tgoop.com/Dr_M_ajmi/612
Last Update:
ثلاثيةُ الإفادات والإنشادات
من مسالك التصنيف = تقييدُ المسموعات من الأشياخ في مجالس الدرس..
وهو مسلكٌ لطيفٌ، ومظنةٌ لعُلُومٍ وفُهُومٍ لا توجد إلا في هذا النوع من التصنيف؛ إذ هو تقييدٌ لفوائدِ المشافهة والملازمة..
وكم من نكتةٍ مستملحةٍ، ودُرَّةٍ مكنونةٍ، تجري على لسانِ العالم أثناء التعليم مما لم يقيده هو في مصنفاته، ويقيده من لفظه النابهون من أصحابه..
وهم بهذا التقييد يحفظون لنا هذه النكت والدرر أبد الدهر، وفي ذلك من الفوائد ما لا يوجد في كتاب.
وممن سلك هذا المسلك في التصنيف العلَّامة الأُصُولي أبو إسحاق الشاطبي (ت: ٧٩٠هـ) رحمه الله، لكنه، على عادته في الابتكار، ابتكر طريقةً في تقييد هذه المسموعات، وهي أنه قسمها إلى قسمين:
- إفادات (وهي مسموعاتٌ منثورة).
- وإنشادات (وهي مسموعاتٌ منظومة).
وبدأ كتابه بإفادة، ثم إنشادة، وهكذا في باقي الكتاب؛ إفادة تعقبها إنشادة.
قال الشاطبي في خطبة الكتاب (ص/٨١): "فإني جمعت لك في هذه الأوراق جملة من الإفادات المشفوعة بالإنشادات، مما تلقيته عن شيوخنا الأعلام، وأصحابي من ذوي النبل والأفهام، قصدت بذلك تشويق المتفنن في المعقول والمنقول، ومحاضرة المستزيد من نتائج القرائح والعقول".
وأذكر هنا إفادة ثم إنشادة للتوضيح :
مثالٌ على إفادة:
قال الشاطبي (ص/١٠٠):
"إفادةٌ
حدثني الأستاذ أبو علي الزواوي عن شيخه الأستاذ الشهير أبي عبد الله المسفر أنه قال إن تفسير ابن الخطيب احتوى على أربعة علوم نقلها من أربعة كتب، مؤلفوها كلهم معتزلة.
- فأصول الدين نقلها من كتاب الدلائل لأبي الحسين.
- وأصول الفقه نقلها من كتاب المعتمد لأبي الحسين أيضًا، وهو أحد نظار المعتزلة؛ وهو الذي كان يقول فيه بعض الشيوخ: إذا خالف أبو الحسين البصري في مسألة صَعُبَ الردُّ عليه فيها.
- قال والتفسير من كتاب القاضي عبد الجبار.
-والعربية والبيان من الكشاف للزمخشري".
مثالٌ على إنشادة:
قال الشاطبي (ص/١٤٩):
"إفادةٌ
أنشدني الشيخ الفقيه الرحلة أبو إسحاق إبراهيم بن الحاج، وقال أنشدني الأستاذ الإمام أبو حيان يوسف بن حيان النفزي لنفسه:
عِداتي لهم فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ
فلا أبعدَ الرَّحْمنُ عَنِّي الأَعادِيَا
هُمُ بحثوا عَنْ زَلَّتِي فاجتنبتُها
وهُمْ نافَسُوني فاكتسبْتُ الـمَعَالِيَا"
ثم مضت السنون حتى وصلت النوبةُ إلى الشيخ أبي عبد الله الإفراني (ت: ١١٥٤هـ) فكتب على نمط الشاطبي وترتيبه وبنفس عنوانه (الإفادات والإنشادات)، قال في خطبته (ص/١٣- ١٤):
"حذوتُ بها حَذْوَ إفادات عالمِ شاطبة، وأودعتها ما تستملحه الألباب قاطبة".
ثم كتب شيخُ شيوخنا مسند عصره العلامةُ الرُّحْلَةُ الشيخُ عبد الحي الكتاني (ت: ١٣٨٢هـ) كتاب الإفادات والإنشادات..
قال في خطبته (ص/٦٩): "فحين وقفتُ على كتاب الإفادات والإنشادات ... حركني محرك الاهتداء، وهزَّني وازعُ الاقتداء، بجمع ما حصَّلْتُ من ذلك..".
هذا، وإن من أخص أدب الدرس أن يُقَيِّدَ طالبُ العلمِ ما يسمعه من علوم شيخه..
ولا ينتخب أثناء الدراسة والتحصيل، بل يكتب كل شيء، وإذا أراد التصنيف أو التدريس رجع فاختار من مقيداته ومسموعاته ما يوافق غرضه.
وقد قال أهل الحديث في هذا المعنى:
"إذا كتبتَ فقَمِّشْ، وإذا حدَّثتَ ففَتِّشْ"
رواه الخطيب في الجامع عن أبي حاتم الرازي، ورواه في تاريخ بغداد عن يحيى بن معين.
BY قناة الدكتور محمد بن مهدي العجمي
Share with your friend now:
tgoop.com/Dr_M_ajmi/612