DARU_SALATAW Telegram 2956
لقد أرسل النظام القيصري لمحاربة شامِل من القوات العسكرية ما يفوق بكثير تلك القوات التي جنّدها لمحاربة نابليون. وقد كتب المؤرخ التركي آلباي ينشار إينوغلو بهذا الخصوص: "لم يعرف التاريخ قائدًا عسكريًا مثل الشيخ شامِل. وإذا كان نابليون بمثابة شرارة، فإنّ شامل هو النار بذاتها". كما أنَّ العديد من الجنرالات الروس أطلقوا على الشيخ شامِل لقب "عبقري الحرب".
سُمِح للشيخ شامِل بالسفر لأداء فريضة الحج، فاتجه إلى اصطنبول – عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وقد خصّص الإمبراطور الروسي سفينة خاصة له. وبينما كان الشيخ يعبر بحر البوسفور، راح يمتّع نظره بذلك الجمال الرباني. وقد تذكّر حديثًا شريفًا للنبي (ص) بشأن مصير اصطنبول: "سوف يفتح المسلمون مدينة القسطنطينية، وسوف يكون الأمراء - قادة القوات التي ستدخل إلى المدينة فاضلين وعفيفين". وبعد مرور بضعة قرون على تلك النبوءة، وقف سكان اصطنبول على طول المرسى الصغير، لكي يستقبلوا الشيخ شامِل. كما أطلقت المدافع طلقات ترحيب على شرفه. وعندما عرف السلطان عبد العزيز أنّ الشيخ شامِل سوف يصل إلى اصطنبول وهو في طريقه إلى الحج، أصدر التعليمات باستقبال أسد داغستان، كما كانوا يلقبون الشيخ شامِل في تركيا، على نحو لائق ومشرّف. انتقل الشيخ إلى سفينة خاصة بالسلطان ووصل إلى قصر طولمة باغجة. وقد خرج السلطان لأول مرة في تاريخ السلطنة إلى بوابة القصر لكي يستقبل الضيف الكبير. قام السلطان بتقبيل يدِ الشيخ وقال: "الحمد لله! لو أنّ والدي المرحوم السلطان محمود الثاني قام من قبره لما كنت سعيدًا إلى هذه الدرجة". ولم يعرف التاريخ حادثة قام فيها سلطان عثماني بتقبيل يدِ أحدٍ من قبل. أصيب الناس بالذهول وبالبهجة عندما رأوا ذلك.
جلس السلطان إلى جانب الشيخ شامِل وراح يكرّر الكلمات التالية: "ضيفي العزيز والمحترم جدًّا، إنَّ أبواب جميع قصوري مفتوحة أمامك، وسوف نلبّي أية رغبة لديك. إنه لشرف عظيم بالنسبة لنا أن نستقبلك أنت وأقرباءك". أعرب الشيخ عن شكره للسلطان وقال أنه لا يوجد لديه سوى أمنية واحدة – أن يؤدي فريضة الحج. ثم أضاف: "أيها السلطان العزيز والمبجّل. كان سيكون فضلًا عظيمًا بالنسبة لنا، لو أنَّ قواتكم جاءت لمساعدتنا، عندما كنا نحارب على مدى ثلاثين سنة متكلين على الله وحده سبحانه، ولكن لا أنت ولا شقيقك عبد المجيد لم تقدّما لنا أية مساعدة بل سمحتما لروسيا بأن تحتفظ في القوقاز بجيش تعداده أكثر من نصف مليون ". ثمَّ تحدّث الشيخ عن حرب القوقاز، فقال: "القوقاز مكان تلتقي فيه أوروبا مع آسيا. ومَن يسيطر على القوقاز – يسيطر على كلا القارتين. وأنتم، الأتراك، لم تنجحوا في الاستفادة من جهادنا ومن حربنا. ولذلك سوف تكونوا مضطرين الآن لأن تخضعوا لأوروبا. وقد تركتم مسلمي القوقاز لمصيرهم". "إنك على حق، أيها الشيخ الجليل" – أجاب السلطان
أسرَّ السلطان للشيخ شامِل قلقه بشأن مصر. فأجابه الشيخ أن مصر – دولة إسلامية وسوف تتعامل باحترام مع خلافة السلطان ولن تبتعد عنه. ولكن السلطان أعرب مع ذلك عن مخاوفه وهواجسه بخصوص العلاقة بين مصر وتركيا، كما أنه تحدّث إلى الشيخ بخصوص ثورة عبد القادر الجزائري. فأشار الشيخ شامِل إلى أنَّ قَدَرَ عبد القادر الجزائري شبيه بمصيره هو. إذ إنّ عبد القادر الجزائري يقوم بالغزوات (الجهاد المقدس) مثلما كان يفعل الشيخ، معتقدًا أنه إنما يقوم بالغزوات لخدمة مصالح الأمة الإسلامية بأكملها، إلّا أنه لم يتلقَّ الدعم من قبل أيٍّ كان. وهكذا كانت النتيجة أنَّ كلانا ترك ساحة المعركة للأعداء. أحسَّ السلطان هنا بالإهانة من كلام الشيخ. ثم أشار السلطان إلى العلاقات التركية – المصرية مرة أخرى، فقال له شامِل أنه سوف يسافر إلى مصر وسوف يتحدّث مع اسماعيل باشا بهدف إصلاح العلاقة بين تركيا ومصر. فرح السلطان كثيرًا لهذا الخبر، وقدّم للإمام واحدة من أفضل سفنه "العزيزية" لكي تنقل الشيخ شامِل من اصطنبول إلى الإسكندرية.
استقبل اسماعيل باشا الشيخ شامِل في مدينة الإسكندرية كما لو أنه زعيم دولة. بعد ذلك توجّها معًا إلى القاهرة، حيث كان ينتظرهما بطل الجزائر عبد القادر. وقد شارك الشيخ شامِل مع اسماعيل باشا والضيوف الكبار في حفل افتتاح قناة السويس. قال الشيخ شامِل لإسماعيل باشا أنه لا يجوز أن يبعث السرور والرضى لدى الأعداء من خلال النزاع مع السلطان عبد العزيز. وعندما قال الباشا أنه على استعداد لتنفيذ ما ينصحه فيه الشيخ شامِل، فقد نصحه الشيخ بإرساله ابنه إلى اسطنبول. وقد سمع اسماعيل باشا النصيحة وأرسل ابنه إلى عاصمة السلطنة العثمانية، وقد استقبله السلطان بطريقة مشرّفة. وفي وقت لاحق تزوج ابن اسماعيل باشا من ابنة السلطان العثماني. اعتبارًا من تلك اللحظة قام صلح راسخ وسلام بين تركيا ومصر. بعد ذلك قام اسماعيل باشا بوداع الشيخ شامِل إلى مدينة جدّة.



