NAEEMEREKSOSI Telegram 1048
412

جلسة الصفا

1 ربيع الآخر 1446
4 تشرين الأول 2024

لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي

بعنوان:
*كيفية التعامل مع الأبوين*

بسم الله الرحمن الرحيم

مرَّ معنا في الدرس الماضي كيف أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين وعظ أباه ودعاه إلى عبادة الله تعالى وترك عبادة الأوثان، خاطبه بأرق العبارات وألطف الكلمات، وابتدأ كل جملة قالها له بقوله: (يا أبت)، بهذه الكلمة الرقيقة التي تثير المشاعر وتحرك العواطف، ولمَّا قابله أبوه بالغلظة والفظاظة وقال له: لأرجمنَّك، لم يقابله سيدنا إبراهيم بمثل ذلك، بل ثبت على رفقه ولطفه ولين خطابه، وقال له: سلام عليك، ووعده أن يدعو له فقال له: سأستغفر لك ربي .

فإذا كانت مخاطبة الأب الكافر عابد الوثن بهذا الخطاب الحسن والأسلوب الرائع ، فكيف ينبغي أن تكون مخاطبة الأب المؤمن والأم المؤمنة؟؟.

هذا ما يدعونا إلى أن نقف عند هذه المسألة المهمة والقضية الشرعية في التعامل مع الوالدين .

ويكفي لبيان أهمية حسن العلاقة مع الوالدين، أن الله تعالى قرن البر بالوالدين والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده ، فقال تعالى:
(واعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
وقال:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
وقال:
(أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)
وكان هذا الأمر الإلهي بالإحسان إلى الوالدين موجهاً إلى جميع الأمم، فقد قال سبحانه وتعالى:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)

ثم جاءت وصية خاصة بالوالدين في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم.
فقال تعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
وقال:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين)
وقال:
(وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَٰانًا)

وذكَّر الله تعالى الحيثيات التي من خلالها أوجب على المرء الإحسان إلى والديه، فذكر منها معاناة الأم وما تحملته من آلام في تربية ولدها وما صبرت فيه على إطعامه وسقايته وإزالة الأذى عنه، فقال تعالى:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)
وقال:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)

إنها مدة مديدة والأم تقوم بخدمة ولدها على أحسن وجه، لا يقر لها عين ولا يهدأ لها بال إلا إذا رأت طفلها شبعان ريان معافى نظيفا سالما من الأذى، لا همَّ لديها أعظم من اهتمامها بولدها، ولا سعادة عندها إلا بسعادة ولدها.

فهل يليق بولدها إذا اشتدَّ عوده وبلغ أشده أن يقابلها بالغلظة والفظاظة وقبيح الأقوال والأفعال وقلة الاهتمام وقلة الاحترام؟؟!!
أيجوز للعاقل أن ينسى المعروف ويتنكر للجميل؟؟!!.
وأي جميل، جميل أنقذه من الهلاك والضياع، فلولا عطف الأم وحنانها وحضانتها لولدها الرضيع الذي لا قوة لديه، ولا يستطيع أن يتدبر شؤون نفسه من طعام وشراب ورفع أذى، لولا ذلك لمات الولد ولم تستمر به الحياة .
لذلك كانت وصية الله تعالى الخالق العظيم بالوالدين عموما وبالأم خصوصاً، وصية حاسمة صارمة مؤكدة تأكيدا ليس له مثيل.

وبلغت وصية الله تعالى بالوالدين ولو كانا كافرين، بل ولو كانا يسعيان جاهدين في ردِّ ابنهما عن دين الإسلام، فلا يطعهما في ذلك، ولا يكون ذلك مسوغاً لأن يسيء معاملتهما أو يؤذيهما، فقال تعالى:
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)

أي إن حرص الوالدان كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ومع ذلك لا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، فقال تعالى :
(وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)
اي ولو كانا كافرين عاصيين.

لذلك لما قدمت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق وكانت مشركة، على ابنتها أسماء وهي راغبة في أن تصلها ابنتها، سألت أسماء النبي ﷺ فقالت له:
يا رسول الله قدمت علي أمي وهي راغبة، أفاصل أمي؟، فقال لها النبي ﷺ: نعم صلي أمك.
روى حديثها الإمام البخاري ومسلم وغيرهما.

واشتدت وصية الله تعالى بالوالدين عند كبر سنِّهِما واشتداد حاجتهما إلى ولدهما، فقال تعالى:
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)
أي : لا تسمعهما قولا سيئاً، ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول.

ونسأل:
لماذا نهى الله تعالى عن أن يتضجر الولد من أبويه وأن يتلفَّظ بكلمة أُف؟؟
والجواب:
لأن الوالد عندما يكبر ويشيخ قد تصدر منه تصرفات أو طلبات بسبب كبر السن تدعو إلى التضجر منه، ففي هذه الحالة ومع وجود ما قد يدعو إلى الضجر والتململ، منع الله تعالى الولد أن يظهر الضجر لوالديه ويقول لهما هذه الكلمة القبيحة التي هي _ ولو كانت قليلة بحروفها _ مؤلمة بمعناها وأثرها على النفس، ولها وقع جارح



tgoop.com/NaeemEreksosi/1048
Create:
Last Update:

412

جلسة الصفا

1 ربيع الآخر 1446
4 تشرين الأول 2024

لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي

بعنوان:
*كيفية التعامل مع الأبوين*

بسم الله الرحمن الرحيم

مرَّ معنا في الدرس الماضي كيف أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حين وعظ أباه ودعاه إلى عبادة الله تعالى وترك عبادة الأوثان، خاطبه بأرق العبارات وألطف الكلمات، وابتدأ كل جملة قالها له بقوله: (يا أبت)، بهذه الكلمة الرقيقة التي تثير المشاعر وتحرك العواطف، ولمَّا قابله أبوه بالغلظة والفظاظة وقال له: لأرجمنَّك، لم يقابله سيدنا إبراهيم بمثل ذلك، بل ثبت على رفقه ولطفه ولين خطابه، وقال له: سلام عليك، ووعده أن يدعو له فقال له: سأستغفر لك ربي .

