tgoop.com/Deerayah/661
Last Update:
مرآة الدراما
الفن وأساليبه يولد من رحم المجتمعات وآمالها وهموهما، بل إن الفنون مرآة لما كانت عليه المجتمعات من نمط العيش وقيمه المؤثرة وحتى أدواته، فالشعر الجاهلي -مثلًا- مع حفظه للكلمات وتراكيبها جاء بالقضايا التي شغلت العربي آنذاك، فلو قرأت "المعلقات" أو شعر صدر الإسلام من غير استصحاب القيم وطبيعة الحياة فلن تحصل على الإثراء والإعجاب والدهشة بذلك الشعر، فالفنون عامة هي انعكاس ومرآة لقيم المجتمعات التي خرجت منها.
"الدراما" هو نمط داخل تلك الفنون من شعر ومسرح وأدب الرواية أيضاً قائم على الدراما ، ومثلها الأفلام الدرامية، فتلك الفنون الدرامية لن تخرج عن رؤية الأديب ونظرته للواقع ورسالته التي يريد وصولها، فإذا فتشت في الدراما التي زامنت عصر الإمبراطوريات وجدت قيم الشجاعة والفروسية والشرف غالبة على فنونهم، ومرغوبة لدى متلقيهم، وإذا انتقلت إلى ما كُتب "دراميا" في عصر التنوير وجدت في القيم تقديماً وتأخيراً وحذفا وإضافة عن العصر الذي سبقه، وفي زمن أضيق تجد اختلاف القيم في الدراما من عقد زمني إلى العقد الذي يليه فالمُلاحِظ لموضوعات الدراما أول العقد الماضي يدرك من أو نظرة تبدّل الموضوعات والقيم -وإن كان جزئيًا- ؛وذلك بما طرأ على حياة الناس من أدوات ومستجدات وتطبيقات تحوي مبادئ وقيم واتجاهات تصبح مع الزمن شيئًا من الماضي.
يراودني بين الفينة الأخرى تساؤل إذا طرح موضوع "صورة الناس والشعوب على الشاشة" ومنها ما يظهر في الدراما المصورة:
هل الدراما تعكس الواقع وقيمه؟
فهل واقع المجتمع التركي هو ما يُصور في الدراما التركية؟
أم أن الدراما تسعى لرسم واقع تحكمه قيم؟
في البداية ما يقال ليس إجابة محكمة وإنما محاولة للوصول للإجابة وذكر بعض النقاط الدالة على الأجابة، وليس مهما الوصول لإجابة قطعية. أولا: نمط الدولة الحديثة يتسع ويتوغل في الحياة العامة والخاصة والفنون من شعر ومسرح ورواية ودراما أداة يُخاطب بها العامة؛ لذا حاولت الدولة الحديثة وضع الأطر التي تضبط هذه الأداة بما يخدم مصالحها، وأحياناً تستخدم الفنون ومنها الدراما في رسالتها، وهذا كان جليا في حقبة التلفاز واحتكار البث التلفزيوني فالاتحاد السوفيتي بنى الدراما على رمزية عامل المنجم والفلّاح الذي يعمل ولا يتعب، في المقابل نجد أشهر صورة رمزية بطولية في السينما الأمريكية "الجنود والعلم" نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد حقبة التلفاز شرّعت الدول أنظمة تضبط إطار ما يعرض على الشاشة ومنه الدراما ضبطاً عاماً، ومن هنا قد يُقال إن الدراما بهذا النمط تسعى لإيجاد واقع تحلم به وإن صوّرت الواقع فبما يخدم تطلّعاتها ولهذا أوجدت في مؤسساتها ما يكون بذرة في صنع الصورة التي تريد في الدراما وغيرها كالاهتمام بالمواهب كالشعر والقصة والمسرح. ثانيًا: قد تقوم فكرة النص الدرامي على تصوير واقع ماضي حسب رأي صانع للدراما وموقفه من ذلك الواقع مثلما يصور الواقع في الأفلام التاريخية حسب رؤية صانع الدراما، ومثلما صوّر البلاشفة عهد قيصر روسيا نيكولا والصورة التي أُريد الوصول لها هي مطابقة لرؤية البلاشفة لذلك العهد، بتضخيم ما لا يُرغب، السكوت عن غيره. ثالثاً: حسن الحبكة الدرامية لا تستلزم التصوير الخاطئ للواقع فهناك أعمال فنية درامية لم تغاير في نقل الواقع وقيمه.
تحرير: أ. عبدالله السليم
https://www.tgoop.com/Deerayah
BY دراية للعلوم الإنسانية

Share with your friend now:
tgoop.com/Deerayah/661