tgoop.com/Daru_salataw/2956
Create:
Last Update:

لقد أرسل النظام القيصري لمحاربة شامِل من القوات العسكرية ما يفوق بكثير تلك القوات التي جنّدها لمحاربة نابليون. وقد كتب المؤرخ التركي آلباي ينشار إينوغلو بهذا الخصوص: "لم يعرف التاريخ قائدًا عسكريًا مثل الشيخ شامِل. وإذا كان نابليون بمثابة شرارة، فإنّ شامل هو النار بذاتها". كما أنَّ العديد من الجنرالات الروس أطلقوا على الشيخ شامِل لقب "عبقري الحرب".
سُمِح للشيخ شامِل بالسفر لأداء فريضة الحج، فاتجه إلى اصطنبول – عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وقد خصّص الإمبراطور الروسي سفينة خاصة له. وبينما كان الشيخ يعبر بحر البوسفور، راح يمتّع نظره بذلك الجمال الرباني. وقد تذكّر حديثًا شريفًا للنبي (ص) بشأن مصير اصطنبول: "سوف يفتح المسلمون مدينة القسطنطينية، وسوف يكون الأمراء - قادة القوات التي ستدخل إلى المدينة فاضلين وعفيفين". وبعد مرور بضعة قرون على تلك النبوءة، وقف سكان اصطنبول على طول المرسى الصغير، لكي يستقبلوا الشيخ شامِل. كما أطلقت المدافع طلقات ترحيب على شرفه. وعندما عرف السلطان عبد العزيز أنّ الشيخ شامِل سوف يصل إلى اصطنبول وهو في طريقه إلى الحج، أصدر التعليمات باستقبال أسد داغستان، كما كانوا يلقبون الشيخ شامِل في تركيا، على نحو لائق ومشرّف. انتقل الشيخ إلى سفينة خاصة بالسلطان ووصل إلى قصر طولمة باغجة. وقد خرج السلطان لأول مرة في تاريخ السلطنة إلى بوابة القصر لكي يستقبل الضيف الكبير. قام السلطان بتقبيل يدِ الشيخ وقال: "الحمد لله! لو أنّ والدي المرحوم السلطان محمود الثاني قام من قبره لما كنت سعيدًا إلى هذه الدرجة". ولم يعرف التاريخ حادثة قام فيها سلطان عثماني بتقبيل يدِ أحدٍ من قبل. أصيب الناس بالذهول وبالبهجة عندما رأوا ذلك.
جلس السلطان إلى جانب الشيخ شامِل وراح يكرّر الكلمات التالية: "ضيفي العزيز والمحترم جدًّا، إنَّ أبواب جميع قصوري مفتوحة أمامك، وسوف نلبّي أية رغبة لديك. إنه لشرف عظيم بالنسبة لنا أن نستقبلك أنت وأقرباءك". أعرب الشيخ عن شكره للسلطان وقال أنه لا يوجد لديه سوى أمنية واحدة – أن يؤدي فريضة الحج. ثم أضاف: "أيها السلطان العزيز والمبجّل. كان سيكون فضلًا عظيمًا بالنسبة لنا، لو أنَّ قواتكم جاءت لمساعدتنا، عندما كنا نحارب على مدى ثلاثين سنة متكلين على الله وحده سبحانه، ولكن لا أنت ولا شقيقك عبد المجيد لم تقدّما لنا أية مساعدة بل سمحتما لروسيا بأن تحتفظ في القوقاز بجيش تعداده أكثر من نصف مليون ". ثمَّ تحدّث الشيخ عن حرب القوقاز، فقال: "القوقاز مكان تلتقي فيه أوروبا مع آسيا. ومَن يسيطر على القوقاز – يسيطر على كلا القارتين. وأنتم، الأتراك، لم تنجحوا في الاستفادة من جهادنا ومن حربنا. ولذلك سوف تكونوا مضطرين الآن لأن تخضعوا لأوروبا. وقد تركتم مسلمي القوقاز لمصيرهم". "إنك على حق، أيها الشيخ الجليل" – أجاب السلطان
