DEERAYAH Telegram 637
محلل كرتوني
من بين مقاطع Shorts في اليوتيوب سمعت د.عبدالوهاب المسيري يقول"توم وجيري عبارة عن فأر لذيذ وقط غبي…" وحينما أكملت المقطع كان يتحدث عن تحليل الفيلم الذي نشأنا على مشاهدته وما هو النموذج الكامن / التفسيري للأخلاق في حبكة الكرتون؟… فهل يُقبل من مفكر موسوعي وناقد بحجم المسيري وهو الذي يقلّب أفكار الفلاسفة ويعرف أعصارهم من لدن أفلاطون إلى نيتشه وسارتر أن يستشهد بحبكة فيلم كرتوني!
يستكثر كثير ممن لحفتهم شعلة ثقافة أن يضيعوا أوقاتهم في تحليل فيلم من الرسوم المتحركة، ومستند هذا الاستنكار: أن أفلام الرسوم المتحركة أداة مسلّية بريئة غايتها الترفيه، وهي قائمة على الخيال الذي يناسب الأطفال ولا تأثير لها في الواقع، وهي أتفه من أن يصرف لها وقت لتحليلها لأن الزمن والعمر كفيل بمحو أي متعلق بالرسوم المتحركة من ذاكرة الطفل، فضلاً أن تؤثر على تصوراته أو اختياراته المستقبلية؛ لأجل هذا فإن أفلام الرسوم المتحركة في دائرة الأمان في نظر الوالدين والمربين، أظن أن كثيراً من المقدمات لا يُسلّمُ نظرياً بها جملة وتفصيلاً، لكن مسلّم به واقعاً، صحيح أن هناك جهود من المهتمين في تحليل بعض الأفلام وما تكتنفه من رسائل لكن طوفان الأفلام المتحركة وغزارة إنتاجها -خاصة الأنمي- أكبر من الجهود، ولأهمية الرسائل المبطنّة في أفلام الرسوم المتحركة وما تحويه من مفاهيم نذكّر ببعض النقاط:
- أن أفلام الرسوم المتحركة ومنها الأنمي قائمة كغيرها على سيناريو وحبكة ورمزيات وسياق أنتج مثل هذه الأفلام المتحركة.
- وجود هدف من منتجي ومصدّري ومسوقي أفلام الرسوم المتحركة؛ فـ " الثري بطوط أو العم دهب" الذي يسبح بالذهب والدولارات أوحى بأن ثَم الفردوس الأرضي والحلم الذهبي الذي ينبغي أن يسعى له الأطفال.
- يقبل الناس على المفكر أو المثقف إذا شارك الجمهور كتابًا وناقش أفكاره أو عرض رواية وحلل أحداثها وأفكارها، لكن في أفلام الرسوم المتحركة والأنمي يُرى أن ذلك من نافلة القول ولا ينظر له باهتمام، حتى تصدّر لهذا فئة ضعيفة التحليل وشاهدُ ذلك: كثرة متخصصي مراجعة الأفلام، مع أن سيناريو كثيراً من أفلام الرسوم المتحركة هي إما رواية تقوم على فكرة ومدى تأثيرها إذا أصبحت فيلما كرتونيا أكثر من رواية كانت حبيسة الكتب لا يتجاوز قرّاؤها عُشر مشاهديها، أو تكون شرحا لفكرة كتبت فيها كتب.
- أن ما يُعرض في أفلام الرسوم المتحركة يتعلق بأهم مرحلة عمرية للإنسان وهي التنشئة، وبذر الأفكار في مرحلة التنشئة أسهل من تغييرها.
- في أفلام الرسوم المتحركة تطبّع في عقل مشاهديها ما تراه وتجعل بينه وبين ما يشاهد قبولاً وأُلفة، وليس هذا في الجانب السلبي حتى في تطبيع القيم الإيجابية، بل ربما يرى المُشاهد في الرسومات المتحركة المُثل والنماذج والأنماط الذي ينبغي أن يُسعى لها… أتذكرُ وأنا أشاهد توم وجيري أني تساءلت عن مقدار الرفاه الذي تحياه البلدان الغربية في الخمسينات من رؤية بيوت وآلات التي تمت محاكاتها في الفيلم فكيف بها الآن! مرة شاهدت سلعة أقبل عليها الناس مع غلاء سعرها لأنها صُنعت على صورة ما شاهدناه ونحن أطفال في أفلام ديزني، ويقارب من هذا إقبال الأطفال على اختيار الأدوات والملابس التي يُرسم عليها شخصيات كرتونية مفضلّة .
- أن تحليل ما يُبث لأطفالنا في الرسوم المتحركة أمرٌ في غاية الأهمية ومما يؤسف له أن القضايا المتعلقة بالطفولة يُنظر للمهتمين بها بعدم الاكتراث وأحياناً الاحتقار -مع أن الأنمي يستهدف في أفلامه الصغار قبل الكبار-، وتزاد الأهمية بمرحلة التنشئة والطفولة فهي أسهل غرساً وأخطر نتيجة، فانصرفت الجهود لتحليل القضايا والأفكار المجردة في الكتب والدراسات -وهي لاشك مهمة قد تشكل المرحلة الأولى لمناقشة الأفكار وتحميصها- لكن يُفضّل أن ينظر ويهتم برصد ومتابعة أفلام الرسوم المتحركة والأنميات وما تحويه من من تصورات ربما تؤثر في عقول الأطفال، فلو قدّم باحث مثالاً يشرح فكرته بلقطة عميقة من فيلم كرتوني لم يلقى الاهتمام فيما لو اقتبس من مفكر مغمور في العصور الوسطى.
- هناك جهود قام بها مفكرون ونقّاد في تحليل بعض أفلام الرسوم المتحركة كشخصية "باربي" التي أشار لها الدكتور المسيري أو شخصية "الدون كيخوت" التي حلل نص روايتها أ.فؤاد العمري وغيرهما، لكن يحسن أن يستخرج أدوات لتحليل أفلام الأنمي وتكشيف النقاط المؤثرة فيها أسوة بالنقد الأدبي والثقافي.