فإذا كانت مخاطبة الأب الكافر عابد الوثن بهذا الخطاب الحسن والأسلوب الرائع ، فكيف ينبغي أن تكون مخاطبة الأب المؤمن والأم المؤمنة؟؟.

هذا ما يدعونا إلى أن نقف عند هذه المسألة المهمة والقضية الشرعية في التعامل مع الوالدين .

ويكفي لبيان أهمية حسن العلاقة مع الوالدين، أن الله تعالى قرن البر بالوالدين والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده ، فقال تعالى:
(واعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
وقال:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
وقال:
(أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)
وكان هذا الأمر الإلهي بالإحسان إلى الوالدين موجهاً إلى جميع الأمم، فقد قال سبحانه وتعالى:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)

ثم جاءت وصية خاصة بالوالدين في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم.
فقال تعالى:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)
وقال:
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين)
وقال:
(وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَٰانًا)

وذكَّر الله تعالى الحيثيات التي من خلالها أوجب على المرء الإحسان إلى والديه، فذكر منها معاناة الأم وما تحملته من آلام في تربية ولدها وما صبرت فيه على إطعامه وسقايته وإزالة الأذى عنه، فقال تعالى:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)
وقال:
(حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)

إنها مدة مديدة والأم تقوم بخدمة ولدها على أحسن وجه، لا يقر لها عين ولا يهدأ لها بال إلا إذا رأت طفلها شبعان ريان معافى نظيفا سالما من الأذى، لا همَّ لديها أعظم من اهتمامها بولدها، ولا سعادة عندها إلا بسعادة ولدها.

فهل يليق بولدها إذا اشتدَّ عوده وبلغ أشده أن يقابلها بالغلظة والفظاظة وقبيح الأقوال والأفعال وقلة الاهتمام وقلة الاحترام؟؟!!
أيجوز للعاقل أن ينسى المعروف ويتنكر للجميل؟؟!!.
وأي جميل، جميل أنقذه من الهلاك والضياع، فلولا عطف الأم وحنانها وحضانتها لولدها الرضيع الذي لا قوة لديه، ولا يستطيع أن يتدبر شؤون نفسه من طعام وشراب ورفع أذى، لولا ذلك لمات الولد ولم تستمر به الحياة .
لذلك كانت وصية الله تعالى الخالق العظيم بالوالدين عموما وبالأم خصوصاً، وصية حاسمة صارمة مؤكدة تأكيدا ليس له مثيل.

وبلغت وصية الله تعالى بالوالدين ولو كانا كافرين، بل ولو كانا يسعيان جاهدين في ردِّ ابنهما عن دين الإسلام، فلا يطعهما في ذلك، ولا يكون ذلك مسوغاً لأن يسيء معاملتهما أو يؤذيهما، فقال تعالى:
(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا)

أي إن حرص الوالدان كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ومع ذلك لا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، فقال تعالى :
(وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)
اي ولو كانا كافرين عاصيين.

لذلك لما قدمت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق وكانت مشركة، على ابنتها أسماء وهي راغبة في أن تصلها ابنتها، سألت أسماء النبي ﷺ فقالت له:
يا رسول الله قدمت علي أمي وهي راغبة، أفاصل أمي؟، فقال لها النبي ﷺ: نعم صلي أمك.
روى حديثها الإمام البخاري ومسلم وغيرهما.

واشتدت وصية الله تعالى بالوالدين عند كبر سنِّهِما واشتداد حاجتهما إلى ولدهما، فقال تعالى:
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)
أي : لا تسمعهما قولا سيئاً، ولا التأفف الذي هو أدنى مراتب القول.

ونسأل:
لماذا نهى الله تعالى عن أن يتضجر الولد من أبويه وأن يتلفَّظ بكلمة أُف؟؟
والجواب:
لأن الوالد عندما يكبر ويشيخ قد تصدر منه تصرفات أو طلبات بسبب كبر السن تدعو إلى التضجر منه، ففي هذه الحالة ومع وجود ما قد يدعو إلى الضجر والتململ، منع الله تعالى الولد أن يظهر الضجر لوالديه ويقول لهما هذه الكلمة القبيحة التي هي _ ولو كانت قليلة بحروفها _ مؤلمة بمعناها وأثرها على النفس، ولها وقع جارح

BY 🌒دروس جلسات الصفا في جامع الإيمان بدمشق 🌘


Share with your friend now:
tgoop.com/NaeemEreksosi/1048

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Private channels are only accessible to subscribers and don’t appear in public searches. To join a private channel, you need to receive a link from the owner (administrator). A private channel is an excellent solution for companies and teams. You can also use this type of channel to write down personal notes, reflections, etc. By the way, you can make your private channel public at any moment. best-secure-messaging-apps-shutterstock-1892950018.jpg 6How to manage your Telegram channel? To edit your name or bio, click the Menu icon and select “Manage Channel.” The public channel had more than 109,000 subscribers, Judge Hui said. Ng had the power to remove or amend the messages in the channel, but he “allowed them to exist.”
from us


Telegram 🌒دروس جلسات الصفا في جامع الإيمان بدمشق 🌘
FROM American