أسرَّ السلطان للشيخ شامِل قلقه بشأن مصر. فأجابه الشيخ أن مصر – دولة إسلامية وسوف تتعامل باحترام مع خلافة السلطان ولن تبتعد عنه. ولكن السلطان أعرب مع ذلك عن مخاوفه وهواجسه بخصوص العلاقة بين مصر وتركيا، كما أنه تحدّث إلى الشيخ بخصوص ثورة عبد القادر الجزائري. فأشار الشيخ شامِل إلى أنَّ قَدَرَ عبد القادر الجزائري شبيه بمصيره هو. إذ إنّ عبد القادر الجزائري يقوم بالغزوات (الجهاد المقدس) مثلما كان يفعل الشيخ، معتقدًا أنه إنما يقوم بالغزوات لخدمة مصالح الأمة الإسلامية بأكملها، إلّا أنه لم يتلقَّ الدعم من قبل أيٍّ كان. وهكذا كانت النتيجة أنَّ كلانا ترك ساحة المعركة للأعداء. أحسَّ السلطان هنا بالإهانة من كلام الشيخ. ثم أشار السلطان إلى العلاقات التركية – المصرية مرة أخرى، فقال له شامِل أنه سوف يسافر إلى مصر وسوف يتحدّث مع اسماعيل باشا بهدف إصلاح العلاقة بين تركيا ومصر. فرح السلطان كثيرًا لهذا الخبر، وقدّم للإمام واحدة من أفضل سفنه "العزيزية" لكي تنقل الشيخ شامِل من اصطنبول إلى الإسكندرية.
استقبل اسماعيل باشا الشيخ شامِل في مدينة الإسكندرية كما لو أنه زعيم دولة. بعد ذلك توجّها معًا إلى القاهرة، حيث كان ينتظرهما بطل الجزائر عبد القادر. وقد شارك الشيخ شامِل مع اسماعيل باشا والضيوف الكبار في حفل افتتاح قناة السويس. قال الشيخ شامِل لإسماعيل باشا أنه لا يجوز أن يبعث السرور والرضى لدى الأعداء من خلال النزاع مع السلطان عبد العزيز. وعندما قال الباشا أنه على استعداد لتنفيذ ما ينصحه فيه الشيخ شامِل، فقد نصحه الشيخ بإرساله ابنه إلى اسطنبول. وقد سمع اسماعيل باشا النصيحة وأرسل ابنه إلى عاصمة السلطنة العثمانية، وقد استقبله السلطان بطريقة مشرّفة. وفي وقت لاحق تزوج ابن اسماعيل باشا من ابنة السلطان العثماني. اعتبارًا من تلك اللحظة قام صلح راسخ وسلام بين تركيا ومصر. بعد ذلك قام اسماعيل باشا بوداع الشيخ شامِل إلى مدينة جدّة.

BY دَار سَلَتَوْ - الدَّاغِسْتَانِيَّة - DARU SALATAW


Share with your friend now:
tgoop.com/Daru_salataw/2956

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

‘Ban’ on Telegram In handing down the sentence yesterday, deputy judge Peter Hui Shiu-keung of the district court said that even if Ng did not post the messages, he cannot shirk responsibility as the owner and administrator of such a big group for allowing these messages that incite illegal behaviors to exist. The imprisonment came as Telegram said it was "surprised" by claims that privacy commissioner Ada Chung Lai-ling is seeking to block the messaging app due to doxxing content targeting police and politicians. End-to-end encryption is an important feature in messaging, as it's the first step in protecting users from surveillance.
from us


Telegram دَار سَلَتَوْ - الدَّاغِسْتَانِيَّة - DARU SALATAW
FROM American