تحرير
أ. عبدالله السليم

https://www.tgoop.com/Deerayah



tgoop.com/Deerayah/637
Create:
Last Update:

محلل كرتوني
من بين مقاطع Shorts في اليوتيوب سمعت د.عبدالوهاب المسيري يقول"توم وجيري عبارة عن فأر لذيذ وقط غبي…" وحينما أكملت المقطع كان يتحدث عن تحليل الفيلم الذي نشأنا على مشاهدته وما هو النموذج الكامن / التفسيري للأخلاق في حبكة الكرتون؟… فهل يُقبل من مفكر موسوعي وناقد بحجم المسيري وهو الذي يقلّب أفكار الفلاسفة ويعرف أعصارهم من لدن أفلاطون إلى نيتشه وسارتر أن يستشهد بحبكة فيلم كرتوني!
يستكثر كثير ممن لحفتهم شعلة ثقافة أن يضيعوا أوقاتهم في تحليل فيلم من الرسوم المتحركة، ومستند هذا الاستنكار: أن أفلام الرسوم المتحركة أداة مسلّية بريئة غايتها الترفيه، وهي قائمة على الخيال الذي يناسب الأطفال ولا تأثير لها في الواقع، وهي أتفه من أن يصرف لها وقت لتحليلها لأن الزمن والعمر كفيل بمحو أي متعلق بالرسوم المتحركة من ذاكرة الطفل، فضلاً أن تؤثر على تصوراته أو اختياراته المستقبلية؛ لأجل هذا فإن أفلام الرسوم المتحركة في دائرة الأمان في نظر الوالدين والمربين، أظن أن كثيراً من المقدمات لا يُسلّمُ نظرياً بها جملة وتفصيلاً، لكن مسلّم به واقعاً، صحيح أن هناك جهود من المهتمين في تحليل بعض الأفلام وما تكتنفه من رسائل لكن طوفان الأفلام المتحركة وغزارة إنتاجها -خاصة الأنمي- أكبر من الجهود، ولأهمية الرسائل المبطنّة في أفلام الرسوم المتحركة وما تحويه من مفاهيم نذكّر ببعض النقاط:
- أن أفلام الرسوم المتحركة ومنها الأنمي قائمة كغيرها على سيناريو وحبكة ورمزيات وسياق أنتج مثل هذه الأفلام المتحركة.
- وجود هدف من منتجي ومصدّري ومسوقي أفلام الرسوم المتحركة؛ فـ " الثري بطوط أو العم دهب" الذي يسبح بالذهب والدولارات أوحى بأن ثَم الفردوس الأرضي والحلم الذهبي الذي ينبغي أن يسعى له الأطفال.
- يقبل الناس على المفكر أو المثقف إذا شارك الجمهور كتابًا وناقش أفكاره أو عرض رواية وحلل أحداثها وأفكارها، لكن في أفلام الرسوم المتحركة والأنمي يُرى أن ذلك من نافلة القول ولا ينظر له باهتمام، حتى تصدّر لهذا فئة ضعيفة التحليل وشاهدُ ذلك: كثرة متخصصي مراجعة الأفلام، مع أن سيناريو كثيراً من أفلام الرسوم المتحركة هي إما رواية تقوم على فكرة ومدى تأثيرها إذا أصبحت فيلما كرتونيا أكثر من رواية كانت حبيسة الكتب لا يتجاوز قرّاؤها عُشر مشاهديها، أو تكون شرحا لفكرة كتبت فيها كتب.
- أن ما يُعرض في أفلام الرسوم المتحركة يتعلق بأهم مرحلة عمرية للإنسان وهي التنشئة، وبذر الأفكار في مرحلة التنشئة أسهل من تغييرها.
