tgoop.com/IFALajmi/3150
Last Update:
من يتأمل ما علمنا إياه الله ورسله من "المناهج العقلية" في إبطال الألوهية يجده يعود لحرف واحد: ملازمة النقص، فكل ما يظن كونه إلهًا مما سوى الله فلا ريب أن ناقص، فلو ظهر لنا موجود لم نكن نعلمه من قبل، وكان في نفس الأمر ليس إلهًا، فلا بد أن فيه من النقص ما يهتدي به كل أحد لكونه ليس إلهًا، فالكامل الغني هو الله وحده؛ لبراهين الوحدانية، فكل ما سواه ناقص، وتأمل طريقة الله ورسله في ذلك:
- ففي قصة إبراهيم عليه السلام مع الأصنام أبطل ألوهيتها بكونها لا تنطق {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}.
ومن الإلزامات الضعيفة المشهورة اليوم قول بعضهم: يلزم إذن أن الناطق إله، فأنا أنطق لم لا تتخذونني إلهًا؟!
وهذا كلام في غاية الفساد، فإن وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط، وقد نبه على هذا الغلط فخر الدين الرازي تـ606هـ/1210م، في تفسيره بقوله: «وليس المقصود من هذا أن العجل لو كان يكلمهم لكان إلهًا؛ لأن الشيء يجوز أن يكون مشروطًا بشروط كثيرة، ففوات واحد منها يقتضي فوات المشروط، ولكن حصول الواحد فيها لا يقتضي حصول المشروط».
- وكذلك إبطال ألوهية العجل في قصة موسى عليه السلام، فقد أبطلها بعدم الكلام والهداية، والكلام عليها مشهور.
- وكذلك إبطال ألوهية المسيح عليه السلام، فقد نبه الله على إبطالها بكونه له أم ويأكل الطعام، ولا ريب أن من كان كذلك فهو ناقص محتاج لغيره في وجوده وبقائه.
- وكذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدجال ودعواه الألوهية لم يذكر مما يدل على بطلان ألوهيته ونقصه إلا العور، والحديث في الصحيحين.
فتأمل أحوال الأنبياء وما ذكره الله في القرآن، لا تكاد تجد لطريقة الجسمية ذكرًا، مع كون العلم بكون ذلك الشيء جسمًا أسهل من العلم بكونه لا يتكلم مثلًا، أو كونه يأفل كما في الكواكب، فكون الشمس جسمًا متحيزًا لا يحتاج إلى كبير عناء، خلافًا للأفول، فلعل إبراهيم عليه السلام انتظر 16 ساعة ليحصل الأفول! ومع ذلك لا ترى للجسمية ذكر في حجج الأنبياء.
وليعلم أني لا أستدل بذلك على صحة الجسمية، ولا على غلط الاستدلال بالجسمية، ومن يأخذ هذا من كلامي فقد افترى، بل غرضي بيان طريق أنبياء الله ورسله الذين هم أتم الناس طريقة.
وأما قول القائل: «من لا يقول بطريق حدوث الأجسام فلا يعرف إبطال ألوهية عطارد»، فهذا الكلام عندي دون أن يتكلم عليه، فإن بطلان ألوهية عطارد أظهر من أن تسوق فيها برهان الحدوث المشهور، ويحتاج المرء إلى أن يعرف ما يقرب من 500 صفحة في تحقيق أن الإله ما تنزه عن الجسمية والحيز، وكل هذا فيه بحوث طويلة يعرفها أدنى قارئ لمطولات الكلام. فهل الذي لم يدرس هذه الأمور لن يعرف أن عطارد ليس إلهًا؟!
لذلك كنت أتهكم بمن يسأل هذا السؤال وأقول له: هل تسأل عن ألوهية عطارد المحكوم بالقوانين الكونية؟
للأسف ليس عندي دليل على أن المحكوم بالقوانين الكونية إله!
أقول هذا تسخيفًا لهذا الكلام، وكون من هو كذلك ليس إلهًا أظهر من أن نسوق برهان الحدوث لنبطل إلهيته.
مع أن هذا الذي قررته يمكن أن يقرر بطريقة تناسب أهل البحث والنظر، برد ذلك لمقدمة الوجوب والإمكان.
وأصل هذا الأمر من فخر الدين الرازي، فإنه قال: «وإن كانت ممنوعة (= مقدمة تماثل الأجسام)، فنقول فلم لا يجوز أن يقال إله العالم هو الشمس أو القمر أو الفلك أو العرش أو الكرسي، ويكون ذلك الجسم مخالفًا لماهية سائر الأجسام فكان هو قديمًا أزليًا واجب الوجود وسائر الأجسام محدثة مخلوقة، ولو أن الأولين والآخرين اجتمعوا على أن يسقطوا هذا الإلزام عن المجسمة لا يقدرون عليه؟».
قلت: والكلام على هذا من طريقين:
الأول: أنه تقدم الإشارة إلى إبطال ألوهية هذه الأمور.
الثاني: أن الرازي نفسه أبطل مقدمة تماثل الأجسام في المحصل فقد ذكر ثلاثة أدلة لأصحابه واعترض عليها كلها، فكيف علم لما كان يعتقد ببطلان تماثل الأجسام بأن الأجسام التي هي المريخ أو عطارد أو الشمس ليست إلهًا؟
فإن قلت: هو يقول بذلك في كتبه الأخرى.
قلت: لا يرد هذا علي؛ لأن الكلام عنه حال تصنيفه المحصل.
وأيضًا يعارض فخر الدين الرازي بطريق آخر يقال فيه: لو ظهر لنا موجود رأيناه لا في جهة مجرد متبري عن المادة ولواحقها، كسائر المجردات التي يثبتها الحكماء، فكيف تعلم أنه ليس رب العالمين؟!
ولذا صار ابن التلمساني إلى أننا لا نعلم حدوث المجردات إلا من جهة الشرع، فنثبت الصانع بحدوث بعض العالم، ثم نثبت النبوات، ثم نستدل على حدوث كل ما سوى الله بقوله {الله خالق كل شيء}.
وعلى كل حال فهذه الطريقة التي شرحتها هي طريقة الله ورسله، ومن مرض القلب أن يظن الإنسان أن ما تعلمه من العلماء من المتكلمين أتم برهانًا من طريقة الله ورسله، ويكفي ذلك أمارة على الحرمان من البصائر، {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}.
@ https://www.tgoop.com/IFALajmi/3150
BY قناة || فارس بن عامر العجمي
Share with your friend now:
tgoop.com/IFALajmi/3150