tgoop.com/Daru_salataw/2955
Last Update:
لقد سعى الشيخ شامِل إلى السلام مع روسيا حتى في أكثر فترات كفاحه نجاحًا، ولكن الجنرالات القيصريين كثيرًا ما قاموا بخداعه، حيث نكثوا بالوعود والاتفاقيات. بيدَ أنَّ الحربَ استمرت لمدة طويلة، ما أدّى إلى استنفاد طاقات وقدرات داغستان والشيشان بشكل نهائي. وبعد أن تمَّ تسليم آول فيدينو – التي كانت مقرًّا للإمام شامِل في الشيشان، توقف الكثير من رفاق وشركاء الشيخ في القتال عن المقاومة. انتقل الشيخ مع مجموعة صغيرة من مريديه وأتباعه إلى آول هونيب في داغستان. لم يبقَ من الموارد ما يكفي لدى المقاتلين الجبليين لمتابعة الحرب. توقف إمداد قوات الشيخ بالمؤن والعتاد، إذ إنَّ سكان الجبال كانوا مضطرين للعيش على الأعشاب بسبب غياب المواد التموينية. وفي هذه الحالة القاسية والصعبة قام الأمير أ. ي. باراتينسكي بتكثيف اتصالاته مع الشيخ شامِل من أجل التوصل إلى اتفاقيات سلام.
وجد الشيخ أنَّ الأمير أ. باراتينسكي شخصٌ يمكن الوثوق به، ولذلك تم تحقيق "اتفاق سلام" معه، يلتزم كلُّ طرف بموجبه بواجبات معينة. تجدر الإشارة إلى أنَّ الشيخ شامِل لم يكن في هذه المرة صاحب المبادرة لعقد اتفاقيات سلام، بل راح يدافع ببسالة عن هونيب ويردُّ على أ. باراتينسكي: "أنا هنا في الأعلى على مقربة من الله، أما أنتم ففي الأسفل – ويجب عليكم أن تصعدوا لكي تصلوا إليَّ!". قام أ. م. غورتشاكوف، رئيس إدارة وزارة الخارجية الروسية، وبتكليف من القيصر الكساندر الثاني، بنقل تعليمات من القيصر إلى باراتينسكي بضرورة التوصل إلى اتفاقية تؤدي إلى توقف الحرب بأية طريقة ومهما كلّف الأمر، لأنَّ هذا الأمر كان في غاية الأهمية بالنسبة لروسيا عشية المؤتمر الأوروبي حول التوازن والعلاقات المتبادلة بين الدول العظمى. "في حال أنكم حقّقتم لنا السلام في القوقاز، فإنّ ذلك سوف يجعل روسيا تكتسب على الفور، بناء على هذه الحقيقة وحدها، وزنًا أكبر بعشرة أضعاف في علاقاتها مع أوروبا، مع العلم أنها سوف تكسب ذلك من دون ضحايا أو دماء أو أموال. بجميع الأحوال، إنها لحظة هامة بشكل استثنائي بالنسبة لنا، يا عزيزي الأمير. ما مِن أحد مدعوٌّ لأن يقدِّم خدمة كبيرة لروسيا مثل تلك الخدمة التي تتاح لك الآن. إنَّ التاريخ يفتح أمامك واحدة من أنصع وأفضل صفحاته". لقد كانت تعليمات القيصر تلك ورئيس وزارة الخارجية تعبيرًا عن المصلحة العميقة لروسيا وعن استعدادها لعقد اتفاقية سلام مع شامِل، وقد قام الأمير باراتينسكي بإبلاغ الشيخ بتلك المصلحة وبذلك الاستعداد. بالتوازي مع ذلك، لا يجوز الاستنتاج من ذلك بأي شكل كما لو أنه جرى "أسر الشيخ". وإنما تم التوصّل إلى اتفاقية، أشدِّد على ذلك، بمبادرة من ممثل القيصر في القوقاز أ. ي. باراتينسكي. وإذ كان شامِل يدرك الوضع في القوقاز، ولأنه منح أ. ي. باراتينسكي ثقته، فقد قرّر إيقاف الحرب. في حين أنَّ الدعاية القيصرية راحت تصدّع رأس المواطن الروسي وتطبِّل معلنة عن "أسر الشيخ"، وهذا كان ضروريًا لهم لكي يبرِّروا أمام الشعب الروسي تلك الحرب التي امتدت لسنوات مع ما تسبّبت به من عدد كبير من الضحايا الروس وما كلّفته من نفقات مادية هائلة.
كان شامِل موافقًا على البقاء مع روسيا، لكنه بقي حتى النهاية متمسكًا باستقلالية داغستان والشيشان والشركس والقوقاز عامة، وبما يتعلق بقضايا العقيدة والثقافة والنظام الحقوقي. لقد أصرَّ على التمسك الكامل ومن دون شرط بعقيدته الدينية، وبثقافة شعوب القوقاز ولغاتها. وقد تلقى من الأمير أ. ي. باراتينسكي ضمانات بعدم ملاحقة ومحاكمة أولئك الذين قاتلوا إلى جانب الشيخ. وحسب شهادة محمد طاهر الكرخي، وضع الشيخ شامِل على الأمير أ. ي. باراتينسكي شروطًا تطالب بعدم التضييق على حرية العقيدة ونشر الإسلام في داغستان، وبعدم نشر الديانة المسيحية والتبشير بها في داغستان، وعدم استدعاء سكان الجبال للخدمة في الجيش القيصري، بالإضافة لعدم إثارة الفتنة بين أبناء داغستان. وقد التزم الأمير أ. ي. باراتينسكي بتلك البنود، وتوجّه إلى أبناء داغستان مؤكدًا لهم: "لن تُنتهَك عقيدتكم، ولا ملكيتكم ولا عاداتكم ولا يجوز المساس بها". كما كانت ثمة شروط أخرى، ومن بينها بشكل خاص موافقة شامِل على مغادرة داغستان من أجل القيام بالحج إلى مكّة المقدّسة مع المقرّبين منه ونوّابه. بهذه الطريقة يصبح واضحًا أنه لم يكن ثمة أي أسر في حقيقة الأمر. وما يؤكد على ذلك هو أنَّ شامِل التقى مع القيصر ومع الأمير أ. ي. باراتينسكي وهو في لباسه التقليدي ومع سلاحه. والمعروف أنَّ الأسرى يتم تجريدهم من سلاحهم الفردي عادة.
BY دَار سَلَتَوْ - الدَّاغِسْتَانِيَّة - DARU SALATAW
Share with your friend now:
tgoop.com/Daru_salataw/2955