغم من محاولات البعض للحطِّ من قيمتِهِ ولتشويه سمعته.
وُلِد الشيخ بعد انتصار شعوب داغستان على الملك الفارسي نادر شاه الملقّب "بعاصفة الكون الرعدية"، وبعد أنْ تمّ ضمُّ داغستان إلى الإمبراطورية الروسية. كان شامِل منذ نعومة أظفاره على تماس مع العلوم الدينية والعقيدة. وقد كان العرف السائد في داغستان هو إيلاء اهتمام خاص بتربية الرجال من الناحية الروحية والبدنية. تصادق شامِل منذ طفولته مع غازي مُحميدوف الذي سيصبح فيما بعد أوّلَ إمامٍ في داغستان. حيث تتلمذا معًا على أيدي علماء عارفين مشهورين في جبال القوقاز. ولطالما كان ثمة علماء ومتنورون بارزون ومعروفون في العالم الإسلامي من أبناء داغستان. صحب الشيخ شعبان، الذي قاد حركة التحرير الوطنية في منطقة جارو – بيلوكانسك، كلًّا من غازي محميدوف وشامِل إلى محمّد ياراغسكي (محمد العراقي – المترجم) الذي كان مرشدًا معروفًا في أنحاء القوقاز، وكان بمثابة المعلّم والواعظ عند المسلمين هناك، حيث أصبح كلاهما من مريدي الشيخ شعبان. كما أنهما تتلمذا على يدِ الشيخ جمال الدين غازيكومسكي .
في نفس تلك الفترة تقريبًا، قام القيصر بتعيين الجنرال أ. ب. ييرمولوف، أحد أبطال الحرب مع نابليون، حاكمًا على داغستان، ومنحه صلاحيات واسعة؛ وقد انتهج الجنرال سياسة عدائية عنيفة، متجاهلًا عقيدة وتقاليد الشعوب المحلية. فكانت النتيجة أنْ راح سكان الجبال يعانون من ظلم مضاعف، ذلك لأنَّ الإدارة القيصرية والعسكرية راحت تدعم بشتى الوسائل الأمراء الإقطاعيين المحليين في أماكن سيطرتها، منتهكة حقوق الفلاحين والفئات الأخرى من السكان. وهذا ما جعل حياة الشعب في داغستان أقرب إلى الجحيم.
بعد مداولات ومناقشات طويلة، وبعد مواعظ وخطب المشايخ الكبار وعلماء الدين المعروفين، توصّل كل من غازي محميدوف وشامِل إلى نتيجة مفادها أنّ تلك النصائح والعظات أمر حسن، لكنها غير كافية ولن تنفع في شيء. لذلك تقرَّر البدءُ بالجهاد المقدّس دفاعًا عن الحرية والعقيدة، وضد الإقطاعيين المحليين أيضًا. بيدَ أنَّ القوات القيصرية كثّفت إزاء ذلك من أعمالها العدوانية والوحشية ضد أبناء داغستان. خاضت شعوب القوقاز نضالًا بطوليًا في سبيل نيل حقوقها على أساس الشريعة وتحت شعار "الجهاد ضد كلّ مَن يعتدي على حريتنا وعقيدتنا". وقد حقّقوا الكثير من الانتصارات، لكن حربهم منذ البداية لم تكن موجهة ضد الروس وروسيا وحسب، بل وكانت حربًا في سبيل التحرر من ظلم الأمراء الإقطاعيين المحليين ومن أجل إحلال السلام. وعندما أصبح شامِل إمامًا، كان يريد أن يحصل على هدنة سلمية، وذلك لأنه كان يريد توحيد داغستان مع الشيشان والشركس بل والقوقاز بأكمله، وأن يقيم دولة واحدة لجميع المسلمين هناك، وقد كان هذا الاتجاه في نشاط الشيخ شامِل هو الأكثر تفاؤلًا وتبشيرًا بالنسبة لداغستان – توحيد جميع الأقليات القومية الداغستانية في شعب واحد وفي دولة واحدة.
تمَّ تعيين شامِل إمامًا بعد اغتيال الشيخ حمزة – بيك. وقد رسمَ تعيينه مرحلة جديدة في مسار الحركة التحررية، وقبل كلِّ شيء على طريق توحيد جميع أبناء داغستان بل وكافة أبناء القوقاز حول فكرة تأسيس دولة موحدة. لقد ناضل شامِل وحارب من أجل السلام، وحتى أنّه قدّم ابنه جمال الدين أمانةً (اِقرأ – أسيرًا) لكي يحصل على السلام. دافعت فصائل شامِل عن المناطق الجبلية ببسالة وبشجاعة. وأكبر مثال على بطولاتهم ومآثرهم كانت معركة الدفاع عن آخولغو. ففي ظروف الحصار الكامل والهجمات المستمرة التي فرضتها القوات القيصرية، استطاع أبناء داغستان أن يصمدوا لمدة 79 يومًا كاملة. في نهاية تلك المعركة، وبعد أن استشهِد معظم المدافعين عن آخولغو، اضطر الشيخ شامِل وهو يحمل ابنه على كتفيه أن ينتقل إلى الشيشان، حيث تلقى دعمًا ومساعدة من قبل الأخوة الشيشانيين، ما سمح له بأن يحصل على فرصة جديدة لإعادة تنظيم عمليات المقاومة ضد القوات الروسية على أساس نوعي جديد. يمكننا بل ويجب علينا أن نعتزَّ وأن نفتخر بتلك السنوات من الوحدة والكفاح المشترك الذي خاضه أبناء داغستان وأبناء الشيشان جنبًا إلى جنب.

BY دَار سَلَتَوْ - الدَّاغِسْتَانِيَّة - DARU SALATAW


Share with your friend now:
tgoop.com/Daru_salataw/2954

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

It’s easy to create a Telegram channel via desktop app or mobile app (for Android and iOS): Select: Settings – Manage Channel – Administrators – Add administrator. From your list of subscribers, select the correct user. A new window will appear on the screen. Check the rights you’re willing to give to your administrator. Other crimes that the SUCK Channel incited under Ng’s watch included using corrosive chemicals to make explosives and causing grievous bodily harm with intent. The court also found Ng responsible for calling on people to assist protesters who clashed violently with police at several universities in November 2019. Telegram channels enable users to broadcast messages to multiple users simultaneously. Like on social media, users need to subscribe to your channel to get access to your content published by one or more administrators. Your posting frequency depends on the topic of your channel. If you have a news channel, it’s OK to publish new content every day (or even every hour). For other industries, stick with 2-3 large posts a week.
from us


Telegram دَار سَلَتَوْ - الدَّاغِسْتَانِيَّة - DARU SALATAW
FROM American