tgoop.com/HS_SLM/2220
Last Update:
منذ سنوات وروسيا تضغط على مالك تطبيق تلغرام، "بافل دوروف"، ليرفع السرية عن بيانات المستخدمين في تطبيقاته، لكن كل ما حققته لا يقارن بسرعة وفعالية الغرب (فرنسا) في إخضاع دوروف لضغوطه. وذلك على الرغم من أن روسيا تقدم دائمًا كبلد لا يكترث بالحريات ويستخدم طرقًا عنيفة ضد مواطنيه مثل التصفية الجسدية، مقابل الغرب، أرض الحريات واحترام الخصوصية.
ما يميز الدول الغربية والمتقدمة عمومًا عن غيرها ليس اتساع مجال الحريات لديها، بل قدرتها على تحقيق نفس أهداف غيرها (القمع) بشكل أكثر فعالية من خلال استخدام أقل قدر من العنف. فالدول لا تستخدم العنف كهواية سادية، بل كوسيلة لتحقيق أهدافها، وكلما احتاجت الدولة لاستخدام المزيد من العنف ولتشديد العقوبات، كان ذلك مؤشرًا على فقدانها السيطرة على مواطنيها. لذلك، فإن الدول المتقدمة لا تحتاج إلى العنف إلا في مجالات ضيقة، لأنها تسيطر بشكل كامل على حياة الأفراد من خلال التكنولوجيا، والتمدن على حساب الريف، والتحكم في الوسائل التعليمية والإعلامية والثقافية، والهندسة الاجتماعية. والأهم من ذلك كله هو دولة الرفاه الاقتصادي التي تجعل حياة الأفراد أكثر سهولة مقابل تقليص استقلاليتهم تجاه من يسيطر عليها. نجد هذا حتى في العلاقات الدولية، حيث تستخدم المعونات كأدوات هيمنة وابتزاز. المثال الأوضح على هذا هو الصين، التي تحولت خلال عقود قليلة من دولة تفرط في استخدام العنف إلى دولة رفاه تملك تكنولوجيا عالية تمكنها من التحكم في كل جوانب حياة المواطنين. يكفي أن تخصم بعض النقاط من الأفراد الذين لا يتصرفون وفقًا لما تريده حتى تردعهم، فمجرد حرمان أحدهم من ركوب القطارات، على سبيل المثال، كافٍ لتحويل حياته المدنية إلى جحيم دون الحاجة إلى دهسه بالدبابة كما كان يحدث في الماضي.
هذا لا يمنع وجود متمردين على المنظومة، لكنهم في الغالب مجرد ذئاب وحيدة ومنعزلة يمكن التحكم في مدى تأثيرها على الكتلة الرئيسية التي تُعطى من خلال الانتخابات وتعدد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وحرية الاستهلاك والمتعة، إحساسًا بأنها كانت حرة في الاختيار، في حين أنها لم تختر سوى من بين ما هو متاح لها.
لمن يحب هذا النوع من التشبيهات، الأمر مثل دور الأب والأم. الأب أكثر قسوة وشدة في التعامل مع الابن، لكنه يترك دائما مسافة معه تتيح للابن أن يستقل بذاته، في حين أن الأم تغرق الابن بالرعاية والحنان، لكن هذا يرافقه تحكم تام بشؤون الابن إلى أدق التفاصيل.
قد يُقال: ما المشكلة في هذا؟ يا ليت العالم كله كذلك لنستمتع ونعيش حياة سهلة!
في الحقيقة، لا مشكلة في هذا، فما قلناه إلى الآن هو وصف لحال وليس حكم، لأن أغلب البشر لا يريدون سوى ذلك، ولا يتحدثون عن الحريات، بما في ذلك الحريات السياسية، إلا لأنهم يعتقدون أنها ستزيد من متعتهم ورفاهيتهم. أما الحرية كالتي تحدث عنها مثلا سيوران فهي ليست من بين خياراتهم: «حاول أن تكون حرًا وستموت جوعا»، ولن يتغير هذا أبدا إلا لدى من يتوهم أن الطبيعة البشرية قابلة للتغيير. ولو كان بمقدور كل دول العالم الحديثة، مهما كان توجهها الأيديولوجي، أن تتحكم في مواطنيها كما تفعل الدول المتقدمة، لما ترددت في ذلك للحظة، فهي لا تتمنى سوى ذلك. وسيكون مواطنوها أسعد الناس بها (بعض دول الخليج مثال على ذلك)، لكنها عاجزة اقتصاديًا وتكنولوجيًا عن تحقيق ذلك، فتجدها تستعمل قمع الفقراء: العنف.
المشكلة تكمن في تسمية الأشياء بغير مسمياتها، لأن مشكلة أغلب مدّعي الحريات ليست في القمع بغية سلب الإرادة، بل في وسائل القمع، هل هي عنيفة أم لا، ولأي غرض تُستخدم؟ في حين أن القمع يُعرف بنتائجه لا بوسائله.
« التقليص التدريجي للحرّيات لدى بعض الشعوب هو ناتج عن شيخوختها بنفس القدر عمّا هو ناتج عن النظم السياسية الديكتاتورية، على الرغم من بعض مظاهر التحلّل والإباحية التي قد توهم هذه الشعوب بامتلاك الحرية. هذا التقليص في الحريات يشكّل أحد الأعراض المنذرة بمجيء مرحلة الانحطاط، التي لم تستطع أي حضارة في العالم أن تنجو منها حتى الآن
— غوستاف لوبون.
BY حسّ سليم
Share with your friend now:
tgoop.com/HS_SLM/2220