tgoop.com/HSMDSN/1367
Last Update:
كانَ القرآن رفيقاً له منذ نعومة أظفاره
ملازماً له في حلّه وترحاله، في سجنه وحرّيته، في الطريق ماشياً، أو في الحافلة راكباً، كثير قيام الليل، كثير التّلاوة للقرآن، انكّب على تعلّم التّلاوة وحفظ القرآن والتّدبّر للآيات؛ فحفظَه في سجنه وظلّ بارّاً بمصحفه وآياته حتّى وهو في أحلك أيّام حياته..
إذا أوى البيت للنّوم قام هو ليحيي ليله، وإذا قام الليل فإنّه لا يقومه قليلاً من الوقت؛ فلربما قضى السّاعة والسّاعتين والثلاث وربّما أكثر قائما يصلّي في جوف الليل بجزء وجزئين وثلاثة، حتّى بدت لوحة الحائط التي تزيّن بيتنا ليلا: قيامُه اللّيل..
يغلق عليه بابه ونافذته ساعات القيام في الجوّ الحار وإذا لُمته يقول بلاش الناس تسمعني..، وعلى سبيل المزاح كانت رفيقات السّجن في اعتقالي الأخير يسألنني، ما تظنّين أبا أحمد يفعل الآن؟؛
فأردّ بكلّ ثقة: يصلّي القيام..
وظلّ على هذه الحال ما شاء الله له أن يبقى، ثم خرجت من السّجن، أبحث عنه بين جدران بيتنا؛ فاستوحشت البيت والجدران، لم يكن أبو أحمد في البيت، ولم أجد من يقوم الليل في محرابه، لقد كان في المشفى..
لقد كانت بدايات مرضه، ومع ذلك كان يقوم الليل جالساً لأنّه باتَ مُرهقا، حاملاً مصحفه لأنّه بات ينسى بسبب المرض..
مع تقدّم المرض فقدَ أبو أحمد كثيرا من ذاكرته وبقي القرآن بفضل الله عالقاً في ذهنه، وبدأ يفقد أبو أحمد بصرَه شيئا فشيئا، ومع ذلك كان يطلب المصحف، ويقول لي: لا أرى بوضوح، حتّى وجدت له مصحفاً كبير الحجم ليقرأ منه؛ ولكن ..
كان فاقدا لمعظم بصره، يقرأ ببصيرته ومن حفظه؛ فإذا سمعني أقرأ على مسامعه كان يقول: أغار منك، يا ليتني أعرف القراءة وأتمكن من التّلاوة.
اشتدّ عليه المرض حتى فقد كل بصره، وكلّ ذاكرته، وكلّ حركته وكلّ طاقته، وفقد الإدراك، وصار يفقد وعيه كثيرا، ومع غياب ذاكرته و إدراكه ووعيه، مع كلّ هذا بقي القرآن العظيم..
فإذا سألناه لم يجب عن أي شيء، لا يعرف الإجابة، ولا يقوى على الكلام، فإذا قلنا له أكمل الآية أكملها، وهكذا نختبره بآية تلو آية، فإن عدنا لسؤاله عن ما عدا القرآن سكت ولم يجب؛ فكان لسانه لا يفتر عن قراءة سورة (الكافرون) دائم الذكر والاستغفار طوال فترة مرضه..
فاللهمّ ارحم عبدك أبا أحمد بالقرآن العظيم رحمة واسعة تطمئن بها نفسه وتقرّ بها عينه، واجعله ممّن يقال له اقرأ وارتق، وارفع درجاته، واجعله في الفردوس الأعلى.
دعواتكم له ولنا وللمسلمين جميعا.
- أمنا خديجة خويص أم أحمد متحدثة عن زوجها أبي أحمد إبراهيم رحمه الله
BY حُسام الدين بن السنوسي
Share with your friend now:
tgoop.com/HSMDSN/1367