- في أفلام الرسوم المتحركة تطبّع في عقل مشاهديها ما تراه وتجعل بينه وبين ما يشاهد قبولاً وأُلفة، وليس هذا في الجانب السلبي حتى في تطبيع القيم الإيجابية، بل ربما يرى المُشاهد في الرسومات المتحركة المُثل والنماذج والأنماط الذي ينبغي أن يُسعى لها… أتذكرُ وأنا أشاهد توم وجيري أني تساءلت عن مقدار الرفاه الذي تحياه البلدان الغربية في الخمسينات من رؤية بيوت وآلات التي تمت محاكاتها في الفيلم فكيف بها الآن! مرة شاهدت سلعة أقبل عليها الناس مع غلاء سعرها لأنها صُنعت على صورة ما شاهدناه ونحن أطفال في أفلام ديزني، ويقارب من هذا إقبال الأطفال على اختيار الأدوات والملابس التي يُرسم عليها شخصيات كرتونية مفضلّة .
- أن تحليل ما يُبث لأطفالنا في الرسوم المتحركة أمرٌ في غاية الأهمية ومما يؤسف له أن القضايا المتعلقة بالطفولة يُنظر للمهتمين بها بعدم الاكتراث وأحياناً الاحتقار -مع أن الأنمي يستهدف في أفلامه الصغار قبل الكبار-، وتزاد الأهمية بمرحلة التنشئة والطفولة فهي أسهل غرساً وأخطر نتيجة، فانصرفت الجهود لتحليل القضايا والأفكار المجردة في الكتب والدراسات -وهي لاشك مهمة قد تشكل المرحلة الأولى لمناقشة الأفكار وتحميصها- لكن يُفضّل أن ينظر ويهتم برصد ومتابعة أفلام الرسوم المتحركة والأنميات وما تحويه من من تصورات ربما تؤثر في عقول الأطفال، فلو قدّم باحث مثالاً يشرح فكرته بلقطة عميقة من فيلم كرتوني لم يلقى الاهتمام فيما لو اقتبس من مفكر مغمور في العصور الوسطى.
- هناك جهود قام بها مفكرون ونقّاد في تحليل بعض أفلام الرسوم المتحركة كشخصية "باربي" التي أشار لها الدكتور المسيري أو شخصية "الدون كيخوت" التي حلل نص روايتها أ.فؤاد العمري وغيرهما، لكن يحسن أن يستخرج أدوات لتحليل أفلام الأنمي وتكشيف النقاط المؤثرة فيها أسوة بالنقد الأدبي والثقافي.


تحرير
أ. عبدالله السليم

https://www.tgoop.com/Deerayah

BY دراية للعلوم الإنسانية




Share with your friend now:
tgoop.com/Deerayah/637

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Activate up to 20 bots Although some crypto traders have moved toward screaming as a coping mechanism, several mental health experts call this therapy a pseudoscience. The crypto community finds its way to engage in one or the other way and share its feelings with other fellow members. Read now You can invite up to 200 people from your contacts to join your channel as the next step. Select the users you want to add and click “Invite.” You can skip this step altogether. ‘Ban’ on Telegram
from us


Telegram دراية للعلوم الإنسانية
FROM American